يهود اليمن إلى إسرائيل على «بساط الريح» السعودي!
رشيد الحداد
لم تتوقف عمليات التهجير السري لليهود اليمنيين التي دشنتها الوكالة اليهودية قبل أكثر من 60 عاماً. كان يهود اليمن الذين يتميزون بامتلاكهم قدرات ومهارات حرفية كبيرة، يقدَّرون بأربعين ألفاً في أربعينيات القرن الماضي، فيما لم يبقَ منهم اليوم سوى عشرات العائلات التي تعيش في مدينة سعوان السياحية في العاصمة صنعاء.
مع بدء الحرب والحصار السعوديين على اليمن قبل عام، وقف يهود اليمن إلى جانب مواطنيهم ضد العدوان، إلا أن ما نقله موقع صحيفة «معاريف» وصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن وصول 19 يمنياً عبر «عملية سرية ومعقدة» تحت إشراف الوكالة اليهودية كان خبراً صادماً لكل اليمنيين. وأثار موجة تساؤلات عن الدورين السعودي والأميركي في العملية، ولا سيما أن اليمن يواجه حصاراً جوياً وبحرياً خانقاً منذ عام.
وفيما كان من بقي من يهود اليمن يعيشون في مدينة سعوان برعاية السفارة الأميركية في صنعاء ويحظون باهتمام شخصي من السفير الأميركي حتى تاريخ مغادرة طاقم السفارة قبيل العدوان بأيام، أكدت الصحافة أن العملية السرية التي تمكنت من نقل 19 يهودياً جرت على مرحلتين: الأولى نُقل 17 يهودياً في خلالها، وأُعلن وصولهم الأحد الماضي، فيما سبق وصول اثنين قبل أيام عدة. وعلى الرغم من تأكيد الصحافة الإسرائيلية أن المجموعة المغادرة هي «آخر من بقي من يهود اليمن»، إلا أن المجموعة كانت جزءاً من العشرات الذين لا يزالون يعيشون في اليمن، من الذين رفضوا «الهجرة إلى إسرائيل» مفضلين البقاء في اليمن.
ويتحدر معظم أفراد المجموعة التي انتقلت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة (14 فرداً من أصل 19) في العملية التي أطلقت عليها الوكالة اليهودية اسم «ميكتزي تايمان»، من منطقة شهيرة كمعقل للطائفة اليهودية هي مدينة ريدة في محافظة عمران شمالي صنعاء، وتضم المجموعة عائلة واحدة مؤلفة من خمسة أشخاص تعود جذورها إلى صنعاء.
وعلى الرغم من استمرار عمليات تهريب الوكالة اليهودية لليهود اليمنيين، كان آخرها نقل 49 شخصاً عام 2012، يمكن القول إن العملية السرية مختلفة هذه المرة، ولا سيما لجهة حملها دلائل عدة على مدى تعاون السعودية بكيان الاحتلال الإسرائيلي. فصحيفة «هآرتس» أكدت أن عملية التهريب جرت بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة الخارجية الأميركية، وهيئات حكومية أخرى، موضحةً أنها جرت على امتداد أربع دول، من دون ذكر أسماء تلك الدول. إلا أن السعودية هي إحدى أبرز الدول التي يعتقد أنها سهلت هذه العلمية ومررتها عبر أراضيها، ولا سيما أنها تفرض رقابة مشددة على الرحلات الجوية وتمارس التفتيش في مطار «بيشة» على كل الرحلات الآتية من صنعاء، إضافةً إلى أنها تتسلم نسخة من أسماء المسافرين على متن رحلة الطيران قبل أن تتحرك الأخيرة من مطار صنعاء، وهو ما يؤكد أن الرياض أدارت عملية تهريب يهود اليمن إلى إسرائيل. وبحسب الصحيفة، نقل أحد أفراد المجموعة معه مخطوطة قديمة من «التوراة» تعود إلى قبل نحو 500 عام.
العمليات العلنية لتهجير اليهود من اليمن، بدأتها الوكالة اليهودية عام 1949 مستعينةً ببريطانيا التي كانت تحتل جنوب اليمن. وتشير المصادر التاريخية إلى أن العمليات السرية الأولى للوكالة اليهودية في هذا البلد بدأت مطلع الأربعينيات، إلا أنها هرّبت مجموعات قليلة عبر عدن. ثم رتبت إسرائيل لعملية «بساط الريح» التي أدت إلى تهجير سرّي نفذته الوكالة اليهودية لنحو آلاف من يهود اليمن إلى الأراضي المحتلة. هؤلاء نقلوا خلال الفترة الممتدة من حزيران 1949 إلى أيلول 1950، عبر 380 رحلة جوية سرية من عدن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة على متن طائرات أميركية وبريطانية.
ثم استمرت إسرائيل في عملياتها حيث جرى ترحيل قرابة عشرين ألف يهودي بمساعدة بريطانيا ما بين عامي 1957 و1960. وبعد قيام «ثورة 26 سبتمبر» في الشمال عام 1962، ثم «ثورة أكتوبر» ضد المحتل البريطاني في الجنوب عام 1963، توقفت العمليات السرية للوكالة اليهودية بسبب فرض الحكومة حظر سفر على أبناء الطائفة اليهودية خوفاً من هروبهم إلى إسرائيل، وعملت على تقديم الرعاية والاهتمام بهم، باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع اليمني، إلا أن الوكالة عادت للعمل على هذه القضية بطرق سرية وبصورة دقيقة من عام 1990 حتى الآن. ووفق المصادر، فإن الوكالة اليهودية نجحت بتهريب قرابة ألفي شخص خلال عقد التسعينيات والعقد الماضي، حيث عاودت الوكالة تهريب اليهود على دفعات، وخصوصاً بعدما رفع عام 1993 حظر السفر الذي فرض عليهم بداية التسعينيات. ومع بداية الألفية الثالثة، كان هناك نحو 300 يهودي يقيمون في اليمن، إلا أن عملية التهريب ظلت مستمرة بطرق مختلفة. ووفق المصادر، فإن الوكالة اليهودية نقلت في أكثر من عملية سرية غير معلنة نحو 60 شخصاً للعيش في نيويورك، خلال السنوات القليلة الماضية، ومن ثم نُقلوا إلى تل أبيب.