صمود وانتصار

الهجمات اليمنية تزيد التوتر بين الرياض وواشنطن..المنظومات الدفاعية الأمريكية لا تكفي

الصمود | لا زالت أصداءُ “عملية كسر الحصار الثانية” تتردّدُ على نطاق واسع، بعد أن فضحت عجز النظام السعوديّ عن حماية منشآته النفطية، وأظهرت فشل كُـلّ وسائل “الحماية” التي يمتلكها، وهو الأمر الذي أصبح الآن عقدة في علاقة الرياض برعاتها الغربيين الذين لم يعد بإمْكَانهم أن يتجاهلوا تعاظم تداعيات استمرار العدوان والحصار على اليمن، خُصُوصاً في هذا التوقيت.

ونشرت وكالة “أسوشيتد برس”، صوراً التقطت عبر الأقمار الصناعية، أظهرت جانبا من الدمار الذي سببته الصواريخ البالستية والمجنحة اليمنية التي أطلقتها القوات المسلحة على شركة أرامكو في جدة، هذا الأسبوع، ضمن عملية “كسر الحصار الثانية”.

وتظهر إحدى الصور التي التقطت بعد يوم واحد من الهجوم تعرض أحد خزانات الوقود في منشأة أرامكو شمال جدة لإصابة دقيقة، وتبدو حوله رغوة إطفاء الحرائق، فيما يبدو الخزان في الصورة بثقب واضح عليه، وقد بدأت محاولة إزالة الحطام من حوله.

وبحسب الوكالة فَـإنَّ الخزان المصاب يبلغ سعته (500.000 برميل) وقد تم استهدافه من قبل القوات المسلحة في نوفمبر 2020، وكلف إصلاحه نحو 1.5 مليون دولار.

الصور تمثل دليلًا إضافيًّا على أن الصواريخ والطائرات اليمنية تتمتع بدقة عالية في إصابة الأهداف، وهو أمر لم يعد بحاجة إثباتات بعد أن اعترف به النظام السعوديّ بشكل صريح، عندما أكّـد قبل يومين أن “إمدَادات النفط ستتأثر؛ بسَببِ استمرار الهجمات اليمنية”، كما أقر بأن مستوى الإنتاج انخفض بالفعل في مصفاة تابعة لأرامكو تم قصفها في منطقة ينبع.

الهجماتُ تزيدُ التوترَ بين الرياض وواشنطن

وفيما يُعتقَدُ أن النظامَ السعوديّ قد تخلَّى عن سياسة “الإنكار” للضغط على دول الغرب التي تطالبه بزيادة إنتاج النفط، فَـإنَّ الحقيقة هي أن “الإنكار” لم يعد ينفع أصلا في هذه المرحلة، فسواءٌ أكانت الرياض على وفاق مع رعاتها أم لا، يبقى استهداف المنشآت النفطية تهديدا خطيرا للغاية بالنسبة لمصالحهم جميعاً في هذا التوقيت.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أرسلت مؤخّراً “عدداً كبيراً” من صواريخ “باتريوت” الدفاعية إلى المملكة، إلا أن فائدة هذه الصواريخ كانت معدومة في مواجهة الضربات اليمنية التي انهالت على مجموعة كبيرة من المنشآت الحيوية داخل المملكة هذا الأسبوع، وهو ما بدا أن الرياض أصبحت تدركه جيِّدًا.

وتؤكّـد “أسوشيتد برس” أنه “من الصعب اعتراضُ صواريخ كروز (المجنحة) والطائرات بدون طيار حتى مع وجود منظومات الباتريوت”.

في وسائل الإعلام الأمريكية تم تداول ضربات عملية “كسر الحصار الثانية” على نطاق واسع، مع تأكيدات على أن اعتراف النظام السعوديّ بعجزه عن حماية المنشآت النفطية يمثل إشارةً غير غامضة إلى أن المنظومات الدفاعية الأمريكية لا تكفي وأن هناك حاجة إلى المزيد من الدعم، وهو أَيْـضاً ما كانت بعض وسائل الإعلام قد أكّـدته بشكل أوضح سابقًا، حَيثُ قالت إن السعوديّة تفاوِضُ بالنفط مقابل اليمن.

لم تشن صنعاء هجماتِها الأخيرة لاستغلال أزمة سوق النفط العالمية، فتلك مشكلة الرياض ورعاتها الغربيين، أما الضربات فهي رد مشروع على استمرار تشديد الحصار الخانق المفروض على البلد، وهذا ما يجعل النظام السعوديّ والولايات المتحدة أمام مشكلة تتطلب حلًّا عاجلًا.

ترى السعوديّةُ أن ذلك الحلَّ هو مضاعفة الدعم الغربي للمملكة؛ مِن أجلِ التصعيد في اليمن، لكن ذلك عمليًّا سيعرض المنشآت النفطية للمزيد من الضربات، وحتى إن التزمت الرياض بزيادة الإنتاج، لن تستطيع تجاوز الخطر الذي سبق أن وصل عام 2019 إلى خفض نصف إنتاج المملكة مرة واحدة.

أما الولايات المتحدة فهي تريد كالعادة، مسك العصا من المنتصف، فهي تسعى لأن يزيد النظام السعوديّ إنتاج النفط لكن بدون أن تلبي طلباته (ربما؛ لأَنَّ تلك الطلبات مستحيلة فالرياض تحتاج إلى معجزة في اليمن وليس مُجَـرّد مساعدة)، والأرجح أن دفعة صواريخ الباتريوت المرسلة مؤخّراً إلى المملكة كانت محاولة من إدارة بايدن لإقناع السعوديّة بأن مطالبها سيتم تلبيتها، لكن لا يبدو أن الأمرَ ينجح.

على كُـلٍّ، فَـإنَّ الرياضَ وواشنطن تتجنبان بوضوحٍ الحلَّ العملي والأسهل، وهو رفعُ الحصار عن اليمن، وبالتالي فَـإنَّ التعقيداتِ التي تشهدها العلاقة بينهما قد تتوسع مع توسع عمليات الردع التي تمضي في مسار تصاعدي، وهو ما يجعل العودةَ إلى ذلك الحل ضرورةً لا يمكن تجاوُزُها.

*المسيرة