تقرير | الصمو | خلال الأسابيع القليلة الماضية تصاعدت الإدانات الدولية الرافضة للقرار الأمريكي بتصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية، لكون القرار الذي اتخذ من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد خالف الكثير من الوقائع والحقائق على الأرض.
وأمام ذلك الرفض الدولي، لم يكن أمام إدارة الرئيس جو بايدن سوى الإذعان لتلك المطالب من خلال الإقرار بأن ما قامت به إدارة ترامب، ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا بد من اتخاذ القرار المناسب في رفع أنصار الله من القائمة الأمريكية.
جدير بالذكر أن قرار إدارة بايدن المنتظر إعلانه اليوم بشأن رفع أنصار الله من القائمة السوداء، قد سبقته مجموعة من الإجراءات والمرتبطة بتعليق مؤقت للقرار السابق، لا سيما بعد المناشدات الدولية وذلك لإتاحة وصول المساعدات الإنسانية، حيث ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في وقت سابق إن كل التعاملات سيسمح بها مجددا لغاية 26 فبراير، وفي هذا السياق علق برايان أوتول وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة عن القرار بقوله “إنه بالضرورة يزيل الأثر الكامل للتصنيف، بينما يتيح لإدارة بايدن فرصة لاتخاذ القرار بنفسها بدلاً من الاصطدام بقرار مايك بومبيو (وزير الخارجية السابق)”.
والملاحظ أن إدارة بايدن لم تنتظر طويلاً في البدء بإلغاء أحد أكثر القرارات التي تعرضت لانتقاد وجدل واسع داخل أروقة دوائر صنع القرار السياسة الأمريكي، وكان من الواضح النوايا المسبقة في ايقاف القرار وهو ما تحدث به بايدن صراحة أثناء خطابه الأول حول السياسة الدولية لبلاده، حيث أكد أن إدارته سوف تعزز جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن التي تسببت بكارثة إنسانية واستراتيجية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أكد بإنه تم إبلاغ الكونغرس رسميا بنية وزير الخارجية إلغاء هذه التصنيفات، وبأن القرار جاء بعد مراجعة شاملة، وأضاف، أن الوزير أنتوني بلينكن، بدأ رسميا بإجراءات شطب أنصار الله في اليمن من لائحة الإرهاب التي أدرجتهم الإدارة السابقة لكونها خطوة تقول منظمات العمل الإنساني إنها تضر بتقديم المساعدات الأساسية، وأكد المتحدث باسم الخارجية بإن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أوضحت منذ ذلك الحين، أن إدراج أنصار الله على لائحة المنظمات الإرهابية، سيؤدي إلى تسريع أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفي السياق ذاته نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي قوله إنه “بعد مراجعة شاملة بوسعنا أن نؤكد أن وزير الخارجية يعتزم إلغاء تصنيف أنصار الله (الحوثيون)، على أنها منظمة إرهابية أجنبية، وعلى أنها منظمة إرهابية عالمية”، وأضاف أن قرار الولايات المتحدة “يرجع بالكامل إلى العواقب الإنسانية لهذا التصنيف الذي اتخذته الإدارة السابقة في اللحظة الأخيرة.
وينظر إلى القرار الأمريكي الجديد، بأنه محاولة لتخفيف الضغوط المتزايدة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية جراء تورطها في حرب اليمن، وبالتالي كان القرار في إطار تعزيز جهود واشنطن الدبلوماسية لإنهاء الحرب على اليمن الدائرة منذ 2014.
وفيما يخص الموقف الدولي بشأن القرار الأمريكي القاضي برفع انصار الله من قائمة الإرهاب الأمريكية، أشاد ستيفان جوجاريك المتحدث باسم المنظمة الدولية بقوله “إن الأمم المتحدة رحبت بخطة أمريكا لإلغاء تصنيف أنصار الله، لأنها ستوفر إغاثة ضخمة لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية لتلبية احتياجاتهم الأساسية من أجل البقاء”، وأكد جوجاريك بأن القرار خطوة إيجابية للغاية، معرباً عن أمل المنظمة في أن يعطي هذا القرار زخما إلى التسوية السياسية للنزاع في اليمن، وأضاف “أعتقد أن مراجعة تصنيف الحوثيين وتعيين مبعوث أمريكي جديد إلى اليمن واللغة الواضحة التي يستخدمها كبار المسؤولين في الإدارة، وفي مقدمتهم الرئيس بايدن نفسه، للتعبير عن دعمهم القوي لعملية الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة، يمثل أمراً موضع ترحيب للغاية”.
وفي سياق متصل، رحب جيمس كليفرلي “وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” برفع الإدارة الأميركية تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية، وأكد عن سعادته بهذا القرار، وأوضح الوزير “كنا قلقين للغاية من تبعات تصنيف الإدارة الأميركية السابقة، وبأنه سوف يؤدي إلى زيادة صعوبة وصول الدعم الإنساني إلى اليمن، وأضاف: “نقلنا مخاوفنا إلى إدارتي ترمب وبايدن، يشار إلى أن التراجع الأمريكي يأتي في أعقاب إعلان وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو قرار إدراج أنصار الله على لائحة الإرهاب قبل يوم واحد من مغادرة إدارة ترامب البيت الأبيض، رغم تحذيرات المنظمات الدولية بأن القرار سوف ينعكس سلبياً على الوضع المأساوي في اليمن.
وبعد قرار إدارة ترامب، كان من الواضح أن القرار قوبل بالرفض في الداخل الأمريكي “قبل الخارج” ومن قبل العديد من المختصين بالشأن اليمني، حيث أكد السفير الأمريكي الأسبق في اليمن “جيرالد فيرستين”، أن إدراج أنصار الله في اليمن على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بـ”الخطأ الكبير، وبأن الإقدام على هذه الخطوة يعتبر “مشكلة لأمريكا أكثر من أنه مشكلة بالنسبة للحوثيين”، وفيما يخص تأثير القرار أوضح السفير بقوله “الحوثيون نوعا ما لن يكونوا متأثرين بذلك، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، الأمور سوف تكون أكثر تعقيدا بالنسبة لأمريكا من ناحية لعب دور إيجابي في محاولات حل النزاع”.
ولم يقف رفض القرار عند الدبلوماسي السابق، حيث وجه 25 مشرعا أميركياً رسالة إلى وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ندووا فيها بقرار إدارة دونالد ترامب تصنيف أنصار الله اليمنية منظمة إرهابية، محذرين من العواقب الكارثية لهذا التصنيف، ووصف المشرعون القرار بقصير النظر، وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس “إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية سوف يجعل من الصعب تقديم المساعدات المنقذة للحياة في بلد يعاني بالفعل من أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، وأضاف “سيعاني الناس ويموتون، ويمكن منع هذه الوفيات بالكامل”.
وفيما يخص الموقف الدولي من قرار إدارة ترامب، كان من الواضح أن هناك شبه اجماع من قبل المجتمع الدولي برفض القرار الأمريكي، ولم تختلف المواقف الدولية تجاه القرار الذي أضاف مزيداً من التعقيدات للأزمة اليمنية، وإلى جانب تحذير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من عواقب القرار، كانت المنظمات والدول الكبرى أكثر وضوحاً من خلال الرفض والتنديد بالقرار الأمريكي.
وفي سياق الرفض الدولي، حذر المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” من أن “تصنيف الولايات المتحدة أنصار الله منظمة إرهابية أجنبية، قد يجعل جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل شامل للنزاع في اليمن، أكثر صعوبة”، وأكد بوريل أن “الاتحاد الأوروبي قلق خصوصا من تداعيات هذا القرار على الأوضاع الإنسانية في اليمن المعرض حالياً لخطر مواجهة مجاعة عامة وشيكة”.
ولم تخفي الصين قلقها من القرار الأمريكي، حيث أعرب المتحدث باسم الصين في مجلس الأمن عن قلقه الشديد من التأثير المحتمل للقرار الأمريكي على الوضع السياسي والانساني في اليمن، ولم يختلف الموقف الفرنسي عن مثيله الصيني، الذي أعرب عن قلقه البالغ من التأثير المحتمل لقرار الولايات المتحدة على الوضع الإنساني في اليمن.
فيما كان الموقف الروسي أكثر تقدماً من غيره عندما أكد مندوب روسيا لدى مجلس الأمن عن رفضه فرض إجراءات “أحادية الجانب”، خاصة في ظل الوضع الإنساني المخيف والتصعيد الخطير للصراع في اليمن، وحث المندوب واشنطن على إعادة النظر في القرار ومحذرا مما قد يسببه هذا القرار من تفاقم الوضع الإنساني وتقويض جهود الأمم المتحدة لبدء المفاوضات.
وحول موقف المملكة المتحدة، أشارت السفيرة “باربرا وودوورد” في مجلس الأمن بقولها ” لقد أحطنا علما بقرار الولايات المتحدة الخاص بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية”، وأضافت “سيكون من الأهمية بمكان الاتفاق فوراً على استثناءات من شأنها ضمان استمرار الجهود الإنسانية والواردات التجارية دون عوائق، وحتى تتواصل عملية السلام دون أي عراقيل”، ولم يكن غريباً استمرار حالة التبعية للسياسات الأمريكية من قبل المملكة المتحدة وفي مختلف القضايا والملفات.