صمود وانتصار

ثورةُ الحسين والاستنهاضُ المستمر للأمـة

رموز الأُمَّــة من آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، هم في نظر المؤمنين العارفين أولي الألباب رموز للأُمَّـة كلِّها، الأُمَّــة الواحدة ذات الدين الواحد والرسول الواحد.

عظمةُ الأهداف والتطلعات:

وبناءً عليه، فالحسين بن علي -رضي الله عنه- سبطُ رسول الله، وما قام به من ثورة حَقٍّ، يمثل بالنسبة لهم مرجعيةً عظيمةً يجب أن تحتذيَ به الأُمَّــةُ كُلُّها إلى يوم الدين.

فهو قُدوةٌ لها، من حيث تمسكه بهدي الله القويم واقتدائه برسول الله الكريم في أمر الدنيا والدين، ومن حيث مسارعته للانتصار لدين الله من التحريف والتزييف، وحفاظاً على الأُمَّــة باستنهاضها نحو التمسك بذلك الدين الحق، فتستقيم حياتها على أَسَاسه ويكون عزُّها ومجدُها.

فلم تكن ثورتُه -رضي الله عنه- في وجه طغاةِ عصره من موقع الباطل والغطرسة وحب الأنا والرغبة في التسلط والهيمنة، وإنما من موقع الحق والرحمة، وتحمل المسؤولية في إعادة الأمور إلى نصابها، فلا يعبد في الأرض إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ويسود العدلُ وينعم الناسُ بالحرية، وتحفظ الحقوق وتصان الحرمات، وتحمى الأُمَّــة كلُّها من أية اختراقات خارجية ستصيبها في مقتل على كُـلّ المستويات.

هذا هو الدافعُ، ولسمو الهدف قدّم نفسَه رخيصةً في سبيله، والشهادة انتصارٌ عظيمٌ عند الله لما سيحظى به الشهيدُ في الدار الآخرة، وانتصارٌ في الدنيا، من حيث رفض الظلمَ والطغيانَ وعدمَ الرضوخ والاستسلام، وانتصارٌ في وضع مداميك مشاريع العزة والكرامة، وأنها ستظل ثابتةً ثبوت الجبال مهما غيّر المجرمون وبدلوا وأساؤوا، وهذه المداميك أبرزها الإيمان بالله والإيمان بعدالة القضية، والتأكيد أن سقوط العظماء شهداء لا يعني النهاية، وأن القضية يجب أن تستمرَّ حية، وليواصل الأحرار من بعدهم المشوار لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

وأن كُـلَّ من ينتمي للإسلام من بعدهم فعليه أن يقف الموقفَ ذاتَه في كُـلِّ زمان ومكان، وأن يسلُكَ الخطواتِ والطرقَ التي سلكها من كان قبله.

الشخصنة لا تليق:

وإن من يذهب لشخصنة الأمور، فثائرٌ كالحسين بن علي -رضي الله عنه-، هو خاصٌّ بمجموعة بعينها، ولا يحرص على تقديمه كرجل إصلاح في الأُمَّــة، ولا بد أن يكون محل تقدير وقدوة لها بكل توجّـهاتها وطوائفها اليوم، فهذه الشخصنة لا تمت إلا نبل الحسين ولا ثورته بأهدافها السامقة بصلة.

سلوكياتٌ مقززة:

كما أن من يجعل من مناسبة استشهاده في عاشوراء ذكرى للنياحة والبكاء والعويل واللطم وشق الجيوب وغيره من الدروشة والطقوس، فهو أَيْـضاً يضرب بالمقاصد الأسمى من ثورته وقضيته عرض الحائط، ويستغرق في شكليات لا تصنع وعياً ولا تبني أُمَّـة، فضلاً عن أنها لا تؤسس إلا لثقافة الارتباط السلبي بالماضي دونَ أيةِ استفادة من دروسه وعبره، وهو من فتح البابَ بمصراعيه أمام العدوِّ الحقيقي للأُمَّـة، فيستمر في النفخ بالنار وإليها يجر المغفلين من هذا الطرف ومن ذاك الطرف، ولا سبب قد ألقى بهم جميعاً إلى التهلكة سوى الطائفية النتنة وتراكمات كثيرة ذات صلة وثيقة بهذا الداء العضال، الذي علينا اليوم كأمة المسارعة للتخلص منه، والدواء متوفر إن غلّبنا المصالح العليا وفكّرنا بعقولنا لا بعقول أعدائنا.

مواقف غير واعية أَيْـضاً:

وعلى العكس من هؤلاء من يضيق ذرعاً من إحياء روح الانتماء للأُمَّـة من خلال ربطها بأعلامها الأصفياء الصالحين المصلحين، الذين جاهدوا في الله حقَّ جهاده، لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا ومن سارع فيهم من الطغاة والفاسقين والمنافقين من داخل الصف الإسلامي هي السفلى، ومن هنا تتجسّد معاني الأُخوَّة الإسلامية بين المسلمين، وتتوحد صفوفهم على كلمة سواء.

إن هذا التصرفَ، وكُلَّ سياسة تقزم ما قام به الحسين من دور رائد، وما الذي ينبغي على مستوى الفهم والتصور الصحيح لطبيعة ثورته وعلى مستوى العمل في مسيرة الحياة، والاكتفاء بمُجَـرّد التوصيف المجتزأ لمسيرة أهل الحق وأهل الباطل حينها، واعتبار القضية من الماضي الذي لا يقدِّمُ ولا يؤخر، فهذا أَيْـضاً غيرُ صحيح، فالحقُّ مرتبط ببعضه البعض، وهو كُـلٌّ لا يتجزأ، بالأمس واليوم وحتى قيام الساعة، وحصول الأخطاء والتصرفات التي لا تليقُ في هذا الصدد من بعض الطوائف ينبغي أن تكون باعثاً لبيانِ الحقائق والإرشاد إلى الأفعال السليمة، لا مبرّراً لاتِّخاذ المواقف السلبية وردود الفعل غير المدروسة، أَو اللامسؤولية واللامبالاة، وكأنَّ شيئاً لم يكن.

تجديد له ما بعده:

إن العملَ على استنهاض الأُمَّــة للالتفاف حول قضاياها العادلة ورموزها الأحرار هو تجديدٌ لإيمان، وارتباطٌ بأخيار، وذلك كله دافعٌ لتشبث المؤمنين الصادقين من بعدهم بالحق أكثر، وتشحذ الهمم حينما يكون أُولئك هم القدوة لهم، فيكون السعي الحثيث لتحقيق التطلعات ولو كان الثمن باهضاً، وأعلاه بذل النفس رخيصةً في سبيلها، وتقديم التضحيات في هذا المضمار ليس من موقع السذاجة والإكراه، وإنما من موقع المعرفة والوعي وعن رضا وراحة كاملة بأن الشهادةَ شرفٌ كبيرٌ لأهلها، وهي من النصر العظيم لهم، ولأهل الحق من بعدهم