“الإمام زيد” -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- ثورةٌ متجددة
الصمود
كانت معركة كربلاء فاضحة لما وصل إليه حال الأُمَّــة الإسلامية من الذل والخنوع وقبل منهما حب الدنيا والتكالب عليها، وذلك حين خذلوا الإمَام الحُسَين” -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- الذي لم يقم بثورته إلا للإصلاح فيهم وليس لأجل منصب أَو طلب دنيا.
فكان عاقبة ذلك التخاذل أنهم مكنوا بني أُمَيَّـةَ من رقابهم ومن النيل من دينهم وعقيدتهم التي جاءت لتحرّرهم من كُـلّ عبودية واستصغار وتعيد إليهم إنسانيتهم وحقهم المكفولَ بالحياة العادلة، ولكن بفعلهم هذا فقد عادوا لمربعهم الأول من الذل والهوان على أيدي أبناء الطلقاء الذين كان قد حذرهم منهم الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، في حين تمكّن بنو أُمَيَّـةَ من الحكم والسلطة، لتكون الأُمَّــة على حذر وليكون حُجَّـةً عليها بأنهم (سيتخذون دينَ الله دَغَلاً وعباده خَوَلاً وماله دُولَاً)، وفعلاً حدث ذلك، حيث تعاقب ستةٌ من الحكام الأُمويين عليهم الواحد تلو الآخر، وكل أمير منهم كان يأتي أسوأ ممن قبله وكأنهم في تنافس على صنيعة السوء في أُمَّـة محمد والتحريف في مبادئ الدين التي تركها النبي على المحجّـة البيضاء!!
فظل الظلم مهيمناً على الحالة الإسلامية حتى وصلوا إلى عهد هشام بن عبدالملك الذي صادف زمنُه زمنَ الإمَام زيد بن علي بن الحسين -عَلَيْـهِم السَّــلَامُ-، والذي كان نهجه هو نهجَ أبيه وجده في رفض الظلم ومقارعة الظالمين والطغاة والأمر بالمعروف والنهي المنكر الذي أن ترك فاعلوه فسيكون حال الأُمَّــة كحال بني إسرائيل!!
تخرج الإمَام زيد من مدرسة أبيه وجده التي تعلم منها أن الظلم يُعدُّ فعلاً خبيثاً ومنافياً لما جاء به دين الإسلام فالظلم في مبدأهم يهدّد حقوق العدالة والمساواة لبني الإنسان، بل إنّه يهدّد إنسانيتهم ووجودهم، فما لم يكن هناك عدالة تدحّض الظلم والاستبداد وتُعلي من شأن المُثل العُليا وتحترم إنسانيّة البشر فهنا يكون قد ذهب ما فعله النبي المصطفى من إصلاح حال أمته هباءً منثوراً.
وعلى هذا الأَسَاس وهذه المبادئ تحَرّك الإمَام زيد في العام ١٢٢ ه في ثورة قادها ضد بني أُمَيَّـةَ وظلمهم وتجبرهم على الأُمَّـة جده والدينه انتهكت حرماته وبُدلت قيمه ومعالمه.
شعارُه فيها (واللهِ ما يدعني كتابُ الله أن أسكت) بمعنى أن تحَرُّكَه كان على أُسُسٍ قرآنية تجعله يرفُضُ العيشَ تحت سطوة الظالم، كُـلُّ هَمِّه ليس نفسه، حيث يقول: (واللهِ إني لأعلم بأنه ما أحب الحياة أحد قط أحد إلا ذل)، إنما كان تحَرّكه لأجل دين الله وأمته الذي يفتديهم بنفسه، متمنياً ذلك كما جاء في قوله: (واللهِ لَوددتُ لو أن يدي ملصقةٌ بالثريا ثم أقع إلى الأرض أَو حيث أقع، فأتقطع قطعةً قطعةً وأن يصلحَ اللهُ بذلك أمرَ أُمَّـة محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-).
مع علمه بأنه سيذهب شهيداً وسيُصلَبُ في ثورته هذه، كما أخبر بذلك جده المصطفى، إلا أن الخوف لم يعترِه أَو يُثنِه عن موقفه وثورته والتي قاتل فيها إلى أن استشهد -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ-. تاركاً لنا دروساً وعبراً على مر الأيّام وتعاقب السنين في نهج نهجهم السوي للخروج على الظالمين ومحاربة الطغيان مهما عظمت قوته ومهما كانت التضحيات.
وهكذا هم أئمة أهل البيت لا يتحملون الضيمَ ولا يسكتون على باطل أَو ظلم، فإذا ما جئنا إلى عصرنا الحالي نستطيع أن نقول: إن ثورة الـ٢١ من سبتمبر التي دعا إليها السيد القائد “عبدالملك الحوثي” في العام ٢٠١٤ رفضاً للظلم والتدخل الأجنبي والمبادرة الخليجية ورفضاً للوصاية ومشاريع التقسيم لليمن هي شبيهةٌ بثورتَي الإمَام زيد وجده الحسين.. شُنت علينا الحربُ الظالمة بأوامرَ من أمريكا وإسرائيل بتمويل وأيادٍ عربية قَلَّ فيها الناصرُ وكثر فيها علينا الحاقد والناقم؛ لأَنَّنا شعبٌ يعشَقُ الكرامة ويرفض الذل وقيادتنا تنهج نهجَ أعلام الهدى من آل البيت وقائدنا نهجُه كنهج أجداده، ورغم كُـلّ القوى التي تكالبت علينا إلَّا أننا استطعنا أن ننتصرَ في ثورتنا وننتقل باليمن إلى مكانٍ رفيعٍ لن يستطيع أحدٌ أن يمحيَ ذكرَها أَو أن يمُسَّها بسوء.