صمود وانتصار

“تنومة”.. جِراحٌ لم تندمل | أنصار الله

الصمود | مقالات | عبدالقوي السباعي

الزمانُ كان قبل مِئة عامٍ وعامين من الآن، وتحديداً في يوم الأحد، الـ 17 من شهر ذي القعدة 1341هـ، الموافق 1 يوليو 1923م، أمّا المكانُ فكان منطقةَ تنومة في عسير، ثم في سدوان بعد الملاحقة للناجين من اللقاء الأول، إذ عبر من هُنا شخوصٌ يقدر تعدادهم الرقمي بـ (3500) من الحُجَّاج اليمنيين، عليهم ثيابُ الإحرام، وألسنتهم تلهجُ بذكر الرحمن، ملبِّين مكبِّرين، قلوبُهم تسابقُ أقدامَهم شوقاً للقاء، لكنهم لم يصلوا إلى هدفهم المنشود، غير أنهم وصلوا إلى الله، ولكن من محطةٍ أُخرى للعبور، إذ قضوا شهداءَ على طريق الألمِ والأمل؛ بحثاً عن الالتقاء الروحي في جنبات الكعبة المشرَّفة، وجوار صاحب القبة الخضراء.

إذ قامت عصاباتُ بني سعود وما كان يُطلَقُ عليها “إخوان الصفا” بارتكاب أفظع وأبشع مجزرة في تاريخ الإسلام، بحق أُولئك الحجاج بذلك الوادي، فتم التقطُّعُ لهم وقتلُهم ونهبُ أموالهم وقافلتهم، فحصدت وثائقُ التدوين التاريخية أكثرَ من 3105 حجاج من أصل 3500 حاج يمني من الرجال والأطفال والنساء والعلماء وكبار السن، ومن لم تقتلْهم البندقية الوهَّـابية تم ذبحُهم بالخناجر والسكاكين الهريرية التكفيرية.

هذه المجزرة الوحشية التي ارتكبتها عصاباتُ بني سعود بحق أجداد لنا مثّلت عدواناً سافراً وإجراماً مفرطاً بحق الشعب اليمني ككل، خالف كُـلَّ القوانين السماوية والوضعية والأعراف الدولية، وأثبت وبما لا يدعُ مجالاً للشك أن بني سعود يحملون من الحقدِ والعِداءِ لهذا الشعب ما لا يطيقُ الشيطانُ نفسُه حملَه، ليس من اليوم فقط، ولكن من قديم الزمان.

تاريخيًّا وعلى طولِ المحاولاتِ اليمنية لتوثيقِ الجريمة، وتجسيد المظلومية والدعوة إلى الانتصاف من القتلة المجرمين، بدا ومن بينِ كافة السجالاتِ والأحداث بكل ما تخللها من مزايداتٍ ومبرّرات، استطاعت الأنظمةُ السعوديّة المتعاقبة التنصُّلَ عن الإقرار بالجريمة، ومما لا شك فيه أن بني سعود لم يوغلوا في الجُرم ولم يغرقوا بالمزيد من الخطايا والجرائم بحق اليمن إلّا نتيجةً لصمتِ وانبطاحِ صنايعِهم ممن يُفترَضُ أنهم كانوا قادتَنا وزعماءنا وكبراءنا وعلماْنا ومثقفينا، فتمادوا أكثرَ وأكثرَ، بينما بنو جلدتنا يغيّبونها ويطمسونها أكثر، غير أن هذه الجريمة وغيرها قد رصدت وترصد تغيرات عدة وتحولات إيجابية لدى الشعب اليمني عقب ثورة الـ21 سبتمبر 2014م، وتشكّل مجتمعٌ يؤمن بأولويات استرداد الحقوق، التي لا ولن تسقط بالتقادم، ونهض جيلٌ يقدم الحرية والعزة والكرامة على كُـلّ شيء، وإن استردادَها بات وشيكاً، خُصُوصاً مع العدوان الجديد والذي أتوقع إذَا تم إيقافُ العدوان، ربما سيتم تقليصُ العداء لنظام بني سعود إلى خمسِمئةِ الفِ عامٍ قادمة، هذا إذَا ظل قائمًا أَسَاساً لبضع السنوات القادمة.

عُمُـومًا، ففي عالم الجرائم المثير جِـدًّا، حَيثُ القيم والعدالة المهدورة، ستظل مجزرة تنومة جرحاً نازفاً في جسد شعبنا وأمتنا المسلمة إلى يومنا، شاهدةً على أصعبِ المشاهد إثارةً، وأبشعِها وحشيةً وقُبْحاً، وأكثرِها حُزناً وإيلاماً، بحق أناسٍ لا جُرمَ لهم إلا أنهم من اليمن، لم يكن بينهم خطوةٌ تُبعدُ عن المأساة ولا تُنهِيها، لكنها تعطينا اليوم متنفساً للبحثِ ليس عن كيفية القتل الذي تعرضوا له ولا عن حجم المأساة اللحظية التي تجرّعوها، ليس عن مقدار الألم والقهر الذي عايشوه، ولكن عن كيفية وحجم الرد العادل والمنصِف بعيدًا عن العَتمةِ والضوضاء، وبعيدًا عن نارِ الغضب وروحية الثأر والانتقام، وبعيدًا عن المزايدات والاتّهام بأننا نستدعي الماضي، ونحاكمُه، غير أن المنطق يؤكّـدُ أنه إذَا ما أردنا البحثَ عن مرجعية الثأر فهي موجودة، قديماً وحديثاً، ولذلك يحاولُ النظامُ السعوديّ اليومَ التنصُّلَ عن جرائمه الحديثة وتحميلها لكل أدواته وأذنابه، وهذا الأمر لن نجدَ صعوبةً في إقراره بها.

فللتذكير فقط، إنَّ هناك خياراتٍ قريبةً وسهلة جِـدًّا إن أراد اليمنيون حلولاً جذرية، والتي تبدأُ بالتعبئة والتحشيد ورفد الجبهات بالمال والرجال ولا تَنتهي إلَّا بالثأر والانتقام.

وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلَبٍ ينقلبون.