الحمزة.. في المدرسة
مقالات | الصمود | أحمد يحيى الديلمي
في زحمة الأحداث والجهود الكبيرة التي بُذلت لانطلاق مسيرة التعليم في موعدها والتحاق الطلبة بمدارسهم ، أصر الحمزة – أقول الحمزة – بناءً على رغبته العارمة، فهو يشتم من يناديه بحمزة فقط ، ويصر على أن تكون لام التعريف موجودة، وهو الحفيد الثالث ، يتشبث بالحياة ببراءة ويتعلق بأمل عله يدله على المستقبل الآمن والحياة الأفضل ، شاهدت في المدرسة اهتماماً وإقبالاً كبيرين ، الجميع يتدافعون لإلحاق أبنائهم بالمدارس ليدحضوا بقوة تلك الأقاويل الباطلة التي يُرددها إعلام الأعداء الزائف ، كان الطفل شغوفاً بالذهاب إلى المدرسة في وقت مبكر ، يحدث جلبة في المنزل غير عادية ، ويريد أن يذهب وهو كامل الأناقة حتى مشطة الرأس لا ينساها ، وعند العودة يُدخلنا في جلبة أخرى يتحدث عن الزملاء والزميلات الذين يصادفهم في المدرسة وأوصاف كل واحد وملابسه وطريقة مشط شعره والكتب التي بحوزته وغير ذلك من التفاصيل ، كلمة الزميلات دلت على ما كان يهدف إليه المشرع التربوي عندما جعل التعليم حتى السادس ابتدائي مختلطا ، فالعملية بالفعل تكسر حاجز الخوف من النفوس ، وهكذا درسنا وكانت الفصول مختلطة وكان شعورنا إزاء بعضنا عاديا بعيداً عن الهواجس التي اختلقها علماء السوء ممن جاءوا في مرحلة الإصلاح واعتبروا أنهم حققوا إنجازاً عظيماً لأنهم فصلوا التلاميذ في سن الطفولة عن بعضهم، لا يدرون أنهم ارتكبوا جناية وجريمة وأعادوا هواجس الخوف إلى نفوس الطلبة في سن مبكرة ، والأمل أن تناقش وزارة التربية والتعليم هذا الموضوع باهتمام وتُدرك أن العملية لم تكن مجرد نزوة لكنها ناتجة عن دراسة ، كما قلنا لتقريب المسافة بين الطفل والطفلة وجعلهم يعيشون كإخوة ، كون التعليم هو الأساس وجوهر ووجدان كل إنسان يتكون في هذه المرحلة ، والحقيقة أن المنظر بديع عندما تشاهد أسراب الطلبة وهم يملأون الشوارع عند الذهاب إلى المدرسة ووقت الخروج منها .
الأمل أن تهتم وزارة التربية بالموضوع ، وليخسأ أولئك الجبناء الذين يتحدثون عن الاختلال في العملية التعليمية ، فالاختلال ليس إلا في رؤوسهم ، كيف لا وهم مشردون والأبناء مشتتون في أكثر من دولة ويتحدثون عن نظام قائم بذاته.
أعود إلى أساس الموضوع فأقول: الحمزة ابن السنوات الخمس ولد في العام الثاني للعدوان الهمجي الشرس على اليمن ، وصنعاء وبقية المدن اليمنية تتعرض للضرب المدمر ، الطائرات المعادية لا تفارق سماء هذه المدن لحظة واحدة ، والناس يعانون الأمرَّين وبدأت تظهر الأزمات في: الغاز ، البترول، المواد الغذائية وتتصاعد الأسعار ، ولو أن أحداً تابع أحاديث الأبناء في الأيام الأولى للدراسة وفي لحظات التعارف لوجد أن كل طفل يؤصل ليوم ميلاده بحادث مُفزع أدمى القلوب ، فالأول يقول: وُلدت عقب قنبلة عطان، والثاني يقول: قالت أمي أني خرجت إلى الدنيا يوم فاجعة الصالة الكبرى ، وثالث ربط ميلاده بقنبلة نقم ، ورابع وخامس ، كل طفل أرخ ليوم ميلاده بفاجعة مدمرة وكارثة حقيقية مع أن تاريخ ميلاد كل واحد منهم مدون في سجلات الأبوين وشهادة الميلاد ، إلا أن طبيعة العدوان العبثية وصلافة وهمجية المعتدين أعادت الذاكرة إلى زمن الجهل وتفشي الأمية عندما كان الآباء يربطون تاريخ ميلاد أبنائهم بواقعة معينة مثل سنة تنومة (المجزرة البشرية المروعة التي ارتكبها أعداء الحياة شذاذ الآفاق من أتباع التطرف الوهابي ومليشيات النظام السعودي وسار ضحيتها ثلاثة آلاف من الحجاج اليمنيين ) سنة الطيارة ( اليوم الذي حطت فيه أول طائرة في المطار القديم ميدان السبعين حالياً أو بارود خانة، وهي كلمة تركية تعني مخازن البارود في العربية ) .
جريمة ساق الغراب، وهي جريمة أخرى حدثت عام 1364هـ، سار ضحيتها ستون شخصاً من الحجاج اليمنيين تم استهدافهم ونهب ما بحوزتهم من مواد غذائية، وهم بملابس الإحرام بحسب إفادة الحاج أحمد مطهر مسعود من سنحان قرية مسعود الذي أدى فريضة الحج أكثر من عشرين مرة ( كان الحجاج اليمنيون يتعرضون للاستهداف والنهب والسلب كل عام من قبل جندرمة عبد العزيز آل سعود، كانوا يأتون في شكل لصوص، إما بدعوى الجوع أو بخلفية مذهبية، باعتبار أن أهل اليمن كفار، تأويل الغريب أن هذه التهمة كانت خاصة بأتباع المذهب الزيدي، إلا أن الاستهداف كان يشمل كل اليمنيين بما في ذلك الشوافع والصوفية وأصبح كل يمني هدفاً بذاته ولم تتقلص الظاهرة وتختفي إلا بعد ظهور وسائل المواصلات الحديثة البرية والبحرية والجوية )، انتهى كلام الحاج أحمد. وأعود إلى سياق الموضوع وأتمنى من وزارتي التربية والتعليم والإعلام الاهتمام بأمرين :
1) أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتدوين هذه الوقائع والأحداث البشعة ووضعها بشكل مبسط في مناهج التعليم لفضح الحقد المتأصل على اليمنيين في صدور سدنة النظام المعبر عن إحساس مُريع بالدونية نتيجة الفارق الحضاري الكبير .
2) أن تُطعم وزارة الإعلام البرامج والأخبار بصور حية عن ملايين الطلبة وهم يتجهون إلى المدارس والجامعات كل صباح للرد على شذاذ الآفاق وقنوات الزيف والبهتان التي تروج بأن نظام صنعاء يحول دون وصول الطلبة إلى المدارس بقصد أخذهم مراكز التدريب تمهيداً لإلحاقهم بجبهات القتال .
أخيراً سيظل الحمزة رمزاً لتاريخ جديد ، وإن شاء الله يتشبع قوة البأس والإرادة ليتصدى وزملاؤه لهذا النظام البائس القابع إلى جوار الحرمين الذي أرهق حياتنا على مدى مائة عام متواصلة .. والله من وراء القصد ..