صمود وانتصار

7 نماذج عالمية لأهم الخونة في التاريخ وعواقب خيانتهم

تقارير|| الصمود||

وينسب إلى (وايلد) أيضًا إعطاء العبارة معناها المجازي (المتمثل في الخيانة)، وذلك عندما تظاهر بأنه ابتعد عن الإجرام وأصبح فرداً صالحاً فتم تجنيده من قِبل القضاة الإنجليز لتعقب المجرمين، في حين أنه كان يدير إمبراطورية إجرامية واسعة ومستترة امتدت إلى العالم أجمع.

 

في الأزمنة الحديثة يستخدم المصطلح بشكل شائع للإشارة إلى حليف موثوق به ينقلب على الفريق، مثل خيانة (هتلر) لـ(ستالين) بعد التوقيع على ميثاق عدم الاعتداء الألماني السوفيتي في عام 1939.

 

وبالعودة إلى قرون قليلة مضت نجد أيضاً قائد جيش البنغال (مير جعفر) الذي خان حاكمه خلال معركة (بلاسي) عام 1757، من خلال إبقاء معظم جيش البنغال خارج المعركة مما ترك باقي الجيش ينهار لينهزم بشكل قسري ضد الجيش البريطاني بقيادة (روبرت كلايف).

 

فيما يلي 7 من أعظم الأمثلة عن الـ”دوبل كروس“ أو ”التعامل المزدوج“ الذي قام به الخونة الذين سجلهم التاريخ وعواقب خيانتهم

 

(هارولد كول) والمقاومة الفرنسية

كان (هارولد كول) (1906 – 1946) أحد الضباط الإنجليز الذين خدموا خلال الحرب العالمية الثانية، في كل من الجيش البريطاني والمقاومة الفرنسية، لكنه خان الإثنين عن طريق العمل لصالح الألمان. وخلال مسيرته الاستثنائية في زمن الحرب امتهن الكذب والخداع في جميع أنحاء فرنسا، وانضم إلى النازيين واستولى على المقاومة مما أدى إلى اعتقال وإعدام الكثيرين.

 

كان (كول) في فترة شبابه سارقًا ومزوراً ومختلساً، وبحلول عام 1939 كان قد قضى عدة فترات في السجن. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية زور تاريخه الإجرامي ليستطيع الالتحاق بالجيش البريطاني ويتم إرساله إلى فرنسا. وبالفعل تمكن من الدخول في الجيش حتى أنه تمت ترقيته إلى رقيب في وقت لاحق، لكن طريقه إلى المجد تعثر عندما تم القبض عليه، بتهمة سرقة النقود من رقيب الفرسان للإنفاق على المومسات، وأصبح أسير حرب في أيار (مايو) 1940 عندما استولى الألمان على الحراسة حيث سُجن هناك.

 

هرب بعدها من السجن واتجه إلى مدينة (ليل) في فرنسا حيث اتصل بالمقاومة الفرنسية، مدعيا أنه عميل للمخابرات البريطانية تم إرساله لتنظيم خطوط الهروب والحصول على السبل التي تمكن أفراد الجيش البريطاني من العودة إلى الوطن. ولبعض الوقت استطاع (كول) بالفعل القيام ببعض الأعمال الإيجابية، كمرافقة أفراد الجيش البريطاني الهاربين عبر الأراضي التي احتلها النازيون إلى مكان آمن نسبياً في (فيشي) فرنسا، والذين انطلقوا منها إلى إسبانيا على متن سفينة عائدة إلى الوطن.

 

لم يكن عمل (كول) إيجابياً بصورة كاملة، فقد قام باختلاس ما استطاع من الأموال المخصصة لتمويل هذه العمليات، وقام بتبديدها على أسلوب حياته المترف في النوادي الليلية والمطاعم غالية الثمن، والشمبانيا الباهظة والسيارات السريعة وفتياة الليل. وعندما ظهرت سرقته إلى النور في عام 1941، قامت المقاومة بإلقاء القبض عليه وحبسه، لكن أثناء تداولهم حول العقوبة التي يجب تسليطها عليه، تمكن (كول) من الهرب.

 

بعد الهروب من جيش المقاومة الفرنسية سلم (كول) نفسه للألمان، وأصبح عميلاً لصالحهم حيث زودهم بـ 30 صفحة من أسماء وعناوين أعضاء المقاومة. قام الألمان بعدها باعتقال أكثر من 150 من أعضاء المقاومة الفرنسية، وأُعدم منهم ما لا يقل عن 50 شخصًا، وكان (كول) حاضرًا أثناء استجواب وتعذيب العديد من زملائه السابقين.

 

عندما اقتربت جيوش الحلفاء من باريس في عام 1944، فر (كول) من المنطقة واختفى تماماً عن الأنظار. وفي يونيو من عام 1945 ظهر في جنوب ألمانيا، مدعيا أنه عميل سري بريطاني، وعرض خدماته على قوات الاحتلال الأمريكية. انقلب بعدها على النازيين في عملية خيانة أخرى، ولاحقهم في كل مكان وفضح أماكن اختبائهم وقتل واحداً منهم على الأقل.

 

اكتشف البريطانيون مكان تواجد (كول) وقاموا باعتقاله، لكنه هرب من السجن حيث كان ينتظر المحاكمة العسكرية وتوجه إلى فرنسا. وهناك تلقت الشرطة الفرنسية بلاغًا يكشف عن مكان وجوده (في شقة بوسط باريس)، وفي 8 يناير 1946 تسللت الشرطة الفرنسية إلى البناية التي تقع فيها شقته، لكنه كشف أمرهم وبعد تبادل لإطلاق النار أصيب (كول) ”الخائن“ بعدة طلقات وتوفي على إثرها.

 

(إدي تشابمان) والألمان

AKA ” كان (إيدي تشابمان) عميلاً من نوع أيجنت زيكزاك“ (1914 – 1997)، وهو مجرم أمني ولص ومحتال والرجل الانجليزي الوحيد الذي حصل على درع الصليب الألماني الحديدي. لقد كان الأمر مثيرًا للسخرية على العديد من المستويات، لأنه كان أيضًا واحدًا من أكثر الخونة إثارة للحيرة في التاريخ، فقد كان جاداً في عمله لصالح بريطانيا حيث أنه قدم الكثير من المعلومات للألمان والتي عرقلت بدورها فعالية ”أسلحة الانتقام“ الخاصة بهم، وأنقذت حياة الآلاف من سكان مدينة لندن.

 

نشأ (تشابمان) في عائلة بطّالة، وارتكب العديد من الجنح في وقت مبكر من حياته. تم تجنيده في سن السابعة عشر ولكن في غضون بضعة أشهر أصيب بالملل وقام بالهرب. وعندما عثر عليه الجيش، قام باعتقاله وسجنه. وبعد إطلاق سراحه لجأ إلى الاحتيال والجريمة لتمويل عادة المقامرة لديه والمصحوبة بمعاقرة المشروبات الفاخرة.

 

عندما بدأت الحرب العالمية الثانية، كان (تشابمان) يختبئ في جزيرة (تشانيل أيلاندز) الواقعة في جيرسي، وذلك هرباً من مذكرات لاعتقال العديدة الصادرة في حقه. لكنه قام بخطوة متهورة عندما حاول تنفيذ عملية سطو باءت بالفشل، واعتقل على إثرها ليبقى في سجن (جيرسي) لمدة عامين، حيث وجده الألمان عندما استولوا على المنطقة في عام 1940. وعرض عليهم العمل لصالحهم وأطلقوا سراحه بالفعل، ثم قاموا بتدريبه على استعمال المتفجرات وأعمال التخريب وغيرها من مهارات العملاء السريين، وأوكلت إليه مهمة تدمير مصنع للقنابل في بريطانيا.

 

تم إرساله للقيام بالمهمة عبر القفز بالمظلات، ولكن تم القبض عليه بعد الهبوط بفترة وجيزة، وقبل على الفور عرضًا ليصبح عميلًا مزدوجًا – وهو الخيار الأسهل – معتبرا أن البديل الأكثر أماناً بالنسبة له هو أن يكون الجلاد بدل الضحية. وحصل بعدها على الاسم الرمزي ”أيجنت زيكزاك“ (العميل المتعرج)، حيث تمكن من إيهام الألمان بأن العملية التي أوكلوه لتنفيذها قد تمت بنجاح، هذا ما جعله مصدر ثقة كبير لديهم. وكانت التقارير الخاصة به (والتي كانت تدرس بعناية من قبل المخابرات البريطانية)، مهمة جداً وموثوق بها من قبل الألمان.

 

تم استدعاؤه لاحقاً من قبل الألمان الذين استقبلوه بترحيب كبير، وبعد فترة قصيرة من غزو الحلفاء لنورماندي، حصل على الصليب الحديدي الألماني وأعيد إلى بريطانيا للإبلاغ عن فعالية الضربات الصاروخية الألمانية V1 و V2 على لندن. وتصرف تحت إشراف البريطانيين حيث أرسل أرقامًا مضخمة عن الوفيات التي تسببت بها تلك الصواريخ الألمانية، في خطة وضعت لخداعهم حول نقاط تأثيرهم الفعلية، مما تسبب في تحويل نقاط أهداف الألمان المستقبلية إلى المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة في لندن، مع خسائر أقل في المقابل.

 

واصل (تشابمان) حياته المزدوجة بعد الحرب، وامتهن التهريب وأقام مزرعة في نفس الوقت. تم نشر قصة (إدي تشابمان) الحقيقية في سنة 1966 والتي شكلت أساس فيلم (تريبل كروس) الذي صدر عام 1967.

 

هتلر وستالين

صُعق العالم في 23 أغسطس 1939 عندما وقَّعت ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي الشيوعي ”معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية“، بعد أن كان كل منهما مكرسًا بشكل واضح لتدمير الآخر. وكانت الاتفاقية عبارة عن معاهدة حميدة حسنة قسمت أوروبا الشرقية فعليًا بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، ومكنت (هتلر) من بدء الحرب العالمية الثانية بعد أسبوع من غزو بولندا، حيث أصبح آمنًا بمعرفته أنه ليس معرضاً لخطر خوض حرب ضد جبهة مكونة من بريطانيا وفرنسا في الغرب، والسوفييت في الشرق.

 

كان السبب الوحيد الذي جعل (هتلر) يوقع على تلك الإتفاقية، هو اتخاذ إجراء مؤقت يعفيه من خوض حرب مع السوفييت، ويمكنه من التركيز على الحرب ضد بريطانيا وفرنسا. وكل ذلك كان يخدم هدف (هتلر) الكبير المتمثل في بناء إمبراطورية في الشرق على حساب الاتحاد السوفيتي. ولكن (ستالين) كان مقتنعا بأن الميثاق كان سيدوم لفترة طويلة، وأن (هتلر) لن ينقلب على الاتحاد السوفياتي حتى يتم تسوية الحرب مع بريطانيا على الأقل.

 

كان (ستالين) محاطًا بأعوان لم يجرؤوا على مخالفته على الرغم من كونهم رافضين لفكرة توقيع المعاهدة مع ألمانيا، وبحلول عام 1939 كان (ستالين) يعتبر معصوما من الخطأ في نظر السوفييت، وقادته ثقته في قراراته إلى الاعتقاد بأن الألمان لن يقوموا بأي هجوم في ذلك الوقت. بالرغم من أن فكرة الخيانة الألمانية كانت واضحة على الصعيد التكتيكي، إلا أن اعتراف (ستالين) بكونه تسرع في قراره حول قبول ”معاهدة عدم الاعتداء“، سيمثل نقطة ضعف بالنسبة له أمام أعوانه وشعبه، وهذا ما كان يرفضه الزعيم السوفييتي بشدة حتى لو كانت عواقبه وخيمة.

 

عندما بدأ الدليل على إمكانية حدوث هجوم ألماني وشيك بالتصاعد، رفض (ستالين) تصديقه بشدة وتعامل مع الأمر باعتباره إما أخبارًا مزيفة، أو عدم كفاءة من جانب العملاء السوفييت، أو حتى على أنه جزء من مؤامرة حيكت من قبل المخابرات البريطانية، للتحريض على حرب مع ألمانيا من أجل استخدام السوفييت كوسيلة لإضعاف خصمهم الألماني. إلا أن (هتلر) أعلن خيانته لـ (ستالين) عندما قام بمهاجمة السوفييت في 22 يونيو 1941، واتضحت خطته المخادعة للعيان.

 

السكسونيون و(نابوليون) في معركة (ليبزيغ)

مع نهاية الحملة الألمانية في 1813 خاض تحالف من الجيوش بقيادة القيصر الروسي (ألكسندر الأول) والضابط العام في الجيش (كارل فيليب) حرباً ضد قوات (نابليون) في معركة (لايبزيغ)، في الفترة من 16 إلى 19 أكتوبر من ذلك العام، وهزم الإمبراطور الفرنسي بشكل حاسم، بعد أن تمت خيانته في منتصف المعركة من قبل حلفائه الساكسونيين.

 

بعد نتائج غزو (نابليون) لروسيا في عام 1812 والتي كانت كارثية، حيث دخل الجيش الفرنسي المكون من 685000 من الرجال إلى الحرب، ليخرج بـ 120،000 من الناجين فقط والذين أنهكهم البرد والجوع؛ تحطمت هيمنة فرنسا على أوروبا، حيث اندفعت الدول العميلة والدول الخاضعة للسيطرة الفرنسية للتخلص من هيمنة هذه الأخيرة عليها. وبعد العودة إلى فرنسا نجح (نابليون) في رفع ما يعادل حجم الجيش إلى العدد الذي فقده مؤخرًا، ولكنه لم يكن بنفس الكفاءة والخبرة مطلقاً.

 

شن (نابليون) الحرب بعدها على ألمانيا كبادرة لإعادة تأكيد الهيمنة الفرنسية وقوتها، واتطاع تحقيق بعض الانتصارات لكنه لم يتمكن من تتويجها بفوز حاسم لأن أعداءه تجنبوا المعركة معه. و بحلول أكتوبر 1813 كان الحلفاء (النمسا، بلجيكا، هولندا، روسيا، بريطانيا) واثقين بما يكفي لتحدي (نابليون) مباشرة، وحدثت المواجهة في (ليبزيغ) بين قوات (نابليون) البالغ عددها 225000 جندي، وائتلاف قوي يضم 380.000 من أعدائه.

 

بما أن عدد الجيوش كان متقارباً، كانت احتمالية فوز فرنسا بالمعركة وارداً، لكن تغير كل شيء عندما قام حلفاء (نابليون) من سكسونيا بخيانته بعد ظهر اليوم الثامن عشر من الحرب. فبعد أن امتدت قوات (نابليون) بالفعل إلى الحد الأقصى، تخلى الفيلق الساكسوني المكون من حوالي 10 آلاف رجل كانوا يحتلون قطاعًا كاملاً من الخطوط الفرنسية فجأة عن مواقعهم، وتُرك (نابليون) وبقية جيشه للقاء الحلفاء.

 

مع ظهور تلك الفجوة الفجائية في خطوط قوات (نابليون)، كان عليها أن تتخلى عن قطاع بأكمله، وبدأت تلك الليلة بالتراجع مع مواقعها التي لا يمكن الدفاع عنها. وسارت الأمور بسلاسة في البداية، لكن في اليوم التالي أدى تفجير جسر كان مزدحماً بالجنود الفرنسيين المنسحبين، إلى كارثة قتل فيها الآلاف منهم، بينما تقطعت السبل بعشرات الآلاف الآخرين الذين كانوا على الجانب الخطأ من الجسر المدمر، حيث تم القبض عليهم وتحويل المعركة من ”التعادل التكتيكي المحتمل“ إلى هزيمة فرنسية كارثية.

 

(خوان بوجول غارسيا) والأبهر الألماني

كان (خوان بوجول جارسيا) (1912 – 1988) جاسوساً إسبانيًا غريب الأطوار، قام بخداع النازيين بـ ”التجسس الخيالي“ خلال الحرب العالمية الثانية وذلك بسبب رغبته الشديدة في المغامرة والإثارة فقط ! نمت الخدعة التي قام بها لتصبح أعظم عملية خداع وخيانة في ذلك الوقت ولعبت دورًا مهمًا في ضمان فوز الحلفاء في ”يوم النصر“ وفي حملة ”نورماندي“ اللاحقة وتحرير فرنسا في غضون أشهر فقط.

 

كان (بوجول) يكره التعامل مع الأشخاص الفاشيين والغير كفوئين، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية قرر مساعدة الحلفاء ”من أجل مصلحة الإنسانية“. ومع ذلك تم رفض خدماته التي عرضها على المخابرات البريطانية، فقام بعدها بالتظاهر بأنه ضابط من الحكومة الإسبانية متعاطف مع الحكومة النازية، وعرض خدماته على الألمان الذين قبلوه فوراً وأمروه بالمكوث في بريطانيا، وذلك للعمل على تجنيد شبكة تجسس هناك.

 

ذهب بدلاً من ذلك إلى (لشبونة)، ومن هناك كان يقوم بتأليف تقارير عن بريطانيا بمحتوى تم استخلاص القليل منه من مصادر عامة، والباقي كان (بوجول) يضيفه ويؤلفه بالاستعانة بخياله النشط، ثم يقوم بإرساله للألمان على أساس أنه كتب في بريطانيا. وقد انطوت الحيلة على الألمان الذين أصبحوا متعطشين للمزيد، ولذلك طور (بوجول) خدعته أكثر وادعى تعامله مع وكلاءٍ خياليين، واستخدمهم كمصادر لتقارير خيالية إضافية.

 

استطاع البريطانيون اعتراض وفك تشفير تلك الرسائل السرية المتوجهة إلى ألمانيا، وأدركوا أن شخصًا ما كان يقوم بخداع الألمان لصالحهم، وعند اكتشاف هوية (بوجول) قبلوا متأخراً عرضه السابق الخاص بالعمل معهم. أطلق عليه الاسم الرمزي ”GARBO“ وتم نقله إلى بريطانيا، حيث تعززت شبكته الوهمية، وتحولت إلى عملية خيانة متقنة قامت بخداع الألمان وتزويدهم بعناية بكمية هائلة من المعلومات الحقيقية في كثير من الأحيان ولكن عديمة الفائدة ومختلطة، نصفها بالحقائق والنصف الباقي بالأكاذيب.

 

تحول (بوجول) في نظر الألمان إلى أنجح جاسوس متمركز في بريطانيا يعمل لصالحهم، وذلك بسبب طوفان التقارير الواردة من طرفه ومن شبكته المتنامية باستمرار. وحانت بعدها اللحظة التي يثبت فيها الرجل ولاءه وصدقه والطرف الحقيقي الذي يسانده. وذلك خلال فترة تحضير بريطانيا للحدثين المهمين في الحرب العالمية الثانية، وهما ”يوم النصر“ وحملة ”نورماندي“ اللاحقة، حيث كان الهدف الأساسي هو إقناع الألمان بأن حملة (نورماندي) لم تكن سوى حملة أولى في سلسلة من الغزوات المخطط لها، مع غزو أكبر على منطقة (با دي كاليه) الفرنسية.

 

لتعزيز مصداقية (بوجول) مع الألمان، جعلته المخابرات البريطانية يرسل رسالة تنبه الألمان إلى الغزو قبل ساعات قليلة من بدايته، مع العلم أنه بحلول الوقت الذي سلكت فيه الرسالة طريقها من المخابرات الألمانية متجهة إلى القادة العسكريين الألمان، كان الغزو قد حدث بالفعل ولم يفد التحذير الألمان بأي شيء، وعمل فقط على تعزيز سمعة (بوجول) لديهم.

 

بناءً على الثقة الكبيرة التي اكتسبها (بوجول) لدى الألمان، قام بإقناعهنم بأن عمليات هبوط قوات الحلفاء في (نورماندي) كانت مجرد تنويه، وأن الضربة الحقيقية ستقع في منطقة (با دي كلي). إضافة إلى ذلك أخبرهم بتواجد مجموعة من قوات الجيش الأمريكي (الوهمية)، على القناة الإنجليزية بمحاذاة (با دي كلي) تستعد لغزو المنطقة، واقتنع الألمان فوراً بوجوب الاستعداد لذلك الغزو والحفاظ على تشكيلات عسكرية قوية هناك. ساعدت هذه الخطة الحلفاء خلال الأسابيع الحاسمة في يونيو 1944، ليتمكنوا من جمع قوات كافية في (نورماندي) تمكنهم من هزيمة الهجمات الألمانية، ومواصلة الهجوم وتحرير فرنسا كلها خلال بضعة أشهر.

 

كان (بوجول) قد حصل من قبل على وسام استحقاق على شكل صليب حديدي من ألمانيا، بالإضافة إلى وسام عضو في الإمبراطورية البريطانية (MBE) من بريطانيا. بعد الحرب قام الرجل بتزوير وفاته في أنغولا عام 1949 خوفًا من الانتقام النازي، ثم انتقل إلى فنزويلا حيث كان يدير متجرًا لبيع الهدايا ومحل بيعٍ للكتب. عاش حياة مجهولة حتى عام 1984، عندما وافق على إجراء مقابلة معه حول كتاب ألف عنه بعنوان العميل ”GARBO“. تم استقباله بعد ذلك في قصر (باكنغهام)، وتم استقباله في بريطانيا حي حضي باهتمام كبير، وفي الذكرى الأربعين لـ ”يوم النصر“ سافر إلى (نورماندي) وعبر عن احترامه لضحايا الحرب هناك، وتوفي في كاراكاس بعد 4 سنوات.

 

(جوناثان وايلد) وقضاة لندن

كان (جوناثان وايلد) (1682 – 1725) أشهر مجرم إنجليزي عرفه القرن الثامن عشر، حيث كان يحكم مملكة كبيرة خاصة باللصوص وقطاع الطرق، ويقوم بأعمال الابتزاز والتزوير ويملك مخزناً كبيراً خاصاً بالبضائع المسروقة. بعد أن تظاهر بالإصلاح لجأت السلطات البريطانية إلى (وايلد) لمساعدتها في القبض على المجرمين، الذين يسعون لإفشاء الرعب في شوارع مدينة لندن ومنحته لقب (اللص تيكر) وقام بخيانة الجميع في آخر المطاف.

 

تولى (وايلد) منصبه الجديد ولقبه بشغف، وشكل فرقًا فعالة للغاية متكونة من ”صيادي اللصوص“ الذين كانوا يقومون بالقبض على اللصوص باستمرار، وتفكيك العصابات وإرسال المجرمين إلى المشنقة بالعشرات. خلال مسيرته هذه تم إعدام حوالي 120 شخص على الأقل وذلك بناءً على شهادة (وايلد) والمعلومات التي يقدمها للسلطات.

 

كما قام بإنشاء شركة جانبية كمحقق خاص، مكنته من استعادة العديد من البضائع المسروقة مقابل قبضه للرسوم. لم يخبر (وايلد) عملائه بأن اللصوص الذين سرقوا بضائعهم في المقام الأول كانوا يعملون لصالحه، وأن عمله على ”استعادة مسروقاتهم“ تمثل ببساطة في ذهابه إلى أحد مستودعاته والبحث في أكوام الممتلكات المسروقة المتراصة هناك. لم يكن (وايلد) قد تخلى عن حياة الإجرام بتاتاً بل قام بخداع الجميع وتوسعت مملكته أكثر فأكثر، حيث أنه كان يتخلص من المجرمين واللصوص المنافسين له عن طريق تسليمهم للسلطات.

 

كما ذكرنا في بداية هذه المقالة، فإن مصطلح ”التقاطع المزدوج“ يرجع أصله إلى (وايلد). تمت الإطاحة به أخيرًا عندما اتهمه أحد المجرمين بامتلاك العديد من البضائع المسروقة وفضح أمر مخازن المسروقات الخاصة به. أكدت التحقيقات ذلك وثبتت التهمة على (وايلد) ثم تم القبض عليه، وفي هذه المرحلة تحول العديد من أتباعه إلى شهود ضده. تمت محاكمته بسرعة وإدانته وشنقه في مدينة (تيبورن)، وأصبح يعرف بكونه أكبر منفذ لعملية ”تقاطع مزدوج“ تمثلت في كونه أشرس محارب للجريمة وأكبر مجرم في الوقت ذاته.

 

(مير جعفر) و(سراج الدولة)

وصل (مير جعفر) (1691 – 1765) وهو عربي الميلاد، إلى الهند كمغامر ودخل في السياسة إلى جانب زوج والدته الجنرال (علي فاردي خان)، وقام بمساعدته لتنفيذ مؤامرة استولوا فيها على البنغال وحرروها من السيطرة المغولية في عام 1740. ثم قام بعملية ”تقاطع مزدوج“ وخيانة حفيد وخليفة (علي فاردي) الذي يدعى (سراج الدولة)، وقام بمساعدة البريطانيين للسيطرة على البنغال والذين قاموا بدورهم بتنصيبه كحاكم لها.

 

بدأت الخيانة التي قام بها (جعفر) عندما كان قائداً لجيش البنغال التي كانت وقتها تحت حكم (سراج الدولة)، حيث خاض حرباً ضد شركة (إيست إنديا) البريطانية التي أرادت الاستيلاء على المنطقة، ودخل في مفاوضات سرية مع البريطانيين لخيانة حاكمه. وفي 23 يونيو 1757، واجهت قوة من حوالي 3000 رجل بقيادة الجنرال البريطاني (روبرت كلايف) قوة قوامها 65000 رجلاً بقيادة (سراج الدولة).

 

على الرغم من الصعاب كان (كلايف) واثقًا من النصر، وبصرف النظر عن معايير التدريب العليا ونقاط القوة الكثيرة التي يتميز بها جيشه، فقد قام بإبرام صفقة مع قادة (سراج الدولة) المهمين. وعندما بدأت المعركة انشق مير جعفر وآخرون رفقة 15000 رجل من سلاح الفرسان و 35000 من المشاة، هذا ما قام بإحباط عزيمة ما تبقى من جيش البنغال، وجعل حاكمهم يهرب من الميدان لكنه أسر وأعدم لاحقاً.

 

تم تعيين جعفر ليحل محل (سراج الدولة) كحاكم للبنغال تحت الرعاية البريطانية. ومع ذلك لم يستطع مقاومة الرغبة بخيانة البريطانيين ودخل في مفاوضات سرية مع خصومهم الهولنديين. وتسبب فشله في مساعدة البريطانيين بنفس القدر الذي وعد به، أدى إلى إقالته واستبداله بـ “ابن زوجته” في عام 1760. ومع ذلك تبين أن هذا الأخير كان أسوأ من المنظور البريطاني، حيث حاول اتباع خط مستقل عنهم وأراد إنهاء الحكم البريطاني في البنغال. لذلك أطيح به في عام 1763 وتم استدعاء (جعفر) ليحل محله كحاكم ولي في ولاية البنغال، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته في عام 1765.