عام سابع من العدوان ينتهي وثامن يأتي.. مظاهر الصمود تتجلى في حياة اليمنيين عاماً بعد آخر
عام سابع من العدوان ينتهي وثامن يأتي.. مظاهر الصمود تتجلى في حياة اليمنيين عاماً بعد آخر
الصمود../
سبعة أعوام مرت على عدوان همجي ارتكب أبشع الجرائم ويمتلك أحدث التقنيات العسكرية واللوجستية، في الوقت نفسه قابل أبناء الشعب اليمني تلك السنوات السبع بالصمود الأسطوري في مواجهة العدوان والانتقال إلى مراحل الردع ليثبت للعالم الصامت والمتخاذل والمرتهن، أن الإنسان اليمني قوة عظمى ومدرسة في الصمود فلم يستسلم ويتخل عن مظلوميته أمام تحالفهم الذي تقوده أمريكا وإسرائيل.
الشعب اليمني رغم الحصار الاقتصادي الخانق صمد أمام حرب شعواء تصنف من الحروب طويلة الأمد بدخولها العام الثامن، ولم يصمد فحسب بل ويتصدى للعدوان ويرفد جبهات الدفاع بشكل متواصل دون خوف أو تردد رغم المجازر والعقاب الجماعي الذي استخدمه العدوان لاستهداف صموده وثباته.
“الثورة” تستعرض مظاهر الصمود الأسطوري لأبناء الشعب اليمني بعد سبع سنوات من العدوان والحصار…
لا شك أن ثبات الشعب اليمني وصموده أذهل العالم وأحرج المنظمات الحقوقية ومواثيق الأمم المتحدة، فلا يزال المواطن ينزل إلى الشارع ويمارس عمله، كما تفعل المرأة ذلك أيضاً، ولعل استمرار المدارس والجامعات والخدمات الحكومية وتطبيع الحياة من أهم مظاهر صمود اليمنيين أفراداً وجماعات في مختلف المستويات والاتجاهات، وكذا الجانب الأمني المستقر مقارنة بالمحافظات المحتلة ثم تأتي بعد ذلك عدة مظاهر للصمود منها الصمود الفكري والثقافي والصمود العسكري والأمني والصمود السياسي والصمود الاقتصادي والإعلامي والاجتماعي وغيرها من المجالات التي انعكست في الواقع لمواجهة العدوان.
رفد الجبهات
بصمود كبير وثبات مثالي يستقبل اليمنيون ذكرى العدوان كل عام بالتوجه إلى جبهات العزة والكرامة، حيث يتدافع آلاف الشباب المتطوعين الراغبين بالمشاركة في جبهات القتال للالتحاق بمعسكرات التدريب والإعداد ثم القتال إلى جانب الجيش واللجان الشعبية لمواجهة العدوان الغاشم الذي استباح دماء اليمنيين وأرضهم وأوغل الحصار وتجويع أبناء الشعب اليمني، ولذلك تدافع اليمنيون يشاركون في شرف التصدي لهذا العدوان والتضحية بأنفسهم وأموالهم ليعيش هذا الوطن حراً عزيزاً شامخاً قاهراً لأعدائه، فيما آخرون لا يزالون ينتظرون بفارغ الصبر دورهم في مشاركة رجال الرجال بطولاتهم وانتصاراتهم وتنكيلهم بالعدو الغاصب المعتدي، ولا يزالون ينتظرون هذا الشرف العظيم والواجب المقدس الذي يزيد المرء رفعة وعزة وكرامة بعكس أولئك المرتزقة الذين باعوا بلادهم وأعراضهم بحفنة من المال المدنس، وكلما استمر العدوان في جرائمه وحصاره، تحلى الشباب أكثر بالوعي ومعرفة العدو الحقيقي وتحملوا المسؤولية الدينية والوطنية التي تحتم عليهم حمل السلاح والتصدي للعدوان الهمجي الذي لا بد أن يفهم أن شباب اليمن يقومون بدورهم على أكمل وجه، ولم يقفوا مكتوفي الأيدي.
وتزايد عدد المنضمين للجبهات والمدافعين عن الوطن مع حلول الذكرى السابعة للصمود في وجه العدوان خصوصاً مع تدشين حملة إعصار اليمن للتحشيد والاستنفار لمواجهة العدوان التي أعلن عنها رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط مؤخرا والتي حملت التأكيد على ثلاث نقاط هامة هي خطورة وحساسية المرحلة الراهنة في مسار مقاومة العدوان، وحتمية أن تكون الحملة على كافة المستويات دون أي استثناء، بالإضافة إلى التأكيد على إصرار اليمنيين على دحر العدوان مهما كانت قوته ومهما كانت التضحيات.
قوافل المدد
خلال سنوات العدوان والحصار السبع استطاع الشعب اليمني أن يقدم للعالم صورة ناصعة من صور العطاء والإيثار من خلال رفد جبهات الكرامة والاستقلال بعوامل الصمود والنصر ومع كل ذكرى سنوية للعدوان تستمر قوافل العطاء اللا محدود التي تجسد حقيقة المعركة المصيرية التي يخوضها كل أبناء الشعب من أجل صيانة السيادة الوطنية والحفاظ على ثوابت الأرض والإنسان.
قوافل الدعم هذه كانت من أهم مظاهر صمود أبناء الشعب اليمني خلال السنوات الماضية وأذهل العالم مسارعته في الإنفاق لدعم الجبهات بكل سخاء مقتطعاً تلك الأموال التي يخرجها من قوت يومه الضروري ويخرجها وهو في أشدّ الحاجة إليها امتثالاً لقول الله تعالى” وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ” وكل ذلك الإنفاق والشعب اليمني محاصر ومقطوعة عنه المرتبات وليس له سوى الاعتماد على الله وعلى نفسه، ولا شك أن تلك القوافل كان لها الأثر الكبير في صمود الجبهات، كما كانت شوكة على الأعداء الذين لم يكونوا يتوقعون أن الشعب بهذا الإيمان والصمود والمسارعة في العطاء والإنفاق يشكل ذلك إحباطاً لهم.
قوافل عطاء وتضحيات أسر الشهداء تنوعت بين مواد غذائية ومبالغ مالية وملبوسات شتوية وكذلك مجوهرات ومواش ومخبوزات منزلية وفواكه ومكسرات الأعياد وأدوية ومستلزمات طبية وجراحية وغيرها مما تجود به الأسر اليمنية حيث تجاوزت بعض هذه القوافل مبلغ العشرة ملايين وصولاً إلى خمسين مليوناً وأكثر في القافلة الواحدة، وشارك في إعداد هذه القوافل جميع فئات الشعب من جميع المحافظات اليمنية المحررة كما كانت القوافل النسائية حاضرة بقوة عبر الأمهات والبنات والأخوات لمواصلة التضحية والبذل لله، وشاركن بهذه القوافل رفد أبطال الجيش واللجان الشعبية في ميادين الشرف في الجبهات، وتستمر قصة الصمود اليماني للعام الثامن توالياً في تقديم القوافل بما يُسهم في تعزيز صمود المرابطين أيضاً في الجبهات ودحر الغزاة والمحتلين.
الاحتشاد في الساحات
وكما صمَدَ الشَّـعْـبُ الـيَمَـنيُّ طوالَ سبعة أعوام كاملة في وجه العُـدْوَان الأمريكي السعودي وغطرسته واحتفل بمظاهر صموده الذي أذهل العالم، يتوج الشَّـعْـبُ الـيَمَـني مظاهرَ هذا الصمود بمظاهراتٍ حاشدةٍ ومستمرة، فمع كل تصعيد للعدو يخرج أبناء اليمن رافضين للعدوان والحصار في العاصمةُ صنعاء وعدد من المحافظات، معلنين من الساحات أن الصمود خيار لا بديل عنه للدفاع عن الوطن وحريته واستقلاله وانتزاع كامل القرار السياسي وغداً سيخرجون للساحات لتدشين العام الثامن من الصمود ليكون خروجهم رسالة للعالم بعزيمة وثبات اليمنيين حتى الانتصار فخلال سنوات العدوان السبع شارك ملايين اليمنيين في مسيرات مختلفة في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات وهم أكثر ثباتاً وصموداً وأكثر إصراراً وعزيمة يحدوهم الأمل والثقة بالله بأن الأيام القادمة ستكون بشرى الانتصار الكبير بعد أن استطاع شعبنا اليمني ومجاهدوه الأبطال كسر غطرسة وغرور العدوان الذي بات يترنح باحثا عن طوق نجاة، وقد عبرت المسيرات والتظاهرات التي أقيمت منذ انطلاق العدوان عن الوحدة والتلاحم الوطني في مختلف الجبهات ومنها الجبهة الإدارية، وجاء الاحتشاد في الميادين أيضاً للتأكيد على استمرار الصمود والثبات في مواجهة قوى الاستكبار العالمي ومن هذا المنطلق فإن الجميع يثق بالتفاعل والمشاركة والحضور الكبير وغير المسبوق لأبناء الشعب اليمني لإحياء اليوم الوطني السابع بكافة ساحات وميادين المجد التي تمثل أهم محطات الحسم الوطني على كافة الأصعدة والمسارات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تطلعات الشعب اليمني بالحرية والاستقلال.
المبادرات المجتمعية
خلال سبع سنوات ماضية كسر اليمنيون رهانات العدوان وواجه بكل صمود تداعيات الأزمة الصعبة التي ألحقها به العدو وببوادر أمل أسهمت في تجاوز التحديات وشكلت نقطة ضوء للمضي في إصلاح الواقع الاقتصادي الراهن الذي فرضه الحصار وبدأ أفراد المجتمع بوعي يواجهون التحديات تخطيطاً وتنفيذاً بمشاريع صغيرة تسد فجوة الانتظار وقطار الإحباط ومواجهة ما يفرضه استمرار العدوان من معاناة وصعوبات جمة بمبادرات طوعية أنموذجية ونجحت مناطق عديدة بتلاحم أبنائها في تنفيذ مشاريع حيوية في شق ومسح طرقات وبناء حواجز مائية وجدران ساندة للعبور إلى مسالك خدمية لتلبية الاحتياجات في ظل صعوبات المرحلة الاستثنائية، ففي زمن العدوان واستمراره لم تعد المسؤولية المجتمعية حكراً على فرد أو جهة بعينها، وإنما باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة اليمنيين بمختلف مكوناتهم ومشاربهم تجسيدا للهوية اليمنية الأصيلة في تعزيز قيم العطاء لمبادرات تهدف إلى غرس ثقافة مجتمعية تساهم في النهوض وتعزز تمكين الهمم بنماذج وشواهد حية لأفراد المجتمع.
وبدخول العام الثامن من الصمود تمثل هذه المشاريع الذاتية مطلباً أساسياً ضمن خيارات المواجهة التي يخوضها أبناء الشعب اليمني لصد المخططات التي تتربص باليمن والمؤامرات التي تستهدف تعطيل شؤون حياة أبنائه وتدمير البنية التحتية والخدمات وتدل على الوعي المجتمعي الكبير وطبيعة هذا الشعب المبادر لفعل الخير دائماً وبحسب تقرير لوزارة الإدارة المحلية فقد تجاوزت المبادرات المجتمعية للعامين 2020 و2021 أكثر من 3000 مبادرة في مختلف المجالات في 15 محافظة يمنية واقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى في مؤشر كبير على تفاعل المواطنين مع المشاريع الخدمية والاعتماد على الذات وعدم انتظار الغير وهذا الرقم قد لا يكون دقيقاً حيث أن هناك مبادرات كثيرة لم يذكرها التقرير ولم يصل إليها حيث أن المبادرات الذاتية للمواطنين تجاوزت 50 % من إجمالي المبادرات المشتركة والمدعومة التي تم تنفيذها.
صمود يثمر انتصار
وبالعودة إلى أول عامل من عوامل الصمود لأبناء الشعب اليمني وهو الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوكل عليه كعامل إيماني معنوي وهو عامل رئيسي في الصمود والثبات، فإن الانتصارات التي تتحقق اليوم على كل المستويات هي ثمرة هذا العامل المهم من عوامل الصمود التي أثمر الإنجازات العظيمة التي يحقّقها أبطال الجيش واللجان الشعبية والتحوّلات الإيجابية في جبهات القتال وأيضا على مستوى التصنيع الحربي الذي استطاع أن يوصل الوجع إلى عمق دول العدوان عبر الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وجعلهم يتباكون ويستنجدون العالم ويبحثون بخجل عن مخرج لحفظ ما تبقى من كرامتهم بعد أن فقدوا هيبتهم وتفوّقهم العسكري وعجزوا حتى هذه اللحظة عن تحقيق أي مكسب يمكن صرفه في إطار تسويةٍ تأخذ بعين الاعتبار مصالح أميركا وحلفائها.
ولعل مظلومية أبناء الشعب اليمني من أهم عوامل الصمود الأسطوري، فمن الطبيعي جدا بعد كُلّ هذا الاعتداء لأي دولة تعرضت لهكذا عدوانٍ استوفى كُلّ الشروط التدميرية لهلاك شعبٍ بأكمله، أن تعلن هزيمتها وأن ترفعَ الرايات البيضاء لتجد نفسَها بعد ذلك تحت وطأة الاحتلال والاستعمَار، وهذا ما شهدته بلدان أخرى مَن وقعت في ظروف مماثلة لما تعرض له اليمن، بل إنها كانت تمتلكُ قواتٍ عسكرية أكبر مما يمتلكه اليمن بكثير كالعراق وليبيا، ورغم ما تعرضت له اليمن من عدوان كان بحجم حرب كونية على دولة واحدة، إلا أن الاستسلام أمر غير وارد في اليمن. وهذا ما أثبته الواقع، فلقد حوّل اليمن بكل فئاته الشعبية وَالعسكرية والسياسية وعلى مستوى القيادة بالمقام الأول مظلوميتَه إلى درب نجاة حين أدرك حقيقة القضية بكل وعي وخطر المؤامرة، فانطلق متوكلا ًعلى الله أولاً، واثقاً به متسلحاً بعزيمة إيْمَانية قوية جعلته اليوم بهذا الشموخ، محققاً كُلّ هذا الانتصار، وقالباً الطاولة رأساً على عقب على رؤوس كُلّ أولئك المعتدين بالرغم من كُلّ جحافلهم وعدتهم وعتادهم والنصر قادم لا محالة.
الثورة / أحمد السعيدي