صمود وانتصار

النتائج العكسية السريعة للتصعيد الإماراتي تؤكّـدُ الجهوزيةَ القتالية العالية للجيش واللجان

تقارير|| الصمود||

كشف دخولُ الإمارات، مجدّدًا، على خَطِّ التصعيد الإجرامي ضد اليمن أن ادِّعاءاتها بشأن الانسحاب من البلد كانت مُجَـرَّدَ جزء من “تكتيكات” وخطط الحرب، لكن في الوقت ذاته كشف أَيْـضاً فشل هذه التكتيكات والخطط، وأكّـد الجهوزية العالية لدى قوات الجيش واللجان الشعبيّة للتعامل مع كُـلّ السيناريوهات المحتملة، بما لا يترك مجالاً لتحالف العدوان للقيام بأَيَّةِ خطوات مفاجئة، وهو ما عبّرت عنه النتائجُ العكسية السريعة للتحَرّكات الإماراتية الأخيرة.

 

بحسب تصريحات العديد من المسؤولين في صنعاء، والذين أكّـدوا أن عودة الإمارات إلى واجهة التصعيد ضد اليمن جاءت بتوجيهات أمريكية إسرائيلية، يبدو بوضوح أن الإدارةَ الدولية لتحالف العدوان أعادت تحريكَ الإمارات في إطار التصعيد كمحاولة لكسر حالة “الشلل” العسكري الذي باتت تعيشُه في اليمن والذي أصبح يؤكّـدُ حتميةَ هزيمة العدوان، خُصُوصاً بعد الخسائر الكبرى التي تلقاها في الميدان خلال العام المنصرم في البيضاء والجوف وشبوة ومأرب، وبعد فشل كُـلّ محاولات الضغط والابتزاز السياسي لإجبار صنعاء على الاستسلام.

 

بعبارة أُخرى: حاول تحالف العدوان ورُعاتُه “مباغتةَ” صنعاءَ بإشراك الإمارات في التصعيد، لكن معطيات الميدان أكّـدت أن صنعاء لم تتفاجأ وأن جهوزيتها القتالية عالية بما يكفي للتعاطي بسرعة فائقة مع أي تطور مهما كان نوعُه وحجمه، بل وتنفيذ عمليات نوعية جديدة تشكل صدمة لتحالف العدوان.

 

مع بداية التصعيد، وجّهت القواتُ المسلحة صفعة مدوية لتحالف العدوان، بما في ذلك الإمارات، من خلال الاستيلاء على السفينة العسكرية “روابي” أثناء قيمها بنقل عتاد عسكري عبر المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، في عملية غير مسبوقة كانت رسائلها مزلزلة، وأبرزها أن جعبة صنعاء لا زالت مليئة بالمفاجآت ثقيلة العيار، على عكس تحالف العدوان الذي أصبحت خياراته كلها مكرّرة ومكشوفة وبالية، بما في ذلك إعادة الدفع بالإمارات نحو التصعيد في اليمن.

 

هذه الصفعةُ جاءت توازياً مع صفعات سريعة ومؤلمة وجهتها قوات الجيش واللجان الشعبيّة لتحالف العدوان، وبالأخص الإمارات، في محافظة شبوة التي اقتضى مخطّطُ التصعيد العدواني أن تقوم أبو ظبي بتحشيد مرتزِقتها فيها لإحداث اختراقات في المديريات التي تم تحريرُها في سبتمبر الماضي، على أمل تخفيف الضغط عن مأرب، ورفع الروح المعنوية للمرتزِقة بعد سلسلة الهزائم المدوية التي تلقوها خلال العام الماضي، وبالإجمال صناعة انتصار وهمي.

 

الاختراقاتُ المحدودة التي تمكُّنَ مرتزِقةُ الإمارات من تحقيقها في شبوة، تحولت إلى مصائدَ قاتلة تلقوا فيها ضربات صاروخية مسدَّدة أوقعت أعداداً كبيرة من قياداتهم وعناصرهم قتلى وجرحى بما في ذلك قادة ألوية ما يسمى “العمالقة” (الأدوات الرئيسية للتصعيد)، الأمر الذي مثّل ضربةً مزلزلةً أُخرى (لا زالت مُستمرّة) وأدت أحلام تحالف العدوان ورعاته، وأبو ظبي على وجه الخصوص.

 

بهذه الاستجابة السريعة والنوعية من قبل قوات الجيش واللجان الشعبيّة، أثبتت صنعاء بشكل مدهش على أن كُـلّ سيناريوهات التصعيد العدواني عاجزة تماماً عن تحقيق الأهداف المرجوة منها؛ لأَنَّها خطط واستعدادات القوات المسلحة تستوعب كافة هذه السيناريوهات وتضمن فشلها، مع إضافة أمر آخر هو مضاعفة خسائر العدوّ وتصعيد عمليات الردع ضده بما يجعل تصعيد يرتد عليه أضعافاً، وبالتالي يزداد مأزقه سوءاً على كُـلّ المستويات.

 

وبحسب ما تؤكّـد مصادر عسكرية فَـإنَّ حالة ذعر كبيرة أصابت مجاميع مرتزِقة الإمارات في شبوة هذا الأسبوع نتيجة الارتفاع الكبير لعدد القتلى والجرحى في صفوفهم، واستمرار تساقط قياداتهم العليا بين قتيل وجريح، إثر الضربات الصاروخية المسددة للجيش واللجان الشعبيّة، وهو ما يعني أن الخطة الإماراتية للتصعيد لم تفشل فحسب، بل مثَّلت انتحاراً جماعياً لتشكيلاتها العسكرية من المرتزِقة الذين ظلت تعدهم منذ سنوات كقوة رئيسية على الأرض، وبالتالي فَـإنَّ الهزيمة اليوم تؤثر على مستقبل التواجد الإماراتي في اليمن بشكل عام، وليس على التحَرّك في شبوة فقط.

 

ومن المهم الإشارة إلى أن التصعيد بشكل عام، سواء عبر تحريك أدوات الإمارات في شبوة، أَو تكثيف الغارات الجوية في بقية المحافظات، يشكل اليوم نقطة فاصلة في مسار الحرب؛ لأَنَّه يختتم فترة طويلة من محاولات الخداع والمناورة السياسية ورفع شعارات ودعايات السلام، فالغارات والتحَرّكات العسكرية على الأرض، جاءت بمثابة إعلان أمريكي صريح عن انسداد أفق الابتزاز والضغوط والحيل السياسية، والتمسك بالخيار العسكري، لكن النتائج العكسية حتى الآن لهذا التصعيد تضع الرياض وواشنطن وأبو ظبي أمام احتمالات مرعبة؛ لأَنَّ صنعاء حتى الآن ما زالت محتفظة بخيارات الردع القاسي، ومع وصول التصعيد المعادي إلى طريق مسدود، سيكون الأمريكيون والسعوديّون والإماراتيون أمام مأزق حقيقي بين خيارين: إما التعاطي بإيجابية وبشكل عملي مع محدّدات السلام التي أعلنتها صنعاء، أَو تلقي ضربات لا يمكن تحديد سقفها، وستكون فرصة التحايل لإيجاد طريق وسط بين الخيارين معدومة تماماً، فلا عودة إلى الوراء.

 

إجمالاً، لم تكن خطة تبديل الأدوار بين السعوديّة والإمارات “حَلًّا سحريًّا” لمأزق تحالف العدوان، ولم تغير أي شيء يذكر في مسار التراجع والهزيمة الذي يسلكه، ولعلَّ كُـلَّ ما نجحت هذه الخطة في فعله هو إثارة “زوبعة” محدودة لا يمكن لها أن تضيفَ أي مكسب حقيقي إلى رصيد واشنطن والرياض وأبو ظبي، فما زالت قوات الجيش واللجان الشعبيّة على مشارف مدينة مأرب، ولا زالت خيارات الردع الاستراتيجية تتصاعد ونطاقها يتسع، ولا زالت صفوف تحالف العدوان تتفكك وتتعرض لضربات مزلزلة، ولا زالت صنعاء بعيدة.

 

وبالحديث عن تفكك صفوف تحالف العدوان، فَـإنَّ التصعيد الأخير في شبوة قد كشف أَيْـضاً عن استمرار الصراع والانقسامات بين فصائل المرتزِقة على نحو متصاعد، فبرغم محاولات تحالف العدوان إظهار التحَرّك في شبوة على أنه تحَرّك “مشترك” لجميع الفصائل إلى أن أتباع الإمارات مُستمرّون على الواقع بمهاجمة مرتزِقة الإصلاح وحكومة الفارّ هادي، وقد وصل ذلك إلى حَــدِّ قيام قوات ما يسمى “العمالقة” بإحراق العلَم اليمني وتوثيق ذلك، في رسالة بأن التحَرّك في شبوة يأتي في إطار المشروع الخاص للإمارات وأتباعها، وهو المشروع الذي يخوضُ أصحابه صراعاً كَبيراً مع حكومة الفارّ هادي، الأمر الذي شكل إحراجاً كَبيراً، لجأ محسوبون على حكومة المرتزِقة إلى محاولة التغطية عليه بالقول إن من قام بإحراق العلم اليمني “أفراد يمثّلون أنفسهم”، وهكذا فحتى ما يحاول تحالف العدوان تقديمه كانتصار، ينطوي على الكثير من الفضائح التي تؤكّـد أنه ليس أكثرَ من مُجَـرّد زوبعة تحملُ في ذاتها عوامل انتهائها وتلاشيها السريع والحتمي.