يُعتبَرُ التقييمُ من المبادئ والأُسُسِ الهامة التي ركّز عليها الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في مشروعه، وذلك لتربية الناس على التعامل الصحيح مع واقعهم ومع مجتمعهم المحيط بهم.
وكذلك لتربيتهم على الاستعداد للتقييم الإلهي الدائم والمُستمرّ لهم في كُـلّ المراحل، انطلاقاً من قول الله تعالى:
واستشعاراً للرقابة الإلهية، واستعداداً للحساب الأُخْرَوي الذي يأتي بغتة في أية لحظة.
الأولويةُ المطلقةُ في تقييم الأحداث:
وفي أهميّة التقييم يقول الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-:
التقييم من أهم الأعمال بالنسبة للناس بالنسبة لمن يعملون في الساحة، تقييم الواقع تقييم الوضع قضية هامة جِـدًّا. ليعرفوا كيف يتعاملون مع المجتمع هذا.
وقد أعطى الشهيد القائد للقرآن الكريم الأولوية المطلقة في تقييمه للأحداث بالاعتماد عليه.
وقد أكّـد على ذلك في كثير من الدروس والمحاضرات، ومما قاله في محاضرة الثقافة القرآنية عن موضوع التقييم:
يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا..
في تقييمنا لأنفسنا أولاً..
في تقييمنا للآخرين من حولنا..
وفي معرفتنا لما يدبره أعداؤنا، وفي معرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا.
وقال: نحن يجب أن نفهم أنه يجب أن يكون عنواناً داخل في أعماق نفوسنا عنواناً أمامنا، أينما سرنا هو أن نتثقف بثقافة القرآن، أن نتعلم القرآن، نتدبره، نثق به، نتفهم آياته، ونتحَرّك في الناس على أَسَاسه.
نقيم الأحداث كلها من خلاله..
نقيم الآخرين كلهم من خلاله..
نقيم أنفسنا من خلاله..
نقيم أنفسنا على أَسَاس مقاييسه..
وهكذا.. ما لم فلو تعلمت ستين عاماً ستخرج في الأخير أضعف بكثير من أولياء الشيطان، ترى أولياء الشيطان فتخافهم أكثر مما تخاف الله، تغالط الله، ما هذا حاصل؟.
مقاييس قرآنية لفهم المواقف الصحيحة:
وقال أيضاً:
نحن يجب أن يكون همنا أن نتعلم القرآن الكريم ثقافتنا تكونُ ثقافةً قرآنية، عنوان حركتنا ونحن نتعلم ونعلم ونحن نرشد ونحن في أي مجال من مجالات الثقافة أن ندور حول ثقافة القرآن الكريم.
فمن خلال الاهتمام بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوةً وتعلماً وروحية نمنح مقاييس قرآنية نستطيع من خلالها أن نفهم ما هي المواقف الصحيحة ومن الذي تعتبر مواقفه الصحيحة وحركته قرآنية، ومن الذي هو بعيد عن القرآن الكريم..
وفي سياق الحديث عن ضرورة تقييم الثقافة والرؤية والمنهجية على أَسَاس القرآن الكريم، لمراجعة التراث الإسلامي وتنقيته من الأخطاء التي أوصلت الأُمَّــة إلى واقعها السيء والمرير..
يقول: أحياناً تأتي قائمة من الأشياء يرتبها بعض الناس وفي الأخير يقول لك: لا، نحن سائرون على هذه الطريقة،
في مواجهة أن تقول له: نعود إلى كتاب الله ونقيِّم أنفسنا ونقيِّم ما لدينا على أَسَاس كتاب الله..
يقول: أبداً نحن متمسكون بالسلف الصالح ونحن على ما عليه السلف الصالح..
وأُولئك قالوا: نحن على ما عليه أهل البيت، وهذا هو تراث أهل البيت، وعلوم أهل البيت، وهكذا..
عندما تقول: يجب أن نرجع إلى كتاب الله ونعطيه أولوية مطلقة ونهتدي به، ونقيِّم ما لدينا على أَسَاسه ونستفيد من هذه الأحداث التي نحن نعاصرها ونستفيد من التاريخ أَيْـضاً، نعرف كيف كانت النتائج السيئة؛ بسَببِ أن هذه بعيدة عن كتاب الله، هذه الأشياء التي نحن نتشبث بها.
وقد نبه على أن نقد وتقييم التراث والسابقين يأتي في سياق تقييم وضعية الأُمَّــة بشكل عام، لمعرفة الخلل لا رغبة في الانتقاص من أحد ولا تعمداً للإساءة إلى أي طرف، ولكن من ضرورة الواقع المعاصر الذي يحتاج إلى إصلاح ومراجعة فكرية وتاريخية عاجلة ومهمة، بعيدًا عن تقديس الأشخاص أَو الانتماءات أَو التعصب لفئة أَو طائفة..
حيث قال: فعندما يقول البعض: بأنه لماذا نذكر الماضين؟
قلنا: نحن نذكر الماضين، ونحاول أن ننقد الوضعية بشكل عام، بشكل تقييم؛ لأَنَّ هذا واجبنا،
ويجب علينا جميعاً بأن نقيم وضعيتنا فننظر ما الذي أَدَّى بالأمة هذه إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه، سواءً من داخل أهل البيت، أَو من غيرهم..
وفعلاً تناولنا هذا، ألم نتناوله من داخل أهل البيت، من الزيدية، والاثنا عشرية، وغيرهم، ومن داخل السنية، أنه قدم ضلال رهيب جِـدًّا أوصلنا إلى هذه الحالة.
تقييم الواقع برؤية قرآنية:
يجب أن يعطى القرآن أولوية مطلقة.. وقد تحدث الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- على أهميّة التقييم الإداري، في أكثر من مقام..
مؤكّـداً على ضرورة تقييم الواقع برؤية قرآنية، بعيدًا عن النظرة السطحية..
وذلك لمعرفة مواطن الفشل والنجاح ودراسة ومعرفه الأسباب والخلفيات للأحداث للاستفادة منها في تقييم واقع الأُمَّــة ومراجعة الوضع العملي وإصلاح الأخطاء وتقويم الخلل، وللاستفادة من الفرص بالشكل الصحيح.
ويقول مشدّدًا على أهميّة التقييم ودراسة الأداء العملي:
الأحداث مهمة جِـدًّا في غربلة النفوس، أعني مهمة حتى بالنسبة لك أنت شخصيًّا، بالنسبة لأي واحد منا؛
من خلال الأحداث قد يتلمس هو ما لديه من نقاط ضعف، ما لديه من رؤى قد تكون غير صحيحة، فيصلح نفسيته هو ويحاول أن يصحح وضعيته.
إضافة إلى تقييم الناس لبعضهم بعض..
تقييم المجتمع وغربلته من خلال الأحداث.
؛ لأَنَّ -مستقبل الأُمَّــة- أي أُمَّـة تستفيد من الأحداث على هذا النحو، تكون خططًا قائمة على معرفة، خططاً واعية قائـمة على معرفة، تعرف أن هذا الإنسان كذا وهذا كذا وهذا كذا، وتلك القبيلة كذا وسكان تلك القرية كذا..
وهكذا تستطيع أن تعرف فتكون خططك بالشكل الذي لا يكون فيها أخطاء متكرّرة..
وقد حرص كَثيراً على التعريف بأهميّة التقييم الإيمانية في تحقيق مصداقية الانتماء للإسلام، وكسب القرب من الله كعامل رئيسي للنجاح في مواجهة التحديات والأخطار..
وسعياً إلى الارتقاء بالأداء العملي إلى مستوى العمل الصالح المقبول عند الله المتجرد من الغرور والآفات الخطيرة،
واستشعاراً للتقصير وتجسيداً لواقع الربانيين في التقرب إلى الله والوصول إلى حالة التميز المنسجم مع الانتماء للمشروع القرآني قال تعالى:
وقد ركز -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-.. على تربية الأُمَّــة على إصلاح الأخطاء والاستفادة منها، حَيثُ يقول:
«من يعملون، ويتجهون في سبيل الله بأعمالهم هم حتى ولو افترض الأمر أنهم أخطأوا في موقف معين، أَو في يوم معين، أَو في حركة معينة..
فَـإنَّهم أَيْـضاً من سيستفيدون من أخطائهم، لكن أُولئك المقصرين هم عادة لا يستفيدون من أخطائهم؛ لأَنَّ المقصر هو من يضيع الفرص، ((وإضاعة الفرصة غصة)) كما قال الإمام علي (عليه السلام)، ((والفرصة تمر مر السحاب)) كما قال هو أَيْـضاً.
المهملون، المتخاذلون، المقصرون هم عادة يفوتهم أن يتداركوا تقصيرهم في كثير من الحالات..
لكن من هم ينطلقون في الأعمال سيكتشفون أنهم أصابوا فيفرحوا، وقد يكتشفون أنهم أخطأوا في موقف معين، أَو في قرار معين..
هم أَيْـضاً من سيستفيدون من خطأهم، ما هي أسبابه؟ منشأوه؟ نتائجه؟
فيصححون وضعيتهم من جديد، يستفيدون من أخطائهم.. وهكذا المؤمنون يستفيدون حتى أَيْـضاً من أعدائهم».
الانطلاق من الإيمان بتنزيه الله وتسبيحه وتقديسه:
وفي مقام آخر، يتحدث عن ضرورة الانطلاق من الإيمان بتنزيه الله وتسبيحه وتقديسه في تقييمنا لواقعنا العملي، حَيثُ يقول:
«ففي مسيرة العمل، عندما يكون الموقف مع الله موقفاً ثابتاً… تنزيهه، نزاهته لا يمكن أن يخلف وعده أبدًا، فمتى ما مر الناس بصعوبة ما رجعوا إلى أنفسهم، وإلى واقع الحياة: ربما خطأ حصل من عندنا ونحن نرتب المسألة على هذا النحو،
وربما خطأ حصل من عندنا أنه ضعفت ثقتنا بالله عندما رأينا أنفسنا كَثيراً. كما حصل في يوم حنين
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، إذ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شيئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}؛
لأنهم رأوا أنفسهم كَثيراً وكانوا ما يزالون بعد نشوة النصر بعد فتح مكة فاتجهوا لقتال هوازن، وبعض القُبُل الأُخرى، فقال البعض: [لن نهزم اليوم من قلة] رأى جموعاً كثيرة، لن نهزم اليوم من قلة، وعندما يكون هذا الشعور داخل الكثير، بدل أن تكون النفوس ممتلئة باللـجوء إلى الله، واستمداد النصر منه، والتأييد منه، الذي تعبر عنه الآية:
الإيمان على هذا النحو هو الذي يدفع الناس إلى أن يرجعوا إلى أنفسهم فيصححوا أخطاءهم
ويكتشفوا أخطاءهم..
ويُحَسِّنوا من أوضاعهم..
ويُحْسنوا خططهم..
ويُحْسنوا تصرفاتهم..
ويظلون دائماً، دائماً مرتبطين بالله مهما بلغت قوتهم»..
وفي إطار تقييمه لواقع أمتنا الحالي، بالتركيز على معرفة جوانب النجاح والفشل، فقد نبه -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- على قضايا هامة:
«ألف وأربعمِئة سنة والمسلمون لم يجلسوا جلسة واحدة ليناقشوا لماذا؟ ما هو الخلل؟
ما الذي حصل حتى أصبحنا على هذا النحو؟
(مَنزل مَنزل مَنزل) بعد كُـلّ مِئة سنة هبوط هبوط..
وكم قد جاء من ضربات لهذه الأُمَّــة، ضربها الصليبيون ضربات شديدة، ضربها التتار والمغول ضربات شديدة، الصليبيون من بحين، والصليبيون في فترات الاستعمار المتأخرة؛ وهكذا ضربة بعد ضربة حتى أصبحوا الآن تحت أقدام اليهود؛
ولم يجلسوا ليناقشوا المسألة من جديد، ويرجعوا إلى القرآن الكريم لينظروا هل فيه حل؟
هل هو وضع حلاً؟
هل عالج هذه المشكلة؟
هل تحدث عن أسباب المشكلة هذه؟ أبدًا»..
مؤكّـداً على ضرورة معرفة الأسباب والخلفيات للأحداث:
«طيب مع الزمن، مع تعاقب الأجيال، القضية هي مقدمة بالشكل الذي يمكن أن يكون كُـلُّ جيل أوعى ممن قبله.
فلماذا رأينا القضية بالعكس؟
أليست القضية حصلت بالعكس؟
ومحذراً من خطورة عدم مراجعة الواقع السلبي ومعالجته:
ثم تمر السنون، ونحن لا نضع حداً لهذه الحالة.
نقول: نحن تفرقنا خلال الثلاثين سنة الماضية إذَا فلنتوحد،
نحن كلنا مصرون على أن نسير على هذا الروتين الممل في هذه الحياة..
نسير على هذه المسيرة، لم نلتفت إلى أنفسنا لفتة جادة أن نتوحد فيما بيننا..
ثم لا نلتفت إلى أنفسنا ونحن نرى أنفسنا في أحط مستوى مقارنة بما عليه بنو إسرائيل..
لا نلتفت إلى ما بين أيدينا ربما هناك خلل في ثقافتنا، ربما هناك خلل في نظرتنا للحياة..
لذا نرى أنفسنا في حالة غريبة جِـدًّا، بعد أن صبغنا الحياة بضعفنا، وانطلق كُـلّ شيء منا يعكس حالة الضعف في أنفسنا لا نلتفت ولو مرة التفاتة واعية إلى القرآن الكريم..
القرآنُ الكريم له وجهةُ نظر أُخرى:
هل فعلاً هذا هو حصيلة القرآن الكريم؟
أم أن القرآن الكريم له وجهة نظر أُخرى، وله أساليب في التربية أُخرى، وله غايات أُخرى، وله نموذج خاص في صياغته للإنسان.
لذا نرى أنفسنا بناءً على هذه الغلطة التي نحن فيها أن كُـلّ شيء من حولنا لا نكاد نفهمه.
بينما القرآن الكريم ليس فقط يوجهك أَو ينذرك بأن هناك خطورة..
بل يضع برنامجاً كاملاً يشرح لك الخطورة في هذا الشيء، منبع الخطورة فيه، ثم يؤهلك كيف تكون بمستوى مواجهته، ثم يقول لك كيف ستكون الغاية أَو النتيجة السيئة للطرف الآخر في واقعه عندما تواجهه،
ثم يقول لك: إن الله سيكون معك، بل إن الحياة والأمور كلها ستتغير بالشكل الذي يكون بشكل تجنيد لما هو جند لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض في الاتّجاه الذي تسير إليه إلى جانبك في مواجهة ذلك الخطر، الخطر على البشرية، والخطر على الدين.
ويمكن القول: إن تركيزَه الكبيرَ على التقييم للتأكيد على أهميته وأثره في اتِّخاذ القرارات الحكيمة في الأداء والسلوك والرؤية والموقف، وفي القضاء على العشوائية والفوضى والإهمال والمزاج، وتفادياً للمؤاخذة الإلهية، وتجنباً لتحمل أثقال الإصر الناتج عن الانحرافات الثقافية والعملية، التي تؤدي إلى تراكم الأخطاء واستمرارها وتكرارها.