صمود وانتصار

السعودية تنفرد لصالح الإرهاب في “اجتماع فيينا” وسط إجماع

من بيروت إلى باريس يعبر الإرهاب في أيام قليلة، ليثبت للدول التي اعتقدت أنها بمنأى عن خطره أنه لا يمكن أن تحكمه حدود ولا إجراءات أمنية، في انتظار تجاوز هذه الدول لخلافاتها الرخيصة التي تعطل التخلص من الإرهاب، بل تكرس وجوده وتعزز من انتشاره، ليضرب في النهاية قلب العواصم الأوروبية وتتذوق هذه الدول بعضًا من مرارته، على أمل الاعتراف بالسياسات الخاطئة التي انتهجتها والتي ارتدت عليها في النهاية.

في أعقاب هجمات باريس الإرهابية، وفي أجواء دولية مشحونة بالمأساوية ومليئة بالخوف والرعب من أن تطال تلك الصاعقة الإرهابية باقى الدول الغربية والأوربية، وبعد أن عبرت شعوب العالم ومسئوليها عن قناعتهم بأهمية توحيد جهود جميع الجهات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب ووقف تنامي هذه الظاهرة الخطيرة، بدأت الجولة الثانية من محادثات فيينا بشأن سوريا، أمس السبت، بحضور نحو عشرين وفدًا، من بينهم إيران وأمريكا وروسيا وفرنسا وغيرهم من دول عربية وخليجية وأوروبية.

انتهى اللقاء الموسع في فيينا، باتفاق على بدء مفاوضات بين الحكومة والمعارضة في يناير المقبل، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا، بإشراف دولي ومشاركة السوريين في الخارج، وعقد لقاء موسع جديد بشأن الأزمة السورية بعد شهر، لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية في البلد المضطرب، كما اتفقت الأطراف المجتمعه على تكليف مبعوث الأمم المتحدة الخاص “ستافان دي مستورا” تشكيل لجنتين سياسية وأخرى لتسهيل مرور المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

الجانب الأمريكي طرح خلال اللقاء الموسع، أجندة زمنية للمرحلة الانتقالية وتخلي الرئيس السوري “بشار الأسد” عن السلطة، لكن الأمر اصطدم بالرفض من الجانبين إلايراني والروسي، حيث رفض الجانبان أي لقاءات جانبية أو مصغرة، وأصرا على أن أساس المفاوضات يبقى لقاءات المجموعة الموسعة.

ردود الفعل التي خرجت من الاجتماع جاءت إيجابية ومتفائلة، حيث قال وزير الخارجية الروسية، “أنا سعيد اليوم بأننا استطعنا إطلاق العملية السياسية لحل الأزمة السورية”، وأوضح “يفترض أن يتم إجراء الانتخابات المقبلة في سوريا خلال مدة 18 شهرًا، وبالتالي على المتحاورين السوريين الاتفاق على الحكومة الجديدة خلال 6 أشهر”، وأضاف “لقد كلفنا ديمستورا بجمع المعارضة مع الحكومة قبل أول يناير المقبل”.

بدوره لفت وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” إلى أن “أي بلد موجود في الاجتماع يدعم فريقاً في سوريا سيكون مجبرًا لتأمين وقف إطلاق النار”، فيما أكد وزير الخارجية الألماني “فرانك فالتر شتاينماير” أن الإصرار على إيجاد حل للأزمة السورية زاد بعد هجمات باريس، وقال “نتوقع أن تجري الانتخابات في سوريا خلال عام ونصف”، مضيفًا أن المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة يجب أن تتم حتى نهاية العام الحالي، وأشار إلى أن الحكومة الانتقالية يجب أن تعد خلال 6 أشهر خطة لوضع دستور جديد.

على الرغم من إحراز هذا التقدم الملموس في المحادثات، ومع الاتفاق الدولي على ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب، وجعله الهدف الأول للمحادثات بشأن سوريا، وتصريح وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” بأن أحد أهداف الاجتماع هو التنسيق الدولي لمكافحة “داعش”، وتأكيد وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فديريكا موغيريني” بأن اجتماع فيينا سيأخذ معنى آخر بعد اعتداءات باريس، إلا أن الواقع لم يكن مماثلا للتصريحات، فلايزال مصير الرئيس السوري “بشار الأسد” محل خلاف بين الدول المجتمعة في فيينا، وخاصة مع تشبث السعودية بموقفها المتعنت الذي أوضحه تصريح وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير”، بأن بلاده ستواصل دعم المعارضة السورية، إذا لم يترك الرئيس “بشار الأسد” السلطة من خلال عملية سياسية، حيث قال “الجبير”، “سنواصل دعم العملية السياسية التي ستفضي إلى رحيل الأسد أو سنواصل دعم المعارضة السورية بغرض إزاحته بالقوة”، فيبدو أن الدعوات الدولية بـ”ضرورة إظهار المرونة للوصول إلى حل، وعدم تشبث الدول بمواقفها والقيام بخطوة إلى الأمام حتى يمكن وقف نزف الدماء”، لم تصل بعد إلى مسامع مسئولي المملكة.

تصريح السعودية وتعنتها في التمسك بمطلبها الأساسي منذ بداية الأزمة السورية، وعدم استعدادها لتقديم أي تنازلات في ظل موجة الإرهاب التي تضرب العالم أجمع، هو الأمر الذي استفز روسيا ودفعها للرد بلهجة مرتفعه على التصريح السعودي، حيث قال وزير الخارجية الروسية “سيرغي لافروف”، أن “مصير الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب السوري وليس نحن”، وسأل “لافروف” “الجبير”، “هل السعودية هي المخولة لتحديد من يمثل الشعب السوري؟”، وتوجه وزير خارجية روسيا للمشاركين بالمؤتمر بالقول، “يمكن أن تعودوا لبيان الاجتماع الماضي، السوريون يقررون مصير بلدهم بما فيه مصير الأسد”.

بجانب الخلاف حول مصير “الأسد” جاء الجدل حول تحديد ممثلي المعارضة السورية، حيث أصر ممثلي السعودية وتركيا وقطر على رفض تدخل إيران وروسيا والنظام السوري بتحديد وفد المعارضة، فيما أعلن “لافروف” أن المبعوث الدولي “ستافان ديمستورا” سيشرف على تشكيل وفد المعارضة، كما شهد الاجتماع مشادات بين وزيري خارجية أمريكا وإيران، ومشادة أخرى بين وزيري خارجية إيران والسعودية.