صمود وانتصار

العلاقات السعودية الاسرائيلية من السر الى العلن

 

الصمود | محاولة السفير السعودي في لبنان، وليد بخاري، لتشويه صورة حزب الله بأنه يمثل تهديداً للأمن القومي العربي، تشير إلى تطور الدور الذي يلعبه النظام السعودي بالتقاطع والتكامل مع العدو الإسرائيلي.

كتبت صحيفة الاخبار اليوم الثلاثاء: ليس صدفة أو أمراً عابراً أن يصف السفير السعودي في لبنان، وليد بخاري، «حزب الله»، الذي يشكّل التهديد الاستراتيجي الأشدّ خطورة على الأمن القومي الإسرائيلي في هذه المرحلة – بحسب إقرار المؤسّستَين العسكرية والسياسية في الكيان -، بأنه يمثّل «تهديداً للأمن القومي العربي». يؤشّر هذا التوصيف، من ضمن دلالات أخرى، إلى تطوُّر الدور الوظيفي الذي يلعبه النظام السعودي، بالتقاطع والتكامل مع العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى ما يبدو أنه تقمُّص الأوّل دور الوكيل في أداء مهامّ محدّدة – بفعل قصور الأصيل عنها نتيجة تطوّر معادلات القوّة التي باتت تهدّد عمقه الاستراتيجي -، بالاتّكاء على عناوين مذهبية وثروة مالية هائلة مكّنته من شراء ذمم مالية وسياسية وأمنية، بهدف تسخيرها في مواجهة المقاومة في لبنان والمنطقة.

 

وبعيداً عما إذا كان النظام السعودي سيلتحق قريباً وعلناً بركْب التطبيع مع “إسرائيل”، فالواضح أن مسار التطوّرات الإقليمية يستحثّ الارتقاء بالعلاقات الثُّنائية من السرّ إلى العلن، وعلى المستويات كافة. ومن بين العوامل التي تدفع في هذا الاتجاه، استنفاد الكثير من الخيارات البديلة في مواجهة قوى المقاومة، وتبلوُر الأخيرة كقوّة إقليمية تُهدّد الأمن الإسرائيلي والمصلحة والنفوذ الأميركيَّين في المنطقة. ويُضاف إلى ذلك العامل، نَحْوُ الولايات المتحدة إلى التخفّف من الأعباء المُلقاة عليها في المنطقة، لمصلحة التفرُّغ لمواجهة التهديد الصيني، وهو ما يجعل من الطبيعي، بالنسبة إلى القوى التي تتشارك في المصالح والمصير، أن تتكاتف لمواجهة التهديدات المشتركة، وصولاً إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي قد يستغرق تظهيره مزيداً من الوقت.

 

على أن خصوصية العلاقات الإسرائيلية – السعودية لم تنبع من ظروف مستجدّة شهدتها المنطقة في العقود الأخيرة، وإن كانت تلك الظروف ساهمت في تعزيزها. فالمؤشّر الإسرائيلي الرسمي الأوّل بهذا الخصوص، جاء على لسان مؤسّس كيان العدو وأول رئيس وزراء فيه، ديفيد بن غوريون، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، في السابع والعشرين من نيسان 1949، حيث أوضح الموقف من كلّ من الدول العربية على حدة، واعتبر في حينه أن «السعودية لم تكن عدواً فعلياً حتى في السابق» (المصدر: يوميات الحرب 1974 – 1949، ديفيد بن غوريون، ص 746، ترجمة: مؤسسة الدراسات الفلسطينية). هكذا، حرص بن غوريون، بصفته الرسمية وأمام محفل رسمي، على تحييد النظام السعودي عن دائرة العداء، ما يشير إلى رضى عن أداء الأخير حتى في مرحلة ما قبل تكوين الكيان الصهيوني، أي في مرحلة الاستيطان والحرب التي مهّدت لقيام الكيان.

 

يحيل ذلك إلى الحديث عن حقيقة اشتراك الكيانَين السعودي والإسرائيلي في أكثر من خاصية، تساعد في فهْم الكثير من مواقف المملكة وخياراتها، السابقة والحالية. فكلاهما وُجدا في الحيّز الإقليمي ذاته، وفي المرحلة التاريخية نفسها، وعلى يد الدولة الاستعمارية عينها، بريطانيا، ولا يزالان يتظلّلان حالياً بمظلة دولية واحدة هي الولايات المتحدة. ومن هنا، يصبح من الطبيعي أن يتقاطع ويتكامل الدور الوظيفي السعودي مع المصالح الإسرائيلية، بحسب مقتضيات الاستراتيجية البريطانية سابقاً، والأميركية لاحقاً. تَجسّد هذا التكامل بوضوح في خمسينيات القرن الماضي وستينياته في مواجهة مصر جمال عبد الناصر، التي كانت تشكّل الثقل الاستراتيجي في تلك المرحلة في الصراع ضدّ “إسرائيل”.

 

وفي أعقاب توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» بين مصر أنور السادات و”إسرائيل”، تصدّت السعودية لمهمّة شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، عبر ما سُمّي مشروع الأمير فهد (الذي كان في حينه ولياً للعهد) لعام 1981، والذي اعترف بحقّ “إسرائيل” في الوجود والأمن، قبل أن يتمّ اعتماده في القمّة العربية الثانية عشرة (مبادرة فاس) في أيلول 1982. كذلك، وفّرت المملكة غطاءً علنياً للحرب الإسرائيلية على «حزب الله» في عام 2006، ثمّ تَطوّر أداؤها في أعقاب تبلوُر معادلات الردع التي قيَّدت العدو وعطَّلت جزءاً من دوره، وصولاً إلى تجنيد الإرهابيين وانتهاج سياسات تدميرية ضدّ الدول التي كانت عصية على الإخضاع. باختصار، شكّلت سياسات النظام السعودي في العقود الأخيرة تحديداً، خيارات بديلة وموازية ومكمّلة للاستراتيجية الإسرائيلية.

 

في المقابل، استفادت “إسرائيل” من الدور السعودي الإقليمي في المراحل المذكورة كافة، وبما يتناسب مع الظروف السياسية لكلّ منها، إلى حدّ أن تل أبيب كانت ولا تزال العدو اللدود لكلّ من ناصبته الرياض العداء في العالم العربي. لكنّ التناغم بين الطرفين تطوَّر إلى مستوى التماهي في الخطاب السياسي والإعلامي إزاء المتغيّرات التي شهدتها البيئة الاستراتيجية المشتركة، والتطابق في تحديد الأولويات الإقليمية وكيفية مواجهتها، بل إن مفردات الدعاية تكاد تكون هي نفسها، خصوصاً لجهة النظرة إلى حزب الله وسوريا وإيران والمقاومة في فلسطين. وكنموذج من ذلك، شدّدت آخر قراءة صادرة عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب على أن للكيان مصلحة واضحة في منْع «محور المقاومة» من تحقيق إنجازات في الحرب التي يشنّها النظام السعودي ضدّ اليمن، لكنها أوصت في آخر فقرة منها بأن تكون «كلّ المساعدات الإسرائيلية لدول الخليج الفارسي سرّية حتى لا تُحرج الحكام».

 

في ضوء ما تَقدّم، يصبح طبيعياً ومفهوماً الاشتغال السعودي على تشويه صورة المقاومة في لبنان – كونها تُحرج الأنظمة التي اختارت التطبيع -، ودورها في التحرير والتحرّر من الهيمنة الأميركية، والإصرار على سلخها عن حقيقة كَوْنها تجسيداً طبيعياً لإرادة شعبها، عبر تقديمها كوكيلة لإيران التي تقدّم لها الدعم. مع ذلك، فإن إشهار التماهي بين الأمنَين الصهيوني و«القومي العربي»، في أعقاب وصْم حزب الله والمقاومة في فلسطين بالإرهاب، إنّما يمثّل مقدمة ضرورية لإعلان التحالف بين الطرفين، وإخراجه من السرّ إلى العلن، مع ما يترتّب على ذلك من نتائج وتداعيات.