صمود وانتصار

تسويق “داعش” سعودياً

محمد الباشا

“منبعُ التطرف الوهابي”، “مَصْدَرُ الوهابية”، “مُصَــدِّرُ الوهابية”، “قاعدةُ القواعد”، “مُـقَعّـــدةُ القاعدة”، “أُمّ الدواعش”، “داعش الأم”، “داعش الأصل”، “داعش الكبرى”، “داعش الأُوْلَى”..

كلُّ هذه توصيفاتِ تنطبقُ، حَــدَّ التـمــاهي، على المملكة السعودية التي تحاول عبَثاً، قطعَ صلتها المتينة بالتنظيمات الوهابية المتطرفة، التي شَـــرَّقَ وغـــرَّبَ إجـرامُها في أرجاء المعمورة.

وتسعى في سبيل رتْقِ الخــرْق الذي استعصى اتساعاً على راقعه، بأن تُحيــط نفسَها بهالة إعلامية، عَــلَّها تُعَــطّــرُ جيفتها النتنة التي أزكمت الأنوف ووصل فَــوْحُها عديدَ مناطقَ في العالم، ومنها البلدانُ العربية والإسلامية التي عانت وما تزال من جرائم تنظيمات سعودية المنشأ – فكراً وتأصيلاً، ودعماً وتمويلاً وتجييشاً.

ولا يعد هذا التوصيفُ تهويلاً ولا مبالغةً، فكلُّ ذي لُبّ سويٍّ على ظهر هذا الكوكب يعلم بأن الجماعاتِ المتطرفة نشأت وترعرعت في كنف مملكة آل سعود.

وليس أيضاً تجنّيــاً على أُسرةٍ تُــحكِـمُ قبضتَها على رقعة جغرافية عزيزة من الوطن العربي والإسلامي، وتَحْــكُـمُ شعبَها بـ”عِقــال” بدوي بدائي و”عقل” سليط متحجّر، أجدى وسائله: الحديدُ والنار، ولجم الأفواه عن البوح، وإنْ يسيراً، بما يوحي بحُـرّية فكر أو معتقَد أو توجُّه سياسي، سوى الزعيق والصراح، من على كُلّ منبر، بما يُعلي من شأن فكر “وهابي” تعتنقُه منظماتٌ تمتهنُ الإجرام والذبح والتفخيخ – تعبُّــداً وتلذذاً وصكاً لدلوف الجنة ومعانَقة الحور العين-!!..

أشهرُ هذه المنظمات، الذبّاحة صانعة الملاحم البشرية في المساجد والأسواق والطرقات، وباعثة الفوضى القانية في الدول التي صُدّرت إليها، وأَذْيَــعُها صـيـتاً سيئاً “داعش والقاعدة”.

ولا غَــــرْوَ، البتّة، أن تدينَ بهذا الفكر سالف الأوصاف، الأسرةُ الحاكمةُ في هذه الدولة، مذ أنشأهُما – أيْ الفكر الوهابي والحُكم السعودي- مترادفين، غــازٍ بريطانيٌّ “غابت شمسُه”، ويتعهّدُهما من بعده غازٍ أميركي مستكبرٌ يحــدوهما إلى كُلّ ما يتناغَــمُ وأطماعَه الشريرة.

ولأن السعوديةَ وداعش يخرُجان من ذات المُشكاة وينهجان النهجَ عينَه، يتشابهان حتى في أسلوب الإعدام الذي يتم بحقّ المواطنين السعوديين، وبالأخص للمناوئين لحُكم آل سعود، وعادةً ما يتم بضربة سيف، وهذا يماثلُ ما تفعله “داعش” بضحاياها، وهو أحدُ الأساليب فقط، بالإضافة إلى الذبح بالمُــدَى والحرق والإغراق والصعق بالكهرباء، التي تقوم بها “داعش” حين تقتلُ رهائنها خارج نطاق القضاء.

وقديماً قال فيلسوفٌ عــربي إسلامي، اسمُه علي بن أبي طالب عليه السلام: “ما أضمر أحدٌ شيئاً إلا ظهَــرَ على صفحات وجهه أو فلتات لسانه”، فما يُخفيه عتاولةُ آل سعود عن علاقة مملكتهم بالجماعات المتطرفة، يظهَــرُ بعلوّ الصوت وبــ”الفَمّ المليان” في تصريحات بعض المحسوبين على بلاطهم وفي كتابات صحفيين وكُتّاب مقربين من عرشهم.

الكاتبُ السعودي جمال خاشقجي الذي يُحسَب من الوجوه البارزة في الإعلام الذائد عن الأسرة والمنافح عن أمراء آل سعود وفضائحهم، والمقرّب من دوائر صُنع القرار بالسعودية، في تغريدة له عبرَ صفحته بموقع التدوين المصغّر “تويتر”، أبـــَانَ ما لم يعُد مُبْهَـماً وكشف المكشوفَ أصلاً عن وشائج تربُـطُ المملكة بالتنظيم الداعشي الذي أراد تلميعَه حين قال: (إن تنظيم داعش ليس شراً مطلقاً).

وليس ثمة بأسٌ في السياسة التي تنهجُها المملكة حين تسعى إلى شيطنة مَن تعتبرهم أعداءً لها، أن تُعلي من شأن هذا التنظيم سيء السمعة، وقد نحا خاشقجي ذاتَ المنحى، وفي ذات السرب غرّد: (لا يوجدُ بالسياسة شر مطلق ولا خير مطلق، تذكرتُ هذا وأنا استمع لشباب من الموصل قال أحدهم (أوذينا كثيراً من داعش ولكنهم للحق حمونا من شر أعظم).