صمود وانتصار

الهدنة في شقها الإنساني.. إلى أي مدى يمكن أن تسهم في تخفيف معاناة اليمنيين؟

تقارير|| الصمود|| يمن إيكو

استبشر اليمنيون بالهدنة الإنسانية التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غرودنبيرغ، الجمعة الماضية، والتي تضمنت في شقها الإنساني السماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة والسماح برحلتين تجاريتين في الأسبوع عبر مطار صنعاء الدولي، إلى وجهات محددة مسبقاً، طيلة فترة الهدنة التي تمتد لشهرين بدءاً من 2 ابريل الجاري وحتى 2 يونيو المقبل، قابلةً للتجديد، وذلك كون دخول الوقود عبر ميناء الحديدة، وفتح المطار لعدد محدود من الرحلات، من شأنه أن يخفف من المعاناة التي عاشها 80% من اليمنيين طيلة سنوات الحصار.

السؤال الذي برز، منذ دخول الهدنة يومها الأول، هو إلى أي مدى يمكن لبنود هذه الهدنة في شقها الإنساني، أن تسهم في تخفيف معاناة اليمنيين الذين نال منهم الحصار طيلة سنوات مضت، وتسبب في تفاقم معاناتهم المعيشية الناجمة عن ارتفاع الأسعار، وكذا تعطل الكثير من أنشطتهم، فيما لا يمكن حصر الأضرار المترتبة على هذا الحصار في ما يخص الاقتصاد الوطني ككل.

وخلال سنوات الحصار، تفاقمت معاناة اليمنيين على المستويين الاقتصادي والمعيشي، وتكبدوا خسائر كبيرة ناتجة عن نقص الوقود وارتفاع أسعاره، وبالتالي ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، سواءً بأثر من ارتفاع تكاليف النقل بالنسبة للسلع والواردات التي تمثل 90% من احتياجات البلاد، أو ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل بالنسبة للقطاعات الإنتاجية والخدمية، الأمر الذي أسهم في انهيار الاقتصاد، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين والتأثير بشكل مباشر على حياتهم المعيشية.

تحت عنوان “القاتل الصامت: حصار اليمن”، كشف تقرير استقصائي، عن الآثار الكارثية الناتجة عن الحصار الذي فرضته دول التحالف بقيادة السعودية على دخول الواردات الأساسية، وعلى رأسها الوقود، عبر ميناء الحديدة، الذي يُعدُّ الشريان الرئيس للإمدادات الأساسية التي تتعلق بها حياة ما يقارب 80% من السكان في اليمن.

التقرير الذي أعده ريتشارد ميدهيرست، وهو صحافي إنجليزي مستقل، بمساعدة الخبير الاقتصادي اليمني أمير الذيبة، المتخرج من جامعة أكسفورد، والذي عمل كخبير اقتصادي في البنك الدولي لأكثر من عقد من الزمان، ولديه أكثر من 20 عاماً من الخبرة في العمل القُطري والدولي في مجال التنمية الاقتصادية، يكشف عن المدى المروع للحصار الذي تقوده السعودية على اليمن. حيث أدى نقص الوقود إلى ارتفاع التضخم في اليمن بنسبة 40٪، مما أدى إلى تفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب التقرير.

وأشار التقرير إلى النتائج الكارثية للحرب التي بدأها التحالف بقيادة السعودية في مارس 2015، حيث أصبحت اليمن واحدة من أفقر دول العالم، إذ يعاني اليوم 17.4 مليون شخص (غالبية السكان) من انعدام الأمن الغذائي، فيما يعيش 20 مليون شخص في فقر مدقع، وفقاً لليونيسف.

وأوضح التقرير أنه يتم التركيز في وسائل الإعلام وفي المناسبات التي يتم خلالها مناقشة الحرب في اليمن على العمليات العسكرية، وما ينتج عنها من ضحايا، إلا أن هناك جانباً رئيسياً آخر للحرب لا يتحدث عنه أحد، وهو الحصار، والذي وصفه بأنه “قاتل صامت سيئ، إن لم يكن أسوأ من القنابل: الحصار”.

وأضاف التقرير أن منع الحصار، الذي تقوده السعودية على اليمن، سفن الوقود من الرسو في ميناء الحديدة، يتسبب في مزيد من الضرر الذي ينتشر في الاقتصاد اليمني، نتج عنه نقص الوقود والارتفاع الكبير في الأسعار، لدرجة أن اليمنيين لا يستطيعون تحمل تكاليف غاز الطهي والكهرباء والأدوية، وفي الوقت نفسه تضطر اليمن إلى دفع مئات الملايين من الدولارات إضافية مقابل الوقود، حيث يجبر الحصار اليمنيين على دفع ما يقرب من 9.5 دولار للجالون (2.5 دولار لكل لتر من البنزين)، وهو أعلى بكثير مما تدفعه الدول الأغنى مقابل السلعة نفسها.

وأكد التقرير أن الواقع الذي تعيشه المحافظات المحاصرة في اليمن (الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء)، يُكذِّب كل ادعاءات التحالف السعودي عدم وجود حظر على اليمن؛ أن اليمنيين أحرار في استيراد المواد الغذائية والوقود وجميع أنواع السلع.

وشرح التقرير الآلية التي يتم عبرها استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة، وفقاً لتفاهمات مع الأمم المتحدة، حيث يجب أن تحصل أي سفينة ترغب في دخول اليمن أولاً على إذن من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، ووفقاً لذلك يجب أن تتوقف السفن المتجهة إلى اليمن في جيبوتي، حيث يتم فحص حمولتها ومكانها الأصلي ومصدر تمويلها. بمجرد اكتمال التفتيش والتحقق، يتم إصدار شهادة تخليص للسفن من قبل الأمم المتحدة، إلا أنه وعلى الرغم من تفتيشها ومنحها تصريحاً من الأمم المتحدة، فبمجرد محاولة سفن الوقود التوجه إلى ميناء الحديدة في اليمن، يتم اعتراضها من قبل البحرية التابعة للتحالف السعودي، والتي تقوم بإعادة توجيهها إلى ما يسمى بـ “منطقة الاحتجاز بالقرب من ساحل مدينة جيزان السعودية، الأمر الذي يترتب عليه غرامات باهظة تفرضها الجهات المالكة للسفن تحت مسمى “تكلفة تأخير”، تتضاعف تبعاً لطول مدة الاحتجاز.

وأوضح التقرير أنه في عام 2020، احتجز التحالف السعودي السفن المرخصة من الأمم المتحدة المتجهة إلى الحديدة لما مجموعه 4683 يوماً، ودفعت هذه السفن 85 مليون دولار غرامات تأخير، وهي تكاليف يتحملها المستهلكون في اليمن، حيث دفعت كل سفينة متجهة إلى الحديدة غرامات تأخير قدرها 1.2 مليون دولار في المتوسط، ارتفع هذا الرقم بنسبة 164 في المائة في العام التالي، إلى 3.2 مليون دولار لكل سفينة.

في عام 2021، بلغ الحصار ذروته، مما أدى إلى ارتفاع الغرامات وأسعار الوقود، يقول التقرير إن السفن المتجهة إلى الحديدة، والتي تحمل وقوداً للاستهلاك العام، احتجزت في المتوسط لمدة 158 يوماً. ودفعت كل سفينة، في المتوسط ، 3.2 مليون دولار غرامات تأخير، مشيراً إلى أن فترات الاحتجاز الطويلة ينتج عنها ارتفاع سعر الوقود على متن السفن (بسبب ارتفاع تكاليف التأخير)، ومن ناحية أخرى، يتسبب نقص الوقود في ارتفاع أسعار جميع المنتجات والخدمات في اليمن، وفي الوقت ذاته قل عدد السفن القادمة إلى اليمن بشكل عام، وذلك نتيجة الحصار.

وأكد التقرير أن السفن التي تحمل وقوداً للاستهلاك العام تخضع لإجراءات عقابية أكثر، مشيراً إلى أن السفن التي لا تعدل عن التوجه إلى الحديدة كي لا تخاطر بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى، يكون البديل هو استيراد الوقود عبر الموانئ غير الخاضعة للحظر، مثل عدن أو المكلا واللذين يخضعان لسيطرة الحكومة المدعومة من التحالف، ومع ذلك فإن هذا لا يمكن أن يحد من آثار الحصار، وذلك لأن هذه الموانئ تقع بعيداً عن صنعاء والمناطق التي يعيش فيها معظم اليمنيين، الأمر الذي يعني أن شاحنات الوقود يجب أن تسافر مسافات أكبر، مما يزيد من تكاليف النقل والمخاطر.

وأضاف التقرير أن في ظل الظروف العادية، فإن مستوردي الوقود إلى المحافظات التابعة لصنعاء، لن يختاروا الاستيراد عبر ميناء عدن أو المكلا، وذلك كون ميناء الحديدة أهم ميناء في اليمن وشريان الحياة للبلاد، إذ تقع الحديدة بالقرب من العاصمة وبالقرب من الجزء الأكبر (80 بالمائة) من سكان اليمن، يضاف إلى ذلك موانئ مثل عدن والمكلا تكاليف الاستيراد فيها أغلى من الحديدة، حيث يُفرض عليه ضرائب أعلى ورسوم تعسفية. يتضمن ذلك قائمة كبيرة من المسميات مثل: الرسوم الجمركية، عمولات المصافي، رسوم الأمن، رسوم مكتب الوسيط، ارتفاع تكاليف النقل، أضرار النقل..إلخ.

وبالإضافة إلى ارتفاع ضرائب الاستيراد، يتعين على شاحنات الوقود السفر في مسارات أطول وأكثر خطورة، قبل أن تصل إلى صنعاء والحديدة والمناطق التي يعيش فيها معظم اليمنيين، يمتد هذا المسار حتى 1300 كيلو متر، وبالمقارنة، فإن الرحلة من الحديدة إلى صنعاء ستبلغ 226 كيلو متراً فقط.

وفي حين تزيد كلفة النقل نتيجة للمسافة التي تقطعها شاحنات نقل الوقود عبر السلسلة الطويلة من الطرقات، التي تبلغ 6 أضعاف المسافة من الحديدة إلى صنعاء والمحافظات القريبة منها، فإن نقاط الجبايات تمثل عقبة أخرى أمام هذه الناقلات، حيث تتعرض للابتزاز من قبل المسلحين التابعين للأطراف الموالية للتحالف، المتمركزين في الطرقات على شكل مجاميع تتقاسم المناطق، وكل مجموعة تقيم نقاطاً وحواجز عشوائية، تفرض رسوماً غير قانونية على مرور هذه الشاحنات، و “إذا لم يدفع السائقون فقد يُقتلون، وغالباً ما تذهب هذه الأموال لتمويل الإرهاب وإطالة أمد الصراع”.

وفي ضوء ما سبق، فإن الهدنة بما تشمله من تخفيف للقيود على واردات الوقود عبر ميناء الحديدة، وكذا فتح محدود للرحلات عبر مطار صنعاء الدولي، وإن كانت ستحقق تخفيفاً لمعاناة اليمنيين في الحد الأدنى، إلا أن ذلك لا يبدو كافياً، ولا بد من رفع كامل للقيود على الواردات وفتح مطار صنعاء، في إطار استراتيجية دائمة لتحييد جميع الأنشطة والمرافق ذات الطابع الإنساني، وعدم استخدامها كورقة حرب، وذلك لما يعنيه ذلك الاستخدام العبثي من تهديد لحياة الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني.