صمود وانتصار

بالصور …الجامع الكبير بصنعاء .. تاريخ وروحانية تملأ المكان

الصمود | تشتهر اليمن بآلاف المساجد والمآذن الشامخة التي تُعانق السماء، كما ان التقسيمات الهندسية للبناء من القبلة والبنية والصرح والحمامات ” والمياه والمنافس في قمة الروعة والنظام.

وتتميز أحياء وحارات وشوارع العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية بالسواد الأعظم، من حيث روعة البناء وجمال المنظر وشموخ البنيان وسكينة المحراب وهدوء البال الذي يدفع أبناء صنعاء وغيرها من المدن الى أداء الصلاة فيها بروحانية عجيبة .

وفي مقدمة تلك المساجد ” الجامع الكبير بصنعاء” ذلك المعلم الديني والأثر الضارب في اعماق التاريخ، الذي له مكانة في قلوب اليمنيين، كونه أول مسجد بني في اليمن لاداء الصلوات وحلقات العلم وتعظيم شعائر الله، بحسب ما وثقته كُتب التاريخ والباحثون والعلماء وروايات عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

وتؤكد الروايات والقصص أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو من أمر ببناء هذا المسجد في العام السادس للهجرة، أي قبل فتح مكة، وبالتالي يعد من أقدم المساجد في الإسلام، وأول مسجد يبنى في اليمن ولا يزال شامخاً حتى اللحظة لاسيما بعد ان تم توسعته بطريقه انشائية حافظت على أصالته.

وقال بعض العلماء إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رسلا إلى أهل اليمن لدعوتهم إلى الإسلام ، ومن بين هؤلاء وبر بن يُحنَّس الخزاعي الذي أرسله النبي إلى صنعاء وأمره أن يبني لهم مسجدا ، بعد ان حدد له الموقع والقبلة، فطلب من الخزاعي بناء المسجد في بستان باذان -وهو قائد فارسي كان يحكم اليمن ويتخذ من قصر غمدان مقرا له ، كما طلب الرسول منه أن يجعل قبلته عن يمين جبل اسمه ضين، يبعد عن شمال صنعاء بثلاثين كيلومترا.

والعجيب ان تحديد الرسول عليه السلام جاء في قمة الدقة والمعرفة بدليل ان البحوث والتكنولوجيا الحديثة التي أجريت على المكان، من حيث اتجاه القبلة والمسجد، أكدت أنه يقابل البيت الحرام مباشرة ، ويشير بعض الباحثين والعارفين ان الجامع الكبير بصنعاء تم بناؤه على أنقاض قصر غمدان، وان أبواب الجامع ترجع لقصر غمدان وعليها كتابة بخط المسند تؤكد ذلك.

والى جانب الصيانة المتواصلة للجامع الكبير والتوسعات الكبيرة والاهتمام الخاص من وزارة الاوقاف والجهات المسؤولة من حيث العمل في اعادة المحافظة على الزخارف الخشبية والآيات القرآنية المنقوشة على الخشب وإظهار الالوان بواسطة فريق من الفنيين والمتخصصين الى جانب استخدام مادة الجص والالوان وفرش الجامع الكبير وتوفير الاضاءة المناسبة والمياه والاهتمام بالسقوف من الامطار والتشققات وعوامل التعرية.

سياحة دينية :

ولجمال وروعة المكان وروحانية الاثر التاريخي أصبح الجامع الكبير قبلة لليمنيين وطلبة العلم الذين يدرسون أمهات العلوم الشرعية ويعجب اليمنيون والسياح بنظرة الجامع الكبير والتقاط بعض الصور التذكارية الجميلة. الجامع الكبير..

مخطوطات نادرة:

يضم الجامع الكبير بصنعاء آلاف المخطوطات والكتب القيمة والرسائل والكتابات وأمهات الكتب التي ماتزال تحت التحقيق ولم تسنح الفرصة بمراجعتها وطباعتها ، كما يضم مباني وخزائن ترجع إلى عصور مختلفة، وتحتفظ بعض أقسامه بشكلها القديم، وقد عثرت بعثة آثار فرنسية كانت تقوم بعملية ترميم لأجزاء من المسجد بالجهة الجنوبية، على كنز أثري هام مخبأ في سراديب.

مصحف الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : تلك المخطوطات والكتب والرسائل هي كنز اثري قيم وتتضمن 12 نسخة مخطوطة من المصحف الشريف، بينها مصحف بخط الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بالإضافة إلى نحو آلاف من المخطوطات الإسلامية.

خصوصية الاذان:

ويكتسب أذان الجامع الكبير بصنعاء، خصوصية ذات طابع روحاني فريد، كان مؤذنو الجامع، وعبر التاريخ حتى اليوم، يكّبرون للصلوات الخمس، بمؤذنين اثنين أحدهما في المئذنة الشرقية والآخر في المئذنة الغربية، وذلك نظراً لكبر مساحة الجامع.

يقول مؤذن الجامع الكبير بصنعاء محمد السفرجل “إن الأذان بالجامع الكبير منذ القدم يتم عبر مئذنتين، الشرقية والغربية، لإيصال الصوت إلى الناس عبرهما نظراً للمساحة الكبيرة للجامع، ما ميّز الجامع الكبير عن بقية جوامع ومساجد اليمن”.

وأشار إلى أن الفقيد محمد الأكوع كان يؤذن للصلاة من المئذنة الشرقية قبل أكثر من أربعين عاماً، ثم خلفه نجله القاضي محمد بن محمد الأكوع، ليأتي بعده العلامة حمود السفرجل قبل خمسة وثلاثين عاماً إلى اليوم.

وأضاف “أن المؤذن علي البهلولي كان يؤذن للصلاة من المئذنة الغربية وحالياً المؤذن أحمد درهم وأحمد الحدم “.

ويقول المؤذن السفرجل “قديماً كانت لا توجد صوتيات أو مكبرات صوت للجامع الكبير ولأن مساحته كبيرة هناك مئذنتان، كان المؤذن وقت الفرض يبدأ الأذان من المئذنة الشرقية في الدوار الخاص بها، ويجيبه الآخر من المئذنة الغربية حتى إكمال الأذان”.

ولفت إلى أن الأذان استمر على هذا الحال حتى جاءت مكبرات الصوت وبقي الأذان في الجامع الكبير على ذلك النحو بمؤذنين اثنين ،

المساجد تؤذن بعد الجامع الكبير:

وأوضح المؤذن السفرجل أن مؤذني الجامع الكبير بصنعاء يكبّرون للصلوات في حين تلحق الجوامع والمساجد الأخرى بعده.. وقال “هناك ربط بين الجامع الكبير وإذاعة صنعاء، قبل أن يؤذن المؤذن بالصومعة الشرقية في الجامع الكبير، يشعر الإذاعة أن وقت الأذان قد حان لفتح البث المباشر ونقل الأذان من الرحاب الطاهرة بالجامع الكبير في صنعاء”.

وأضاف” حالياً يؤذن الوالد حمود السفرجل بالصومعة الشرقية ويتم مساعدته من قبل أبنائه محمد وهلال وأحمد وأنس، بالصومعة المربوطة بالإذاعة والفضائيات “.

وذكر السفرجل أن الأذان في شهر رمضان يتم في المحراب بدلاً عن الصومعة الشرقية .. وقال “ما يميز أذان الجامع الكبير بصنعاء عن غيره من الجوامع، أداء الأذان في كل فريضة من صومعتين الشرقية من قبل المؤذن حمود السفرجل ويتم مساعدته من قبل أبنائه، فيما الصومعة الغربية للعلامة أحمد درهم ويساعده أحمد الحدم”.

وتابع أن ما يميز المؤذن أيضاً دقة المواعيد والانضباط كون الجامع الكبير معلماً لكل مساجد صنعاء وضواحيها، ما يضاعف من المسئولية على المؤذن ويتطلب منه الحضور إلى الجامع قبل موعد الأذان، إلى جانب مشاركته حلقات العلم بالجامع الكبير الزاخر بالعلماء والفقهاء في مختلف العلوم الدينية والفقهية والبلاغة والنحو والصرف، للاستزادة بحصيلة معرفية خاصة في مواقيت الصلاة التي تعتمد على علم الفلك.

بين الأذان والإقامة:

بخصوص إقامة الصلاة، أوضح المؤذن السفرجل أن موعد الإقامة للصلاة يختلف من فرض إلى آخر، هناك فروض يتخللها 20 دقيقة في الوقت وفروض أخرى وقتها أقصر. وقال” الأذان نعمة عظيمة، وقد شرفني المولى عز وجل أن أسير على منهج والدي المؤذن حمود السفرجل في هذا الجانب، خاصة الأذان بالجامع الكبير بصنعاء المعلم التاريخي الأكبر” .. لافتاً إلى الحرص على الانضباط والالتزام بمواعيد الأذان.

والجامع الكبير هو أول جامع في اليمن، وثالث جامع بُني على وجه البسيطة بعد البعثة النبوية، فقد بني بعد مسجد قبا والمسجد النبوي، ويحظى بمكانة عليَّة، وأهمية بالغة في الموروث الإسلامي والمعماري والحضاري. تبلغ مساحة الكتلة الخارجية للجامع الكبير بصنعاء 65م ×77 مترا وارتفاع الجناحين الشرقي والغربي 10 أمتار بينما ارتفاع الجناحين الشمالي والجنوبي سبعة أمتار تقريباً.

يحتوي الجامع الكبير بصنعاء على منارتين، شرقية وغربية و13 باباً ويبلغ عدد الأسطوانات “الدعائم” 180 إسطوانة تتوزع على 75 في المقدم و 30 في الجناح الشرقي و30 في الجناح الغربي و 45 في مؤخرة الجامع.

ولم يقتصر دور الجامع الكبير عبر مراحل التاريخ على الدور العبادي فحسب، بل كان جامعة إسلامية ومدرسة علمية, تخرج منها كبار الأئمة والعلماء وآلاف الحفاظ والقراء.