صمود وانتصار

الاستقلال الوطني شرط بناء الدولة العادلة

الصمود| تقرير | في الذكرى 54 لعيد الاستقلال الوطني30 نوفمبر تشرين ثاني، يجاهد شعبنا ضد الاستعمار الجديد والعدوان الراهن، صوناً للاستقلال الوطني المجيد الذي حققه الشعب بقيادة “الإمام يحيى حميد الدين”، و”الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل”.
تبرز اليوم أمام شعبنا مهمة صيانة السيادة الوطنية التي ضحى في سبيلها أجدادنا وآبائنا، ومهمة تعميقها، وأن نبني الوطن اليمني الحر والعادل وفاءً لدماء شهداء الاستقلال في العصر الحديث الذين ثاروا على الاحتلال التركي بقيادة الإمام يحيى حميد الدين وثاروا على الاستعمار البريطاني بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وأجدادنا القدامى في المسيرة اليمنية الطويلة من أجل الاستقلال والوحدة، مسيرة كانت تؤكد في كل منعطف على أن اليمن “مقبرة الغزاة”.


(رموز أول دولة وطنية يمنية مستقلة في العصر الحديث، اليمن المتوكلية 1918م واليمن الشعبية 1967م)

الاستقلال وتجربة البناء في اليمن الشعبية
في 30 نوفمبر من العام 1967م قبل 54 عاماً، أنجز شعبناً استقلالاً وطنياً ناجزاً بعد 5 سنوات من الجهاد والنضال الوطني في مواجهة الاستعمار البريطاني والنظام الاقطاعي السلاطيني وتوحيد أكثر من 20 مشيخة وإمارة وسلطنة في دولة وطنية مركزية واحدة هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
كان تحقيق الاستقلال الوطني اليمني حينها مدخلاً وشرطاً اساسياً للبناء حيث استطاعت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبرغم ما شاب تجربتها من جونب سلبية- اعترفت بها في “الوثيقة النقدية التحليلية” التي صدرت عن الحزب الاشتراكي الحاكم عام 1986م- برغم الجوانب السلبية جسدت دولة الاستقلال تجربة فريدة في العالم العربي من الانحياز للشعب، بتقديم الخدمات المجانية من صحة وتعليم وإسكان وتوحيد النشاط الفلاحي في مزارع تعاونية ومزارع الدولة والإصلاح الزراعي، وقيام الدولة بدور الحاكم للنشاط الاقتصادي العام والخاص في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة وأعمال الصيرفة وغيرها، فقد قام القطاع العام التجاري والمصرفي وقطاع النفط والموانئ عملياً على مصادرة فروع الشركات الغربية الأمريكية والبريطانية وإعادة تمليكها إلى الشعب ممثلاً بالدولة، وكل هذه التحولات الاقتصادية الاجتماعية التقدمية ما كان النظام الوطني في جنوب اليمن قادراً على القيام بها بدون تحقيق الاستقلال الوطني وامتلاك الإرادة الحرة الكاملة في وضع الخطط والبرامج وتنفيذها.

صون الاستقلال الوطني مهمة اليوم
من أبرز مهام ثورة 21 أيلول/سبتمبر الراهنة، مواصلة الحرب الوطنية التحررية في مواجهة العُـدْوَان الاستعماري التوسعي الغربي الخليجي، فهي قضية وجودية لا يُمكن بدون تحققها الحديث عن أية أهداف أخرى للثورة؛ فالاستقلال الوطني له الأولوية على القضايا الاجتماعية الاقتصادية، (هذه الأولوية لا تعني الانفصال عن هذه القضايا) وهذه المهمة في الظروف الراهنة بقيادة السيد عبد الملك الحوثي توجه لها معظم الطاقات والموارد والكوادر الثورية.
تلي مسألة التحرر الوطني والاستقلال، قضايا أُخرى ذات بُعد مرحلي متعلقة بمسار الانتقالي السياسي، وهي أيضاً مرتبطة بالمسألة الوطنية لأن التدخل الأجنبي هو الذي أعاقها طوال الفترة الماضية، وهي المهام المتعلقة بإصلاح مسار مؤتمر الحوار الوطني الشامل واتفاق السلم والشراكة على قاعدة التواق الوطني، وضمن مفهوم الشراكة الوطنية الذي يقوم على أساس سيادة القانون والمواطنة والشراكة في السلطة وعملية إنتاج وتوزيع الثروة، والشراكة ببعدها الاجتماعي التي تعني إشراك القوى المنتجة في الريف والمدينة في النشاط السياسي وتمثيلهم في مؤسسات صنع القرار.

السيادة الوطنية
الجمهورية اليمنية دولة ذات سيادة وهي عضو في المنظمات الدولية، فالمهمة التاريخية التي تمثل أمام الثورة ليست تحقيق الاستقلال الوطني بل صون الاستقلال الوطني بإخراج كل القوات الأجنبية التي دخلت البلاد بذرائع مختلفة، والتنصل من القرارات والبيانات الأممية التي تنتقص من سيادة البلد أو تضع شخصيات تحت بند عقوبات الفصل السابع، وصون سيادة البلد في سياستها الداخلية والخارجية من التأثيرات الأجنبية وحكم السفارات الأمريكية والبريطانية والسعودية الذي كان سائداُ قبل ثورة21 أيلول سبتمبر 2014م.
تكتسب قضية صون الاستقلال الوطني أهميتها الجوهرية من حيث كونها المهمة التي تتوقف على حلها إمكانية حل بقية مهام الثورة، فبناء الدولة العادلة وتغيير طبيعتها على نحو تقدمي والقيام بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية والثورة الثقافية وتطوير الخدمات في الريف والمدينة، كل هذه المهام الثورية الوطنية العادلة وما تنطوي عليها من مهام تفصيلية لا يُمكن القيام بها على نحو أكمل ووفق المصلحة الوطنية إلا بامتلاك الجمهورية اليمنية لسيادتها الكاملة في اتخاذ القرارات وتنفيذها.

الاستقلال شرط بناء الدولة العادلة
إن صون الاستقلال السياسي في بلادنا هو مطلب ملح من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي يُعد ضامناً لسيادة البلد واستقلالها التام، ونحن بحاجة إلى تحقيق الاستقلال الوطني لكي نغير من الطبيعة الاقتصادية التي كانت تقوم بها الدولة اليمنية؛ فقد مثلت عملية تصدير اليمن للمواد الخام واستيراد السلع الاستهلاكية أساس العملية الوظيفية التي تقوم بها الجمهورية خدمة للرأسمال العالمي بشكل مطلق، فالعملية الانتاجية التي تجري في اليمن لا تحقق التراكم المالي في اليمن سواء للدولة اليَمَنية أو للنخب التجارية الصناعية اليَمَنية، والتراكم المالي أساس التطور والنمو في ظل قانونيات الاقتصاد الرأسمالي؛ فالمردود المالي لما يتم تصديره (انتهابه) من اليمن كمواد خام، يتم به شراء سلع استهلاكية أجنبية.
يرتبط شرطياً بتحقيق الاستقلال الوطني مهمة تغيير الوظيفة السياسية للدولة من الدولة الخادمة لقوى الاستبداد الداخلية وقوى الاستعمار الأجنبية كما كانت عليه سابقاً إلى دولة خادمة للشعب وطبقاته الشعبية المنتجة، أي تحويلها من جهاز فوق المجتمع إلى جهاز تابع للمجتمع، وهذا يشترط أن تتحول الدولة إلى أداة ثورية تستهدف غايتها النهائية تحقيق التحولات التقدمية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية، والاهتمام الدائم برفع المستوى المعيشي والتعليمي والثقافي للشعب اليمني، وتعزيز وتطوير قطاع الدولة في مجال الصناعة والنقل والمواصلات إحدى المهمات الاساسية لان التحولات الاقتصادية العجلة والآجلة ونمو الطبقة العاملة كما ونوعا بوصفها قوة في المجتمع تتعلق بدرجة كبيرة بنجاح تحقيق هذه المهمة.

فرض سيادة الدولة على الجغرافيا الوطنية
إن من أبرز القضايا التي كانت راسخة قبل الثورة ومازالت حتى الآن في المحافظات التي تحتلها القوى المضادة للثورة، هي عدم حضور الدولة في كل الجغرافيا الوطنية، فمن مهام الثورة سيادة الدولة أمنياً وقضائياً على كل الجغرافيا واحتكارها للعنف والسلطة، فلا يُمكن تخطيط الاقتصاد وتوجيه التنمية الانتاجية والخدمية في البلد وتحرير طاقات المجتمع في واقع عدم وجود سلطة الدولة في منطقة معينة أو وجود أكثر من سلطة رسمية واجتماعية متصادمة كما كان عليه الأمر سابقاً.

ويتعلق بهذه القضية مسألة إعادة تخطيط الدولة وتقسيم المحافظات والدوائر الانتخابية والمناطق العسكرية وفق المعايير العلمية واحتياجات التنمية والدفاع، والانتقال إلى الحكم المحلي اللامركزي بنقل مسؤوليات المرافق بصورة تدريجية من الأجهزة الحكومية المركزية إلى الأجهزة الحكومية في المحافظات والمديريات والمراكز وابقاء المرافق الرئيسية تحت المسؤولية المباشرة للوزارات، بما تقتضيه الاحتياجات الواقعية للبلد وحل القضية الجنوبية، ووفقاً للمعايير العلمية والمسؤولية الوطنية بما يُغني وحدة الشَّعْـب والوطن اليَمَني.