صمود وانتصار

أوكرانيا.. رقعة الشطرنج الجديدة والأصعب بين روسيا ودول الغرب

أوكرانيا.. رقعة الشطرنج الجديدة والأصعب بين روسيا ودول الغرب

الصمود../

 

يُجمع العديد من المراقبين على أن نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن اجتياح جمهورية أوكرانيا المجاورة مازالت مبهمة حتى الآن، إلا أن احتمال العمل العسكري ضدها لا يزال مطروحاً، خاصة وأن روسيا لن تقبل نقل البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) قرب حدودها على الاطلاق.

 

وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو من أن أي غزو من قبل روسيا لأوكرانيا سيكون له “عواقب اقتصادية وخيمة”، يستمر الحشد العسكري لموسكو على الحدود.

 

وتُقدر وكالات المخابرات الغربية أن روسيا لديها بالفعل ما يصل إلى 100 ألف جندي يتمركزون بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، إلى جانب الدبابات والمدفعية.. إلا ان مسؤولين غربيين حذروا من أن “الخيارات العسكرية ستكون على الأرجح مطروحة على الطاولة في الكرملين” إذا لم يتم تلبية مطالب روسيا، لكنه يعتبر أن قرار الرئيس بوتين بدء الصراع من عدمه لم يتضح بعد.

 

وأشاروا إلى وجود مزيج من الخطاب العدائي الحاد من موسكو، والاتهامات بممارسة أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي “الناتو” للاستفزاز، وانعدام الشفافية، وسجل مُقلق، بما في ذلك ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014م.

 

وأضافوا إنه “يضاف إلى ذلك أزمة الحدود الأخيرة التي تورط فيها آلاف المهاجرين في بيلاروسيا، فضلاً عن دعم روسيا للانفصاليين في القوقاز وأماكن أخرى”.

 

وفي حين مسئولي الغربي أنه من الصعب القول إن كل تلك العوامل مرتبطة من الناحية الاستراتيجية، فقد أظهرت التطورات الأخيرة أن هناك مشكلة على الجانب الشرقي لأوروبا.. ويؤكدون أن الوضع الأمني في أوروبا لم يسبق له مثيل منذ سقوط الستار الحديدي.

 

وسبق أن أوضحت الولايات المتحدة وحلف “الناتو” أنهما يريدان إجراء حوار مع روسيا لتجنب الصراع، ومن جانبها تريد موسكو أيضا استمرار الحوار.

 

وقد مثل الاجتماع الافتراضي للرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا الأسبوع مجرد بداية، حيث سيتبعه مزيد من المحادثات مع الدول الأخرى الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

 

لكن مطالب روسيا وما يسمى بـ “الخطوط الحمراء” تجعل الدبلوماسية صعبة، وتريد تأكيدات بأن أوكرانيا لن يُسمح لها أبدا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.. كما تريد موسكو أيضاً ألا يكون لأعضاء الناتو قوات دائمة أو بنية تحتية مقرها أوكرانيا، ووقف المناورات العسكرية بالقرب من الحدود الروسية.

 

وفيما يصر حلف شمال الأطلسي “الناتو” على أنه تحالف دفاعي ولا يمثل تهديداً لروسيا، يؤكد الحلف أيضاً أنه يعتقد بأن لأوكرانيا الحق في اتخاذ قراراتها كدولة ذات سيادة، وأنه ليس على استعداد لمنح روسيا حق النقض “الفيتو” بشأن مستقبل أوكرانيا.

 

ومن اجل ذلك هددت الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوبات جديدة إذا تحرك الجيش الروسي.

 

وتأتي هذه التطورات بعدما كشفت روسيا النقاب عن خطط لإجراء مناورات بحرية تشمل أكثر من 140 سفينة حربية وأكثر من 60 طائرة، في ما يُنظر إليه على أنه استعراض للقوة.

 

ويوم الخميس، قالت الولايات المتحدة إن ضباط المخابرات الروسية يجندون مسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة الأوكرانية للتدخل كحكومة مؤقتة والتعاون مع قوة روسية محتلة في حالة الغزو.

 

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على عضوين أوكرانيين حاليين في البرلمان و2 من المسؤولين الحكوميين السابقين بتهمة المشاركة في المؤامرة.

 

وتحركت عدة دول أوروبية لتعزيز الانتشار العسكري لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، وقررت إسبانيا إرسال سفن حربية للانضمام إلى قوات الناتو البحرية في البحر المتوسط والبحر الأسود، وقالت الدنمارك أيضا إنها سترسل فرقاطة إلى بحر البلطيق.

 

كما عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال قوات إلى رومانيا، فيما أعلنت بريطانيا في وقت سابق من الأسبوع، أنها تزود أوكرانيا بقوات إضافية للتدريب والأسلحة الدفاعية.

 

وهددت الولايات المتحدة أيضاً بوقف افتتاح خط أنابيب رئيسي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية المعروف باسم “نورد ستريم 2” من روسيا إلى ألمانيا، إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا.

 

ووسط كل هذه التطورات يرى المراقبون ان الحرب إذا ما بدأت فإنها ستبدأ بعبور الدبابات الروسية المحتشدة على الحدود بين البلدين حدود أوكرانيا، أو استهداف وابل من الصواريخ أو الغارات الجوية مواقع أوكرانية، وسيكون ذلك بمثابة تصعيد دراماتيكي للأزمة والدخول في مرحلة جديدة من الصراع.

 

كما يرون أيضاً أن جرس الإنذار الأول سيأتي من الجيش الأوكراني ذاته، خاصة وأن الأقمار الصناعية والطائرات الغربية التي تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية سترصد عمليات التأهب لهجوم وشيك.

 

من ناحية الأهمية الجيو– سياسية لأوكرانيا فهي تقع على خط توتر دولي مرتفع.. فعلى أراضيها دارت حروب طاحنة في القرن الـ17 بين قوى الصراع الأوروبية آنذاك، وكانت ميداناً لمعارك طاحنة بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية لاسيما حول شبه جزيرة القرم، وأدى التنافس الروسي النمساوي في القرن الـ19 إلى ضمّ الجزء الشرقي منها إلى الإمبراطورية الروسية، والقسم الغربي سيطرت عليه الإمبراطورية النمساوية الهنغارية.

 

أما من ناحية الأهمية الاقتصادية فأوكرانيا غنية بالمواد الأولية، وسوق استهلاكية تتضمن 50 مليون مستهلك، بدأ شأنها السياسي بالتعاظم، كونها مجالاً حيوياً لموسكو وممراً مهماً للغاز الروسي إلى أوروبا، وخط دفاع متقدِّم للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ونقطة وثوب إلى قلب روسيا من خاصرته الرخوة في آن ٍ واحدٍ.. فإذا ما تغلَّب أحد فريقي النزاع الداخلي على الآخر، تهتزُّ صورة التوازن الدقيق في الولاءات الخارجية، وربما يكون ذلك غير مسموح في أجندة اللاعبين الكبار على رقعة الشطرنج.

 

لذلك تعتبر معركة أوكرانيا هي “معركة المصير” بالنسبة لروسيا، التي أصبحت قادرة على حماية أمنها ومصالحها، ولديها العزم والتصميم على تحقيق ذلك.. واعتبرت وثيقة الأمن القومي الروسية التي تحدد سياسات موسكو بين العامين (2010- 2020) أن توسيع حلف شمال الأطلسي، واقتراب بنيته العسكرية من حدود روسيا الاتحادية أحد التهديدات الرئيسية للأمن القومي الروسي وعملاً عدائياً ضدها يهدف إلى تطويق روسيا وعزلها عن أوروبا لا يمكن السماح به أو التهاون معه.

 

الجدير ذكره أنه وبمجرد نهضة روسيا من كبوتها بعد تفكك الإتحاد السوفييتي، في ظل قيادة الرئيس فلادميير بوتين واستعادت قوتها شيئاً فشيئاً، حتى بدأت في محاولة استرداد أوكرانيا وجذبها إلى وضع يتسق وكونها امتداداً طبيعياً لروسيا ودولة تماس بين موسكو من جانب وأوروبا وحلف الأطلسي من جانب آخر.

 

وتعود المواجهة الأولى بين الطرفين إلى نهاية العام 2004 مع الانتخابات الرئاسية حين بدأت ما يسمى بـ”الثورة البرتقالية” عندما تم الإعلان عن فوز رئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش المقرب من موسكو في الانتخابات.

 

ورفض منافسه الرئيسي، زعيم المعارضة آنذاك فيكتور يوشينكو صاحب التوجه الغربي والمدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الاعتراف بهذه النتيجة وتمسك بفوزه في الانتخابات.. وإثر ذلك، اندفع مؤيدوه حاملين الأعلام البرتقالية إلى ميدان الاستقلال في العاصمة كييف لتأييده، وتحول احتجاجهم إلى عصيان مدني شل مؤسسات الدولة، واستقطب تأييد الغرب ودعم وسائل الإعلام المختلفة.

 

وبحسب ما يراه المراقبون إذا لم تحصل تسوية سياسية في أوكرانيا ترّعى مصالح جميع الأطراف الداخلية والخارجية، فقد نكون أمام سيناريو لتقسيم أوكرانيا إلى شرقية موالية لروسيا وأخرى موالية للغرب تنفذ سياسات بروكسل وواشنطن، وتوقعات بمزيداً من سفك الدماء في أماكن أخرى من العالم.