سد النهضة.. صراع المياه واستدراج مصر للسقوط في وحل الحرب!!
تقرير | الصمود | يكاد يتفق الكثير من المراقبين والمهتمين بشؤون المنطقة العربية إلى حد الإجماع على أن تأجيج وإذكاء الصراع القائم حاليا بين أثيوبيا ومصر حول سد النهضة والذي تقف خلفه قوى إقليمية ودولية، يهدف إلى استدراج الجانب المصري للسقوط في وحل حرب عبثية واسعة تأكل معها الأخضر واليابس وتخدم مشروعها الكبير في إعادة تشكيل المنطقة وتغيير ملامحها.
وبين من يتساءل هل ينجر النظام المصري الحالي وراء الأصوات التي تدعوه لشن الحرب وبين من يرى استحالة أن تقدم مصر على هذه الخطوة، وهي من فوتت كافة محاولات القوى الإقليمية والدولية المستفيدة من إسقاطها من قبل، وذلك في إشارة الى تجاوزها للكثير من الأحداث والمحن التي عصفت بالكثير من الأنظمة في العالم العربي على خلفية ما يعرف بثورات الربيع العربي، فتأتي إشكالية سد النهضة لتضع مصر على المحك.
وفي هذا السياق،يتجلى الموقف المصري على لسان وزير خارجيتها الذي حذر في وقت سابق من تصاعد حدة التوترات على نحو قد يخلق أزمات ويشعل صراعات من شأنها زعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة بالأساس حال إقدام أحادي الجانب على ملء وتشغيل هذا السد دون توافق يتضمن الاحتياطات الضرورية لحماية دول المصب .
فيما يبرز موقف إثيوبيا من خلال إعلان فشل الولايات المتحدة والبنك الدولي في إقناعها بتوقيع اتفاق مع مصر في فبراير الماضي، فيما أعلن الاتحاد الأفريقي أنه سيحاول التوصل إلى حل بشأن معضلة أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وتشير كلمات مصر على لسان وزير خارجيتها إلى أن هناك حاجة عاجلة إلى اتفاق بهذا الخصوص، فيما تقول إثيوبيا من جهتها إنها ترغب في التفاوض تحت رعاية الاتحاد الإفريقي بدلا من الأمم المتحدة وتتهم مصر بالتعنت والإصرار على حقوق تاريخية.
وهذه الحقوق التاريخية التي طالما أعربت مصر عن تخوفها من التعدي عليها ، تعود إلى عام 1929 على الأقرب ، عندما أقرت الحكومة البريطانية حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل كما تمنح هذه المعاهدات مصر حق النقض (الفيتو) على أي مشروع .
وفي الواقع لا تزال المفاوضات بخصوص أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا تحافظ على غلاف من الدبلوماسية الرصينة لكن في كلمات ممثلي البلدين هناك حدة بات من الصعب إخفاؤها .
وفي الأيام الأخيرة عقد عن بعد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لبحث مسألة سد النهضة الأثيوبي الذي يشيد على مجرى النيل الأزرق .
لكن حجم الهوة الدبلوماسية تلك يتضح بجلاء حينما يتم النظر الى الجانب الاجتماعي في كلا البلدين وهي تهدد برفع درجة التعصب الوطني وانعدام الثقة بين كل من الشعبين المصري والإثيوبي حيث ينظر في مصر إلى السد القائم على رافد النيل الأساسي بوصفة تهديدا بالتحكم في تدفق المياه التي تعتمد عليها كل مناحي الحياة في مصر تقريبا.
أما في إثيوبيا فينظر إلى ذلك السد حال تشغيله بكامل طاقته بوصفة المحطة الأكبر إفريقيا لتوليد الكهرباء وتوفيرها لـ (65 مليون إثيوبي) محرومين منها.
ويحتدم اللغط بعد تسع سنوات من المفاوضات بما يعكس حقيقة إننا إزاء المشهد الأخير من العملية السياسية أكثر مما يعكس إننا إزاء فجوة يتعذر جسرها أو أن الأمور ستهدأ عما قريب.
لكن كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد لديهما اعتبارات سياسية داخلية وشعوب باتت تستثمر بقوة في القضية.
ففي إثيوبيا يستثمر الناس حرفيا في السد حيث أسهم إثيوبيون في الداخل والخارج بأربعة مليارات دولار قيمة سندات أغرتهم الحكومة بشرائها .
وكانت بريطانيا قد وقعت نيابة عن مصر اتفاقية في عام 1929 م ووقعت مصر بعدها اتفاقية عام 1959 مع دول الحوض والتي تضمنت بند الأمن المائي ، والذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب .
وكانت محكمة العدل الدولية التي ينوي البرلمانيون رفع الدعوى القضائية أمامها قد قضت عام 1989 بأن اتفاقيات المياه شانها شأن اتفاقيات الحدود ولا يجوز تعديلها وحاليا يقوم بالإشراف على مشاريع المبادرة كلا من وزارة الخارجية المصرية ومختلف الوزارات المعنية وخاصة وزارة الزراعة المصرية بإشراف العلاقات الزراعية الخارجية
ووقعت في فبراير 1999 مبادرة حوض النيل والتي ضمت دول حوض النيل العشر وهي ( مصر ، السودان ، اوغندا ، اثيوبيا ، الكونغو الديمقراطية ، بوروندي ، تنزانيا ، رواندا ، كنيا ، وارتيريا ) والتي هدفت إلى تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين هذه الدول ، وقد تم توقيعها في تنزانيا بحسب الموقع الرسمي للمبادرة التي تنص على الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السياسي والاجتماعي من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل .
وتاريخيا للنيل تاريخ ضارب في القدم حيث قامت على ضفافه واحدة من أقدم الحضارات في العالم وهي حضارة الفراعنة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 5000 عام.
واعتمدت هذه الحضارة بالإضافة إلى الممالك السودانية على هذا النهر منذ العصور القديمة ، وكانت الزراعة هي النشاط الرئيسي لها خصوصا في السودان ومصر ، ولهذا فقد مثل فيضان نهر النيل أهمية كبيرة في حياة المصريين القدامى والنوبيين.
ويعد النيل المصدر الرئيسي للمياه في مصر والسودان على وجه الخصوص، فيما تعتمد مصر على النيل للحصول على حوالي 97% من مياه الري والشرب .
وشهدت دول حوض النيل في أواخر الثمانينات جفافا نتيجة لضعف فيضان النيل ، مما أدى إلى نقص المياه وحدوث مجاعة كبرى في كل من السودان وإثيوبيا ، غير أن مصر لم تعاني من أثار تلك المشكلة نظرا لمخزونها من مياه بحيرة ناصر والتي تقع خلف السد العالي .
وفي الوقت الراهن عادت أسوا الأزمات الدبلوماسية بين دول حوض النيل وتحديدا بين مصر والسودان وإثيوبيا للظهور مجددا وهي ما تعرف باسم أزمة سد النهضة بسبب إصرار إثيوبيا على بناء سد والقيام بملئه على مرحلتين .
وتعتبر إثيوبيا هذا السد مشروعا حيويا بالنسبة لها حيث سيساهم في تعزيز قدرتها على توليد الكهرباء ، فضلا عن دفع التنمية الاقتصادية ،بينما تعتبر مصر والسودان هذا المشروع تهديدا لحصة البلدين من مياه النهر التي يعتمد عليها بشكل أساسي في الشرب والزراعة .
ويرى الكاتب الصحفي المصري مصطفى خلاف أن إثيوبيا وقوى إقليمية أخرى تسعى لتحويل سد النهضة ليكون أول بنك للمياه في العالم ويتم من خلاله التعامل مع المياه كسلعة تباع وتشترى شأنها شأن البترول وهو ما جرى طرحه على استحياء في أوقات سابقة ضمن أوراق ودراسات خاص بالبنك الدولي .
وأضاف خلاف قائلا: “أن مياه نهر النيل كانت ومازالت مطمعا ومسرحا للتدخلات الخارجية المباشرة منها وغير المباشرة” .
وقد بذلت مصر جهودا كبيرة على مر التاريخ لتأمين وصول مياه النيل إلى أراضيها لإدراكها أنه يمثل شريان الحياة لمصر والمصريين وأنها قدمت على مدى سنوات طويلة خاصة خلال الحملات التي بدأت منذ عهد محمد على وصولا إلى عهد الخديوي إسماعيل الآلاف من أبنائها الذين خرجوا في حملات متتالية لتأمين منابع النيل والتصدي لتهديدات إثيوبيا ” الحبشة ” المستمرة .
وأشار الكاتب إلى أنه مع زيادة عدد السكان في مصر بالتزامن مع مشروعات التوسع الافقي الجديدة فإن الطلب على المياه سوف يزداد بوتيرة عالية خلال الفترة المقبلة نتيجة لزيادة الطلب على الغذاء ولتلبية متطلبات الحياة المختلفة ، غير أن مكمن الخطورة في أن الغالبية العظمى من موارد مصر المائية المتمثلة في نهر النيل تأتي من خارج حدود القطر المصري وهي مياه مشتركة تأتي من منابع حوض النيل ونحو 85% منها يأتي تحديدا من المرتفعات الإثيوبية .