صمود وانتصار

“تقرير”: أَمريكا تستهدفُ تفكيكَ المنطقة.. “مشروع الشرق الأَوْسَط الكبير أنموذجاً”

كتب/ محمد الباشا

  • وضَعَ بنُ غوريون، أولُ رئيس وزراء لحكومة العدو الإسْرَائيْلي، عام 1953 بالتعاوُن مع أَمريكا وبريطانيا مشروعَ تفتيت الوطن العربي في عام 1972، وقد ترجم الباحثُ العراقي عبدُالوهاب محمد الجبوري وثيقةً عبريةً، هي جزءٌ من ذلك المشروع، والتي تتحدَّثُ عن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ضعيفة في العراق: كردية في الشمال وَسنية في الوسط وشيعية في الجنوب. والأحداث اللاحقة التي تشهدها المنطقة العربية الحروب في اليمن وسوريا وعداهما من المناطق المضطربة، تلعب الإدارة الأَمريكية، دوراً رئيساً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسْرَائيْل، وَالضبابية التي تلف الساحات وَالميادين العربية وَالإقْليْمية، وَعدد الضحايا الذي يتزايد في اليمن وَسوريا وفلسطين، لا يمكن أن تُحجَبَ مجموعة حقائقَ كبيرة خلاصتها أن المنطقة دخلت فعلاً، بعد حربَي العراق وَأفغانستان، مرحلة (الفوضى الخلاقة) التي أعد لها المحافظون الجُدُد بالتعاون مع الخبراء الاستراتيجيين الإسْرَائيْليين، تمهيداً لتفتيت المنطقة إلى دويلات إثنية وَطائفية، تلعب فيها (إسْرَائيْل الكبرى) دور المركَز، فيما تلعب الطوائف والأعراق والقبائل دورَ الضواحي، ومرحلة الفوضى الخلاقة هي التطبيق الميداني لمشاريع تفتيت الوطن العربي بشقيها الإسْرَائيْلي والأَمريكي: (الشرق الأَوْسَط الكبير) وَ(مشروع رالف بيترز الشرق أَوْسَطي) وَ(مشروع برنارد لويس).

 

الشرق الأَوْسَط الكبير.. جاري التنفيذ

بعد احتلالِ العراق وتدميره عام 2003، أعيد طرحُ فكرة الشرق الأَوْسَط لكنه سمّي (الشرق الأَوْسَط الكبير) من قبل الرئيس بوش الأب، ليشير هذه المرة إلى الوطن العربي، بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسْرَائيْل، ظناً من الإدارة الأَمريكية أن ما تم تحقيقه بالقوة في العراق من الممكن قطف ثماره سريعاً سياسياً واقتصادياً، ورغم محاولات تسويق هذه الفكرة عربياً إلا أنها خَبَت لعدم قدرتها على ضمان ما تم إنجازه عسكرياً في العراق، ثم بشّرت (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأَمريكية السابقة بولادة (شرق أَوْسَط جديد)، سينمو ليحققَ – حسب تعبيرها – حلاً سحرياً لعلاج أزمات المنطقة المزمنة. ومن قراءة متأنية لمشروع الشرق الأَوْسَط الأَمريكي نجد أنه لا يشترط حل القضية الفلسطينية، أي أنه يمكنُ أن تبدأَ الدول العربية تطبيق المشروع قبل أن يوجد حل للقضية الفلسطينية.

جديرٌ بالذكر أن بنود هذا المشروع نوقشت – بعد طرحها من قبل بوش – في اجتماع الدول الثمانية الصناعية الكبرى في يوليو 2004 في جزيرة آيلاند، وَأبرز ما جاء في المشروع آنذاك هو الدعوة إلى الديموقراطية، والتغيير الثقافي، وحقوق الإنسان، والتأكيد على حقوق المرأة، وإنهاء الأُمّية… الخ.

وَقد وُضعت برامج تفصيلية تحقّق تلك الأهداف، كما رُصدت ميزانيات مالية من أجل الإنفاق على تلك البرامج بين الدول الثمانية. لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقّق، بل تحقّق ما أسموها (الفوضى الخلاقة)، وتجلّت هذه الفوضى في أبهى صورة في العراق وسوريا واليمن، فالدمار يعمّ كل شيء: البناء والطرق والجسور والبنى التحتية… إلخ.

 

أهداف مشروع الشرق الأَوْسَط

تركّز هذه الأهدافُ بالدرجة الأساس على القضاء على الإسْلَام والحضارة العربية الإسْلَامية والدول والحركات المناهضة للتغول الأَمريكي الصهيوني في المنطقة.

وأهم خطوة في مشروع الشرق الأَوْسَط الجديد الكبير هو زعزعة أمن وَاستقرار دول المنطقة لتسهيل تقسيمها.

وكان وزيرُ خارجية إسْرَائيْل آنذاك (شمعون بيريز)، بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 أصدر كتابَه (الشرق الأَوْسَط الجديد)، وكان تصوره قائماً على أنّ وحدة اقتصادية ستتحقّق بين المنطقة العربية وإسْرَائيْل، وستجمع هذه الوحدة الاقتصادية بين العبقرية الإسْرَائيْلية في القيادة، والأيدي العربية الرخيصة المستخدمة في التصنيع، والثروة العربية المتكدّسة من بيع البترول… إلخ، واعتبر بيريز أن ما طرحَه هو أسلوبٌ جديدٌ في التفكير للوصول للأمن والاستقرار الذي يتطلب من الجميع نظاما أمنياً وَترتيبات إقْليْمية مشتركة واسعة النطاق وتحالفات سياسية لدول المنطقة كلها.

وتحولت فكرةُ الشرق الأَوْسَط الجديد عملياً إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأَوْسَط وَشمال أفريقيا بغية تطوير الفكرة وَضم أطراف أُخْـرَى إليها غير البلدان العربية الشرق أَوْسَطية. وَرؤى قادة إسْرَائيْل تتمثل بأن كيانهم أصبح بحكم الأمر الواقع دولة موجودة وَقوية وَمتفوقة، وعليهم الإسراع في إيجاد الصيغة المناسبة لاستمرار وجودهم وتمَكّنِهم، والتغلغل في أرجاء الوطن العربي وَتحويله إلى أجزاء ممزقة، مقطعة الأوصال، ويكون الدور القائد والمهيمن فيه للأقوى.

واعتبر بيريز أن خلاصة ما نظّر له: شرق أَوْسَط جديد تقودُه تل أبيب، شرق أَوْسَط مدجّج بالتنمية والرفاه- هذا في الظاهر-، أما في الباطن فهو شرق أَوْسَط مفكَّك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضه، بينما يتصالحون جميعاً وربما يتحالفون أيضاً مع إسْرَائيْل، وهو الحاصل راهناً من إقحام أمريكا للسعودية مَن لَفَّ لَفَّ خضوعِها للمشروع الأمريكي بالعدوان على اليمن وسوريا، وما بات يظهر علَناً مع السعودية وعديدٍ من الدول العربية التي ارتمت في الحُضن الإسرائيلي، وكل هذا يأتي وفق استراتيجية إسْرَائيْلية جديدة لضمان استمرارية هيمنتها وتفوقها في المنطقة، وإن اختلفت الوسيلة وَتغيّرت من دبابة وَقذيفة إلى بضاعة وسلعة للاستهلاك. ويعترف بيريس مكرها أن الانتفاضة كانت الذخيرة الحية والنضال الحاد الذي أكد فشل الأمر الواقع الذي صُمم لغرض فرض نظرية الأمن الإسْرَائيْلية. والأمر الأخر الملفت للنظر في كتاب بيريز هو دعوته لإدخال الاقتصاد الإسْرَائيْلي ضمن اقتصاديات السوق العربية المشتركة، وهذا يعني أن بيريز يلهث لإيجاد سوق شرق أَوْسَطية، مستعجلاً ذلك بشتى الطرق وَالوسائل، قبل أن تتبدل الأحوال وتتغير موازين الصراع لصالح العرب وَالمسلمين.

إن المطلع على كتابِ بيريز ربما ينخدع للوهلة الأوْلَى بموضوعيته وَمنطقه، غير أنه سَرعانَ ما يكتشفُ القارئُ الواعيُ أن هذا السياسي الإسْرَائيْلي المخضرم إنما يدس السم بالعسل وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسْرَائيْل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين.

ومع ذلك فالكتابُ لا يخلو في الوقت ذاته من اعترافات أجبر بيريس على تدوينها ليس أقلها أن الحروبَ التي خاضتها إسْرَائيْل لم تستطع أن تضمن لها النصر النهائي أو حتى تحقيق الأمن لها.

وهنا نقرأ أن بيريز يطالبُ العرب بنسيان تأريخهم والتخلص من لغتهم، وهو بهذا يريد دفن ذاكرتنا وَوعينا وَيصادر وعينا وَيعتبر (أرض الميعاد) حقيقة ثابتة، وَيعترف بيريز أن إسْرَائيْل حصلت على تنازلات ما كانت تحلم بها. ويقفز من أجل ذلك على مسلّمات كثيرة ليصل إلى ضرورة التعاون الإقْليْمي الذي يذيب الدين واللغة والروابط المشتركة من جهة، ويعطي الحق بالتالي لمجتمعه اليهودي أن يأخُذَ مكانة بين هذه التشكيلة المفترضة: إسْرَائيْل، إيران، تركيا، وَالبلاد العربية، ليفتت من ثم أية مواجهة أو خطر قادم يمكن أن تتعرَّضَ له إسْرَائيْل، وبالتالي يجهض أي مشروع اقتصادي يمكن أن يقوم مستقبلاً سواء اتسم باتحاد عربي أو إسْلَامي. ولكي يتحقق لإسْرَائيْل (الشرق الأَوْسَط الجديد) ولأَمريكا (الشرق الأَوْسَط الكبير) لا بد من مواصلة سياسة تفتيت العرب وَالمسلمين وَإحداث تغيرات ضرورية في المنطقة، تحقق الأمن لإسْرَائيْل وتضمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وتعيد رسم خريطة المنطقة بسايس بيكو جديدة وَاستخدام استراتيجية الطرق على الجُدران من أسفلها التي تبناها مستشارُ الأمن القومي الأَمريكي الأسبق (بريجنسكي)، وهو ما يطلق عليه تجزئة التجزئة، لما يحقق الأهداف بأسرع الطرق، والأهم من ذلك كان لا بد من تقسيم المنطقة على أساس طوائفَ وأجناس وأصول قومية ومذاهب، وإعادة صياغة المنطقة باعتبارها فسيفساء من أقليات إثنية وَدينية – كما الحال في العراق الآن – على أن يستمرَّ بينها قدرٌ من الصراع المعقول الذي يمكن التحكم فيه من قبل القوى المهيمنة في المنطقة، ومع ذلك لا تقبل الفوضى الشاملة، إذ لا بد أن يستمر البيع وَالشراء وَالإنتاج وَالاستهلاك وَسلب الموارد.

وكشف مديرُ المركَز الاستراتيجي للسياسات الفلسطينية اللواء الدكتور كامل أبو عيسى أسرارَ وخفايا المشروع الأَمريكي الصهيوني لتقسيم المنطقة في إطار منظومة الشرق الأَوْسَط الجديد، وصراع القوى الإقْليْمية على مناطق النفوذ في المنطقة العربية، بالقول “الحرب العالمية الثالثة بحسب الرؤية الأَمريكية والصهيونية على الصعيد الاستراتيجي بدأت بانهيار الاتحاد السوفيتيي وستنتهي بانهيار الأمتين العربية والإسْلَامية، نتائج الحرب العالمية الأوْلَى والحرب العالمية الثانية يجب أن تنتهي ويجب أن تصبح جزءاً من الارشيف الدولي الخاص بنشوء وانهيار وزوال الأمم، وعليه فإن أَمريكا لا تعترف واقعياً وحالياً باتفاقيات (سايكس بيكو) وما تمخض عنها ولم تعد تقر بنتائج الحرب العالمية الثانية أيضاً وما تمخض عنها من تفاهمات استراتيجية في مؤتمر يالطا الشهير”.

الدكتور أبو عيسى يرى أن خارطة جديدة وتقسيم جديد للجغرافيا السياسية دولياً وإقْليْمياً وعلى صعيد منطقة الشرق الأَوْسَط والمنطقة العربية بوجه الخصوص وعلى أساس أن من يسيطر على منطقة المشرق العربي وباعتبارها قلبَ العالم ستكون له الغلبة والسيطرة الدولية فيما بعدُ، ولهذا ولذلك فإن تدمير وشطب الكيانات القومية للأمة العربية بدءاً بالعراق ومروراً بسوريا واليمن، يعتبر التحضير التمهيدي لتوسيع رقعة الصراع والهجوم باتجاه مصر والسعودية وعموم منطقة الخليج وسائر بلدان المغرب العربي، وبحسب المخطط فإن المملكة  السعودية يجبُ أن تزولَ عن الخارطة وستنشأ على انقاضها عدة إمَارَات مستقلة كما سيتم زوال المملكة الأردنية الهاشمية واعتبار الاردن صحراء فلسطين الشرقية حتى منطقة تبوك في السعودية.

ويضيف أبو عيسى “منذ قديم الزمان واثناء حكم القياصرة فإن لدى الروس مقولة عظيمة الدلالة على اهمية المنطقة العربية استراتيجيا بالنسبة لهم فهم يعتبرون: (ان دمشق مفتاح موسكو) وأيَّة قوة امبراطورية تستولي على دمشق سيسهل عليها فتح موسكو بعد ذلك ولهذا ولذلك فإن دفاعهم عن سوريا وطوال سنوات المحنة وحتى الآن ساهم والى حد كبير في عرقلة المشروع الأَمريكي الصهيوني وهو الامر الذي دفع أمريكا وإسْرَائيْل وحلف النيتو إلى نقل المعركة نحوى العمق الروسي أي في (أوكرانيا) لفرض نوع من التراجع الروسي استراتيجيا في سوريا”، إلا أن أمريكا خسرت الرهان بعد أن أخمد الدب الروسي الأنفاس الأمريكية على حدودها.

ولهذا فإن منطقة الشرق الأَوْسَط والمنطقة العربية ستكون الملعب المباشر لاحتدام الصراع بين الولايات المتحدة ودول حلف الناتو من جهة وبين روسيا والعديد من الدولة المتضررة من جهة أُخْـرَى وسيكون لتركيا وإسْرَائيْل الدور الأبرز في إشعال فتيل النزاعات المنتظرة في المرحلة القادمة، السعودية وتركيا عبر الأزمة السورية ستواصل وفي مسعى منها إلى استعادة نفوذها الضائع بعد الحرب العالمية الأوْلَى ضغطها لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وسيلحق الضرر البالغ بالأمن الوجودي والكياني للمملكة السعودية ودول الخليج الأُخْـرَى وهي الكيانات التي ترمي نفسها في تحالف مع أمريكا وإسْرَائيْل بقصد تأمين الحماية من خطر وهمي إلا أنها حماية مؤقتة وباعتبار أن المشروع الاستراتيجي الأَمريكي الصهيوني يستهدفُها في وجودها الكياني لاحقاً.

ومَن يظنون أن ما تصنعُه أَمريكا في ما يجري في عموم المنطقة العربية من أحداث مأساوية وفوضى، أمرٌ مفاجئٌ جاء وليدَ الأحداث التي أنتجته، ولكن الحقيقة الكبرى هي أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية، لتفتيت الوطن العربي وَالعالم الإسْلَامي، من خلال سياسات واستراتيجيات ومشاريع باتت مكشوفة للعالم وَأبرزها:

مشروع تفتيت الوطن العربي الذي أعده بن غوريون وخبراء الأمن القومي الأَمريكان والبريطانيين عام 1953 والذي تطور بعد ذلك تبعاً لأحداث وَمتغيرات مرت بها المنطقة، وتم نشره تباعاً خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ثم تجدد نشره أيضاً في العقد الأول من هذا القرن بصيغ وعناوين أكثر تفصيلاً ومن قبل صحفيين عالميين وسياسيين غربيين، وكذلك مشروع الفوضى الخلاقة (كتابات اليوت كوهين) وَ(صياغة مايكل ليدن) وَطروحات (الرئيس بوش الابن وكونداليزا رايس)، ومشاريع الشرق الأَوْسَط الجديد (شمعون بيريز) وَالشرق الأَوْسَط الكبير (الرئيس بوش الابن) والشرق الأَوْسَط الجديد (كونداليزا رايس) ومشروع خريطة الدم (رالف بيترز) و(مشروع لويس) وغيرها، كل هذه المشاريع تعود إلى أصل واحد ومنبت أَمريكي إسْرَائيْلي مشترك وَبدعم من الصهيونية العالمية، وإن تغيّرت بنودها وتوقيتات طرحها، فهي تستهدفُ القضاءَ على الإسْلَام وتجزئة الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته وَمقدراته والتحكم فيه حاضراً ومستقبلاً وتحويله إلى (فسيفساء ورقية) يكون فيه الكيانُ الغاصبُ السيدَ المطاع.