القرصنة والتهريب.. وجهان لعملة واحدة
الصمود || مقالات ||عادل صلاح
لا مُشاحَّةَ في أن إجالة نظرةٍ سريعةٍ حول سلوكيات وتحَرّكات دول تحالف العدوان تكشف بما لا تدع مجالاً للشكِّ النقابَ عن نواياها المتوارية، وغاياتها المواربة خلف ظاهرتين متلازمتين، وأعني ظاهرتَي القرصنة على سفن المشتقات النفطية وانتشار السوق السوداء.
فهاتان الظاهرتان يربطهما رباطٌ واحدٌ ضمن تكتيكات استراتيجية عدوانية، تصبوان إلى تدميرٍ شاملٍ يتحَرَّكُ ببطء كتحَرّك لصٍّ يخشى إصدار أي صوت. فلا يساور أحداً الشكُّ أن تكرارَ وَاستمرارَ احتجاز سفن الوقود لفترةٍ طويلة يترتب على ذلك تراكم غرامات مالية باهظة تكبد الخزينةَ العامة مئات الملايين من النقد الأجنبي، وبذلك يتم استنزاف العملات الأجنبية تدريجيًّا حتى تصل حكومة الإنقاذ إلى الدرجة التي تعجز فيها تماماً عن تسوية المعاملات الخارجية؛ كي تستعطفَ على إثر ذلك دول الإقليم والمجتمع الدولي وتستدرُّ رحمتهم وعطفهم اللذان يشتريان مواقف الدول المأزومة وثوابتها مقابل مساعداتهم وعطفهم الرجيم، بحفنة دولارات لا تسد رمقاً أو تلبي حاجةً.
هذا الهدف من إنهاك خزينة الدولة باستنزاف النقد الأجنبي عبر القرصنة المستمرة وتراكم السفن في عباب البحر سيؤدي حتماً إلى هدفهم الثاني وهو البديل الأوخم عاقبة والأوبأ مغبّةً والذي لا محيدَ عنه أمام المواطنين المضطرين، ألا وهو انتشارُ السوق النفطية السوداء، وتفشي هذه الظاهرة المتولّدة عن القرصنة على سفن الوقود، والتي ستقومُ بدورها المرسوم والمخطّط له بدقةٍ وخبث عبر استنزاف أكبر قدرٍ من العملة المحلية؛ كون الوقود هو أكثر سلعة يتم عبرها تدوير الكتلة النقدية.
وجميعُنا يعلمُ أن تداوُلَ النقود -كما هو الحال في كُـلّ الدول- على درجةٍ عاليةٍ من الحساسيةِ تجاه تغيرات الكتلة النقدية، وبذلك يتم من خلال استفحال ظاهرة السوق السوداء تسريب العملة المحلية بصورةٍ مكثّـفة إلى خارج المناطق المحرّرةِ ويصل العدوّ إلى مبتغاه وهو إصابة الدولة اليمنية الحرة في مقتل، أَو شل حركتها على أقل تقدير وَبإصراره _أي العدوان_ على استنزاف النقد الأجنبي والنقد المحلى لتجريد حكومة الإنقاذ من أهم أسباب بقائها ومن ثمَّ خضوعها لإملاءاتهم واستسلامها لشروطهم المذلة. هكذا تسعى دول العدوان ومرتزِقتها لإرساء قواعد النهب المنظم لمدّخرات الشعب اليمني بشقيها العام والخاص. كما أن استمرار هاتين الظاهرتين سيترتب عليهما أَيْـضاً ارتفاع تكاليف الوقود _الذي هو بحق محرّك حياة المجتمعات_ وبالتالي حدوث التضخم (هو أحد الأهداف المتوخاة من القرصنة والسوق السوداء)، وحدوث التضخم يعني ضعف القوة الشرائية للريال بمقدار نسبة التضخم والذي لن يقتصر على سلعٍ معيّنة بل سيعم السلع الاستهلاكية والمعمّرة والخدمات كافة، وكل مالك أن تتخيله.. ومن ثم تقزيم الهيكل الإنتاجي الذي لن يكفي للاستهلاك المحلي وقصوره عن إشباع حاجات المواطنين المحدودة والتي تقلصت بفعل قسوة الحصار والممانعة العدوانية وانقطاع الراتب لشريحةٍ لا يستهان بها من المجتمع ومؤدى ذلك إنتاج العدوان هيكل اقتصادي مشوّه.
المثيرُ للدهشة والسخرية معاً أن بعض الأصوات المشبوهة وثلة من المغرر بهم من الإعلاميين والمصابين بالشذوذ الفكري يؤيدون بوعيٍ وبدون وعي سعي السعودية والإمارات لتطبيع المجتمع اليمني مع السوق السوداء وإغلاق ميناء الحديدة في وجه السفن النفطية!!. يبدو أن هؤلاء قد أصابتهم عدوى التطبيع التي أصبحت آخرَ صيحة لموضة السياسة الخليجية وَسمة الإكراه والإذعان العربي.. التطبيع مع كُـلّ ظاهرةٍ في وجودها إضرار بحياة المجتمع بدءاً بجريمة تقبّل السوق السوداء وانتهاء بكبرى الجرائم في تقبّل التطبيع مع الكيان الصهيوني كُـلّ ذلك يتأرجح بين نكوصٍ قيمي ونكران للثوابت وسقوط أخلاقي وخيانة محضه وَتالي ذلكم مهانة واستسلام.
(ملاحظة: الكيان الصهيوني هو كذلك ظاهرة مؤقتة وستزول حتماً بإذن الله).