صمود وانتصار

زيارة نانسي لتايوان.. نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في العالم

تقارير|| الصمود||

أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان غضب الصين وجلبت للبيت الأبيض صداعاً جيوسياسياً خطيراً ينذر باحتمال مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين بينما يلوح في الأفق نهاية عصر الهيمنة الأمريكية السابقة في العالم.

وسبق أن حذرت الصين من “عواقب وخيمة” في حالة مضي بيلوسي قدماً في زيارتها.

ويرى محللون سياسيون “أن السياسيين الأمريكيين، خاصة في الكابيتول، غير قادرين على تقييم الحقائق الجيوسياسية الحالية بوعي تام، حيث لا مكان للهيمنة الأمريكية السابقة”.

وأعتبر آخرون أن زيارة بيلوسي إلى تايوان تعكس حرص الولايات المتحدة على الإثبات للجميع أنها لا تخضع لأي محاسبة، وأن ذلك يعكس نفس الخط الذي شاهدناه فيما يتعلق بالوضع الأوكراني، وهي رغبة في الإثبات للجميع أنهم فوق أي محاسبة وأن لا محظورات بالنسبة لهم.

وكمؤشرات على نهاية عصر الهيمنة الأمريكية وعلامات أفولها على هذا الكوكب.. كتب نيكولاي ليزونوف في صحيفة “أوراسيا ديلي”، الروسية، حسبما أورده موقع قناة “روسيا اليوم”:

– لم تستطع أمريكا أن تُبقي يدها فوق كل يد في العمليات العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد في أفغانستان والعراق.

– ردت الولايات المتحدة بشكل ضعيف على روسيا، في أحداث العام 2008 في جورجيا و2014 في أوكرانيا.

– تنازلت واشنطن عن المبادرة، لموسكو وطهران وأنقرة، في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، في سوريا واليمن وكذلك في ليبيا بشمال إفريقيا.

– فشلت الولايات المتحدة في منع الصين من تعزيز قوتها، وتأكيد هيمنتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وتوسيع نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية.

– حاول البيت الأبيض التقرب من خصومه دون جدوى (حاول دونالد ترامب “ترويض” كوريا الديمقراطية وإيران).. علاوة على ذلك، فشلت واشنطن في ثني حلفائها عن التعاون مع خصومها.

وفي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والانسحاب المخطط له من العراق في نهاية العام 2021 علامات على أن العالم أحادي القطب بقيادة أمريكا (إذا كان موجودا) يقترب من نهايته.

وتعتبر الصين، تايوان مقاطعة صينية جزءاً لا يتجزأ منها (مبدأ الصين واحدة)، ولا تستبعد بكين إمكانية استخدام القوة لتحقيق ذلك.

وتتبع واشنطن سياسية “الغموض الاستراتيجي” أي بمعنى أن الولايات المتحدة تتعمد عدم الوضوح فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان وكيفية القيام بذلك في حالة وقوع هجوم واسع النطاق على الجزيرة.

وتشير التقارير إلى أنه حتى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حاولت أن تُثني النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا عن الذهاب.

وأبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن الصحفيين الأسبوع الماضي بأن “الجيش يعتقد أنها (الزيارة) ليست فكرة جيدة”، لكن البيت الأبيض وصف اللهجة الصينية ضد أي رحلة من هذا القبيل بأنها “من الواضح أنها لا تساعد وغير ضرورية”.

أما وزارة الخارجية الأمريكية فقالت: إن بيلوسي لم تعلن عن أي رحلة وإن النهج الأمريكي إزاء تايوان لم يتغير.

فبينما تحتفظ الولايات المتحدة بما تصفه بـ”علاقة واسعة غير رسمية” مع تايوان، فإنها تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين وليس تايوان.

وتأتي زيارة بيلوسي وسط توترات متزايدة بين واشنطن وبكين بينما هناك دعم قوي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتايوان في أوساط الرأي العام الأمريكي وفي الكونغرس.

ورئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي كانت خلال مسيرتها في الكونغرس التي تمتد لأكثر من 35 عاماً، حاقدة قوية للصين، فقد شجبت سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، والتقت بمنشقين مناصرين للديمقراطية، كما زارت ميدان تيانانمن لإحياء ذكرى ضحايا مجزرة عام 1989.

وكانت خطة بيلوسي الأصلية أن تسافر إلى تايوان في أبريل الماضي، لكن تلك الزيارة أُجلت بعد إصابتها بكوفيد-19.

وتنظر الصين إلى تايوان باعتبارها أرضاً تابعة لها، وأثارت مراراً احتمال ضمها بالقوة إن اقتضت الضرورة.

وأعرب مسؤولون صينيون عن غضبهم إزاء ما يرونه انخراطاً دبلوماسياً متنامياً بين تايبيه وواشنطن.. وهذا يتضمن زيارة مفاجئة قام بها ستة من المشرعين الأمريكيين للجزيرة في أبريل الماضي.

وسبق أن حذّرت الخارجية الصينية الاثنين من أن الصين ستتخذ “إجراءات صارمة وحازمة” إذا مضت بيلوسي قُدماً في زيارتها, وأن الولايات المتحدة “ستتحمل المسؤولية عن كافة العواقب الوخيمة”.. فيما ألمح المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية إلى أنه قد يكون هناك حتى رداً عسكرياً.

وقد دعت الرئيسة التايوانية تساي إنغوين منذ مدة طويلة لانخراط على مستوى أعلى مع الولايات المتحدة، ولكن هناك قلق أيضاً حول سبب زيارة بيلوسي الآن وحول ما إذا كانت رحلتها ستلحق الضرر أكثر مما تجلب الفائدة للجزيرة.

وكان الرئيس بايدن قد قال ثلاث مرات العام الماضي إن الولايات المتحدة ستتدخل لدعم تايوان في حالة تعرضها لغزو صيني، لينتهي المطاف بطاقمه إلى التراجع عن تصريحاته بالإصرار على عدم وجود تغيير في السياسة الأمريكية.

ومن المقرر أن يعيد الحزب الشيوعي الصيني انتخاب تشي لفترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة، في مؤتمره الذي سيعقد في وقت لاحق هذا العام.

في السياق ذاته، يشير كثير من المراقبين الى الولايات المتحدة تعمل على تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات والإطاحة بالحكومات الوطنية في البلدان النامية باستخدام القوات المسلحة، وإشعال الحروب والاضطرابات في العديد من تلك البلدان والمناطق.

وحقيقة واضحة في أن الولايات المتحدة أشعلت الكثير من النزاعات التجارية مع العديد من الدول الأخرى وحاولت التلاعب بالرأي العام العالمي في الوقت الذي حاولت فيه تصدير قيمها لدول أخرى وشن غزوات ثقافية فيها.

ومن هنا يرى الكثير من المراقبين أنها أكبر مخرب للقواعد الدولية والنظام الدولي، ومصدر تزايد عدم اليقين وعدم الاستقرار في العالم فلقد قوضت الهيمنة وسياسة القوة اللتان تنتهجهما واشنطن، النظام العالمي، وهددتا السلام البشري، وتسببتا في عواقب وخيمة على العالم، وبالتالي أصبحت تلك الهيمنة والسياسة التحدي الأكبر لتقدم المجتمع البشري والحضارة، وكذلك التنمية السلمية.

وسبق أن ثارت الصور المروعة لأفغان يائسين يحاولون الخروج من كابول بعد انهيار الحكومة المدعومة أمريكياً، منعطفاً رئيساً في تاريخ العالم.

ولقد أدارت أمريكا ظهرها للعالم، لكن في الحقيقة إن نهاية العصر الأمريكي جاءت قبل ذلك بكثير، فالأسباب طويلة المدى للضعف والانحدار الأمريكي محلية ايضا ودولية.

وقد تسببت الحروب الطاحنة في العراق وأفغانستان في توتر العديد من الأمريكيين، ليس فقط في الأماكن الصعبة كالشرق الأوسط، إنما في ما يخص التدخل الدولي بشكلٍ عام.

وبهذه المؤشرات وخسارة الولايات المتحدة في حروبها التي أشعلتها في العالم فقد انتهى عهد الهيمنة الأمريكية التي استمرت أقل من 20 عاماً، منذ سقوط جدار برلين في عام 1989 إلى ما يقرب من الأزمة المالية في 2007-2009، في العديد من مجالات القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وبدأ العالم في العودة إلى حالة أكثر طبيعية من تعدد الأقطاب، مع اكتساب الصين وروسيا مراكز أخرى القوة بالنسبة لأمريكا.

ومن الصعب على أي شخص أن يقول إن المؤسسات الديمقراطية الأمريكية كانت تعمل بشكل جيد في السنوات الأخيرة، فالسمة المميزة للديمقراطية الناضجة هي القدرة على نقل السلطة سلمياً عقب الانتخابات، وهو اختبار فشلت فيه أمريكا بشكل مذهل في السادس من يناير.

وخلال سبعة أشهر على رأس منصبه، كانت أكبر كارثة سياسية لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن، هي فشلها في التخطيط بشكل مناسب للانهيار السريع الذي حدث في أفغانستان.

وهنا يعتقد المحللون والنقاد أنه ليس من المرجح أن تستعيد الولايات المتحدة هيمنتها السابقة، ولا ينبغي لها أن تطمح إلى ذلك.

لكن لا يوجد إجماع بين الخبراء حول الشكل الذي سيكون عليه النظام العالمي في المستقبل، فيرى البعض أن الصين يمكن أن تصبح القوة المهيمنة التالية، والبعض الآخر مقتنع بأن العالم سوف يصبح ثنائي القطب مرة أخرى، بمركزين في بكين وواشنطن.

كما يرى آخرون في هذه الحالة، أن هناك قوة ثالثة قادرة على تحقيق التوازن بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة، وهي روسيا.