لا أعرف لماذا كلما حاولت أن أدافع عن الأمم المتحدة، أو أنتقد من ينتقدها، أو على الأقل أخفف من حدة هذه الانتقادات، فإذا بهم يثبتون بأنهم أسوأ مما أعتقد أو أظن، بل أسوأ مما يظن أو يعتقد من ينتقدونهم، فسمعة تلك الراية الأممية الزرقاء صارت أسوأ من سمعة ذوات الرايات الحمر أيام الجاهلية، وكل هذا يعود لتصرفات وأفعال مسؤولي هذه المنظمة الذين كنا نعول أن يستحقوا مرتباتهم الضخمة التي يتقاضونها باسم شعبنا، فهذا يذهب وذاك يجيء، وبدل سفر وبدل مخاطر وبدل دموع وبدل قلق وبدل كذب ودجل …..إلخ .
هذه المرة لم يفعلها العجوز البريطاني دائم القلق لأنه كما يبدو يأخذ استراحة طويلة بلا قلق، بل فعلتها – للأسف – ليز هذه المرة، (وأسفاه عليك يا ليز) !! ليز التي بكت وهي ترى الضحايا الأطفال نتيجة قصف العدوان الوحشي، ففتحت لها أبواب جميع المسؤولين في بلدنا، فالجميع تفاءلوا خيرا بتلك الدموع، أخيرا موظف أممي يشعر، أخيرا موظف أممي لديه مشاعر إنسانية، كلنا تأثرنا بدموع ليز، ولكننا لم نكن نعلم أنها دموع ماركة “لاكوست” مثلها مثل ماركة الحقيبة التي تحملها ليز.
موظفو الأمم المتحدة في اجتماعهم يصيغون نداء اليمن للعالم، أن “مدوا أيديكم لهؤلاء المساكين المحاصرين”، وآخر يجرب حنجرته فيقول : “حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة”، وآخر يقول : “لا، بل اليمن يصرخ من الكورونا وااااا أمماه” !! صور كثيرة لأطفال عرايا، وآخرين مقطعي الأوصال (غير مقبولة طبعا لأنهم لا يريدون إثارة العالم ضد دول العدوان)، وصورة لشيخ يسعل بقوة …. صور عدة يستعرضها الموظفون الامميون ليرفقوها بتقارير كتبت على عجل، وكل هذه المؤثرات للحصول على أعلى مبلغ من المساعدات، ليس من أجل الشعب اليمني طبعا، فهم يعرفون مصلحتتنا أكثر منا، هذه مصاريف إدارية مقابل بقاء هؤلاء الموظفين في بلد كبلدنا، أما نحن فلنرفع أيدينا شكرا لله على قبول الأمم المتحدة البقاء بيننا.
الاجتماع لم يحظره شخص مهم، فمن هو ؟! إنه سائق العزيزة ليز طبعا، والسبب كما قيل أنه مريض بالكورونا، عندها يصدر أمر “كبيرة الجلسة” لتعلن أنه يجب صرف مبلغ لعلاج السائق، فيعترض المحاسب أن المبلغ قد تم تقسيمه سابقا وكل أخذ حصته، ولكن الكبيرة تأمره بالصمت وكلام من نوع “هل هذا من جيبك؟!” .. تتصل الكبيرة بالمركز في نيويورك فيصل الرد بأنهم سيرسلون طائرة لأجل السائق، عندها يتبادلون نظرات الحسرة على ضياع فرصة الحصول على مال إضافي.. وفجأة يتنبه أحدهم لشيء لم ينتبهوا له: ماذا سنقول لليمنيين ؟!.. نحن نقول لهم إن العدوان يمنع الطيران ولذلك لا يمكننا أن نأتي بالأدوية والمعدات الصحية اللازمة لمكافحة الكورونا، نحن ترجيناهم ألا يقصفوا الرياض حتى نتمكن من إقناع السعوديين بالسماح لهم بشراء ما يحتاجونه، نحن من استلمنا من المركز مقابل حملات جمع التبرعات باسم اليمنيين البؤساء، ماذا سنقول لهم عندما يشاهدون الطائرة تحط في مطارهم وهي فارغة لتحمل السائق إلى الخارج للعلاج ؟!سيقولون لنا إن الطائرة لم تأت لأجل شعب بأكمله، بل أتت لأجل السائق؟ وقد كان.