صمود وانتصار

أفول الإمبريالية الأمريكية.. من غزو أفغانستان إلى العدوان على اليمن

تقارير|| الصمود|| صادق البهكلي

بعد قرابة أكثر من عشرين عام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر بات الكثير من شعوب العالم مقتنعة أن الأحداث صنعتها أمريكا وإسرائيل وأنها كانت مؤامرة أمريكية هدفها الهيمنة المطلقة على العالم فهل نجحت أمريكا في تحقيق هدفها وهل تحول أمريكا من سياسة التوافق الدولي إلى سياسة القسر والاكرام علامة قوة أم ضعف؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير المختصر:

تغول أمريكي غربي على حساب دول العالم الثالث

 

يقول المفكر وعالم الاجتماع الاوروبي  إمانويل ولورستين : (( لقد أصبح تاريخ النظام العالمي الجديد بمجمله تاريخاً لتغول الحكومات الغربية (أمريكا ودول أوربا) وشعوبهاعلى بقية  هذا العالم. لقد ظل هذا جزء جوهرياً لبناء الإقتصاد العالمي الرأسمالي، ولقد تضمن هذا التوسع الذي استشرى في معظم أصقاع هذه البسيطة، اجتياحاً عسكرياً واستغلالاً اقتصادياً وجوراً عظيماً. فهؤلاء الذين يقودون هذا التوسع ويجنون ثماره غالباً ما يقدمون هذا التوسع لأنفسهم وللعالم بصورة مبررة تستند على أساس المصلحة والخير الذي قد يجلبه مثل هذا التوسع لشعوب العالم. والأطروحة المعتادة  تكمن في أن هذا التوسع قد نشر ما يسمى على مستويات متعددة بالحضارة والنمو الاقتصادي والتقدم أو التنمية. لقد تم تأصيل كل هذه المفردات وإذكاؤها كتعابير لقيم عالمية تجذرت فيما أصطلح عليه غالباً بالقانون الطبيعي، واللغة المستخدمة لوصف هذه الصيرورة غالباً ما تكون دينية، أو يتم اشتقاقها من منظور كوني وفلسفي علماني.

لقد باتت العناوين الرئيسة في الصحف العالمية بالتعابير الدارجة كالمعتاد: القاعدة والعراق وكوسوفو ورواندا ومعسكرات الجولاك الروسية والعولمة والإرهاب. إن هذه المفردات تذكي صوراً مطردة لدى القراء والتي تم تشكيلها لدينا من خلال قادتنا السياسيين ومحللي المشهد الكوني، وما يتجلى للكثيرين هو أن العالم اليوم هو صراع  جوهري بين قوى الخير والشر. كلنا بلا شك نتوق أن نحسب على معسكر الخير، وفي الوقت نفسه كثيراً ما نجادل  حكمة بعض السياسات لمحاربة الشر، وفي كثير من الأحايين لا يكون لدينا أدنى شك في تحديد دوافع الشر وبواعثه.

إن خطاب قادة العالم الأوروبي على وجه الخصوص – و هم ليسوا الوحيدون طبعاً- جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وبريطانيا وتيار الإعلام المتغول ومفكريهم المؤسسين، هو خطاب مدجج بالنزوع  نحو العالمية كمبرر جوهري لسياساتهم. يحدث هذا غالباً عندما يتحدثون عن سياساتهم المرهونة بالآخرين- أي الدول غير الأوروبية، وسكان العالم الأكثر فقراً والأقل تنمية- وعادة ما تبدو هذه النبرة واقعية ومتغطرسة ومتبجحة في آن، لكن هذه السياسات غالباً ما يتم تقديمها كحقائق وقيم عالمية جلية.

هنالك ثلاثة متغيرات لمثل هذه النزعة العالمية. يكمن المتغير الأول في جدلية مفادها أن السياسات  المتبعة يتم التوسل بها من قبل قادة الإتحاد الأوروبي العالمي دفاعاً عن ” حقوق الإنسان” ولإذكاء ما يسمى ” بالديمقراطية”. أما المتغير الثاني فيتجلى في موال صراع الحضارات، والذي من خلاله يفترض دوماً أن ” الحضارة الغربية” متفوقة على الحضارات ” الأخرى” لأنها- أي الأولى- الوحيدة التي أصبحت تستند على القيم والحقائق العالمية. وفيما يخص المتغير الثالث، فيكمن في ترسيخ الحقائق العلمية للسوق ولمفهوم مفاده “عدم وجود بديل” أمام الحكومات إلا الإذعان والرضوخ لإقتصاديات الليبرالية الجديدة.

النفط وراء النزعة الاستعماري الأمريكية

 

اما ميشيل اجناتيف وهو كاتب في صحيفة النيويورك تاميز فيقول عن شعار الحرب على الإرهاب: : “إن حرب أمريكا على الإرهاب ليست سوى نوع من ممارسة الإمبريالية، أو سعي لتكوين إمبراطورية. قد يبدو هذا القول صدمة للأمريكيين الذين لا يرغبون لبلادهم أن تكون إمبراطورية. ولكن ماذا تسمى كل تلك الفيالق من العسكر والقوات الخاصة المنتشرة في كافة أصقاع العالم؟” ويقول أيضاً: “لم تعد الولايات المتحدة تحبِّذ إمبراطورية (ذات مذاق لطيف) أو تتوقع أن تقوم بذلك بثمن بخس. وهذا يعني أنها يجب أن تضطلع بدور أكثر ديمومة وأكثر أهمية، وأن تكون مستعدة للبقاء مدة طويلة كي تحقق أهدافاً هامة في التغيير”.

(إجناتيف) لم يكن الوحيد الذي أبرز هذه الفكرة وأكدها. فقد حذا حذوه (ماكس بوت) في صحيفة (وول ستريت جورنال) حين قال: “إن جرعة من الإمبريالية قد تكون أفضل رد على الإرهاب”. ك

وقد أبدت إدارة بوش آنذاك تشبث كبيربالتوجه العسكري لضرب العراق لأن هناك دلائل غير عنوان الحرب على الإرهاب تشير إلى وجود شيء ما وراء ذلك، شيء تحت السطح، مليء بالشعارات المضلِّلة والإعلام الكاذب، ويجب التنقيب عنه، فيتجول في تجربتين يرى أن بهما الإجابة عن تلك الأسئلة، وهي قصة اثنين من منتجي النفط: (فنزويلا) والإطاحة برئيسها شافيز، و(العراق) بإطاحة رئيسه صدام حسين، فهناك من يرى أنه في حال نجاح الولايات المتحدة في التخطيط للإطاحة بكل من شافيز وصدام (وهذا ما حصل بالفعل)، وتوطد وجودها العسكري الإستراتيجي في جمهوريات آسيا الوسطى، فتهيمن على احتياطات النفط في حوض بحر قزوين، عندئذٍ ومن خلال سيطرتها المحكمة على “صنبور” نفط العالم تستطيع أن تأمل في إحكام سيطرتها على الاقتصاد العالمي لخمسين سنة قادمة.

قصة الهيمنة الأمريكية

 

يذكر الكاتب الغربي (ديفيد هارفي) في كتابة (الامبريالية الجديدة) قصة الهيمنة الأمريكية عندما خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية الأكثر هيمنة، تهيمن على التكنولوجيا وعلى الإنتاج، وكانت عملتها الدولار أقوى عملة في العالم، وجهازها العسكري أقوى من أي جهاز عسكري آخر في العالم، عدوها الوحيد والأخطر هو الاتحاد السوفيتي الذي فقد أعداداً كبيرة من سكانه، وعانى انحساراً شديداً في قدرته العسكرية والصناعية بسبب الحرب مقارنة مع الولايات المتحدة، فهو الذي تحمََّل وطأة القتال ضد النازية، وقاسى من حصار لنينجراد، وبالتالي كان تدمير القسم الأعظم من قدرة ألمانيا العسكرية على الجبهة الشرقية عاملاً حاسماً في انتصار الحلفاء.

وضعت الولايات المتحدة نفسها على رأس الترتيبات الأمنية المشتركة، واستخدمت منظمة الأمم المتحدة، كما استخدمت وسيلة التحالفات العسكرية، مثل الناتو، للحد من أي احتمال لنشوء حروب بين الرأسماليين ولمكافحة نفوذ الاتحاد السوفيتي والصين، كما سعت لبناء نظام دولي مفتوح في مجال التجارة والتنمية الاقتصادية والتراكم السريع لرأس المال يقوم على أسس رأسمالية.

وفي مرحلة السبعينيات، وعندما وجدت الولايات المتحدة نفسها تواجه تهديداً في الإنتاج، كان ردها على هذا التهديد تثبيت هيمنتها من خلال المال، ولكي ينجح هذا النظام ويثبت فاعليّته، ينبغي للأسواق عامة، وأسواق رأس المال خاصة أن تنفتح أمام التجارة الدولية. ومع حلول سنة 1980 أو نحوها، بات واضحاً أن التصنيع في الولايات المتحدة صار واحداً من مجموعات صناعية متعددة تعمل في بيئة ذات تنافس عالمي حاد، وأن السبيل الوحيد لبقائه حياً يكمن في تحقيق التفوق (المؤقت عادة) في الإنتاج وفي تصميم المنتج، وفي التطوير، وهذا يعني بعبارة موجزة أنه لم يعد المهيمن.

لقد آذنت نهاية الحرب الباردة بحصول تغييرات كبرى، ولا يزال المنطق الإقليمي للقوة في طور التحوّل لكن النتائج غير مؤكدة، ويتضح أيضاً أن المنطق الإقليمي والمنطق الرأسمالي يعيشان في حالة تجاذب شديد القوة، غير أن المنطق الإقليمي الأمريكي تحت إدارة الرئيس بوش قد اتضحت معالمه، ولهذا السبب يدور معظم الحديث الآن عن الإمبراطورية، وعن الإمبريالية التي تتمركز في الولايات المتحدة، لكن ميزان القوى التي تعمل داخل المنطق الرأسمالي يشير إلى اتجاهات مختلفة نوعاً ما. أما كيف سينتهي بها الأمر فهذا يعتمد كلياً على فهم أفضل للطريقة التي يعمل بها المنطق الرأسمالي للقوة.

عبودية رأس المال والقبول بالقشر

 

إن بقاء الرأسمالية وديمومتها هذا الأمد الطويل على الرغم من الأزمات الكثيرة وإعادة التنظيم المترافقة في كثير من الأحيان مع تكهنات مؤلمة من اليمين واليسار عن قرب زوالها، مسألة يكتنفها الغموض، وينبغي تسليط الضوء عليها.

إن الإمبريالية ذات الشكل الرأسمالي تنشأ من تلك العلاقة الجدلية الديالكتيكية بين المنطق الرأسمالي والمنطق الإقليمي للقوة، وهذان المنطقان متمايزان، ولا يمكن اختزال أحدهما بالآخر، رغم أنهما متداخلان ببعضهما بقوة، ويمكن تفسيرهما بعلاقات داخلية فيما بينهما، لكن نتائجهما متباينة كثيراً في المكان والزمان، وكل واحد منهما يفرز تناقضات، لابد أن يحتويها الآخر.

والسؤال الذي يطرح نفسه وراء ذلك: هو كيف سيكون وقع المشروع الإمبريالي للمحافظين الجدد على العالم العربي، والعالم الإسلامي عامة؟ ويفترض المؤلف أنه في هذا الصدد يبدو أن المحافظين الجدد يطؤون أرضاً محفوفة بالمخاطر؛ حيث إن حل النزاع العربي الإسرائيلي يجب أن يكون هو الأساس الذي يجب الاستناد إليه في أي تقارب مع العالم العربي.

من نهاية التاريخ إلى نهاية الهيمنة الأمريكية

 

يعلق الدكتور عمر دراج في بحث نشره في المعهد المصري للدرسات ((في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، نشر فرانسيس فوكوياما، كبير الباحثين في مؤسسة راند والزميل في معهد الدراسات الدولية المتقدمة التابع لكلية السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز، والعالم السياسي ذائع الصيت، عام 1989 مقالا بعنوان “نهاية التاريخ؟“؛ وفي عام 1992، ألف أيضاً كتاباً بعنوان “نهاية التاريخ والرجل الأخير“4؛ ومما قاله فوكوياما في مقاله الشهير “إن تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولّى وانتهى إلى غير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية”. وخلُص فوكوياما في كتابه إلى أن التاريخ يوشك أن يصل إلى نهايته بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشيوعي واندثار حلف وارسو. وبشّر بميلاد عصر جديد يحصل فيه توافق عالمي واسع حول المثل الديمقراطية. وكان فوكوياما أيضا داعما لمطالب المحافظين الجدد، حيث كان أحد موقّعي رسالة موجهة للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، تطالبه بغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين (كنظام شمولي يجب إسقاطه في إطار نظرية نهاية التاريخ!).

 ولكن منذ عام 2004 وما تلاه، انقلب فوكوياما على مواقفه السابقة، وأصبح من منتقدي الغزو الأميركي للعراق، ووجّه انتقادات لاذعة للمحافظين الجدد وأعلن تنصّله التام منهم. وها هو فرانسيس فوكوياما الآن يعلق على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ويبشر بنهاية الهيمنة الأمريكية، في مقال له بعنوان “نهاية الهيمنة الأمريكية” نشره في مجلة الإيكونوميست5 البريطانية. ويرى فوكوياما أن الصور المروعة للأفغان اليائسين الذين كانوا يحاولون الخروج من كابول بعد انهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة كانت بمثابة منعطف رئيسي في تاريخ العالم، “حيث ابتعدت أمريكا عن العالم” وأدارت ظهرها له، إلا أنه يعتبر أن التحدي الذي يواجه المكانة العالمية للولايات المتحدة بشكل أكبر في الوقت الراهن هو الاستقطاب السياسي في داخل أمريكا نفسها، وبناء على ذلك، فإن فوكوياما يرى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة ستبقى قوة عظمى لسنوات عديدة قادمة، إلا أن مدى تأثيرها ونفوذها يعتمد على قدرتها على إصلاح مشاكلها الداخلية، فضلاً عن سياستها الخارجية

هزائم متكررة

 

ويضيف دراج: ((إن الهزيمة العسكرية لأمريكا في أفغانستان ليست بالشيء الجديد ولا المفاجئ بالنظر إلى تاريخ أمريكا الحديث في التدخلات العسكرية المباشرة. فقد هُزمت أمريكا في أغلب تلك التدخلات منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم وفشلت فشلا ذريعا، وأن أبرز علامات فشلها هو أنها بدلاً من إصلاح الأمور، فإنها تزيدها سوءاً؛ وأنها من خلال ذلك تتيح للتمرد بأن يصبح أكثر قوة، كما أنها تمهد الطريق لظهور خصوم جدد أكثر تصميماً وإرادة في مواجهة قوة وقدرة الولايات المتحدة.

. فقد هُزمت في فيتنام بعد حرب استمرت قرابة ١٥ سنة ضد الفيتناميين الشيوعيين، وهُزمت كذلك في التسعينات في الصومال، وهُزمت في أمريكا الوسطى، ثم هُزمت في العراق وانحسر نفوذها هناك لصالح التمدد والسيطرة الإيرانية، ثم هي اليوم تُهزم في أفغانستان على أيدي حركة طالبان. وبالتالي فإن التدخلات العسكرية الخارجية الأمريكية المباشرة للاحتلال وفرض التغيير بالقوة خلال السنوات الستين الماضية هي سلسلة متصلة من الهزائم، وشعارات ومقولات الجيش الأمريكي الذي لا يقهر يتم إطلاقها من باب الحرب المعنوية لكسر المعنويات والهمم للشعوب التواقة للحرية، ولتبرير استمرار الحروب أمام مموليها من دافعي الضرائب الأمريكيين.

عندما تدخلت أمريكا بشكل غير مباشر في أفغانستان إبّان احتلال الاتحاد السوفيتي لها أواخر عام 1979، عندما قامت إدارتي كارتر وريجان بتسليح وتدريب المجاهدين الأفغان للوقوف في وجه الغزاة السوفييت، هيّأ ذلك الأجواء لاحقا لنشأة تنظيم القاعدة، والذي وضع الولايات المتحدة في دائرة استهدافه الرئيسية. وهذا ما حدث أيضاً عندما تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان بشكل مباشر أواخر عام 2001، واستمرت هناك لعشرين عاماً، ثم خرجت تجر أذيال الهزيمة، وعادت طالبان التي كانت قد أطاحت بها من قبل لتصبح أكثر قوة وتصميماً لتحكم البلاد من جديد. نفس الأمر تكرر في العراق والذي أدى التدخل والاحتلال العسكري له إلى نشوء تنظيم الدولة، ثم آلت الأمور إلى وقوع العراق بالكامل تحت السيطرة الإيرانية من خلال حكم الميليشيات. إن هذا الفشل الكبير لهو دليل قاطع على إخفاق السياسة الخارجية الأمريكية التي طالما أعطت الأولوية للقوة والهيمنة العسكرية على الدبلوماسية والتعاون العالمي.

 وكما يرى ديفيد هارلاند، فإن الاغترار بالقوة وتصور أنه يمكن استخدام قوة الولايات المتحدة التي لا تُبارى لتخليص العالم من “المشاكل الجهنمية” التي تواجهه، هذه العقلية قوَّضت جميع الحلول التفاوضية التي كانت تتاح لها قبل السقوط في تلك الأوحال والتي كان يمكن أن تسفر عن نتائج أفضل من تلك التدخلات الفاشلة التي قامت بها الولايات المتحدة في كل تدخلاتها العسكرية))

العدوان على اليمن صورة أخرى من التخبط الأمريكي

 

نتيجة لموقع اليمن الاستراتيجي ظلت أمريكا تنظر إليه على أنه يجب أن يكون تحت هيمنتها وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون للصين أو لغيرها موطئ قدم في اليمن ولذلك سعت منذ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى افتعال أحداث هنا وهناك لتجعل منها مبررا للهيمنة المطلقة على اليمن ومنها أحداث السفينة كول وما يسمى عناصر القاعدة وصولاً لحركة الشهيد القائد السيد حسين واطلاق مشروع القرآني المترافق مع المواقف العملية كالصرخة والمقاطعة الاقتصادية وقد رأت أمريكا في ذلك خطراً على وجودها في اليمن فعملت على الزج بالنظام السابق في مواجهة السيد حسين وانصاره بهدف وأد المشروع القرآني واخماد هتاف الحرية والإباء وقد استمرت أمريكا في تغذية الحروب الداخلية في مواجهة المشروع القرآني ووظفت له كل الإمكانيات من عملاء وجواسيس واسلحة وأموال ومقاتلين وكانت في كل جولة تمني بفشل ذريع فيزداد انتشار المشروع القرآني ويزداد إقبال الناس عليه لدرجة أن استطاع اسقاط كل اقطاب النظام السابق الذي كان عميلاً ومنفذا مخلصا للرغبات الامريكية لذا كان الخيار الأمريكي هو إعلان العدوان بأدوات إقليمية ومنذ سبع سنوات وهي تواجه الفشل الذريع في اليمن رغم الإمكانيات الضخمة

يقول المسؤول السابق في البنتاغون مايكل مالوف أن أمريكا والغرب وخلافا لسياساتهم تجاه الدول العربية التي تشهد اضطرابات، اتبعوا سياسة مختلفة في اليمن ويفكرون فقط في المكاسب التي يمكن ان يحققوها من خلال العدوان السعودي ولذلك لايهتمون أبداً بعجز الموازنة السعودية التي بلغت 81 مليار دولار ولا يفكرون أبداً بالوقوف الى جانب السعودية ودول مجلس التعاون في وقت تعتبر السعودية أهم حلفاء أمريكا بين العرب وكان يمكن ان تكون احد أذرع أمريكا في الشرق الأوسط اذا قرر الأمريكيون الاستدارة نحو شرق آسيا بشكل نهائي والرحيل عن الشرق الأوسط.

ولذلك يمكن القول ان السياسات الأمريكية تجاه اليمن ليست متزنة، ففي الوقت الذي يشكل فيه إضعاف السعودية تهديدا لأمن الكيان الإسرائيلي نجد أن البنتاغون لا تتدخل في اليمن لترجيح الكفة السعودية بشكل كبير، وفي الحقيقة اختار الأمريكيون الصمت إزاء ما تقوم به السعودية فقط  ولا يبدو انهم يرغبون في التواجد في منطقة جنوب الخليج الفارسي، وهذا يزعج السعوديين أكثر من العجز في الموازنة وأكثر من القبول بالتفاوض مع أنصار الله.

رغم الثروات الطبيعية الموجودة في اليمن والموقع الإستراتيجي لهذا البلد والذي يهم الأمريكيين كثيرا لكن الأزمة في العراق وسوريا سلبت الأمريكيين القدرة على المناورة في دولة أخرى ولذلك نجد الموقف الأمريكي تجاه حرب اليمن متذبذبا رغم قيام واشنطن بزرع بذور الحروب الطائفية والقومية في اليمن لضرب مستقبله وزعزعة استقراره.

وهكذا نلخص إلى نتيجة أن الهيمنة الأمريكية إلى أفول وأن عالم جديد يتشكل خصوصاً بعد الازمة الروسية الأوكرانية التي لم يعرف لحد الآن الأسباب الكامنة ورائها ولكنها بدون شكل إعلان فعلي عن أفول تراجع الحضور الأمريكي وبداية النهاية لإمبراطورية الشر والحروب