ما الذي حدث في لبنان حتى أشهرت إفلاسها؟ وما وجه الشبه مع المؤامرة التي تحاك ضد شعبنا اليمني؟؟
مقالات|| الصمود|| عبدالرحمن العابد
أزمة ديون، أزمة سيولة، أزمة مصرفية، جعلت الوضع الاقتصادي في لبنان أشبه بالوضع الاقتصادي اليوناني، وتعاني من أزمة الديون المتراكمة وضغوط البنوك الربوية التي باعت ديون لبنان لمرابين دوليين يتبعون دول كبرى مهمتهم الملاحقة القضائية للمطالبة بالديون التي اشتروها بأسعار بخسة، ثم يطالبون بالدين كاملاً من تلك الدولة والحجر على كل ممتلكاتهم في الخارج كما هو الحاصل في الأرجنتين.
وهو الأمر الذي أوصل الرئيسة الارجنتينية إلى أن تسافر برحلة تجارية وتترك الطائرة الرئاسية في مطار الارجنتين حتى لا يحجزها المرابي الأمريكي الذي يلاحقهم عند مغادرتها أجواء الارجنتين.
وبالعودة إلى لبنان، تسارع الانهيار الاقتصادي منذ العام 2019 بخروج المظاهرات التي انتشرت فجأة، لكن جذور الموضوع أعمق من ذلك بكثير وتعود إلى عقود خلت، وتحديداً إلى العام 1975م.
في العام 1946م كان قد أطلق على لبنان “سويسرا الشرق” نتيجة إطلاق قانون السرية المصرفية على عملاء البنوك لديها بعد استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، ما جعلها وجهة رجال الأعمال وأصحاب الأموال من كل الأقطار العربية وبالذات الدول الخليجية التي بدأت تظهر فيها الطفرة النفطية، وانتعشت الودائع المصرفية وانتعش معها الاقتصاد اللبناني بشكل عام حتى وصل عدد البنوك في بيروت خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي إلى نحو 86 بنك.
اعتمد لبنان على القطاع المصرفي في اقتصاده بدرجة كبيرة، سانده بعد ذلك قليلاً القطاع السياحي، وتحويلات اللبنانيين من الخارج واستمر الحال كذلك خلال حقبة الستينات والنصف الاول من السبعينات؛ حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م، وما تلا ذلك من اجتياح الجيش الاسرائيلي لبنان تحت مسمى “عملية الصنوبر” وصولاً للعاصمة بيروت عام 1982م واحتلال جنوب لبنان بالكامل معتمدين على مرتزقتهم وجيش انطون لحد العميل الذي دعمته اسرائيل وساهمت في تشكيله منذ العام 1967 واعتمدوا عليه في غزوهم واحتلالهم.
اقتصاد لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 كان قد وقع في ضربة قاضية ووصل سعر الدولار الواحد إلى 700 ليرة لبنانية، وهو رقم لم يكن معروف في ذلك الوقت بأي دولة في العالم العربي خلال ذلك الوقت.
سبب الانهيار الاقتصادي اللبناني في الأساس بدأ عندما سيطرت الميليشيات المتحاربة على عدد من المناطق ذات المرافق الإيرادية وحرمت خزينة الدولة منها، ما اضطر الحكومة اللبنانية أن تستدين الأموال خلال نهاية السبعينات لأول مرة مقابل مصروفات الدولة والمرتبات، وبعد انتهاء الحرب اللبنانية الأهلية أطلقت الحكومة برنامج إعادة الإعمار من خلال الاستدانة من البنوك اللبنانية بسعر فائدة مرتفع مقابل سندات مالية، ثم قامت في نهاية التسعينات بالاستدانة من البنوك الخارجية مقابل سندات مالية كذلك عليها فوائد ولها تاريخ استحقاق.
ارتفعت الديون بشكل هائل مع استشراء الفساد بصورة مفزعة وظهور أثرياء لبنانيون بشكل لا يصدقه العقل، بالإضافة إلى استشراء نفوذ أمراء الحرب الذين أفرزتهم الحرب الأهلية اللبنانية، وتُرك موضوع مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وخوض حرب التحرير والاستقلال لحز، ب الله تاركاً بقية الفصائل تتصارع على السلطة والثروة وتوزيع المناصب فيما بينهم.
أغلب الديون التي اقترضتها لبنان كانت لمشاريع غير انتاجية حتى يمكنها من سداد ولو جزء يسير من تلك الديون، والبعض الآخر كانت تتم استدانته لسداد ديون سابقة حان موعد استحقاقها بموجب السندات التي كانت تصدرها الحكومات المتعاقبة للحصول على الديون، فيسددون الدين السابق من خلال الديون الجديدة.
مع الدخول في الألفية الثانية، و تحديداً بعد طرد الاحتلال الاسرائيلي من لبنان في 2001 عقد مؤتمر باريس الذي التزم العالم خلاله بتقديم دعم مالي يصل إلى حوالي اربعة مليار ونصف دولار، مقابل التزام لبنان بترشيد النفقات ورفع الضرائب، وبدأ لبنان باتخاذ الاجراءات الضامنة لذلك فعلياً حتى تم موعد استحقاق استلام المبلغ، شن العدو الاسرائيلي حربه على لبنان في العام 2006م ليقوم بضرب البنية التحتية اللبنانية كالمطارات والطرقات والجسور والكهرباء التي تم تجهيزها من خلال الديون الكثيرة، ليعيد الموضوع إلى نقطة الصفر مجدداً.
واستمر التعثر الاقتصادي بتمالوء دولي على لبنان واستشراء الفساد الداخلي حتى وصل لبنان للإعلان في العام 2020 أنه غير قادر على سداد الديون المستحقة بموجب السندات التي أصدرتها .. وأخيراً هاهي الدولة اللبنانية تعلن اليوم إفلاسها.