تصحيح المسار .. زراعة البن في اليمن
تصحيح المسار .. زراعة البن في اليمن
الصمود../
خلال السنوات القليلة الماضية كان من الملفت أن هناك توجه في النهوض بالزراعة في الجمهورية اليمنية، وكانت المؤشرات تذهب إلى أن هناك رغبة في حشد كافة الجهود في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني من أجل إحداث ثورة في زراعة وإنتاج وتصدير البن اليمني.
وعند الحديث عن تصحيح المسار واستنهاض القدرات عموما في قطاع ما، لا بد أن نشير أن ذلك بحاجة إلى جهود جبارة من أجل تحقيق النجاحات المطلوبة، وفيما يخص القطاع الزراعي عموماً والبن على وجه الخصوص، كان من الواضح أن الرغبة في النهوض بالزراعة لا تكفي ولكنها مطلوبة في البداية للتدليل على أن هناك قناعة ثابتة؛ أن ما كان عليه الوضع خلال العقود السابقة لم يكن قادراً على إحداث تحولات جوهرية في القطاع الزراعي، بل أن تلك التوجهات خلال تلك المرحلة كانت السبب الرئيسي في تدهور الزراعة في البلد، بالرغم من أهميتها الكبيرة كقطاع رئيسي مساهم في الناتج المجلي الإجمالي.
الرغبة في تحقيق النجاح والنهوض بالقطاع الزراعي، اتبعه خطوات أولى يمكن ملاحظتها من خلال تأكيد القيادات العليا في الدولة، وفي هذا السياق ما أكده عضو السياسي الأعلى محمد النعيمي، خلال فعالية لتكريم مبادرة مجتمعية وطلابية وابتكار زراعي، على ضرورة الاهتمام بالمجالين الإنتاجي والزراعي في إطار التوجهات الصادقة نحو تنمية مستدامة واكتفاء ذاتي.
وأشار النعيمي بقوله “أن الشعب اليمني الذي يواجه أكبر عدوان في التاريخ وانتصر عليه عسكرياً، قادر على الإبداع في الميدان الإنتاجي والزراعي والبناء والتنمية ، وأن المعركة التي يخوضها الشعب اليمني، معركة تحد لكسر الحصار والانطلاق بقوة في حركة الإنتاج المحلي”، ودعا عضو المجلس السياسي الأعلى إلى استنهاض القدرات الشابة بالمجتمع واستغلال طاقاتها وإبداعاتها بما يخدم الوطن وتطوره في كل المجالات.
الملاحظ من خلال السابق، أن هناك مساعي في تشكيل مسار واضح في ما يخص الزراعة كقطاع اقتصادي بالغ الاهمية، وتشير الأرقام إلى أن القطاع من أهم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد اليمني، على اعتباره الثاني في الإنتاج بعد النفط، ويساهم القطاع الزراعي بمعدل متوسط يبلغ حوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي، ومن الواضح أن مختلف الاحصائيات الحكومية في اليمن تعكس أهمية الزراعة على اعتبار أن من ينشط في هذا القطاع من القوى العاملة يقدر بحوالي 54 %من أجمالي القوى العاملة في الجمهورية اليمنية، يضاف إلى ما سبق تتعاظم أهمية الزراعة كقطاع مهم لكونه يسهم في تحقيق الاستقرار السكاني داخل المجتمعات الريفية من خلال الحد من الهجرة إلى المناطق الحضرية، لا سيما وأن ما يقارب 70% من سكان الجمهورية يعيشون في الريف اليمني.
وفي سياق الاهتمام الحكومي بالزراعة عموماً، كان من الطبيعي أن يوجه الاهتمام بصورة أكبر بالبن اليمني، لكونه منتج ساهم “حسب العديد من الدراسات” إلى جانب عدد من المحاصيل الزراعية في تعريف العالم بتميز الحضارة اليمنية ورقيها، وارتبط البن تاريخياً بالهوية والحضارة اليمنية الضاربة في القدم، لاسيما وأن اليمن السعيد عرف منذ القدم بإنتاج محصول البن المتميز ذات الجودة والسمعة العالية على مستوى العالم، وفي مراحل زمنية مختلفة اعتبر تصدير البن مصدراً رئيساً لجلب العملات الأجنبية لكونه منتج عالمي يطلب في الكثير من البلدان حول العالم.
وفي إطار تلك الأهمية كان من الملائم توجيه الانظار نحو إعادة البن اليمني إلى واجهة الاهتمام على مختلف المستويات، وفي هذا السياق كانت المساعي الحكومية تشير إلى أن هناك تكثيف للجهود في سبيل تحريك المياه الراكدة تجاه البن “شجرة ومحصول”، وهو ما كان من خلال قرار حظر استيراد البن وقشوره وغلاته ،الذي اصدر بقرار مشترك من وزارتي الصناعة والتجارة والزراعة والري في نوفمبر 2019، وحسب عدد من الناشطين، فإن القرار جاء تلبية للمطالب المستمرة بضرورة الحماية الحكومية للبن اليمني في السوق المحلية وضمان بيعه بأسعار منافسة في حاضراً ومستقبلاً، لا سيما وأن البن المستورد ذات الجودة المنخفضة يباع في الأسواق المحلية بأسعار منخفضة، وهو ما أسهم خلال العقود السابقة في تراجع الاهتمام بزراعة البن لدى المزارعين نظراً لانخفاض العائد المادي.
وكان من الواضح اعتبار تلك القرارات، حسب العديد من المختصين، بمثابة البداية التصحيحية في دعم المنتج الوطني لمواجهة المنتج الخارجي الذي يغزو السوق المحلي، وفي هذا سياق متصل أطلقت وزارة الزراعة والري استراتيجية وطنية تهدف إلى تنمية إنتاج وتصدير البن اليمني، وشملت الاستراتيجية جملة من الخطط والبرامج الهادفة إلى تطوير وتحسين زراعة وإنتاجية البن كمحصول ذات مردود اقتصادي ونقدي مهم.
وحسب الاستراتيجية المعلنة من الوزارة، فإن الهدف العام يتمثل في رفع الإنتاجية وتحسين الجودة ورفع كمية التصدير إلى الخارج إلى نحو 50 ألف طن بحلول العام 2025م، كذلك تتضمن الاستراتيجية تنمية إنتاج محصول البن خلال الفترة من 2019- 2025م وإنتاج وزراعة نحو 13 مليون شتلة وبما يسهم في زيادة المساحة المزروعة بالبن بمقدار 5200 هكتار، وحسب القائمين على الاستراتيجية فإنه سوف يتم تنفيذها بتمويل من صندوق تشجيع الانتاج الزراعي والسمكي.
يشار إلى أن قرار “حضر استيراد البن” لم يكن الأول في مسار تحشيد الجهود للنهوض بزراعة شجرة البن، حيث سبقها دعوات عدد من الناشطين اليمنين إلى ضرورة التوعية الشاملة بأهمية زراعة شجرة البن على نطاق واسع، ومع مرور الوقت تبلورت فكرة أن يكون هناك يوم عيد وطني لشجرة البن على اعتبارها خطوة مهمة تهدف إلى إعادة الاعتبار للبن اليمني الذي أرتبط بالهوية والحضارة اليمنية، إلى جانب ما يحمله محصول البن من دلالات كثيره لا سيما في البعد التنموي والاقتصادي، لكون البن من المحاصيل النقدية التي تساعد في توفير الموارد المالية للألف من الأسر اليمنية، إضافة إلى أن تصدير المحصول يساعد في دعم الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة.
التفاعل الواسع من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني أسهم في تبني الحكومة اليمنية الثالث من مارس من كل عام عيداً للاحتفال بشجرة ومحصول البن، وأطلاق الناشطين “عيد موكا” على المناسبة تيمناً بالشهرة الواسعة للقهوة اليمنية التي عرفت عالميا بـ موكا كوفي ” Caffe Mocha”، ويشير عدد من الباحثين إلى أن هذه التسمية ارتبطت بمدينة المخاء الساحلية، واعتبر ميناء المدينة بوابة التصدير الرئيسي لمحصول البن اليمني خلال مراحل زمنية طويلة امتدت ما بين القرن الـ15 الميلادي والقرن الـ17 الميلادي.
والاحتفال باليوم الوطني للبن مثل خلال السنوات الماضية مناسبة سنوية يتم من خلالها إحياء الفعاليات والانشطة المتنوعة، وتشمل أنشطة ثقافية وتوعوية وترويجية وتسويقية مختلفة، تهدف في المجمل إلى تطوير زراعة شجرة البن والاعتناء بالمحصول في مختلف مراحله وصولاً إلى تسويقه داخلياً وخارجياً بأفضل وأسهل الطرق الممكنة.
وفي إطار تشجيع المبادرات الساعية إلى النهوض بزراعة البن، دشنت مؤسسة المخاء في العاصمة صنعاء خلال نوفمبر 2021 المزاد الوطني الأول للبن اليمني، برعاية اللجنة الزراعية والسمكية العليا وبالشراكة مع وزارة الزراعة والري واتحاد جمعيات منتجي البن.
وأشار القائمين على المزاد أن الهدف من هكذا فعالية “تشجع الاهتمام بإنتاج البن ورفع الجودة وتوسيع نطاق التسويق للبن اليمني وفتح فرص وأسواق جديدة” إضافة إلى أن المزاد يسعى إلى توحيد كل الجهود والمبادرات الوطنية لتنمية قطاع البن في اليمن وتسويقه والترويج له بأسعار عادلة ومنافسة أسوة بالأنواع العالمية الفاخرة، وأكد القائمين على الفعالية أن المزاد يهدف إلى إيجاد سوق مركزي للبن والترويج لأنواعه المختلفة، وبما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني
يمكن القول في ختام هذا الطرح، أن مجمل الجهود سابقة الذكر، جهود مشكورة وإيجابية، ولكنها بحاجة إلى شرطان من أجل تحقيق الغايات، الأول: البدء في تنفيذ الخطط المطروحة وحسب الجدول الزمني المقرر، الثاني: أن تكون الخطط قابلة للتعديل والتغيير بصورة مستمرة من أجل تحقيق الأهداف المختلفة، وفي مقدمتها النهوض بزراعة البن في اليمن.
سبأ : مركز البحوث والمعلومات: خالد الحداء