صمود وانتصار

مرضى السليلياك..معاناة مضاعفة بالعدوان والحصار

يست مشكلة واحدة تلك التي يواجهها مريض السيلياك في اليمن، فاكتشاف المرض يعتبر المعضلة الأكبر لعدم القدرة على التفريق بين أعراضه والأمراض المشابهة له وإن تم اكتشاف المرض يتفاجأ المريض بأن علاجه لم يتم اكتشافه حتى أللحظة وليس هناك من حل آخر سوى اتباع الحمية.

تحقيق/ شهاب فؤاد

السيلياك أو حساسية القمح هو مرض مناعي يجعل الجسم غير قادر على
تحمل الجلوتين؛ إذ يُحفِّز تناوُل الجلوتين استجابةً مناعيةً في الأمعاء الدقيقة، وتُتلِف هذه الاستجابة بطانة الأمعاء الدقيقة بمرور الوقت، وتمنعها من امتصاص بعض العناصر المغذية (سوء الامتصاص). ويُؤدِّي التَّلَف المعوي الى الإسهال والتعب وفقدان الوزن والانتفاخ وفقر الدم، ويُمكن أن يُؤدِّي أيضًا إلى مضاعفات خطيرة.
أما “الجلوتين” فهو عبارة عن بروتين موجود في القمح والشعير وغيرهما، وعندما يتناول الشخص المصاب بـ”السيلياك” مثل هذه الأغذية يهاجم جهاز المناعة الأمعاء الدقيقة، فلا يتم امتصاص العناصر الغذائية بشكل سليم،وفقاً لتأكيدات علمية.
أسباب الإصابة
تؤكد الدكتورة هبة سعيد -أستاذ مساعد في التغذية بالمعهد القومي للتغذية في القاهرة- وجود تاريخ عائلي بالإصابة بـ”سيلياك” أو الجينات الوراثية، حيث أن نسبة الإصابة لدى أقارب المريض مثل الإخواة والأبناء من 5-20% كما أن الإصابة بمرض مناعي آخر مثل متلازمة داون أو مرض السكري من النوع الأول تزيد الإصابة بنسبة 5-10%، وأيضا مؤثرات للعوامل البيئية التي تتمثل في إصابة الطفل بالعدوى، كإصابته بفيروسات تؤثر على المناعة، أو أغذية الفطام مبكرا قبل أربعة أشهر من العمر واحتواء تلك الأطعمة علة الغلوتين كأحد العوامل التي تزيد من فرص الإصابة بـ”السيلياك”.
فيما يوضح الدكتور مجدي بدران -عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة واستشاري الأطفال، وزميل معهد الطفولة- أن الجلوتين هو أكثر المواد قدرة على إحداث حساسية للقمح، وتدمير الطبقة السطحية للخملات، وبالتالي الإصابة بسوء الهضم والامتصاص ونقص أغلب المواد الغذائية وانتفاخ البطن، حيث يصاب المريض بعسر الهضم وسوء الامتصاص ويصاب بالعشى الليلي وجفاف القرنية بسبب نقص فيتامين “أ” بالإضافة إلى التهابات الأعصاب نتيجة نقص فيتامين “ب” اللازم للتمثيل الغذائي، ويحرم الجسم من فنيامين “ب” الضروري لتجلط الدم .
ويضيف: يصاب مريض حساسية القمح بالنزيف بشكل مستمر، ويحرم من البروتينات فيصاب بالأنيميا والاستسقاء والإسهال المتكرر، وانتفاخ البطن بسبب الغازات الناتجة من البكتريا، مع فقدان للشهية، وطفح جلدي وحبوب وبثور في المناطق المعرضة للاحتكاك مثل الكوع والركبة، كما يتساقط الشعر لعدم وجود تغذية كافية، بالإضافة إلى هشاشة ولين العظام بسبب نقص الكالسيوم والماغنسيوم وفيتامين “د”.
ويبين الدكتور بدران أن عدم تشخيص هذا المرض يوصم الطفل بقصر القامة، وعندما يبلغ ربما يعاني من عدم الخصوبة وتعاني بعض الإناث من احتمالات الإجهاض واحتمالات ولادة أطفال مصابين بتشوهات خلقية.
البدائل المتوفرة
تقول الدكتورة إيمان الكثيري إن جميع الفئات العمرية معرضة للإصابة وتكون بشكل أكبر في فئة الأطفال في مرحلة ما بعد الفطام إلى عمر الثانية عشرة، وان المرض من الممكن أن يصيب أي شخص بسبب الاستثارة بعد أي مرض أو الضغوطات النفسية أو بعد العمليات الجراحية والولادة ، وقد تتشابه أعراضه مع أعراض أمراض أخرى ما يؤدي إلى صعوبة التشخيص، وإن أكبر شبيه لـ”السيلياك” هو مرض القولون ، وإن البدائل توجد في الحبوب الأخرى مثل الذرة والدخن وأيضا البقوليات ودقيق الأرز، وشددت على استهلاك ما يصنع أو يطبخ في البيت وتجنب أكل المطاعم لعدم معرفة المكونات ، وترك الإهمال الذي أدى بالفعل إلى حدوث وفيات
قصص من الواقع
حالة والد معتز ومحمد اللذين غيبهما المرض عن الحياة –يحكي عن معتز فيقول “لم نعرف ما هو مرضه رغم ظهور الأعراض المتمثلة في الطرش والإسهال ونقص الوزن، وقد استمرت معاناته إلى أن تدهورت حالته ووصلت إلى جفاف حاد فقمنا بنقله للرقود في المستشفى ولكن عدم معرفة المرض تسبب في موته وهو في التاسعة من العمر ، وبالنسبة لمحمد هو أيضا عانى من نفس الأعراض فذهبت به للعلاج في مصر وفعلاً عن طريق المنظار العلوي والخزعة اكتشف الدكتور المرض وأخبرنا باللازم اتخاذه مع حالة محمد، فبدأ محمد بالتحسن واكتساب الوزن ولكن بعد عودتنا إلى اليمن كان ضعف الوعي لدى المجتمع وبالذات الأهل سبباً في موت محمد، فالبعض كان يطعمه غذاء يحتوي على الجيلوتين كالبسكويت وغيره من باب الحب والرحمة دون علم بقوة المضاعفات التي يسببها الجيلوتين لمريض السيلياك ما أدى إلى تدهور صحة محمد فأخذناه إلى المستشفى وبقي هناك عدة أشهر لكنه فارق الحياة”.
توضح أم أركان المصاب “السيلياك” بأنه في الشهور الأولى من عمره كان كثير الطرش والإسهال، ثم عرضت أبنها على دكاترة فقالوا بأنه أمر طبيعي ، ولكن عندما أصبح عمره خمسة أشهر بدأت أطعمه السيريلاك فبدأ جسمه بالانتفاخ فعرضته على دكتور وقلت له إني أطعمته السيريلاك فقال لي الدكتور إنه مصاب بحساسية القمح وحينها لم أعلم ما أطعمه وبعد البحث والاستشارة وبروشورات الدكتورة بسمة التي كانت تضعها في السوبر ماركت والبقالات الكبيرة وعن طريق مبادرة “بسمة حياة” تعلمت كيف ومن ماذا أصنع لطفلي غذاءً خالياً من الجيلوتين، وبالرغم من هذا كله الا أنه ما يزال يعاني من نقص في النمو.
الدكتورة بسمة مصطفى – أحد المؤسسين للمؤسسة- تقول إن المعاناة التي عاشتها مع المرض وانعدام الوعي بالمرض من قبل المجتمع من أطباء ومرضى كانت هي الدافع لانطلاقها في مسيرة التوعية وتعريف الناس بالمرض في محاولة منها لتجنيبهم ويلات السنين التي عاشتها بالذهاب من دكتور إلى آخر دون فائدة فأغلبهم يشخَّص الحالة بمرض القولون أو جرثومة المعدة، فتسارع التدهور المستمر في صحتها إلى أن أصبحت طريحة الفراش وتعيش على المغذيات ولا تعلم ما هو مرضها، ولكن عندما أشرفت عليها دكتورة لديها خلفية وثقافة عن المرض قامت بأخذ خزعة لتشخيص الأمعاء وبالفعل تم اكتشاف المرض، لكن بسبب تلف الأمعاء ولصعوبة حصولها على المعلومات حول المرض لجأت إلى مواقع عربية لمعرفة المسموح والممنوع من الغذاء للحفاظ عن صحتها وعندها قامت بإنشاء مجموعة في الوتس.
منتجات تحتوي على الغلوتين
تقول المعلومات الغذائية الثابتة : إن الجلوتين لا يوجد في القمح والشعير فحسب، بل يدخل في صناعة منتجات كثيرة أخرى مثل المعلبات وبعض أنواع معجون الأسنان والألبان ومستحضرات التجميل كأحمر الشفاه، أو مراهم الشفاه التي يمكن تناولها دون قصد، أو بعض الأدوية، أو الفيتامينات والمكملات الغذائية، وأيضًا عجينة صلصال الأطفال المصنوعة من القمح.
اتباع الحمية اقرب الى المستحيل
الالتزام بالحمية مهمة صعبة في مجتمع تعتمد فيه الأسرة في غذائها على القمح وكل وجباتها تقريبا تحتوي على الجلوتين مثل الخبز والملوج والفتوت والعصيد وبنت الصحن وخبز الطاوة والكعك والهريش. وبالرغم من توفر قمح بديل إلا أنه باهظ الثمن ويبلغ سعر الكيلو سبعة آلاف ريال أي أن وجبة عصيد تتطلب هذا المبلغ
متابعة الحالة هو المعضلة الأكبر
الطبيعي في هكذا حال وكأمر روتيني لأي مريض متابعة حالته الصحية خصوصاً المصابين بالأمراض النادرة أو المستعصية فلا بد من رقابة ومتابعة مستمرة وحذرة، كما يتوجب على مريض السيلياك متابعة الطبيب وإجراء فحص الجلوتين بين فترة وأخرى، لكن غياب الوعي يضاعف المعاناة.
من رحم المعاناة يولد الأمل
يقول المدير التنفيذي لمؤسسة السيلياك يحيى الروحاني إن المؤسسة بدأت بفكرة من مجموعة مرضى طالت معاناتهم دون معرفتهم أنه السيلياك وبداية بمؤسسة الجمعية التي بدأت بالعمل على التوعية حول المرض عبر مجموعات في الواتساب وبروشورات توضع في محلات السوبر ماركت تحت شعار مبادرة بسمة حياة في عام 2016م وعمل بوروشورات توعية للمرضى عن كيفية التعامل مع المرض من حيث الطباخة وتجنب الجيلوتين.
ويضيف: مؤسسة سيليات تأسست بجهود شخصية من المرضى أنفسهم وتعتمد ماديا على بعض المؤسسيين لكنها لا تستطيع تغطية كل المرضى وتحتاج إلى الدعم.