توازن الردع الخامسة.. الرسائل والتداعيات المتوقعة
مقالات |الصمود |حلمي الكمال
لم يكن العرضُ الكرنفالي المهيبُ الذي نظمته القوةُ الصاروخية والطائرات المسيَّرة اليمنية داخل العمق السعودي لأكثرَ من 10 ساعات متواصلة، مستهدفةً مواقعَ حسَّاسةً لكيان العدوّ في ثلاثة مدن سعودية كبرى، بينها العاصمة الرياض، بثًّا تجريبيًّا لمناورة عسكرية، بل إنه هجومٌ كاسحٌ غيرُ مسبوقٍ في التاريخ العسكري.
عمليةٌ هجوميةٌ بهذا الحجم لن تشعلَ النارَ تحت مرابض الطائرات ومواقع العدوّ الحيوية وحسب، بل ستوقظُ ليلَ الغرف العملياتية في الرياض وواشنطن وتحيلها إلى ظلام طويل ونهارٍ غير مسمى، وستخطف النومَ من أمراء الحرب لسنوات طويلة.
تشكِّلُ عمليةُ توازن الردع الخامسة ضربةً قاصمة ومدوية للتحالف الأمريكي السعودي من شأنها أن تُحدِثَ تداعياتٍ كبيرةً على المشهد السياسي والعسكري لعدة نقاط أبرزها:
أولاً: إن عدم توضيح الأهداف الحساسة المستهدفة في العاصمة السعودية في بيان عملية توازن الردع الخامسة خَاصَّة يشير إلى أن العملية الهجومية قد طالت مواقع عالية المستوى للإدارة السعودية أَو الأمريكية، وإن مُجَـرّد كشفها للعلن سيكون بمثابة فضيحة وضربة قاضية للدولتين، بالتالي سيكون لهذه الخطوة عائدٌ إيجابي على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية.
أعطت الردع الخامسة صنعاء نصراً أولياً أكبرَ من فرض سياسة تقليم الأظافر ووضع العدوّ داخل زاوية ضيّقة.
أظهرت العملية عجز قوى العدوان أمام الضربات اليمنية وإجبارَها على تلقي الضربات بصمت مقابل عدم نشر ما تم استهدافه، على أن أقصى ردة فعل للعدوان إطلاقُ المزيد من العويل في المجتمع الدولي.
ثانياً: ستعزز عملية الردع الخامسة التقدم العسكري لقوات الجيش واللجان الشعبيّة على الأرض إذَا أن هذه الضربة الاستراتيجية ستعمل على تحييد مشاركة الطيران المعادي في معارك مأرب إلى درجةٍ كبيرةٍ ليس فقط لضربها مرابض الطائرات الحربية للعدو بل لفرض صنعاء سياسة ردع جديدة قائمة على إضعاف القدرة الهجومية لتحالف العدوّ لإرضاخه وعزله عن أدواته، فالعدوّ عقب اتساع مساحة الردع التي أصبحت تتهدّد مصالحه الداخلية سيسعى للحفاظ عليها ولن يقامر في التمسك بأدوات آفلة خُصُوصاً بعد الهزائم الساحقة التي مني بها مرتزِقته في الأسابيع الأخيرة.
ثالثاً: قدرة الطائرات الحربية اليمنية على تحليقها ومرحها بكل حرية فوق سماء العدوّ السعودي، التي أثبتت فشل جميع المنظومات الدفاعية الحديثة ومنها البريطانية التي تم نصبها في الشهور الأخيرة على طول الجغرافيا السعودية، تؤكّـد أن الحربَ قد دخلت مرحلةً حاسمةً.. مرحلة الوجع الكبير وضرب الخاصِرات الحيوية التي يبدو أنها ستكتُبُ النهايةَ المأساوية المستحقة للتحالف الأمريكي السعودي.
ما يعني أن الضربات اليمنية لن تتوقفَ عند ضرب المطارات والقواعد العسكرية، بل ستذهب لضربِ جميع المصالح الحساسة والحيوية داخل العمق السعودي.
رابعاً: كسرت عمليات توازن الردع الخمس السابقة جميعَ العقبات العسكرية وفتحت قواعدَ اشتباك جديدة وفق أجندات صنعاء، أهمُّها قلبُ موازيين المعركة رأساً على عقب، وتثبيط ثقافة الهجوم للعدو عكسياً إلى سياسة الدفاع المضاد لصالح اليمن، ومن “قادمون يا صنعاء” إلى “الدفاع عن الرياض”.
الأمر الذي يعني أن صنعاء استطاعت نقل المعركة إلى عمق العدوّ وهذا نصر استراتيجي كبير من شأنه ترسيم حدود واضحة لمستقبل العدوان بما فيها دعم موقف صنعاء على الأرض وعلى طاولة أية مفاوضات سياسية قادمة وفرض شروطها الوطنية.
على تحالف العدوان السعودي أن يتناولَ بجدية تامة هذه المرة الرسائل التي حملتها توازنُ الردع الخامسة حتى يوقف عدوانَه ويرفع حصاره الجائر على الشعب اليمني؛ لأَنَّ المؤشرات القائمة تؤكّـد أن الرياض لن يكون بمقدورها أن تتحمل عمليات توازن ردع جديدة بهذا الوزن والحجم، ولا نعلم ما الذي تخبئه القوات المسلحة اليمنية من مفاجآت للتحالف في عملياتها القادمة!
على أية حال، فَـإنَّ عملية توازن الردع الخامسة تمنحُ صنعاءَ هيمنةً ضاربةً على زمام المعركة وتعطيها الأولوية لكسب مخرجات الملفين العسكري والسياسي على حَــدٍّ سواء، ولا مفر أمام العدوّ من الرضوخ لإرادَة اليمنيين قبل أن يفقد كُـلّ شيء.
أعتقد أن عقبَ عملية توازن الردع الخامسة لن تكون الرياض وحدَها عرضةً للصواريخ اليمنية بل إن جميع المصالح الأمريكية في المنطقة ستذهب إلى الجحيم إن لم يتم وقف العدوان والحصار الجائر على الشعب اليمني.
هذا ما يجب أن تفهمه قوى العدوان وكل الداعمين لها إذَا ما أرادت الحفاظ على ما تبقى من وجود في عصر يماني جديد لم يعد لوجود المصالح الأمريكية فيه أية ضمانات للبقاء.