الصراع الروسي الغربي.. الأسباب والسيناريوهات والتداعيات
الصراع الروسي الغربي.. الأسباب والسيناريوهات والتداعيات
الصمود../ سبأ – أنس القاضي
للصراع في أوكرانيا محركان مترابطان، الأول داخلي متعلق بالانقسام السياسي بين “اليمين” الموالي للغرب و”اليسار” الموالي لروسيا وهي حركات تعود في أصولها السياسية إلى زمن الاتحاد السوفييتي والصراع الشرقي الغربي في أوروبا، فيما يتمثل المحرك الثاني في الرغبة الغربية بإعاقة نهوض روسيا ومنافستها اقتصادياً في أوروبا، فيما تتمثل سياسة روسيا في دفع خطر الناتو من حدودها، وتطلع بوتين والقوى السياسية في حزبة “روسيا الموحدة”، إلى إستعادة الحضور السوفييتي والقيصري السابق.
تصاعد الصراع في روسيا عقب إسقاط الرئيس المنتخب الموالي لروسيا في العام 2014م، واتجاه الحكومة (الصهيونية) الجديدة في التوجه التام نحو الغرب وحلف الناتو.
ذريعة الحرب الروسية هي حماية أقاليم دونستيك ولوغانسك، فيما الهدف هو القضاء على النظام السياسي في أوكرانيا “النازين الجدد”، فيما يجد الغرب من الحرب فرصة لإستنزاف روسيا على غرار ما جرى في أفغانستان وتشير تحركاته إلى المضي في هذا الطريق.
هناك انقسام في الموقف الدولي من العمليات الروسية، التي حضيت بتأييد فقط من سوريا وإيران وفنزويلا وكوبا وبيلاروسيا، فيما احتفظت بقية الدول بالحياد ولم تحدد موقفها بعد، ومن المرجح أن تتبدل التحالفات وتظهر مواقف جديدة في حالة تصاعد الصراع.
استمرار العمليات العسكرية الروسية ودعم الغرب لأوكرانيا يزيد من سيناريوهات وإحتمالات مألات الصراع، فمن المحتمل أن تتحول الحرب إلى مستنقع لروسيا، وقد تتراجع عندما تجد العمليات العسكرية بدأت تتحول إلى معركة استنزاف مع الإبقاء على سيطرتها على شرق أوكرانيا، فيما قد تتوقف عند نقطة إزالة الحكومة الحالية في أوكرانيا وإنشاء حكومة صديقة لروسيا، فيما الاحتمال الأقصى هو أن تكون العملية في أوكرانيا بداية إمبراطورية روسية جديدة بضم أوكرانيا والصدام المباشر مع حلف الناتو، قد يدفع إلى حرب عالمية ثالثة.
تتحدد تداعيات الصراع على العالم العربي والإسلامي بناءً على المستوى الذي سوف يصله هذا الصراع، التداعيات المباشرة متعلقة بالمسألة الغذائية وتدفق الطاقة وحركة التجارة، فيما قد تتوسع إلى صدام ما بين محور المقاومة والمحور الأمريكي.
البيئة الداخلية للصراع
برزت في جمهورية أوكرانيا حركتان شعبيتان على المسرح السياسي وثيقتا الصلة بما يجري من تجاذبات راهنة بين روسيا الاتحادية والغرب حول الشأن الأوكراني.
الأولى، حركة أوكرانية شعبية “يسارية” برزت عقب سقوط الاتحاد السوفيتي وكانت تهدف إلى تصحيح الأوضاع الاقتصادية والسياسية المختلة وصون المكتسبات الاجتماعية للتجربة الاشتراكية والحفاظ على الروابط الأخوية التاريخية مع روسيا الاتحادية وبيلاروسيا ومجموعة دول الاتحاد السوفيتي المستقلة.
تحظى هذه الحركة الشعبية بدعم الدولة الروسية لاعتبارات وطنية وتاريخية واستراتيجية في مواجهة الغرب، وتحظى، بشكل خاص بدعم الحزب الشيوعي الروسي لاعتبارات عقائدية ووطنية وأممية.
أوشكت هذه الحركة على الوصول للسلطة بانتخابات ديموقراطية عام 2004م بقيادة (فيكتور يانوكوفيتش) لولا الثورة البرتقالية التي سلمت الحكم بتهمة التزوير وبدعم غربي وكانت بقيادة المرشح الرئاسي الثاني (فيكتور يوشتشينكو) ممثل الليبراليين الجدد، ولكن سرعان ماعاد (يانوكوفيتش) إلى سدة الرئاسة في انتخابات عام 2010م. ولكن عادت هذه الثورة البرتقالية من جديد في شهر شباط من عام 2014م انتهت باسقاط النظام الأوكراني.
الحركة الشعبية الثانية (اليمينية المتطرفة) مضادة في اتجاهها العام للحركة الشعبية اليسارية، تقود هذه الحركة الثانية نخبة متجذرة في نزعتها الفاشية تمتد في التاريخ إلى منظمة (القوميين الأوكرانيين) الفاشية بقيادة (ستيبان بانديرا) التي تأسست سنة 1941م بمباركة نازية بعد الهجوم المضاد للجيش الأحمر في معركة ستالينغراد وتعاونت مع الألمان إبان الحرب العالمية الثانية ضد الدولة السوفيتية.
تسلمت هذه الحركة السلطة بعد الثورة الملونة في العام 2014م، ومارست عمليات إضطهاد لأهالي إقليم دونباس والمتكلمين بالروسية وذهبت بعيداً في التحالف مع الغرب وتمليكهم ثروات الشعب الأوكراني والعمل كوكلاء لهم.
الرئيس الحالي لأوكرانيا الممثل الكوميدي السابق (فلوديمير زيلينسكي) يملك جنسية إسرائيلية وهو مدعوم من هذه الحركة النازية التي تعهد الرئيس الروسي بالقضاء عليها.
تمهيد عن الصراع الراهن
في 2014م أدت الأحداث في أوكرانيا إلى الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش ما أعتبره الروس انقلاباً على الاتفاقيات بين يانوكوفيتش والمعارضة الأوكرانية.
تنقسم أوكرانيا إلى شرق ناطق بالروسية وموالي لروسيا وغرب أوكراني قومي، وكان الرئيس يانوكوفيتش على توافق مع روسيا وحصل على وعود بمساعدات تصل إلى خمسة عشر مليار دولار بعد تراجعه عن اتفاقيات اقتصادية مع أوروبا ولكن بعد إقالته تراجع بوتين عن المساعدات لأوكرانيا.
في 2019م وصل الرئيس الحالي لأوكرانيا (فلوديمير زيلينسكي) إلى الحكم بما عرف بالصدفة حيث كان زيلينسكي ممثلاً كوميدياً شارك في فيلم يحكي قصة معلم تاريخ أصبح بالصدفة رئيساً، وفي انتخابات 2019م فاز على الرئيس السابق بترو بوروشنكو بفارق ضئيل ليصبح رئيساً للبلاد.
تعهد الرئيس اليهودي زيلينسكي بتعزيز العلاقات مع الغرب والسعي بحزم للانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وهو ما أثار غضب الرئيس الروسي.
في العام 2014م اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى إعلان الانفصاليين في دونباس إلى إستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، وفي شبه جزيرة القرم (جنوب شرق أوكرانيا) نظم استفتاء وافق فيه معظم السكان على الاتحاد مع روسيا وعلى إثره قامت روسيا بضم القرم وقد رفضت الولايات المتحدة وأوروبا ذلك التصرف وفرضت عقوبات على روسيا بسبب ذلك.
في عام 2015م وقعت روسيا وأوكرانيا وجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين اتفاقية ميسنك التي تنص على وقف إطلاق النار في إقليم دونباس وسحب الجانبين للأسلحة الثقيلة، إلى جانب سلسلة من الترتيبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد وقف إطلاق النار في منطقة الصراع.
استمرت الاتهامات المتبادلة بعدم تنفيذ الاتفاقية من الطرفين، ومما زاد من حدة الخلافات هو الخلاف بين روسيا وأوكرانيا حول إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا فقد كان الغاز الروسي يمر عبر الأنابيب الأوكرانية والبولندية وكانت أوكرانيا تحصل على مبلغ 1.8 مليار دولار كعائدات العبور، وكذلك بعد تنفيذ روسيا لمشروع نورد ستريم 1 (بين 2011م و 2012م) ثم نورد ستريم 2 (2018م – 2022م) تحت بحر البلطيق بين روسيا وألمانيا.
فرضت كل من واشنطن ولندن عقوبات على روسيا بسبب مشروع نورد ستريم ولكن المستشارة الألمانية استطاعت إقناع بايدن بإلغاء العقوبات التي فرضها ترامب، وبعد تصاعد التوترات والحشد الروسي على الحدود الأوكرانية هدد بايدن بأنه إذا نفذت روسيا غزواً على أوكرانيا فإن نورد ستريم ستوقف نهائياً.
مؤخراً قام الرئيس الروسي بوتين بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك وبذلك فتح المجال لعقد اتفاقيات دفاع مشترك ودعمها بالسلاح والتدخل العسكري الذي تم فعلاً في 24 فبراير 2022م.
المحركات الإقليمية والدولية للصراع
إلى جانب المحركات الداخلية فهناك محركات خارجية عديدة وهامة متعلقة بالصراع بين المحور الأمريكي والأطلسي الراهن والسابق من إبان الاتحاد السوفييتي، وهي كالتالي:
أعطيت أوكرانيا جزءاً من أراضي روسيا التاريخية، وهي “شبه جزيرة القرم” وشرق أوكرانيا “إقليم دونباس” إبان الاتحاد السوفييتي، وبعد خروجها من الاتحاد أصبحت هذه المناطق ضمن حدودها.
في السنوات الماضية تقدم الحلف الأطلسي نحو روسيا ويحاول تطويقها من أوروبا والقوقاز، وذلك بنشر قوات إضافية في البلطيق ونشر صواريخ في دول محاذية لحدودها، كما يقترب من أراضيها من جيورجيا، إلى البحر الأسود.
في عام 2014م، دفعت أمريكا أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي، عبر إغراء مالي وصل لـ20 مليار دولار، وتدخل الروس لإفساد الصفقة، وكان من نتائجه ذلك إعادة توحيد جزيرة القرم مع روسيا، واندلاع حراك الاستقلال في الشرق الأوكراني.
الدافع الأمريكي لاستفزاز الروسي هو تخوف أمريكا من صعود الروس والصين وابتعاد أوروبا عنها واعتمادها على نفسها خاصة بعدما أعلنت أوروبا عن نيتها تكوين جيش خاص بأوروبا بعد تراجع ثقة الأوربيين بالولايات المتحدة.
خط أنابيب “نورد ستريم 2″، هو أحد المحركات الاقتصادية للصراع؛ فعندما انهار الاتحاد السوفيتي، احتفظت روسيا بأكبر احتياطيات الغاز في العالم، لكن أوكرانيا ورثت خطوط الأنابيب، ومنذ ذلك الحين، اختلف البلدان حول هذا الإرث ، و”نورد ستريم 2” هو مشروع خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلومتر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تبلغ كلفته مليارات الدولارات.
تمد روسيا القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي بنسبة 37%، عن طريق خط “التيار الشمالي 1″، وكذلك مشروع “التيار الشمالي 2” الجاهز للتشغيل منذ سبتمبر الماضي، لكن ألمانيا علقت تشغيله لدواعي سياسية وطالبت أن تكون هناك شراكة، وبالفعل استجابت روسيا وتم إنشاء شركة ألمانية روسية لإدارة المشروع، ويجد الغرب مصلحة في تعطيله مجدداً.
دخلت أمريكا حيز المنافسة مع روسيا لتصدير الغاز الصخري للقارة الأوروبية، وتريد أن تحتل جزءاً من حصة الغاز الروسي في القارة، ويذكر أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان من أشد المعارضين لتصدير الغاز الروسي لأوروبا، وكان على خلاف مع ألمانيا بخصوص مشروع “التيار الشمالي 2″، حيث يرى أن القارة الأوروبية ستقع تحت “رحمة روسيا”، فيما يمكن لأمريكا إمداد القارة الأوروبية بالغاز الكافي.
هناك أيضاً تنافس على أوكرانيا كبلد زراعي، كما أن في إقليم دونباس مجمعات مصانع سوفيتية واحتياطيات من الغاز فيها يريد أن يستغني بها الغرب عن الغاز الروسي.
يتمثل المحرك السياسي في الصراع في الخلاف حول “اتفاقيات مينسك”، فالحكومة الأوكرانية تعتبرها وسيلة لإعادة توحيد أوكرانيا واستعادة السيادة الأوكرانية بالكامل على لوهانسك ودونيتسك وعلى النقيض من ذلك، يعتقد الكرملين أن الاتفاقيات من شأنها أن تساعد في إنشاء إدارة متحالفة مع روسيا في لوهانسك ودونيتسك، ومنحها «وضعاً خاصاً» من شأنه أن يضمن أن تحتفظ روسيا بنفوذها على أوكرانيا وهذه المناطق وأن تفقد أوكرانيا سيادتها الحقيقية.
السياسة الروسية والغربية في الصراع
من الواضح أن روسيا تعد لهذه المعركة من وقت سابق وبالتالي فمن المنطقي أن تكون اعدت لاحتمالات العقوبات والتصعيد العسكري ضدها، وعملياً استبقت روسيا موجات العقوبات الغربية، بتنفيذ عدة خطوات لضمان أسواق بديلة للغاز الروسي خارج أوروبا، منها توقيع اتفاقية مع الصين، لتزويدها بإمدادات غاز ونفط، بقيمة 120 مليار دولار، كما عملت طوال العقود الماضية على توريد الاحتياطات المالية والذهبية.
ذريعة الحرب الروسية هي حماية أقاليم دونستيك ولوغانس، فيما الهدف هو القضاء على النظام السياسي في أوكرانيا “النازين الجدد”.
يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التمسّك بمصالح روسيا الاستراتيجية في القرم وباقي الأقاليم الشرقية من أوكرانيا، فيما الحركة الانفصالية في أوكرانيا موالية لموسكو، وبالتالي فإن السيطرة على تلك الأراضي الأوكرانية يضمن لروسيا منطقة عازلة بينها وبين أوروبا الغربية.
السياسة الغربية في الصراع
يمانع الغرب نهوض روسيا وتقدمها باتجاه شرق أوروبا، وتسعى إلى ضرب روسيا وتفكيكها ونهب ثرواتها، وهي استراتيجية قديمة وسبق أن حاول الغرب تقسيمها عندما دعم الحكومة القيصرية والجيش الأبيض في مواجهة البلاشفة عقب ثورة لينين عام 2017م.
يتجه الغرب إلى تحويل أوكرانيا إلى مستنقع لإستنزاف روسيا، حيث دعا الرئيس الأوكراني إلى تشكيل كتيبة من المرتزقة الأجانب وإطلاق سراح السجناء، وقام بتوزيع الأسلحة على المواطنين، كما أن بعض الطلاب العرب والأفارقة في وضع الرهائن سلمت لهم الأسلحة ومنعوا من الخروج من أوكرانيا، وحسب التقديرات الروسية فربما ينضم عناصر من الناتو تحت هذا الغطاء، وأيضاً إرهابيون من أفغانستان، وليبيا، واليمن، والعراق وعناصر “داعش” من إدلب السورية، وعناصر الحزب الإسلامي التركستاني، وقبائل البشتون التي تعيش بين الحدود الإيرانية والأفغانية.
على الصعيد الإعلامي، أوقف بث قناتي “RT” و”سبوتنيك” في أوروبا وفي اليوتيوب وإسرائيل، فيما قام جوجل إرث بتمويه خريطة أوكرانيا وتغيير أسماء الشوارع والمناطق لإرباك الجيش الروسي، ويستعد الغرب لإطلاق بث عبر الانترنت الفضائي في حال انقطاع الشبكة عن أوكرانيا.
وسائل إعلام أفادت أن مجموعة من عناصر القوات الخاصة البريطانية السابقة توجهت إلى أوكرانيا، فيما صرح الجيش الأوكراني، بأن 3 دول أوروبية تنقل لأوكرانيا 70 طائرة قد تكون مرابطة في بولندا، فيما خصصت أستراليا 50 مليون دولار لأوكرانيا لدعم الدفاع.
المواقف الدولية
هناك انقسام في الموقف الدولي من العمليات الروسية، التي حضيت بتأييد فقط من سوريا وإيران وفنزويلا وكوبا وبيلاروسيا، فيما احتفظت بقية الدول بالحياد ولم تحدد موقفها بعد.
في الجمعية العامة للأمم المتحدة، امتنعت دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي ألباني لإدانة الغزو الروسي.
لا يزال الكيان الصهيوني مرتبكاً ولم يحدد موقف واضح من الصراع، فبينما أدان وزير خارجية الكيان الصهيوني المؤقت روسيا، لم يفعل رئيس وزرائها ذلك. فالكيان المؤقت يرى في روسيا شريكًا مهمًا، إذ يشكل المهاجرون الروس قاعدة انتخابية مهمة في نسبة الناخبين الإسرائيليين، كما يخشى الصهيوني –حتى الآن- من انهيار التفاهمات مع موسكو في الشأن السوري في حالة اصطف بوضوح إلى جانب الولايات المتحدة.
ترى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، في روسيا شريكاً ومنافساً مهما في إنتاج الطاقة ومصدر محتمل لشراء الأسلحة والاستثمار والسلع الأخرى، وشريك أمني محتمل في ضوء الانحسار الامريكي لذا فإن هذه الدول تتجنب اتخاذ مواقف منحازة، وقد يتغير هذا الأمر في حالة تصعد الصراع وضغطت الولايات المتحدة على “حلفائها”.
ومن الواضح أن منظومة العقوبات الأوروبية لا تستهدف عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي كافة، والراجح أنه لا يمكن لها ذلك، حتى وإن أرادت القيام به، فأقصى ما يسعى إليه الغربيون هو الاضرار بروسيا لتتراجع عن عمليتها العسكرية، لأن ممارسة الحد الأقصى من العقوبات من شأنه دفع روسيا وحلفائها كالصين وإيران ودول حلف شنغهاي والبريكس إلى تعديل النظام الدولي الراهن، وعملياً فلم يعد في في حوزة الغرب أي عقوبات إضافية.
السيناريوهات والتداعيات
استمرار العمليات العسكرية الروسية ودعم الغرب لأوكرانيا يزيد من سيناريوهات وإحتمالات اتجاه الصراع، وأبرزها كالتالي:
في مواجهة العقوبات والتصعيد الغربي لدى روسيا عدة خيارات لإلحاق الأذى بالغرب في العالم العربي الإسلامي ردًا على العقوبات، فقد تسعى روسيا إلى زيادة الضغط على أوروبا من خلال تأجيج الصراع في ليبيا. وبالمثل، يمكن لها أن تستغل تهديد الهجرة غير النظامية من ليبيا لزعزعة استقرار أوروبا، كما أن بإمكانها أن تساعد النظام السوري على خوض معركة أدلب وشمال سوريا رداً على التحركات التركية الأمريكية، وبالإمكان أيضاً أن تسمح لسوريا بتشغيل أنظمة الدفاع الجوية الروسية في مواجهة الكيان الصهيوني في حال تورط بصورة مباشرة في الصراع إلى جانب أمريكا.
السيناريو الأول:
من المحتمل أن الحرب الروسية ستتحول إلى مستنقع لروسيا، هذا الأمر محتمل لحقيقة وجود معارضة روسية داخلية للعملية وإن كانت مازالت ضعيفة، ولكون الغرب يتجه لدعم أوكرانيا واستنزاف روسيا فيها.
السيناريو الثاني:
أن روسيا قد تتراجع عندما تجد العمليات العسكرية بدأت تتحول إلى معركة استنزاف مع الإبقاء على سيطرتها على شرق أوكرانيا، والدخول في مباحثات.
السيناريو الثالث:
إزالة الحكومة الحالية في أوكرانيا وإنشاء حكومة صديقة لروسيا، وستتوقف العملية العسكرية عند الوصول إلى هذه النقطة السياسية، فيما سيدعم الغرب حكومة منفى للرئيس الحالي.
السيناريو الرابع:
الاحتمال الأقصى وهو المستبعد، هو أن تكون العملية في أوكرانيا بداية إمبراطورية روسية جديدة بضم أوكرانيا إلى روسيا كما فعلت مع شبه جزيرة القرم.
من غير الخفي وجود رغبة روسية في استعادة تكتل الاتحاد السوفييتي، وهذا يعني -نظرياً- أن العملية العسكرية بعد انتصارها في أوكرانيا ستتجه إلى جمهوريات سوفييتية سابقة مثل مولدوفا وبيلاروسيا وجورجيا.وإذا حدث أن هاجم دولة من دول الناتو، فإنه سيثير اتفاقية الدفاع المشتركة، وسينتهي الأمر بحرب بين الولايات المتحدة وروسيا.
فيما يظل احتمال التحول إلى حرب عالمية ثالثة وإستخدام السلاح النووي وارداً في كل الأحوال.
تداعيات
تتحدد تداعيات الصراع على العالم العربي والإسلامي بناءً على المستوى الذي سوف يصله هذا الصراع ومدى الانقسام الدولي والصدام الروسي مع العالم الغربي، وبشكل عام فإن التداعيات المحتملة تتضمن ما يلي:
-تأثير على أسواق النفط، والطاقة، وحركة التجارة.
-تأثير على الأمن الغذائي الإقليمي، لإعتماد عديد من دول المنطقة على سلع أساسية قادِمَة من بؤرة الصراع.
-سيتسع التباعُد بين إيران وجارتها التركية في ضوء الرغبة التركية بالعودة إلى حاضنة الناتو وإحتمال انخراطها في الصراع.
-قد تؤدي الأحداث إلى التباعد بين حكومة العراق، والنظام السياسي في إيران، خصوصاً في حال قرّر العراق التحوّل إلى مسار لنقل الطاقة من الخليج إلى تركيا وأوروبا.
-في مقابل عودة تركيا إلى أحضان الناتو، من المتوقع أن تسعى روسيا إلى إيجاد موطئ قدم لها في إيران.
-من المتوقع أن يزداد التعاون ما بين إيران وروسيا والصين ومغادرة الصين موقف الحياد من الصراع، ومن شأن هذا الأمر ان ينعكس ايجاباً على ملفات المنطقة، ومن ضمنه الملف اليمني والملفان السوري والأفغاني.
-من الوارد تماماً أن يؤدي استمرار الأزمة الأوكرانية إلى تعميق مسار انخراط إيران في تحالف عسكري مع روسيا.
-بهزيمة اليهودي ذي الجنسية الإسرائيلية زيلينسكي سيخسر أردوغان صديقاً وحليفاً أدّى دوراً مهماً في المصالحة التركية – الإسرائيلية، وعبر اللوبيهات اليهودية في أميركا.
-في حال اشتراك دول الخليج في الحرب الاقتصادية ضد روسيا ومحاولة تعويض الوقود الروسي لأوروبا، فمن المحتمل أن تنفتح موسكو على صنعاء.