لا يمكنُ إحصاءُ القيم والفوائد المتوقعة من إحياء ذكرى ثورة الإمَـام الحسين، ذلك الإحياء الذي ينطلقُ من معاني وأبعاد ثورته التي انتصرت رغم استشهاده، والنصر هنا يأتي من خلال اتِّساعية الجُغرافيا التي وصلت إليها وَديمومةِ المبادئ التي حملتها وَالحضور الذي أبقاها عبر القرون لتصلَ إلينا كما هي فتيةً وبعنفوان البدايات.
لقد انطلقت هذه الثورة الحسينية من واقع مختلٍّ، ابتعد فيه المجتمعُ المسلم قهراً وَعدواناً على فضائله الأخلاقية التي حملتها الرسالةُ الإلهية، وَهو ما أحال هذا المجتمع إلى ساحة للمشاريع العبثية الظالمة التي امتهنت مكوناته وَجيّرت مقدراته إلى خدمة نزوات انتقامية لجماعات انتحلت اسمَ الدين وَسَطَت على القرار بقوة السيف وَالطغيان.
من هذا الواقع، اندفع الحسينُ الثائر، بدوافعِ الإنسان المنتصِرِ لقيم الفضيلة وَالمؤمن الصادق بالولاء لله ولرسوله وَالمصدق للوعود والتوجيهات الالهية التي توجبُ التحَرُّكَ في مثل هكذا ظروف؛ ولأجل العدالة كان المسير الحسيني المقدس يستنهضُ وعيَ الأُمَّــة وَضميرها تجاه هذا التجريف لقِيَمِ الإنسانية وَالإسلام.
لقد فضح الإمَـامُ الحسين بمواقفه الشجاعة زيفَ الحكام الأُمويين الذين تسلحوا بسلاح الكفر والظلم والعدوان، وحطّم الإطار الديني المزيَّف الذي صنعوه لسلطتهم، وعرَّاهم أمام مسلمي العالم كحكام مجرمين ومارقين ومنحرفين عن دين الإسلام، وَأثبت للأجيال أن هذا السلاحَ زائلٌ وأهله كذلك، والبقاءَ للحق في كُـلّ زمان وَمكان.
وَظلت هذه الثورةُ توقدُ روحَ النضال عند الإنسان المسلم وَتحفِّزُه على النهوض؛ مِن أجلِ استعادة مبادئ وقيم الإسلام المحمدي الأصيل في المجتمع الإسلامي، كما إنها لعبت دوراً بارزاً في توجيه وصقل السلوك بعدَما استوعب الناسُ حجمَ الكارثة الناجمة عن التخاذل وَالنأي بالنفس عن نصرة الحق وأهله.
لقد انتصر الحسين، وهزم بدمه سيفَ الظلم والبغي، وأسقط عرشَ الطاغوت. فكانت شهادتُه عليه السلام هي إحقاقاً للحق والعدل، وإزالة للظلم، وطلباً للإصلاح، وتأصيلاً للفضيلة، وها هي ثورتُه المباركة اليومَ لا تزال مشعلاً ونبراساً ومَعْلماً يدل على الطريق، ويعلّم الأجيالَ دروساً في الرجولة والبطولة والتضحية والقيم الإنسانية، وراية منتصرة تتناقلُها الأجيال يداً بيد عبر التاريخ.