لبنان يستغيث أشقائه وأصدقائه المساعدة في محنته قبل الانهيار وفوات الأوان
| الصمود | في الوقت الذي يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ومالية منذ سنوات طويلة، صنفها البنك الدولي “ضمن أشد 10 أزمات وربما إحدى أشد 3 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن الـ19″، تبرز مخاوف من حدوث انهيار شامل بعد تدهور عملته المحلية المريع ما قد يدخل البلاد في نفق مظلم قد ينتج عنه مالا تحمد عقباه.
فاللبنانيون يعيشون أياماً صعبة للغاية تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخ البلاد، تتزامن مع انسداد سياسي تسبب في عدم تشكيل حكومة مستقرة حتى اليوم، ما يعرقل الكثير من الخدمات المقدمة للمواطنين ويدفع بالبلاد إلى شفير الانهيار التام.
رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان حسان دياب، دق ناقوس الخطر.. ودعا في كلمة له وجهها للشعب اللبناني اليوم الأربعاء، من وصفهم بـ”أشقاء لبنان وأصدقائه”، بالوقوف إلى جانبه، ومساعدته في محنته القاسية، وذلك بعد مرور 300 يوم على استقالة حكومته.
ونقلت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام عن دياب، قوله: “لأشقاء لبنان وأصدقائه، أناشدهم عدم تحميل اللبنانيين تبعات لا يتحملون أي مسؤولية فيها.. فالشعب اللبناني ينتظر من أشقائه وأصدقائه الوقوف إلى جانبه، ومساعدته في محنته القاسية، ولا يتوقع منهم أن يتفرجوا على معاناته أو أن يكونوا مساهمين في تعميقها”.
وأضاف: “أناشد الأشقاء والأصدقاء، لبنان في قلب الخطر الشديد، فإما أن تنقذوه الآن وقبل فوات الأوان، وإلا لات ساعة مندم”.
وخاطب دياب أبناء شعبه، قائلا: “للبنانيين، أدعوهم إلى الصبر على الظلم الذي يعانون منه أو سيطالهم من أي قرار تأخذه أي جهة ويزيد في معاناتهم، لا أريد توجيه الاتهام لأحد، لأن المرحلة تتطلب أعلى درجات المسؤولية كي نتمكن من تخفيف آلام السقوط في حال حصوله لا سمح الله”.
وأضاف: “أدعو القوى السياسية إلى تقديم التنازلات، وهي صغيرة مهما كبرت، لأنها تخفف عذابات اللبنانيين وتوقف المسار المخيف.. فتشكيل الحكومة، بعد نحو 10 أشهر على استقالة حكومتنا، أولوية لا يتقدم عليها أي هدف أو عنوان”.
وتابع دياب: “على مدى 15 سنة مضت، تحوّل الفراغ إلى قاعدة في البلد، بينما وجود الدولة ومؤسساتها هو الاستثناء.. أمّا اليوم، فالحلقة المفرغة تحاصر الآمال بإمكانية الخروج من المأزق الذي أضحى أزمة وطنية تهدّد ما تبقى من مقوّمات الدولة والدستور والمؤسسات”.
ولفت إلى أنّ الأخطر هو ما تتركه هذه الأزمة من تداعيات سلبية على يوميات اللبنانيين الذين يستعيدون مشاهد مؤلمة من زمن ليس ببعيد، وهي تُستعاد اليوم في سياق مسار الانهيار المتعدّد الأوجه، وكأنّ هناك من يسعى ويعمل على تكرار تلك الطقوس تحقيقًا لغايات في النفوس.
وحذّر دياب من أنّ الانهيار، في حال حصوله، لا سمح الله، ستكون تداعياته خطيرة جدا، ليس على اللبنانيين فحسب، وإنما على المقيمين على أرضه أيضا، وكذلك على الدول الشقيقة والصديقة، في البر أو عبر البحر، ولن يكون أحد قادرا على ضبط ما يحمله البحر من موجات.
وختم دياب قائلاً: “إنّنا اليوم أمام واقع صعب جدًا عبّر عنه البنك الدولي في تقريره قبل أيام عندما اعتبر أنّ لبنان غارق في انهيار اقتصادي، قد يضعه ضمن أسوأ 10 أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، في غياب أي أفق حلّ يُخرجه من واقع متردٍ يفاقمه شلل سياسي”.
هذا وكانت الرئاسة اللبنانية قد أكدت في وقت سابق أن “استمرار هروب” رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تحمل مسؤولياته في تأليف حكومة متوازنة وميثاقية تراعي الاختصاص والكفاءة وتحقق المشاركة “يشكل إمعاناً في انتهاك الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وينم عن رغبة واضحة ومتعمدة في تعطيل عملية تشكيل الحكومة”.
وأبدت الرئاسة أملها في أن تتوج الجهود الرامية إلى تشكيل الحكومة بنجاح في أسرع وقت ممكن لتحقيق الإصلاحات المطلوبة.. مضيفة: إن “رئاسة الجمهورية هي اليوم على مفترق طرق مع من يخرج عن الدستور أو يبقى صامتاً حيال كل ما يجري.. علماً أن مصلحة لبنان العليا تسمو فوق كل اعتبار ومعها مصلحة الشعب الذي هو مصدر السلطات”.
فيما دعا إعلاميون ونشطاء الثلاثاء على مواقع التواصل إلى تحرك وسط العاصمة بيروت، في ساحة سمير قصير، المعروفة برمزيتها في الدفاع عن الحرية، ضد ما اعتبروه قمعاً وتقليصاً للحريات، واحتجاجاً على توالي الاعتقالات والتوقيفات على خلفية كتابات، تتعلق بآرائهم ومواقفهم من الطبقة السياسية الحاكمة.
وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي، قد ناشد الأحد الماضي، دول العالم مساعدة لبنان “قبل فوات الأوان”.. مؤكداً رفضه المساس بأموال المودعين واحتياطي المصرف المركزي اللبناني.
وقال الراعي: “لو أدركت الجماعة السياسية عندنا رسالة لبنان وقيمتها في الأسرتين العربية والدولية، ولو أدركوا خصوصيته وهويته، لحافظوا عليه وقطعوا الطريق عن الساعين إلى تشويهه”.
ويُعد الانهيار المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار، من أسوأ انعكاسات الأزمة اللبنانية الحالية، حتى وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى نحو 10 آلاف ليرة وخسارة العملة الوطنية لأكثر من 85 في المائة من قيمتها ما تسبب في وقوع الكثير من الاشتباكات بين المواطنين والعاملين في المتاجر والأسواق خصوصاً بسبب التدافع لشراء السلع المدعومة من الدولة والخلاف على أسعار السلع التي تضاعفت بشكل جنوني مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
فيما شدد الأزمة وانعكاساتها على حياة اللبنانيين، إعلان الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية وإغلاق البنوك أمام العملاء من حين إلى آخر وتشديد القيود على عمليات سحب العملات الأجنبية.
وتقول أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا في حوار مع (DW) عربية: إن “هناك أكثر من عامل وراء الأزمة الاقتصادية في لبنان أولها “السياسات الاقتصادية التي كرسها رفيق الحريري في التسعينات من القرن الماضي عندما وضع سياسة نقدية ريعية تعطي مجالاً للخدمات على حساب الاقتصاد المنتج”.
وأضافت: إن “هذه السياسة كان من المنتظر أن تصل إلى مرحلة يفلس فيها الشعب اللبناني وتفلس مؤسساته، لأن الاقتصاد لا يمكن أن يقوم على الريع دون إنتاج فعلي”.
وتابعت: إن “السبب الثاني هو الفساد والنهب المنظم لخزينة الدولة اللبنانية، فهناك تقارير تشير إلى نهب حوالي 52 مليار دولار من خزينة الدولة لا يُعرف كيف صُرفت ولا أين تبددت! والمطلوب حالياً من التدقيق الجنائي الآن هو أن يتابع مسار تلك الأموال المنهوبة”.
أما العامل الثالث بحسب “نقولا” فهو “التهريب وخصوصاً الدولار والمواد الغذائية المدعومة إلى الخارج، إضافة إلى جشع التجار”.. فيما حدت السبب الرابع بأنه خارجي، “فلا شك أن ضغوط ترامب على إيران وحلفائها أدت إلى الضغط على الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي، ما أدى إلى وقف التحويلات الخارجية وأدى الى عدم التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني بشكل مريح”.
وبحسب تقرير نشره مرصد الأزمة بالجامعة الأمريكية في لبنان، فإن الأسوأ لم يأت بعد وإن البلاد على شفا انهيار شامل لن يطال الاقتصاد وحده.
ويشير التقرير إلى أن السبب الرئيسي للأزمة هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحل والمواجهة.
فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن تشبّث رئيس الجمهورية وتياره السياسي بالحصول على حصّة حكومية مرجحة هو ما يعيق ولادة الحكومة، رغم أنه ينفي ذلك.. ولم تنجح مبادرات محلية وخارجية حتى الآن في تقريب وجهات النظر.
الجدير ذكره أن أزمة لبنان السياسية والاقتصادية الحادة، منذ أكتوبر 2019، باتت تهدد وجوده، وفق تصريحات المعنيين اللبنانيين أنفسهم، دون وجود أية رؤية واضحة للحل أو لإيقاف مسار التدهور على الأقل.. ويتبادل المسؤولون اللبنانيون الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية عنها، أو من يعرقل مسار الخروج منها.
وعلى المدى القريب والعاجل، فإن الخطوة الأولى والضرورية لمواجهة الانهيار المالي، هو أن تشكِّل أو أن تسمح القوى اللبنانية النافذة بتشكيل حكومة بمعايير مقبولة إقليميًّا وعربيًّا وتحظى بثقة أغلب اللبنانيين ولو بالحد الأدنى، وهذا تحدٍّ كبير لبعض قوى السلطة الحالية.
وتتعدّد التحذيرات الدولية من خطورة الأزمة في لبنان والتقارير التي تنبّه من تداعيات تدميرية شاملة.. آخر هذه التقارير وأخطرها ما صدر عن البنك الدولي أمس الثلاثاء، بأن “لبنان يغرق”.
ورجح البنك الدولي أن تحتل الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان مرتبة من الثلاث الأولى من الأزمات الأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن الـ19.
وحذر البنك الدولي، من أن التدهور الحاد في الخدمات الأساسية سيكون له آثار طويلة الأجل، تتمثل في الهجرة الجماعية، وخسائر في التعلّم، وسوء النواتج الصحية، والافتقار إلى شبكات الأمان الفعّالة.
ووفقاً لتقرير “المرصد الاقتصادي اللبناني” لربيع 2021 الصادر عن البنك الدولي، فإنّ الناتج المحلي الإجمالي للبنان انخفض من نحو 55 مليار دولار عام 2018 إلى 33 مليار دولار في 2020، كما انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 40 في المائة تقريبًا.
وأكد التقرير أنّ الطبقة العاملة التي تتقاضى راتبها بالليرة هي الأكثر تأثراً بالتراجع البالغ في قدرتها الشرائية.. وقد أظهرت مسوحات أجراها برنامج الأغذية العالمي عبر الهاتف في أواخر 2020 أنّ 41 في المائة من الأسر يصعب عليها الحصول على المواد الغذائيّة وسدّ حاجاتها الأساسيّة الأخرى.
واختتم البنك الدولي تقريره بالقول: إن إصلاح الأضرار الدائمة في رأس المال البشري في لبنان سيكون أمراً بالغ الصعوبة.. مضيفاً: “ولعل هذا البعد من أبعاد الأزمة اللبنانية ما يجعلها فريدة من نوعها مقارنة بالأزمات العالمية الأخرى”.