صمود وانتصار

الواقع يجبر السعودية على تنفيذ الهدنة والنكوص عنها ليس في مصلحتها

 الصمود | تقرير | عبدالرحمن عبدالله
مرت ثلاثة أيام من الهدنة الأممية التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الجمعة 1 إبريل ، وبدأ سريانها السبت مساء 2 إبريل 2022م ، رافقها خروقات عسكرية وأمنية من تحالف العدوان تصل إلى مائة خرق في اليوم، بين تحليق وقصف مدفعي وصاروخي من مرتزقته ، إلا أن الهدنة – كما هو واضح – ثابتة رغم الخروقات والصراخ الذي يبديه مرتزقة السعودية اعتراضا عليها.
الجانب الآخر من الهدنة، ما يتعلق بالجانب الإنساني والحصار المفروض على اليمن ، فقد تضمنت الهدنة فتحت مطار صنعاء أمام رحلتين أسبوعيتين خلال شهري الهدنة ، والسماح بدخول 18 سفينة نفطية إلى ميناء الحديدة خلال الفترة نفسها ، وصلت بالأمس وقبله سفينتا نفط، لكن مطار صنعاء ما زال مغلقا ، رغم التوقعات ببدء الرحلات خلال الساعات القادمة.
لم تقبل السعودية الهدنة الأممية، إلا لأنها أمام واقع يجبرها على قبول الهدنة للتلافي الضربات الجوية والصاروخية، من مثل ضربات كسر الحصار الثلاث التي أشعلت منشآت أرامكو وتسببت في إحراق مخزون نفطي هائل وتدمير منشآت حيوية في عمق السعودية ، وما فرضته عمليات كسر الحصار من معادلات عسكرية، وجدت السعودية نفسها مجبرة على القبول بالهدنة، وحتى مع محاولتها النكوص والارتداد من خلال الخروقات اليومية، فإن الانقضاض على الهدنة يعني عودة الضربات بصورة مباشرة وبشكل ربما أوسع وأعنف على منشآتها.
وإزاء هذا الواقع الذي وجدت السعودية نفسها مضطرة للتعاطي مع الهدنة وتنفيذها ، لجأت السعودية تحت تأثير استطالة الأوهام إلى ضخ دعايات وأكاذيب في قنواتها وصحفها وعلى ألسنة مرتزقتها حول الهدنة وانعكاساتها ، ودفعت الذباب الإلكتروني لتزوير صفحات بأسماء القيادات الوطنية تنشر عبرها تغريدات ومنشورات تتعلق بمقتضيات الهدنة وانعكاساتها المعيشية تحاول من خلالها تهييج الشارع اليمني حول المرتبات التي قطعت بعد قيامها بقرصنة عمليات البنك المركزي في العام 2016 ونقلها إلى مرتزقتها في عدن ، وحول أسعار مفترضة للمشتقات النفطية ، في محاولة للتأثير والتشويش على انعكاسات إيجابية للهدنة، التي أُرغمت عليها.
قبل ذلك كانت السعودية تحاول أن تقتصر الهدنة على العمليات العسكرية، وقبيل انتهاء مهلة المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس السياسي الأعلى والتي تضمنت وقفا فوريا للعمليات العسكرية المسلحة والضربات الصاروخية والجوية على الأراضي السعودية، أعلنت مملكة العدوان السعودية ما أسمته “وقف العمليات العسكرية” في بيان جاء متزامنا مع بلوغ الساعات الأخيرة لمهلة الرئيس التي انتهت مساء الأربعاء الماضي، أصدرت السعودية بيانا أعلنت فيه وقف العمليات العسكرية خلال شهر رمضان.
وبررت إعلانها بوقف العمليات العسكرية، بإفساح المجال لما تسميها مشاورات الرياض، ولأجل إقرار هدنة في شهر رمضان المبارك، غير أنها حاولت في بيانها القفز على الحصار الذي تفرضه على اليمن وهو القضية الأساسية في مجريات الحرب والمواجهة بين اليمن وتحالف العدوان، إذ يراهن تحالف العدوان في على تشديد الحصار المفروض على اليمن في تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، بعدما فشلت الحرب العسكرية بالغارات والزحوفات خلال سبعة أعوام في تحقيقها.
كذلك لم تمر ساعات بعد إعلان البيان نفسه حتى شنت مملكة العدوان السعودية غارات جوية على محافظة الجوف، وهو ما يؤكد بأن السعودية تراوغ في الوقت الضائع وتحاول تكرار نسخ مشابهة مما فعلته سابقا في حالات مشابهة كثيرة وعديدة.
الحصار المشدد والمفروض على الشعب اليمني تسعى من خلاله السعودية وكل منظومة العدوان على اليمن، إلى إيجاد بيئة مواتية لتحقيق مكاسب لصالحها في التفاوض وإلى إرضاخ الشعب اليمني وفرض وضع سياسي وعسكري تسعى إليه، وهي تعرف أن العمليات العسكرية بالغارات والكثافة النارية لم تعد مجدية في الحرب، لذا فالحصار هو الورقة الرابحة بيدها – حسب ما تعتقده.
ما تسعى إليه مملكة العدوان السعودية، هي هدنة عسكرية تضمن من خلالها وقف العمليات الصاروخية والجوية على أراضيها، مع الاستمرار في فرض الحصار الذي من خلاله تسعى لإيجاد بيئة مواتية لجولة تصعيد تكون مجدية ومؤثرة، تتوج من خلالها ما سيهيؤه الخنق الاقتصادي في خلق انهيار شامل من خلال الحصار المفروض.
غير أن الهدنة التي خاض الوفد الوطني مفاوضات شائكة بشأنها منذ شهر ونصف وأعلنها مبعوث الأمم المتحدة وتضمنت فتحا مؤقتا لمطار صنعاء وميناء الحديدة والسماح برحلات طيران محددة برحلتين كل أسبوع ، ودخول ثماني عشرة سفينة نفط إلى ميناء الحديدة وصلت منها سفينتان أمس وقبله ، جعلت مرتزقة العدوان يطلقون هستيريا من التصريحات والسخط الكلامي مترافقة مع سيل وافر من الدعايات اليومية في وسائل إعلام العدوان ومرتزقته والهدف هو إرباك الهدنة والتشويش على مفاعيلها.
منذ 2 إبريل، الذي وافق أول أيام رمضان الكريم، بدأ سريان الهدنة وإلى اليوم الرابع من رمضان لم تتوقف خروقات العدوان العسكرية والأمنية ، ما يشير إلى أن العدوان وبقدر حاجته للهدنة لضمان توقف الضربات الصاروخية والجوية على عمقه ومنشآته النفطية ، فهو لا يريد للهدنة أن تمضي كما هو متفق عليه ، غير أن واقعه المأزوم اليوم أمام الواقع الميداني والعسكري يجعل من خيار قبوله بالهدنة والمضي فيها ضرورة تتعلق به ، وبالقدر نفسه، فإن الشعب اليمني بحاجة لتخفيف حدة الأزمة المعيشية التي تصاعدت بسبب الإمعان بالحصار على المشتقات ومطار صنعاء.
وقد انعكس دخول سفينتين في هبوط أسعار الصرف في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، وبالتالي ستنعكس في انخفاض الأسعار وتوفر المشتقات النفطية، حيث بدت المحطات التي توزع المشتقات في العاصمة والمحافظات خلال أمس شبه خالية من الطوابير التي امتدت بحجم كبير وهائل خلال الأيام الماضية ، كما انخفضت أسعار المشتقات النفطية في السوق التجاري بشكل ملحوظ.
هذا الانعكاس الإيجابي يحاول العدوان سرقته بضخ الدعايات اليومية حول مواضيع المرتبات والأسعار، إذ قام بفتح حسابات مزورة بأسماء قيادات وطنية يروج من خلالها لموضوع صرف مرتبات كاملة على خلاف الواقع الذي يؤكد بأن صرف المرتبات يتعلق بقرصنة عمليات البنك المركزي من قبل العدوان ذاته، وبتنفيذ اتفاق السويد الذي رفض تحالف العدوان تنفيذه، رغم وضوحه في ما يتعلق بالمرتبات.
لا يخفى المسعى السعودي للانقضاض على الهدنة، فمن ناحية يبرز إلى الواجهة سيل من الأكاذيب تتعلق بانعكاسات الهدنة، ومن ناحية أخرى، تسوّق لما تسميها خروقات من جانب اليمن التي التزمت على لسان متحدث القوات المسلحة بالوقف الفوري للعمليات والالتزام بالهدنة، بينما استمرت مملكة العدوان السعودية في خروقاتها اليومية دون توقف.
فيما يبقى السؤال المطروح حول التزام السعودية التي درجت خلال السنوات السبع الماضية على النكوص والتنصل عن كل الاتفاقيات والهدن التي أعلنت، بل وما إن كانت تعلن هدنة أو تُعلن الموافقة على اتفاق، حتى تذهب إلى التصعيد الأكبر، متخذة من وقف المعارك والهدن سبيلا لتحقيق مكاسب عسكرية في الميدان، لكنها اليوم أمام واقع مختلف ربما أدركته من عمليات كسر الحصار التي جعلت أرامكو تشتعل مع منشآت حيوية لأيام متتالية.
المصادر في صنعاء تؤكد بأن القوات المسلحة على جهوزية كاملة، بل ومستعدة لتنفيذ ضربات أوسع وأعنف ولديها بنك أهداف كبير وحساس في العمق السعودي، إذا ما ذهبت السعودية لنقض الهدنة والتراجع عنها ولم تمض في تنفيذها، والأمر نفسه، إذا انتهت الهدنة ولم تقرر السعودية المضي في تحقيق سلام قائم على مبادرة الرئيس المشاط التي اختصرت في مجملها مطالب صنعاء ورؤيتها للسلام العادل والمشرّف الذي تنشده اليمن متمثلا في وقف العدوان، ورفع الحصار ، وسحب الاحتلال ورفع الغطاء عن المرتزقة ، فعلام ستراهن السعودية؟
لم يعد أمام ابن سلمان وحلفه الإجرامي من خيار إلا وقف الحرب ورفع العدوان وسحب القوات المحتلة ، وفي مبادرة الرئيس فرصة تختصر المعادلة ، غير أن الأوهام التي استطالت بالسعودية إلى سبعة أعوام في الحرب على اليمن والحصار ، ونقلت بها من مشهدية إلى أخرى ومن رهان إلى آخر ، هي التي تجعل السعودية تستمر في فذلكة الرهانات أيضا ، لكن الواقع مختلف اليوم بعد سبعة أعوام من العدوان على اليمن ، والحال نفسه حين تحاول الهروب من انعكاسات الهدنة الإنسانية إلى الذباب الإلكتروني ، لكن الحقيقة التي تكرسها الوقائع والمآلات بألا خيار أمام السعودية إلا وقف العدوان ورفع الحصار وسحب الجيوش والمرتزقة من الأراضي اليمنية كافة.