صمود وانتصار

عبدالباري عطوان: صفعة إيرانية “ذكية” لامريكا.. شكرا تنازلاتكم ليست كافية وننتظر المزيد.. كيف سيكون رد إدارة بايدن؟ وهل انتهى الفصل الأخير من مفاوضات فيينا النووية؟ ولماذا قلبت تغريدة الجنرال شمخاني كل المعادلات؟ ومن سيطلق الصاروخ الأول؟

عبدالباري عطوان: صفعة إيرانية “ذكية” لامريكا.. شكرا تنازلاتكم ليست كافية وننتظر المزيد.. كيف سيكون رد إدارة بايدن؟ وهل انتهى الفصل الأخير من مفاوضات فيينا النووية؟ ولماذا قلبت تغريدة الجنرال شمخاني كل المعادلات؟ ومن سيطلق الصاروخ الأول؟

مقالات|| الصمود|| عبدالباري عطوان

وجهت إيران اليوم السبت “صفعة ذكية” الى إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن، عندما اعتبرت خطوتها المفاجئة برفع العقوبات التي فرضتها نظيرتها السابقة (ترامب) بعد انسحابها من الاتفاق النووي بأنها “جيدة” وتعكس “حسن النوايا” ولكنها “غير كافية” مثلما جاء على لسان السيد امير عبد اللهيان وزير الخارجية.

 

هذا الرفض العلني والصريح، يأتي من موقع قوة، ويعكس رغبة إيرانية بعدم تقديم أي تنازلات للولايات المتحدة، تؤدي الى التضحية بالإنجازات النووية المتقدمة جدا التي حققتها طهران منذ الانسحاب الأمريكي “الغبي” من الاتفاق النووي عام 2018، تجاوبا مع الضغوط الإسرائيلية في حينها.

***

السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية لا يثق بالولايات المتحدة الامريكية ويؤمن، مثلما قالت مصادر مقربة منه، ان الرئيس الإيراني السابق علي روحاني زعيم ما يسمى بجناح الإصلاحيين، ارتكب خطيئة كبرى لن تغفر له عندما وقع في المصيدة الامريكية ووقع هذا الاتفاق، على امل رفع جميع العقوبات الاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية للشعب الإيراني، ولكن النتائج جاءت عكسية، الانسحاب من الاتفاق، وفرض حصار اقتصادي اكثر شراسة وتشددا.

 

الرئيس الإيراني الجديد السيد إبراهيم رئيسي الذي يدعمه المرشد الأعلى دعما غير محدود، ويؤهله لكي يكون خليفته، وينفذ ارادة المرشد وتعليماته بعدم العودة الى الاتفاق النووي، واتباع سياسة المراوغة وكسب الوقت، مع الحفاظ على المكتسبات النووية الإيرانية كاملة، بعد التعايش مع الحصار بشكل كامل، وتحييد معظم اخطاره، وبناء ترسانة عسكرية قوية من الصواريخ والغواصات، والمسيّرات المتقدمة جدا.

 

الجنرال علي شمخاني، امين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والذي يوصف بأنه احد ابرز ثلاثة “أقوياء” في المؤسسة الإيرانية الحاكمة لخص هذا الموقف في تغريدة معبرة على حسابه على “التويتر” قال فيها “طهران لها الحق في مواصلة الأبحاث النووية والتطوير” مؤكدا “ان هذا الامر لا يقيده أي اتفاق”، وربما يفيد التذكير برد الجنرال شمخاني القوي المأثور على التهديدات الإسرائيلية بشن غارات لتدمير المنشآت النووية الإيرانية الذي قال فيه “ان هذه الطائرات لن تعود الى تل ابيب، لأنها لن تجد مطارات تهبط فيها”، بما معناه ان “إسرائيل” ستختفي من الوجود، وستدمر بالكامل، وتصبح رمادا، حسب قوله، وآخرين من المعسكر المتشدد.

 

الوضع الحالي، أي تصنيف ايران “كدولة حافة نووية” لامتلاكها كل الخبرات والامكانيات اللازمة لتصنيع قنبلة نووية في غضون أسابيع معدودة، يناسب القيادة الإيرانية الحالية “الثورية”، وهناك تقارير روسية موثوقة تؤكد ان ايران باتت تملك قنابل نووية صغيرة، ركبّتها من مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، ان لم يكن بمعدلات تخصيب سرية اعلى تقترب من 90 بالمئة.

 

بعد رفض ايران التنازلات الامريكية الجديدة طلبا للمزيد، ولضمانات “اعجازية” بعدم انسحاب الإدارة القادمة من أي اتفاق جديد، او قديم متجدد، يمكن القول ان مفاوضات فيينا النووية باتت على “كف عفريت”، واحتمالات نجاحها باتت ضئيلة جدا، ان لم تكن معدومة، ونحن في انتظار صافرة النهاية، بعد ان اوشك “الوقت الضائع” على الانتهاء ان لم يكن قد انتهى فعلا.

 

ايران ذهبت الى هذه المفاوضات بعد ان امنت جبهتها الداخلية، وعززت تحالفاتها الخارجية، وباتت في موقع قوي جدا سياسيا وعسكريا، فوفدها المفاوض لم يجلس مطلقا مع نظرائه الأمريكيين في فيينا، احتقارا واذلالا، ونجزم بأنها لن تتخلى مطلقا عن برامجها النووية، وتسير على خطى كوريا الشمالية، فبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتدمير سورية، باتت العقيدة الجديدة التي تؤمن بها، ومحورها الصيني الروسي الكوري الشمالي “الامن قبل لقمة الخبز”.

***

إدارة بايدن التي تقف على حافة حربين الأولى في أوكرانيا ضد روسيا، والثانية في تايوان ضد الصين، لا يمكن ان تتورط في حرب “غير شرعية” وغير قانونية، وغير “مأمونة العواقب” ضد ايران، خاصة انه لا يوجد أي مبرر قانوني شرعي دولي لضرب ايران بسبب برامجها النووية، سلمية كانت او عسكرية، فمتى هاجمت أمريكا او أي من الدول العظمى الأخرى دولة بسبب نواياها، وانما انتاجها أسلحة نووية، هل قصفت أمريكا كوريا الشمالية رغم تهديداتها المستمرة منذ عقود، ام قصفت “إسرائيل” التي تحدت كل المنظمات الدولية ولم تسمح لمفتش واحد من وكالة الطاقة الذرية لدخول مفاعلها في ديمونا.

 

إدارة الرئيس بايدن “الضعيفة” على حافة الانزلاق في الأيام القليلة المقبلة الى مأزق ثالث اسمه ايران، ومعها جميع حلفائها في فلسطين المحتلة واوروبا ومنطقة الخليج، ونحن في انتظار رد فعلها، مثلما نحن في انتظار الصاروخ الإيراني الأول أيضا، اللهم الا اذا حدثت معجزة، ونحن لسنا في زمن المعجزات.. والله اعلم.