صمود وانتصار

القطاع الصحي اليمني: جرائم صارخة وتجاهل دولي

عندما وقف وزير الصحة الدكتور طه المتوكل أمام مجلس النواب في 4 أبريل الشهر الحالي ليتحدث عن جهود الجانب الحكومي في مواجهة فيروس كورونا، متحدثا خلال ذلك عن إمكانية تفشي المرض في حال دخوله اليمن بين 28 مليون مواطن يمني في أسابيع معدودة واحتياج قرابة المليون منهم للمستشفيات، مع احتمال وفاة النصف مليون مواطن، بانيا تقديراته تلك على معدل نقل عدوى المرض بواقع متوسط 3.3 شخص عبر كل مصاب، وواقع معدل الإصابات حول العالم حيث 80% من الإصابات هي إصابات معتدلة، و20% حالات شديدة، و2% معدل الوفيات. فإنه يظهر أنه أراد من ذلك أن يلقي الضوء على واقع الجهود المبذولة في سياق استعدادات الحكومة للجائحة العالمية من جهة وواقع الإمكانات المتوفرة من جهة أخرى، وعلى قدر ما تبدو تقديرات الوزير مرعبة إلا أنها تظل تقديرات منطقية، وربما هي أقل حدة مما لو أخذنا بالاعتبار معدل النشاط الاجتماعي المرتفع للشعب اليمني، وقدرته على الانضباط واتباع تعليمات إجراءات الحجر الصحي في حال لا سمح الله بدء المرض بالانتشار لدينا، وهو ما يعني رفع معدل الانتشار لأزيد من متوسط ال3.3 شخص.

ومع عجز الدول ذات الأنظمة الصحية المتطورة والإمكانات الاقتصادية الهائلة عن مواجهة الفيروس، تواجهه اليمن بحمل ثقيل من الأوضاع الكارثية على كافة الصعد تسبب بها تحالف العدوان أو ساهم في تفاقمها، وتتلخص مأساة بلادنا الصحية في تدمير مباشر للمنشآت الطبية، إضافة لحصار خانق يمنع وصول المعدات الجديدة أو قطع الغيار لتجديد التالف منها، مع انقطاع مرتبات الكادر الإداري والطبي في المؤسسات الصحية الحكومية كمثيلاتها في مختلف القطاعات الحكومية، وآلاف الإصابات والإعاقات جراء القصف والاستهداف المباشر للمدنيين ولممتلكاتهم، الذي بدوره تسبب بمأساة نزوح داخلية، وانتشار للأوبئة والأمراض ارتبط أكثر بشح في المياه الذي تضاعف مع استهداف لمنشآت المياه والصرف الصحي، ما أدى لزيادة التلوث البيئي وتفاقم الوضع أكثر، كل ذلك ساهم في حدوث أزمة غذاء حادة يعيشها الناس، وفوقها وإمعانا في استهداف الإنسان اليمني يتم منع مئات الآلاف من المرضى من السفر عبر مطار صنعاء الدولي وهم في حاجة ماسة للعلاج، ما أدى إلى وفاة الآلاف منهم.

إذ تذهب تقديرات بعض المنظمات الدولية إلى أن 19.7 مليون يفتقرون للخدمات الصحية الأساسية، في ظل افتقار 20 مليونا للأمن الغذائي، وأزيد من 24 مليونا أي 80% من السكان في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدة، إضافة لأكثر من 3 ملايين نازح داخلي يعانون من ظروف معيشية وصحية صعبة، كما أن 37%  من المنشآت الطبية تضررت أو دمرت بسبب الحرب، ونصفها لا تعمل أو تعمل بشكل جزئي، بالإضافة إلى أن المعدات والأجهزة والمستلزمات الطبية غير كافية أو عفى عليها الزمن، وهناك 10 عاملين صحيين لكل 10 آلاف شخص، وهو ما يعد أقل من الحد الأدنى الذي تضعه منظمة الصحة العالمية[1].

ووفق أرقام منظمة الصحة العالمية في بيانٍ لها فإنه حتى شهر نوفمبر 2019 تلقت المنظمة أكثر من 78 ألف بلاغ عن أمراض في اليمن منذ مطلع العام 2019، وتم رصد 28 مرضا وبائيا فتاكا مثل الكوليرا وحمى الضنك والنزفية الفيروسية والحصبة والسعال الديكي وشلل الأطفال[2].

ويوضح تقرير صادر عن وزارة الصحة العامة والسكان[3] أن طيران العدوان دمر بصورة مباشرة أكثر من 469 منشأة صحية، كما تسبب الحصار في تعذر صيانة 97 بالمائة من الأجهزة والمعدات الطبية التي انتهى عمرها الافتراضي، ومهددة بالتوقف في أي لحظة، نتيجة الحصار وعدم السماح باستيراد التقنيات لصيانتها أو تبديلها بأجهزة حديثة، كما لم يحصل أكثر من 48 ألف موظف في القطاع الصحي في المستوى المركزي أو المحلي على مرتباتهم، وانقطع الكثير من الأطباء والموظفين جراء النزوح والظروف الاقتصادية إلى جانب توقف منشآت ومغادرة ما نسبته 95 بالمائة من الكادر الطبي الأجنبي، ما تسبب بعجز في الكادر.

 كما أن هناك آلاف المرضى المصابين بأمراض مزمنة كالقلب والسكر والسرطان والكلى، مهددون بالوفاة نتيجة عدم توفر الأجهزة الخاصة بالعلاج وعدم توفر العلاج بسبب الحصار. إضافة لاستشهاد وإصابة الآلاف من المدنيين بفعل القصف واستهدافهم بشكل مباشر، وهناك 320 ألف مريض عجزوا عن تلقي العلاج بالخارج بسبب إغلاق مطار صنعاء، قضى منهم حوالي 42 ألف مريض، وتبلغ نسبة الأطفال منهم 30 بالمائة. في ظل غض طرف دولي وأممي.

ويعاني اليمن من سوء تغذية حاد، وبحسب نتائج تقرير الجوع لعام 2018[4]؛ صنف اليمن ضمن أسوء ثلاث دول على خارطة الجوع في العالم، محتلا المرتبة 117من أصل  119دولة شملها التقرير. حيث بلغ مؤشر الجوع في اليمن 39.7 نقطة ليسقط في المجموعة الرابعة (البرتقالية) التي تعاني مستويات جوع تنذر بالخطر، وليس هناك أسوء منزلة من اليمن في العالم سوى تشاد (45.4نقطة) وجمهورية أفريقيا الوسطى (53.7 نقطة .(

وبالعودة إلى كورونا، يبدو أن العدوان بتكثيفه للرحلات الجوية والبرية لليمن من دول ظهرت فيها إصابات بالفيروس، رغم إجراءات الحجر الصحي لديها، يتعمد نشر الفيروس في اليمن، وتأتي تصريحات الدكتور يوسف الحاضري الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان في حكومة الإنقاذ بصنعاء حول إلقاء العدوان لمواد يعتقد أنها ملوثة بالمرض[5]، في ذات السياق، وهي إن تم توثيقها وتأكيدها، جرائم حرب سافرة تدرج ضمن سابقاتها ولا يمكن التغاضي عنها.

إن واقع الوضع العام الذي يعيشه البلد بعد خمس سنوات من العدوان المستمر والممنهج على مقدرات الشعب اليمني، بما فيها النظام الصحي من معدات وكوادر وأدوية، يجعل من وصف الأمم المتحدة للأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم وصفا ملطفاً وحياديا لأسوء جرائم الحرب في العالم.

تساهم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، التي تتباكى على الوضع الإنساني في اليمن لتتكسب من خلاله، في مفاقمة الوضع الكارثي الذي يعيشه الإنسان اليمني، إذ تغض الطرف عن جرائم العدوان وتتجاهلها، أو في أحسن الأحوال تخرج بإدانة خجولة لممارساته، مع حرصها بعدها على المساواة  بين الجاني والضحية ودعواتها من تطلق عليهم (أطراف النزاع أو الصراع) لتجنب استهداف الأشخاص والمنشآت المدنية، في محاولة منها لتخفيف الجرم الذي تمارسه الدول المعتدية وإشراك المعتدى عليه في تبعاته القانونية والأخلاقية.

ويخضع الوضع في اليمن لقواعد القانون الدولي الإنساني[6]، وهي مجموعة من القواعد والقوانين العرفية والمكتوبة التي تهدف في حالات النزاعات المسلحة إلى حماية الأشخاص المتضررين من آلامه وأضراره، وحماية الممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية، وتحكم هذه القواعد خمس مبادئ أساسية؛ هي: الإنسانية، التناسب، الضرورة الحربية، التمييز، والحماية.

وتدعو هذه القواعد إلى  التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، بهدف الحفاظ على السكان المدنيين وممتلكاتهم، ولا تجيز أن يتعرض السكان المدنيون للهجوم لا جماعة ولا أفراداً، كما تخص المرضى والأفراد والمنشآت الصحية بعناية خاصة، حيث تحض على تقديم العناية للجرحى والمرضى، والحفاظ على أفراد الخدمات الطبية والمؤسسات الطبية ووسائل النقل الطبي والمعدات الطبية، إضافة لوجوب احترام من يحمل شارة الصليب والهلال الأحمر من أشخاص أو مباني أو عربات، وهي إلى ذلك لا تترك لأطراف النزاع أو أفراد قواتها المسلحة الحق المطلق في اختيار طرق وأساليب الحرب، وتضع قيودا على استخدام بعض الأسلحة، كالأسلحة السامة، والبيولوجية، والكيمائية، والذرية وغيرها، التي تتسبب بإحداث خسائر أو آلام ومعاناة لا مبرر لها.

ومما سبق من حقائق أو أرقام فإن دول العدوان لم تضع في اعتبارها لا تلك المبادئ أو القواعد، وتمارس يوميا المزيد من الانتهاكات الإنسانية والأخلاقية والقانونية، دون رادع سوى حق الشعب اليمني في الدفاع عن نفسه وأرضه بما أمكن له وما تيسر.

[1] الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2020، تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فبراير 2020، ص ص 4- 5.

[2] نقلاً عن: محمد السامعي، وكالة الأناضول، 19-11-2019، على الرابط:

https://www.aa.com.tr

[3] نقلا عن: مهدي البحري، القطاع الصحي باليمن .. أوضاع كارثية وأعباء متفاقمة في خمس سنوات، 28-3-2020، على الرابط: https://www.saba.ye/ar/news3092305.htm.

[4] انظر في ذلك: اليمن في التقارير الدولية، دورية المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن 2019، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، العدد (41)، مارس 2019.

[5] انظر مقابلة الدكتور يوسف الحاضري الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان في حكومة الإنقاذ بصنعاء مع وكالة سبوتنيك الروسية، 4-4-2020، على الرابط:

https://arabic.sputniknews.com

[6] لتفاصيل أشمل انظر: دليلك في  القانون الدولي الإنساني-  سؤال وجواب، سلسلة القانون الدولي الإنساني رقم  (12)، بدون ناشر، بدون دار نشر، 2008