صمود وانتصار

كل ما يخالف القرآن هو في محل نقد، حتى تراثنا وأعلامه

الصمود | ثقافة قرآنية | تصور أن جيشًا مكونًا من مائة ألف، أو حتى خمسمائة ألف، وباعتباره جيشًا إسلاميًا، فيه الزيدي، والجعفري، والشافعي، والمالكي، والحنبلي، كل هذه المذاهب، عادة يكون بين الجيوش علماء ومثقفون ومتعلمون، أليس كذلك؟ عندما يفتحون منطقة – هذا فرض – يفتحون منطقة من المناطق في العالم أليس كل واحد سيتحرك ليعلم الآخرين بمذهبه؟ مِن منطلق أنه يريد أن يعلمهم دين الله، ويعلمهم الحق! إذًا سيُوصِل الناسُ دينَ الله مفرَّقًا إلى الآخرين فيوسعون الفُرقة، فلا يمكن لهم أبدًا أن يحظوا بنصر الله؛ لأنهم هم فيهم خلل كبير.

إذا كانت الوحدة على النحو هذا الذي رسمه الله لعباده المؤمنين في القرآن الكريم هي ضائعة في أوساطهم أليس هذا خللا كبيرًا جدًا؟ أي: أنهم سيحملون الدِّين إلى مناطق أخرى فينشرون العقائد الباطلة، وينشرون الأقوال الباطلة، والنظرات الباطلة، والمواقف الباطلة، إلى تلك الشعوب الأخرى. هل سينصر الله أمة من هذا النوع؟ وهذا فيما أعتقد هو سر قعود الإمام علي (عليه السلام) عن المشاركة فيما يسمونها بالفتوحات الإسلامية، الإمام علي يعرف أن أيَّ تحرك من جانب أمة قد أصبح الخلل فيها كبيرًا هي لن توصِل دين الله إلى الآخرين، بل ستوصِل دينًا مشوهًا، دينًا ناقصًا إلى الآخرين، والله يريد من عباده أن يُوصِلوا دينه هو، الدِّين الذي شرعه لهم، الهدى الذي أنزله إليهم، أن يوصلوه إلى الأمم الأخرى. متى سيكونون جديرين بنصر الله؟ عندما تتوحد كلمتهم على منهج واحد، وتحت قيادة واحدة.

طيِّب، هل معنى هذا بأن تتجه لضرْب أولئك الآخرين؟ لست بحاجة إلى أن تضربهم، ماذا سيحصل؟ عندما تتحرك فئة على أساس دين الله الكامل، وتحظى بنصر الله وتأييده، وتظهر أمة قوية تُعِز دين الله، وتعز نفسها، أليست هي ستكون محط أنظار الآخرين جميعًا؟ الآخرون هم من سيتخلصون مما هم عليه، وينطلقون إلى صفك، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ماذا يعني هذا؟ عندما يحصل النصر لك، ويحصل الفتح لك، أليس سيكون محط أنظار الآخرين؟ سيخلعون أصنامهم، ويخلعون خرافاتهم، وينطلقون ليدخلوا في دين الله، وتحت راية محمد أفواجًا، أليس هذا هو المثل الحقيقي؟

أمَا كانت الآلهة متعددة عند العرب؟ وكل قبيلة معها إله اسمه كذا؟ كانت كل قبيلة معها إله، تعبد إلهها وحدها، لا تعبد إله الآخرين، لكن الكل خلعوا آلهتهم وانطلقوا ليدخلوا في دين الله أفواجًا، هذه هي الرؤية الصحيحة. فمن يعملون على توحيد الأمة يجب أن يسلكوا هذه الطريقة: أن تبيِّن الخلل الذي حصل في أوساط المسلمين من بعد موت الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى الآن، وعندما تُبيِّن الخلل بطريقة منطقية فعلًا سيحصل ردود أفعال متباينة، منهم من يعتقد أن موقفك تعصب مذهبي، مذهب ضد مذهب، أوَلسنا ننقد حتى تراثنا نحن؟ نحن ننقد تراثنا، ننقد كتبًا قرأناها هي من تراثنا؛ باعتبارنا لمسنا فيها أخطاء جاءتنا من جانب الآخرين، أوصلوها طلاب العلم وعلماء، من صنعاء، ومن ذمار، ومن صعدة، ومن كل منطقة. وهكذا (قَرْوَيَة) لأن العلم يكون مفتوحًا، وحلقات العلم مفتوحة، ومزاجية، كل واحد يأخذ أطرف كتاب ويقول: سنفتح لنا درسًا في هذا!

وعندما نتحدث مثلًا عن أبي بكر وعُمَر، ونتحدث عن العقائد الأخرى، ليس من منطلق تعصب مذهبي، لا يسمى تعصبًا مذهبيًا، بل من منطلق أنه يجب أن نبيِّن الخلل، أن نبين الأخطاء سواءً داخلنا، أو داخل الآخرين؛ لنعود جميعًا. فمن هم منصفون هم من سيتأملون حقيقة، وليعودوا إلى القرآن الكريم، وسيجدون شواهد تأملاتهم، بأن هناك أخطاء في داخلنا جميعًا، سواء زيدية، أو شافعية، أو مالكية، أو حنبلية، أو كيفما كانوا.

ألسنا الآن نحاول أن نتخلص من فنين من العلوم التي نقرؤها؟ فنين نريد أن نتخلص منهما تمامًا، ونرمي بهما عرض الحائط، ما يسمى بعلم (أصول الفقه) وما يسمى بفن (علم الكلام) الكثير منكم لا يعرف هذه العبارة، هو ما يسمى بفن (أصول الدِّين) الفن الذي خصصوه لمعرفة الله، والذي لا يوصلك إلى معرفة الله، بل يصدك عن معرفة الله.

ليس من منطلق تعصب من جانب مذهب ضد مذهب، هي أن ننطلق جميعًا من داخل هذه الطائفة، ولينطلق الآخرون من داخل تلك الطائفة، نحاول أن ننظر إلى ما بين أيدينا من أين جاء هذا الخلل، فإن كان من الدِّين من أساسه، وهذا ما لا يمكن أن يكون، ولا يجوز أن يكون مصدر ما نحن عليه من ضعف وإذلال وانحطاط هو من ديننا! لكن فرضًا لو افترضنا أنه من ديننا فيمكن أن نرفض هذا الدِّين، يمكن أن نرفضه، لكننا نقطع بأنه ليس من ديننا ما يوحي ولا ما يهيئ أن تكون الأمة على هذه الوضعية السيئة، دين الله هو المنهج الكامل الذي يبني أفرادًا، ويبني أمة على أعلى مستوى ممكن، فلننطلق جميعًا لنفتش داخلنا، وعندما نقول للآخرين: أبو بكر وعُمَر، سيأتي من داخلنا من يقول: هذا منطق مثير متعصب، قد يثير الآخرين علينا، قد، قد…إلخ. نقول: الذي يثيرنا الآن، ويجب أن يثيرنا هو أمريكا وإسرائيل، أليس كذلك؟ هذه الوضعية الخطيرة التي يجب أن نرجع فيها إلى واقعنا، فلنرفض أيَّ طرف مهما كان كبيرًا أمامنا إذا ما اتضح لنا وتأكدنا بأنه كان وراء هذا الفشل الذريع الذي الأمة عليه، وكان سببًا من الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذه الوضعية السيئة، أن نرفضه، ولنعد إلى القرآن، ونعتمد على القرآن، وهو نفسه من سيكشف لنا الأشياء الكثيرة جدًا.

ولكن بموضوعية أيضًا، لا يكن بتجني أعمى، أو بتجني مغلوط، بل يكون بموضوعية، وأريد أن أقول هكذا للطلاب جميعًا، وللمتعلمين أيضًا: بأنه عندما تسمعنا ننقد كذا، أو ننقد كذا، أو كذا، أو شخصيات مُعيَّنة، لا يعني هذا أنه باب مفتوح عشوائي، بعدها تنطلق لتنقد فلانًا، وفلانًا، وآخرين دون أن تعرف هل فلان هو سبب من أسباب هذه الوضعية السيئة، أو أنه ليس كذلك؟

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

الوحدة الإيمانية

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

اليمن – صعدة