صمود وانتصار

اضطراب التوحد الغائب عن وعينا .. الحاضر في أطفالنا

محمد مطهر فضائل *
يعد اضطراب التوحد أحد الاضطرابات المعقدة وهو عبارة عن خلل وظيفي في النمو العصبي للدماغ يظهر خلال الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل، ويوجد لديه صعوبات في جانب التواصل مع الاخرين والتفاعل الاجتماعي مع ظهور أنماط من السلوكيات غير المناسبة. ومن اعراضه لا توجد ابتسامات ظاهرة او تعبيرات مبهجة في سن 6 شهور. ضعف او انعدام التواصل البصري مع الوالدين والأخرى لا يستجيب عند مناداته باسمة برغم سلامة حاسة السمع لديه. فقدان القدرة على النطق او المناغاة او المهارات الاجتماعية. ضحك او بكاء متواصل بدون سبب. صعوبة الاختلاط مع الأطفال الاخرين (يفضل ان يكون وحيدا) عدم إحساس بالخطر او الألم. لديه حساسيه من الضواء والاصوات العالية يبدو غير مدركاً لشيء في حياته وغير مستمتع بشيء في الحياة إضافة الي اعراض اخري ومتعددة والتي تختلف من طفل لأخر ويأتي التوحد عند الأطفال بأنماط وأنواع متعددة فهنالك حالات من التوحد الشديد والمتوسط الضعيف ويأتي التوحد أحيانا مصحوبا بإعاقة اخري مثل وجود شحنات اوضمور….. الخ وهو ما يسمي بالإعاقة المزدوجة.
هذا الاضطراب الذي زاد انتشاره على مستوي عالمي وبمعدل طفل مصاب من كل 68 مولود هذه الزيادة المضاعفة عشرات المرات على ما كانت عليه قبل عقدين من الان وتشارك بلادنا كثير من بلدان العالم في خاصية انتشار أو ارتفاع اعداد الأطفال المصابين يوما بعد يوم ولكنها تنفرد لوحدها بكثير من الخصائص المؤلمة المحيطة بكل جوانب هذه القضية وعلى كل الأصعدة. هذه القضية التي تجاوزت المشكلة لتصبح ظاهرة تتفاقم يوميا بعد يوم دون ان يكون هنالك حراك يوازي هذا التفاقم او يخفف من وطأته في الجانب الاخر ففي الوقت الذي يزداد فيه اعداد الأطفال المصابين بالتوحد على مستوي الرقعة الجغرافية لبلدنا يقابله انعدام في الوعي المجتمعي حول اضطراب التوحد واعراضه على مستوي الاسرة اليمنية بشكل خاص وعلى مستوي المجتمع بكل شرائحه بشكل عام الا ما ندر. هذا الانعدام او القصور في الوعي من شانه ان يعمق من حجم المصيبة فتعافي أطفال التوحد مرهون بعد توفيق الله تعالي الي التشخيص والتدخل المبكر معه وذلك خلال الثلاث السنوات الاولي من عمر الطفل لان تلك السنوات تشكل الإطار الأساسي المعرفي والادراكي للطفل والتي يبني عليها وضعه في بقية السنوات.أضف الى ذلك مشاكل ومعضلات كثيرة ومتعددة فالي جانب انه لا يوجد الي الان دراسات او إحصائيات توضح ولو بشكل تقديري اعداد الأطفال المصابين بالتوحد او دراسات تعني بمشاكلهم هنالك العديد من المشاكل الأخرى وعلى أكثر من صعيد ولنا هنا ان نوجزها في الاتي:
1- انعدام الوعي الاسري والمجتمعي حول اضطراب التوحد واعراضه يؤدي الي كوارث بحق أطفالنا ولنا ان نتخيل هنا استمرار حالة اللاوعي الي ما بعد خمس اوعشر سنوات من الان والذي سيترتب عليه ظهور جيش من الأطفال المصابين بالتوحد وقد تجاوزوا الفئة العمرية المحددة لعملية التدخل المبكر والذي يعني عدم تمكنهم من خوض معترك الحياة اسوة بغيرهم من الأطفال العاديين هذا الجيش لن يكون أثره على الاسرة فقط بل والمجتمع بشكل عام.
2- انعدام الوعي لدي المجتمع بشكل عام سيظل عائقا امام تدخله مع هذه الشريحة وذلك من خلال تقديم مختلف أنواع الدعم والمساندة لأطفال التوحد واسرهم هذا الانعدام سيكون له الأثر السلبي على تغيير وضع الطفل المصاب نتيجة عدم القدرة علي الاستفادة من خدمات التدريب والتأهيل التي تقدمها المراكز المعنية بأطفال التوحد والتي وللأسف الشديد يتركز تواجدها في امانة العاصمة نتيجة الوضع المعيشي للأسرة والذي يأتي في ظل العدوان والحصار الغاشم التي تفرضه قوي العدوان علي بلادنا إضافة الي اثرة علي الوضع النفسي والاجتماعي للأسرة ، أضف الي ذلك ما يوجده ذلك من مشاكل اخري متعلقة بالنظرة القاصرة والتنمر تجاه أطفال التوحد وكذا المشاكل التي تعترض عملية دمج الأطفال في المدارس واستفادتهم من خدمات التعليم العام والخاص وغيرها من الخدمات واستيعاب الأطفال ذوي المواهب والابداع من أطفال التوحد في المجالات المتعددة والتي تتناسب مع قدراتهم ومواهبهم.
3- انعدام الوعي أو ضعف إلمام الاخصائيين النفسيين والأطباء الاستشاريين حول اضطراب التوحد سيزيد من تعرض الأطفال لأخطاء التشخيص الطبي والتدخل العلاجي والذي سيزيد من مضاعفة المعاناة. ويعرض الأطفال لحالات من الإدمان نتيجة تعاطي الادوية النفسية ويكون عائقا امام استفادتهم من خدمات التدريب والتأهيل عند اكتشاف الاضطراب لديهم. لان اضطراب التوحد ليس مرض وانما هو اضطراب يتم التعاطي معه من خلال التدريب والتأهيل عبر المراكز التي تقدم خدمات لأطفال التوحد حيث يأتي دور التدخل العلاجي كعامل مساعد وهنا نود الإشارة الي انه يوجد الكثير من قصص النجاح لأطفال مصابين تشافوا وتم دمجهم في المدارس.
4- غياب دور الجانب الحكومي الا من دور بسيط ومحدود يقوم به صندوق رعاية وتأهيل المعاقين في ظل حالة من انعدام الرؤية الواضحة حول هذه الفئة التي تبدو مهمشة أكثر من أي فئة اخري.
5- إذا لم يتم اخضاع أطفال التوحد للتشخيص المبكر وكذا التأهيل والتدريب المبكر فان ذلك يعني انهم بحاجه لمن يلازمهم طوال حياتهم ويقوم بتدبر كل امورهم حتى علي مستوي قضاء حاجتهم اوارتداء ملابسهم والتي لا يعي الطفل التوحدي آلية القيام بها بغض النظر عن عمره ولنا ان نتخيل كيف سيكون واقعهم في حال وفاة الام او الاب، أضف الى ذلك حالة عدم الادراك للواقع التي يعاني منها الطفل التوحدي وكذا عدم احساسه بالمخاطر وشعوره بالألم تجعل منهم عرضة للضياع والاستغلال بكل اشكاله.إضافة الي مشاكل اخري ومتعددة وكل مستوي كل الجوانب المرتبطة بهذه الشريحة
لذلك تأتي حملة مناصرة أطفال التوحد التي تقوم بها مؤسسة بنيان التنموية من خلال تنسيق جهود كل الجهات ذات العلاقة والتي تهدف الي تعزيز الوعي المجتمعي حول اضطراب التوحد عبر كل الوسائل المتاحة إعلاميا وخطيبا وجماهيريا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وشركات الاتصالات …الخ وبما يؤدي الي التنبه للحالات المصابة في الوقت المناسب واخضاعهم لعملية التشخيص والتدخل المبكر والذي يضمن تعافيهم وقدرتهم علي ممارسة حقهم في الحياة اسوة ببقيةالاطفال أضافة الي حث المجتمع علي القيام بدوره تجاه هذه الشريحة من خلال تقديم الدعم والمساندة وعلي مستوي كل صعيدوبما يمكن من تقديم الخدمات التدريبية والتاهلية والصحية …الخ وتغير النظرة القاصرة للمجتمع تجاه هذه الفئة.
ومن هذا المنطلق نوجه الدعوة الي الجميع كل شرائح المجتمع الي تعزيز ونشر الوعي حول هذا الاضطراب واعراضه وذلك من خلال الاطلاع والتعرف اكثر حوله وتوعوية الناس بكل الطرق والأساليب الممكنة في المدارس والدواوين والجامعات ومراكز الامومة والطفولة وتفعيل دور المتطوعين وطلاب الجامعات والمعاهد في عملية التوعية. الخ
*منسق برنامج التوحد – مؤسسة بنيان التنموية