أحداث الحرب على صنعاء التي لا تنسى
مقالات|| الصمود|| عبدالرحمن الأهنومي
استذكر قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – في كلمته لأبناء أمانة العاصمة صنعاء يوم الأربعاء الماضي، جوانب عدة من محطات الحرب العدوانية العاصفة التي تعرضت لها العاصمة صنعاء خلال سنوات وأشهر الحرب العدوانية التي انقضت ومضت، مذكرا بالمذابح المروعة التي ارتكبها تحالف العدوان على اليمن وأخذت العاصمة صنعاء النصيب الأوفر منها، والقصف بالأسلحة الفتاكة والمحرمة نتذكر منها قنبلة عطان، وقنبلة نقم، ومذبحة الصالة الكبرى، وغيرها، ومذكرا بالحملات العسكرية والنفسية والإعلامية التي حشدها العدوان على صنعاء والمؤامرات والفتن التي أشعلها العدوان ضد العاصمة صنعاء وفشلت في نهاية المطاف.
قال السيد حفظه الله «كلما يستطيع الأعداء فعله لاحتلال صنعاء فعلوه، لكنهم وصلوا إلى قناعة أن صنعاء بعيدة، فصنعاء محصنة بالاعتماد على الله، والتوكل عليه والثقة به، وبالمؤمنين الواثقين بالله ونصره وتأييده»، وقال «صنعاء حاضرة في هذا الزمن أقوى وأعظم مما كانت عليه على مر التاريخ».
وأضاف «الذين راهنوا على الوصول إلى صنعاء خلال أسبوعين أو شهرين وصلوا للعام الثامن، وقد شبعوا يائساً وشبعوا إحباطاً وأصبحوا في قرارة أنفسهم مؤمنين بهزيمتهم، وكل هذا لأن شعبنا وثق بالله».
تمثل صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية السياسية والإدارية والعسكرية، وهي عاصمة اليمنيين الاجتماعية التي يتلاقى فيها الأنساب والأصهار والأهل من كل المحافظات، وصنعاء هي معقل الدفاع عن اليمن في مواجهة الحلف العدواني الدولي والإقليمي الذي تحتشد فيه 17 دولة بحرب عسكرية تعتمد على القوة النارية الغاشمة والحصار المطبق والشامل، وقد كان احتلال صنعاء هدفا رئيسيا وأساسيا لهذه الحرب التي بدأت في مارس 2015م، وكانت مديرية نهم هي البوابة التي اعتقد العدوان التحالفي الوصول منها إلى السيطرة على العاصمة صنعاء.
في العام 2016م وصلت جيوش العدوان من المأجورين والمرتزقة إلى نهم، وقد أراد العدوان أن تكون نهم بوابة لإسقاط العاصمة صنعاء واحتلالها، لا نتذكر كل العناوين التي أشهرها التحالف العدواني في ذروة معركته الهوجاء على العاصمة صنعاء من فرضة نهم، ولا يمكن الوقوف على حجم القوة الهائلة التي حشدها أيضا إلى تخوم العاصمة صنعاء، ولا يذكر على وجه التحديد عدد الغارات التي شنها التحالف العدواني على مداخل العاصمة ومخارجها وطرقاتها وبيوتها ومساكنها وحاراتها، ما أتذكره أن تلك المعركة بدأت وانتهت منذ وقت طويل جدا، ولم يعد بالإمكان قطع تلك المسافة الطويلة لإعادة كل ما قيل وما حصل، لكن السيد حفظه الله أراد أن يذكرنا بتلك الأوضاع وكيف انتهت وما هي النتائج التي تمخضت عنها.
لا ننسى الشعارات الفارغة والفضفاضة «قادمون يا صنعاء» وقد تحولت لأربع سنوات إلى وسوم للجيوش الالكترونية من مأجورين ومرتزقة وسعوديين وإماراتيين وغيرهم، وصارت عناوين تتصدر الفضاءات التلفزيونية والتصريحات والتحليلات والأخبار والصحافة، ثم ذابت واختفت وتلاشت وباتت مسخرة الدهر، المهم ومنذ وصلت الجيوش الجرارة من المأجورين والمرتزقة إلى أطراف نهم ظلت في حيص بيص لا تدري أين الطريق إلى صنعاء، وفي النقطة التي توقفت فيها الدبابة الأولى بعد فرضة نهم، لم يتقدموا خطوة واحدة عنها في الخط الإسفلتي العام، تشتتوا يمينا شمالا صعدوا إلى الجبال والتباب الوعرة، شقوا الطرقات ودكوا الجبال بالمعدات الثقيلة، زحفوا ألف مرة وفي كل مرة كانوا ينكسرون ويقتلون ويفرون كالجرذان، حاولوا الزحف من الميمنة، ومن الميسرة، ومن القلب، وفي كل مرة يعودون إلى نفس النقطة والمربع.
كثيرة هي التواريخ العديدة التي وضعوها لما أسموه تحرير صنعاء، خلال أسبوعين، لا بل خلال شهرين، لا بل ثلاثة أشهر، وطيلة أربع سنوات ظلوا يعيدون تحديد التواريخ شهرا بعد آخر، كانوا يتيهون في وادي نهم، وفي قرود، وفي جبال المنارة، وفي أيام يصعدون جبلا ثم ينزلون إلى آخر وهكذا ظلوا تائهين لم تر أبصارهم الطريق الموصل إلى صنعاء، أبدا.
في أوائل فبراير 2016م، وصلت حشود وجحافل المرتزقة إلى فرضة نهم، تحت زخم كثيف من الغارات والنيران الغاشمة أحكمت “الجيوش المستأجرة” – وهي “عبارة عن حشود هائلة من المقاتلين المحليين المرتزقة الذين يقاتلون مقابل أجور شهرية في صفوف تحالف العدوان السعودي الأمريكي” – سيطرتها على معسكر فرضة نهم الاستراتيجي، وقد قيل وقتها إن حجم القوة التي وصلت نهم يزيد على عشرة ألوية وبقوام 100 ألف مقاتل، تحت تكثيف الغارات والقوة النارية الغاشمة والزخم البشري باشرت الانتشار يمينا ويسارا في مساحة مديرية نهم الشاسعة والمقدرة بـ (1841) كيلو متراً مربعاً، والتي تمتاز بتضاريسها الوعرة، وتتصل بالطوق القبلي لصنعاء من الشمال “أرحب وبني الحارث وهمدان” وبني حشيش وخولان وسنحان” من جهتي الغرب والجنوب، إذ أن السلاسل الجبلية الممتدة من مفرق الجوف صعودا إلى مسورة نهم، وامتدادا إلى جبل المنارة الذي يوازي نقيل بن غيلان والأخير مرتفع بإمكان من يسيطر عليه السيطرة على جبال ومعسكرات في أرحب ومنها معسكرا الصمع والفريجة، وبوصول المرتزقة إلى أرحب تصبح صنعاء مطوَّقة وذلك لما تمثله أرحب من بيئة حاضنة للإصلاح الذي يتصدر المعركة في الجبهة الشرقية. أو هكذا أراد العدوان ومرتزقته من السيطرة على نهم.
طيلة سنوات أربع من فبراير 2016- فبراير 2020م، كانت الجيوش الجرارة من المرتزقة والعملاء والمأجورين تحاول من فرضة نهم شرق صنعاء، الزحف على العاصمة بأكثر من 27 لواء عسكرياً مدججاً بالدبابات والمدرعات والأسلحة الحديثة من مدافع حرارية وصواريخ ،علاوة على غطاء جوي كثيف من الطائرات الحربية وطائرات الأباتشي والأواكس وغيرها من الطائرات الاستطلاعية، فكان القصف الجوي لا يتوقف لحظة واحدة على مداخل العاصمة ومخارجها، على المدينة نفسها، على الأسواق والمدارس، على الطرقات والنقاط والمزارع والبيوت، كانت الجبال والتباب تتعرض للقصف، كانت الطائرات ترصد كل حركة في الطرقات المؤدية إلى صنعاء وبشكل أخص كان التركيز على الطرق الشرقية للعاصمة صنعاء.
بالتوازي كان العدوان التحالفي يشن حربا إعلامية ونفسية وسخر لذلك جيوش هائلة من الإعلاميين والصحفيين والناشطين والقنوات والإذاعات ونشط الخلايا النائمة داخل العاصمة للتحرك بين الناس وتثبيطهم وتخويفهم ونشر الذعر في أوساطهم، ولترويج وصول ما كان يسميه «قوات الجيش الوطني والمقاومة»، وتوعد كل من يقاوم هذا العرمرم من الجيوش المستجلبة من الأصقاع لما أسموه «تحرير العاصمة صنعاء»، كانت عناوين معركة صنعاء تتصدر الفضاءات الالكترونية والتلفزيونية والإذاعية وتتصدر واجهات الصحف وحديث المحللين، كانت التصريحات من هنا وهناك تطلق على مدار الساعة بالوعيد والثبور لأبناء صنعاء.
وفي ذروة الحملات العسكرية الهوجاء على العاصمة صنعاء كانت الأرتال العسكرية من الدبابات والمدرعات والمجنزرات وحمولات الجند والأسلحة والعتاد تتوارد بالقوافل إلى نهم من الوديعة إلى مارب ثم نهم، لقد حشدوا أكثر من 27 لواء عسكريا مدججا بأحدث الأسلحة والعدد والعتاد وذخروها بكل صنوف الذخائر.
أتذكر حينا أن قطر والبحرين أرسلتا ألف جندي قطري وبحريني إلى اليمن وتحديدا إلى مارب للمشاركة في ما أسميت بتحرير العاصمة صنعاء، وقتذاك أثير جدل إعلامي حول أهداف إرسال ما وصفته البحرين تحديدا بالقوة الضاربة، وقطعا للجدل قالت البحرين إنها لا تنوي احتلال اليمن في الوقت الراهن بل أنها فقط تريد المشاركة في تحرير العاصمة صنعاء، تبلغ مساحة البحرين 767 كم مربع، بينما تبلغ مساحة مديرية نهم وحدها 1859كيلو متراً مربعاً، بما يعادل مساحة البحرين ثلاث مرات، غير أن هؤلاء القوم امتلكوا المال وبالغوا في نفخ ذواتهم حتى ظنوها جمالا من لحم أو حجر، وقد جاءت عملية البنيان المرصوص في فبراير عام 2020م لتعيد هؤلاء القوم إلى ذواتهم الحقيقية، وغير البنيان المرصوص من البطولات أيضا أعادتهم إلى الحقيقة قبلوا أم لم يقبلوا، وما ذلك إلا لأن الله معنا وأننا انتصرنا بثقتنا وبإيماننا وباعتمادنا عليه، لا لقوتنا ولا لما نملك من سلاح ولشجاعتنا ولا لغير ذلك، بل لأن الله وحده هو ناصرنا وهو من نتوكل عليه.
لقد انتهت كل محاولات الزحف المسنودة والمعززة آليا وبشريا بالفشل والهزيمة، سقطت مخططاتهم وصمدت صنعاء بقوة الله وعونه، دافع المجاهدون الأبطال عن العاصمة باستبسال وشجاعة منقطعة النظير، صمد الناس واشتد السكان واستنفرت القبائل والرجال واحتزمت بالسلاح، حتى جاءت لحظة النصر الإلهي المبين.
حين انهارت القوة الضاربة للعدو التي كانت ترابط في جبال نهم ووديانها بعتاد عسكري ضخم يفيض عن 27 لواء عسكرياً من الدبابات والمدرعات والجند والمدافع والرشاشات والصواريخ وغيرها في عملية البنيان المرصوص في فبراير 2020م، كانت تشير إلى رعب وذعر أصاب جحافل المرتزقة، لا يمكن تفسيره إلا أنه رعب قذفه الله في قلوبهم حتى انهارت قواهم بتلك الصورة، لقد كان الانهيار السريع والدراماتيكي والاستسلام والهروب من رؤوس الجبال ومن التباب ومن المتارس الحصينة لحظات فارقة تعزز من ثقتنا ويقيننا بالله القادر الجبار، ذلك أن تلك الانكسارات الشاملة للقوة الغاشمة والهروب المريع للآلاف من المأجورين والاستسلام للآلاف أيضا وهم بسلاحهم ودباباتهم لحظات التجلي الأعظم.. فقد تجلت قوة الله وبأسه وقوته في هروب القوم الظالمين واستسلامهم وانهيارهم وبما يستطيع الجميع إدراكه ومشاهدته.
أقول لكم: وبقدر ما في هذه الحرب من مآس ومعاناة وآلام وجراح ودماء وأرواح ودمار، فيها من التأييد والعون الإلهي العظيم ما يفوق ذلك أضعافا مضاعفة، فلقد رأينا المجاهد الواحد بألف من المعتدين والمأجورين، ولقد سمعنا ورأينا وشهدنا من الأحداث التي جسدت معاني الإيمان بالله العزيز، والتوكل عليه والثقة به، والله يقول « وَمَا جَعَلَهُ ?للَّهُ إِلَّا بُشْرَى? لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ? ? وَمَا ?لنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ?للَّهِ ?لْعَزِيزِ ?لْحَكِيمِ».
لقد شعر التحالف العدواني الخبيث في معركة نهم بمرارة العجز والفشل والهزيمة، لأنه كان يملك كل شيء، وبدا غير قادر على فعل شيء نهائيا وانهار كجرف هار وبشكل دراماتيكي، إنها صفعة قاسية من جبار السماوات والأرض لا من قوة مادية موازية، لقد انتهت معركة العاصمة صنعاء بانتصار كبير وعظيم على الجيوش الغازية والمأجورة حققه المجاهدون في معارك البنيان المرصوص وأمكن منهم، وأعادوا الجيوش الجرارة من المعتدين والمأجورين إلى أبواب مارب، إن معركة الدفاع عن العاصمة صنعاء كانت أياما من أيام الله التي انتصر فيها الحق على الباطل وكرست حقيقة أن القوة لله جميعا، جيوش جرارة مجتمعة انهارت وانهزمت أمام مجموعة من المجاهدين الأبطال لا يصل عددهم إلى ربع عدد الأعداء، وعدتهم لا تساوي خمسة في المائة مما كان لدى أولئك، والله تعالى يقول: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَ?كِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ? وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَ?كِنَّ اللَّهَ رَمَى? ? وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ? إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» صدق الله العظيم.