يومُ القدس.. بالتاريخ الهجري
| الصمود | مقالات : نهاد الزركاني
عندما نمُـــرُّ على يوم ِالقدس العالمي علينا أن لا نمُـرَّ عليه مرورَ الكرامِ لا بد من وقفةٍ تحليليةٍ، ولا سيما ما يمُرُّ به العالم من تغيُّرات وتقلبات (وبلورت)، عالمٌ جديدٌ يكونُ فيه تعدُّدُ الأقطاب ويحملُ هذا التحليلُ السياسيُّ عدةَ أبعاد.
لماذا لم يتم تحديدُ يوم القدس بالتاريخ الميلادي؟ من قبل الإمام الخميني المؤسّس للثورة المباركة في الجمهورية الإسلامية، بينما نجدُ أن كُـلَّ الأحداث المهمة وذات الطابع الأممي بالتاريخ الميلادي مثلاً: يوم العمال، يوم الطفل،… وغيرها من مناسبات محتكرة من قبل الغرب، تسويق وإشارة ورسالة واضحة إلى العالم الإسلامي والعربي بأنْ نحنُ أُمَّـةٌ مسلوبةُ الإرادَة والنهضة والاستقلالية، وهم أصحابُ الفكر والمشاريع والتخطيط وترسيخ هذا الوعي في المجتمعات الإسلامية والعربية وتقبل هذا النوع من الغزو الثقافي.
البُعدُ الأولُ (الغزوُ الثقافي)
الغزوُ الثقافي هو أخطرُ سلاح بيد الأعداء لسلبِ الهُــوِيَّة الإسلامية من الشعوب (ومن حضاراتهم وقيمهم وثقافتهم) على شكل مراحلَ، وتجذيرها بوجدان الفرد والمجتمع عند المسلمين، والهدفُ من الغزو الثقافي هو احتلالُ العقل، وهو أخطرُ من الاحتلالِ العسكري، ويعمل بالعقل الجمعي بدون أي وعي وترسيخ ثقافة غازية قاهرة في ثقافة مغزوَّة مقهورة.
ولقد لاحظنا ذلك بالعراق عن الخلاف القائم حول إخراج الاحتلال الأمريكي من العراق، وثمةَ سؤالٌ يُطرَحُ: هل الاحتلالُ نعمةٌ أم نقمة؟، فهناك من يتباكى على خروج المحتلّ من العراق وهناك مَن يمجّدُ الغزوَ الأمريكي للعراق وتعجِبُه أن يتناسى فضيحةَ سجن أبو غريب وغيرها من جرائم بحق الشعب العراقي.
ابن خلدون كان يعني الغزو الثقافي في قوله الواضح: (إنما تبدأ الأممُ بالهزيمة من داخلها عندما تشرعُ في تقليدِ عدوها). أن اختيارَ سماحة الإمام الخميني ليوم القدس بشهر رمضان المبارك لبيان الهُــوِيَّة الإسلامية مقابل (الغزو الثقافي).
وأبرزُ هُــوِيَّة في التاريخ الحديث للأُمَّـة الإسلامية هي القضيةُ الفلسطينيةُ بمرور الأيّام والسنين من خلال عناوينَ وهميةٍ من خلال التاريخ الميلادي يخطّطُ لطمسِ ونسيان القضية ولا يبقى لها ذكرٌ، ولكن من خلال يوم القدس العالمي سوف تبقى خالدةً إلى أن يتم تحريرُها من الاحتلال الصهيوني، وفي نفس الوقت تذكرةٌ للأُمَّـة الإسلامية وإعطاؤها جرعةً من الوعي واليقظةِ وما يحاكُ ضدها ويحرّر المجتمعات الإسلامية من الهيمنة الغربية، وإبراز وبيان الهُــوِيَّة الإسلامية مقابل الفكر الماركسي والفكر الرأسمالي والعولمة التي فيها يدار العالم.
البُعدُ الثاني (شهرُ رمضانَ)
قدسيةُ شهرِ رمضانَ في نفوس المسلمين لها طعمٌ خاصٌّ يختلفُ عن باقي الأشهر من طاعة وعبادة ورحلة الإنسان إلى الله وتقوى الله في كُـلِّ حركتنا مع هذه المرحلة والانفتاح على نعمة الله على عباده وشعور الإنسان المسلم بأخيه من خلال الطقوس الرمضانية مثلاً الشعور بالجوع والعطش والرياضة الروحية وتجديد العلاقة مع الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى… تكون فرصة بأن الإنسان يراجعُ نفسَه ومواقفَه تجاه القضايا المصيرية، وأهم هذه القضايا قضيةُ شعبٍ كاملٍ مسلوبِ الحرية والإرادَة ويحاربُ من قبل العالم الغربي الذي يرفع شعارَ حقوق الإنسان هم أصحابُ الضمير النفطي وليس الإنساني، وهناك شعب متشرد من أرضه من قبل الصهيونية العالمية، أراد الإمام روح الله قدس الله سره استثمارَ هذه الأجواء الروحية ويطلقُ صرخةَ القدس ومظلومية قضية فلسطين بوجه الاستكبار العالمي، ويعرّفهم بأن هذه القضية لا تموتُ بالتقادم ما دام هناك مُطَالِبٌ بالحق وهناك مُتمسِّكٌ بالأرض.
البُعدُ الثالثُ (آخرُ جمعة)
لا يأتي محلَّ صدفةٍ آخر جمعة من شهر رمضان يوم القدس العالمي من قبل السيد الإمام الخميني، بما أن حسابَ بداية الشهور الهجرية تعتمدُ على المنطقة الجغرافية، ويأخذُ دخولُ الشهر على رؤية أَو مشاهدة الهلال، لهذا لا يمكن وضعُ تقويمٍ واحد لكل العالم.
وإن كانت هناك اختلافاتٌ ما بين المذاهب الإسلامية حول كثيرٍ من الأمور الفقهية والعقائدية واستغلالها من قبل الغرب بشكلٍ سيءٍ للتفريق ما بين المسلمين في العالم.
أراد الإمام الخميني أن تكونَ آخرُ جمعة من شهر رمضان المبارك التي لا تكونُ محلَّ اختلاف ما بين المسلمين وإيصال رسالةٍ إلى الغرب بأن الاختلافَ ما بين المسلمين ظاهرةٌ طبيعيةٌ، وهي موجودة في كافة الديانات السماوية، ولكن القضايا المصيرية توحّد المسلمين، ومن أهمِّ هذه القضايا قضيةُ القدس التي لا يختلفُ عليها أيُّ مسلم غيور، وأن المحتلَّ الصهيوني غاصبٌ ومعتدٍ على أرض وشعب فلسطين، وتوحِّدُهم قضيةُ القدس المحتلّ، ويستطيع المسلمين أن يكونوا يداً واحدةً ضد الاستكبار العالمي وكل معتدٍ على أرض المسلمين، وهذه من أهمِّ الأبعاد والرسالة التي أراد أن يوصلَها الإمام الخميني إلى الغربِ بأن المسلمين يتوحَّدون عند ما تمُسُّ القضيةُ كرامتَهم وأرضَهم ويكونون يداً واحدةً ضد الغزاة.
* كاتبٌ عِراقي