“صندوق النقد” على خط العدوان الاقتصادي: تحميل اليمنيين فاتورة الفشل الأمريكي
| الصمود | بقرار تقديم 665 مليون دولار من اعتمادات اليمن لحكومة المرتزِقة، أكّـد صندوقُ النقد الدولي تواطؤه الكامل مع تحالف العدوان في مسار تصعيد الحرب الاقتصادية ومضاعفة معاناة وأعباء الشعب اليمني المحاصر؛ لأَنَّ القرار انطلق من خلفية “سياسية” واضحة تكشف زيف شعارات “الحياد” التي يرفعها الصندوق، وتجدد التأكيد على أن الأزمات التي يقاسيها اليمنيون مصمَّمة من قبل الرعاة الدوليين لتحالف العدوان؛ بغرض إبقاء اليمن تحت الوصاية ورهن مستقبله واقتصاده بيد قوى الاستكبار.
الخارجيةُ توجِّـهُ رسالةً احتجاجية
رداً على هذا القرار الفاضح، بعثت وزارة الخارجية بحكومة الإنقاذ، أمس الاثنين، برسالة احتجاج وتنبيه إلى مدير عام صندوق الدولي، كريستاليا غورغييفا، أوضحت فيها أن قرارَ تسليم حقوق السحب الخَاصَّة كقرض لحكومة المرتزِقة يتجاهل حقائق الفساد المالي والإداري الذي تمارسه حكومة المرتزِقة والبنك المركزي الخاضع لسيطرتها في عدن، وهي حقائق أثبتتها تقارير دولية وأممية، بل اعترفت بها مؤسّسات تابعة لحكومة المرتزِقة نفسها، الأمر الذي يؤكّـد حقيقة أُخرى هي أن “القرض لن يُستخدم للأغراض الإنسانية، بل سيستخدم لإطالة أمد العدوان وسيذهب أغلبه إلى حسابات خَاصَّة وصرفيات وهمية في إطار عملية فساد ممنهجة”.
وأكّـد وزير الخارجية هشام شرف أن “صندوق النقد الدولي يتحمل كامل المسؤولية عن تقديم هذا القرض لحكومة المرتزِقة الغارقة في الفساد، وسيكون الصندوق هو الجهة الأَسَاسية المساءلة عن سوء استخدام تلك الاعتمادات المالية”، وأن “حكومة الإنقاذ أَو أية حكومة مستقبلية لن تتحمل أية التزامات أَو تبعات لهذا القرار”.
وتأتي رسالة الخارجية، عطفاً على بيان البنك المركزي في صنعاء، الذي أكّـد أنه أبلغ صندوق النقد الدولي بكل الاعتبارات التي تمنعه قانونياً من تسليم حقوق السحب الخَاصَّة لحكومة المرتزِقة، ومنها عمليات الفساد التي يمارسها البنك المركزي في عدن، وسياساته المالية الكارثية التي دفعت بالعُملة المحلية نحو أكبر انهيار في تأريخها، وامتناعه عن صرف مرتبات معظم الموظفين.
ومن خلال القفز على هذه الموانع الواضحة، يتضح بجلاء أن قرار صندوق النقد الدولي استند إلى اعتبارات أُخرى “سياسية” تخالف وبشكل صارخ كُـلّ قواعد “الحياد” التي يفترض بالصندوق أن يلتزم بها، ما يجعله شريكاً واضحاً في الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على اليمن، والتي تشهد تصاعدًا مُستمرًّا.
هذا ما أكّـده البنك المركزي بصنعاء، وهو أَيْـضاً ما أكّـده وكيل وزارة المالية أحمد حجر للمسيرة، أمس، والذي أوضح أن “صندوق النقد فقد مصداقيته؛ لأَنَّه يتعامل مع صنعاء بأجندة سياسية”.
وأشَارَ حجر إلى أن صنعاء كانت قد أجرت العام الماضي محادثات مع صندوق النقد الدولي، تم خلالها توضيح كافة الأمور المتعلقة بالاقتصاد الوطني، وهو ما يجدد التأكيد على أن قرار الصندوق لم يستند لأي أَسَاس سوى “الانحياز” لتحالف العدوان وحكومة المرتزِقة وتنفيذ أهدافهم.
وَأَضَـافَ حجر أنه لو كانت هناك جدية في إعطاء قرض لمساعدة الشعب اليمني، فَـإنَّه لا يجب منح حكومة المرتزِقة حق التصرف في هذا القرض.
الخلفية “السياسية” للقرار وأبعاده
بالمحصلة، يمكن القولُ إن صندوق النقد الدولي قد أكّـد من خلال هذا القرار دخولَه على خط الحرب الاقتصادية التي يشنها العدوان ورُعاتُه وأدواتُه على الشعب اليمني بشكل معلَن، وهو ما يقود للنظر إلى الخلفية السياسية التي يكشفها هذا القرار، حَيثُ يبدو بوضوح أن رغبات الرعاة الدوليين للعدوان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، هي من تتحكم بنوعية وتوقيت توجّـهات وقرارات المؤسّسات الدولية وتعاملاتها مع اليمن، وخُصُوصاً فيما يتعلق بالاقتصاد والمعيشة.
وليس من قبيل المصادفة أن تأتيَ هذه الخطوةُ من قبل صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي تركِّزُ فيه الولاياتُ المتحدة على تصعيد الاستهداف الاقتصادي واستخدام “لقمة عيش” اليمنيين كسلاح حرب؛ لسدِّ فجوات الفشل العسكري والسياسي، فمع الدفع بالعُملة المحلية إلى ما بعد حاجز الـ (1000 ريال) وتمرير قرار رفع التعرفة الجمركية لمضاعفة أسعار السلع، يأتي قرار صندوق النقد ليؤكّـدَ على أن الولايات المتحدة تنفذ مخطّطا منظَّماً لتأزيم وضع اليمن الاقتصادي والمعيشي بصورة دائمة تتجاوز المرحلةَ الراهنة إلى المستقبل، وهي استراتيجية أمريكية معروفة ولها شواهد على مستوى المنطقة والعالم.
بيانُ البنك المركزي في صنعاء أشار إلى جانبٍ من الدور المتوقَّع لصندوق النقد الدولي في هذا المخطّط، حَيثُ أوضح أن “الصندوقَ يعلمُ أنه لا مجالَ أمامه لتحصيلِ فوائد وأقساط القرض الحالي، وقيمة الاشتراكات إلا عبر منح قرض جديد لليمن وبشكل غير قانوني، وسيستمر الأمر بهذا الشكل”، وهو ما يعني أعباء مضاعفة ومصممة بعناية للوصول إلى وصاية اقتصادية كاملة وكارثية على البلد، تستتبع بالضرورة وصاية سياسية.
وبالنظر إلى هذه الأبعاد الواضحة لقرار صندوق النقد الدولي، فَـإنَّ التحذيرات التي وجّهها البنك المركزي بصنعاء للصندوق، أمس الأول، تحملُ هي الأُخرى أهميّةً يجبُ الوقوفُ عندها، فرفضُ الصندوق لمطالب صنعاء، ورفضُ الأمم المتحدة ومبعوثها الجديد التعاطيَ مع هذه المطالب، سيضعُ الأطرافَ المهندسةَ لهذا القرار (تحالف العدوان والولايات المتحدة) أمامَ عواقب وتبعات؛ لأَنَّ صنعاءَ لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي أمام هذا السلوك، والتلويحُ بقطع كافة أشكال التعاون والتواصل مع صندوق النقد، يحملُ في طياته إنذاراتٍ أُخرى، توجِّـهُها صنعاءُ لتحالف العدوان وللأمم المتحدة، قد لا تكون تفاصيلُها واضحةً الآن، لكنها بلا شك ستزعجُ العدوَّ ورُعاتَه.
صحيفة المسيرة