صمود وانتصار

أوكرانيا.. طلقة في بندقية واشنطن

أوكرانيا.. طلقة في بندقية واشنطن

الصمود – بقلم – عادل العصار

تعالت الأصوات والتساؤلات التي تبحث في مضمونها عن متهم يتحمل تبعات التصعيد العسكري الذي تشهده الحدود الروسية الأوكرانية، وفي الوقت الذي انقسم فيه المحللون السياسيون والعسكريون حول إعادة الأسباب إلى روسيا وأوكرانيا، تؤكد الوقائع والأحداث أن طرفا ثالثا هو الذي يقف وراء هذه الأزمة ويسعى من خلالها لاستهداف روسيا والإيقاع بينها وبين الاتحاد الأوروبي الذي وإن بدا في منظور البعض جزءاً من المنظومة السياسية والعسكرية الغربية، ألا إن واشنطن ترى فيه غريما تسعى لتفكيكه ولا يختلف عن غرمائها المعلنين كروسيا والصين.

في العام 1962م مثل نشر صواريخ سوفياتية في كوبا قلقا اشتعلت معه مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت عملية نشر الاتحاد السوفياتي لمثل تلك الصواريخ تهديدا لأمنها القومي، بل إن أزمة الصواريخ تلك كادت أن تشعل حربا عالمية ثالثة، خاصة بعد أن هددت واشنطن بالتدخل عسكريا في كوبا لإزالة الخطر الذي يقف على أبوابها وحماية أمنها القومي.

اليوم يتجه الإعلام العالمي لتصوير التصعيد العسكري على الحدود الروسية الأوكرانية على أنه ناجم عن أزمة بين الدولتين، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا تعمل كوسيط يسعى لتهدئة الوضع وتجنيب الدولتين كارثة الدخول في مواجهة عسكرية لن تتوقف نيرانها عند حدود أوكرانيا التي لا يخفي الوسطاء المزعومون انحيازهم ومساندتهم لها وتصويرها على أنها دولة ضعيفة تواجه تهديدا من دولة عظمى كروسيا الاتحادية.

لكن وأياً كانت الصورة التي يجتهد الإعلام الغربي ومن يدورون في فلكه في رسمها وتضليل العالم بها، فإن الحقيقة تظل بعيدة كل البعد عما يتم تداوله اليوم، بل وتؤكد أن واشنطن تكرر نفس السيناريو الذي نفذه الاتحاد السوفياتي في كوبا أوائل ستينيات القرن الماضي، وتستهدف أمن روسيا القومي وتسعى لتطويقها عسكريا من خلال ضم أوكرانيا لحلف الناتو وإيصال قواتها وصواريخها وقواعدها العسكرية إلى الحدود الروسية.

أوكرانيا التي تعيش في غيبوبة الوعود الأمريكية وتتوهم أن مثل تلك الوعود ستمنحها أجنحة للطيران غربا، وحمايتها من تهديدات جارتها الأقوى عسكريا لا تدرك حجم الخطر الذي يحيطها إذا ما استمرت في تبعيتها لواشنطن، بل ولا تدرك أن واشنطن لا ترى فيها أكثر من ساحة لإدارة واحدة من معاركها التي قد تحولها إلى رماد.

أوكرانيا المخدرة بالوعود الأمريكية لا تدرك اليوم أن صراخها الذي تدفعها واشنطن لإطلاقه أشبه بصراخ رجل أحمق بين جبلين تكسوهما الثلوج غير المستقرة والتي لا تحتاج أكثر من إطلاق صوت وإحداث اهتزازات بسيطة لينهارا ويجرفهما كل شيء يقف في طريقهما.

قد لا تدرك الحكومة الأوكرانية ذلك ولا تعي أن ما تصنعه بعد تحولها إلى ورقة تتلاعب بها واشنطن في طاولة القمار السياسي أن سقوطها لن يكون خارجيا على يد روسيا بل من الداخل وأن أوكرانيا جديدة في طريقها للظهور وإزالة غشاوة الوهم الأمريكي الذي يستهدف أوكرانيا وحوَّلها إلى طلقة في بندقية واشنطن المصوبة نحو موسكو.