صمود وانتصار

السيد عبدالملك الحوثي: هدفنا إنهاء العدوان والحصار وعلى شعبنا اليقظة والإستعداد لأية محاولات غادرة في الهدنة المؤقتة

السيد عبدالملك الحوثي: هدفنا إنهاء العدوان والحصار وعلى شعبنا اليقظة والإستعداد لأية محاولات غادرة في الهدنة المؤقتة

الصمود../

 

أَعُــوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَــنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَاْلَمِيْنَ، وَأَشهَـدُ أنْ لَا إِلْهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُهُ وَرَسُــوْلُه خَاتَـمُ النبيين.

اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.

وَاْرْضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِيْنَ وَالمُجَاهِدِيْنَ.

أيُّها الإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ.

الْسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

وعظَّم اللهُ لنا ولكم الأجرَ في ذكرى مُصَابِ سيِّد الشهداء، سبط رسول الله: الإمَام الحُسَين بن عليٍّ، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

واقعةُ كربلاء، وحادثةُ عاشوراء لم تَكُنْ مُجَـرَّدَ حَدَثٍ تاريخيٍّ يختَصُّ فيما يتعلق به من ظروفٍ، وملابساتٍ، وأسباب، وحيثياتٍ بمرحلته فقط، وبزمنِه ووقتِه فقط، بل كان حَدَثاً كَبيراً ومهماً، ومأساوياً، وأهميته كبيرةٌ تتعلق بالأمة بشكلٍ كبير، وتتعلق بدينها، وتتعلق بماضيها وبحاضرها وبمستقبلها.

ولأهميّة الواقعة فقد سبق أن تحدَّثَ عنها رسولُ الله “صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله” قبلَ وقوعِها بزمنٍ، وكان حديثُه عنها حديثاً مهماً، لم يكن مُجَـرّدَ إخبارٍ عن حَدَثٍ من الأحداثِ بشكلٍ عادي، بل تحدث عنها كحادثةٍ مؤلمةٍ وكبيرةٍ وخطيرةٍ، ذات علاقةٍ بالرسول والرسالة والإسلام، ورمزٍ عظيمٍ من رموز الإسلام، ولها دلالاتها الكبيرة، وأسبابها الكبيرة، وتأثيراتها الممتدة في واقع الأُمَّــة.

فرسولُ الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله”، وما بعدَ ولادة الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، أُخْبِرَ عن طريق الوحي من الله “سبحانَه وتعالى”، بمقتل الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، واستشهاده، وحتى عن الأرض التي سيستشهد فيها، وكانت الطريقة التي نُقِل له الخبر بها، طريقةً تدلنا على عِظَم هذه الواقعة، وكبر هذه الحادثة، وتأثيراتها الكبيرة جِـدًّا، وحتى تَدُلَّنا وتكشف لنا مدى وقعها وتأثيرها حتى على رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

فرسولُ الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله” أُتِيَ بتُربةٍ، أتى بها جبرائيلُ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” -كما في الروايات- من كربلاء، وسمَّاها رسول الله: (أرض كربٍ وبلاء)، قال أنَّ جبرائيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أخبره أنها أرض كربٍ وبلاء، وأتى بتربةٍ منها، من تلك الأرض التي سيقتل فيها الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وتلك التربة التي أُتِيَ بها إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وضعت عند أم سلمة أم المؤمنين “رضوان الله عليها”، وقال الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” عن تلك التربة أنها متى غلت وسالت دماً عبيطاً فذلك اليوم الذي قتل فيه الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وبقيت تلك التربة عند أم سلمة “رضوان الله عليها”، وفعلاً في يوم استشهاد الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” غلت وسالت دماً عبيطاً، وعرفت أم سلمة “رضوان الله عليها” أنَّ ذلك اليوم هو اليوم الذي استشهد فيه الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.

رسولُ الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بكى الإمَامَ الحُسَينَ في محطاتٍ متعددة، نزل عليه الوحيُ بشأن استشهاده، ومظلوميته، ومأساته، وما يواجهه في واقع الأُمَّــة من معاناةٍ كبيرة، في إطار الموقف العظيم الذي سينهض به، الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” بكل ما يمثِّلُه من امتداد للإسلام الأصيل، من امتدادٍ لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، في العمل على هداية الأُمَّــة، وإصلاح واقعها، والقيام بالعمل على إنقاذها من أعدائها، من المنافقين، المنقلبين، المنحرفين على منهج الحق، وعلى الرسالة الإلهية.

رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” حتى في أثناء مرضه الذي توفي فيه، ودَّع الإمَامَ الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” وداعاً خاصاً، ففي الرواية عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه، قال: ((اشتد مرضُ رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ”، فحضرته وقد ضم الحسينَ إلى صدره، يسيلُ من عرقه عليه، وهو يجودُ بنفسه))، رسولُ الله في مرضه، في اللحظات الأخيرة من مرضه، وهو يقول: ((ما لي وليزيد، لا بارك الله في يزيد، اللهم العن يزيد، ثم غُشِي عليه طويلاً وأفاق، وجعل يقبِّل الحسين وعيناه تذرفان))، يعني: بالدموع، ((ويقول: أمَّا إنَّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله))، فهذا الوداع الخاص بالإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” الذي ودَّعه به رسول الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله”، يبين لنا علاقة الحادثة والواقعة بالرسول نفسه حتى “صلوات الله عليه وعلى آله”، وفعلاً كان من الأهداف الرئيسية ليزيد لعنه الله: أن ينتقمَ من رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لا زالت عنده عقدة الانتقام من خلال الموروث الجاهلي، هو لا يزالُ يحملُ الموروثَ الجاهلي، والموقفَ الجاهلي، الذي تصدَّرَ فيه بنو أمية الحرب ضد رسول الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله” على مدى سنواتٍ طويلةٍ إلى حين فتحِ مكةَ، واستسلامِهم في فتح مكة.

فيزيد بعد استشهاد الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وحين وصل جنودُه برأس الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” إليه، قال شعره المشهور الذي كانت بعضُ أبياته لأحد شعراء المشركين، والبعض من أبياته من يزيد نفسه، فتمثَّل ببعض الأبيات، وَأَضَـافَ إليها أبياتاً أُخرى، ذلك الشعرُ الذي يقولُ فيه:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جَزَعَ الخزرج من وَقْعِ الأَسَل
لأهلُّوا واستهلوا فرحاً ثم قالوا: يا يزيد لا شلل
فجزيناهم ببدرٍ مثلِها وأقمنا مَيْلَ بدرٍ فاعتدل
لستُ من عتبة إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فَعَل

يزيد يَعتبِرُ معركتَه في الأَسَاس معركة انتقام من رسول الله نفسه “صلوات الله عليه وعلى آله”، فلذلك كان للحادثة والواقعة علاقة بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، هي حربٌ تستهدفه، تستهدف الانتقام منه، وَأَيْـضاً بما يمثِّله الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في امتداده بحمل الدين الإسلامي، وموقعه في هداية الأُمَّــة، واستمراره في الحركة بالدين الإلهي، ما يمثِّله أَيْـضاً من صلةٍ بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وبمشروعه الإسلامي العظيم، الذي هو الإسلام بنقائه وصفائه.

لهذه الحادثة هذه الأهميّة، هذه الأهميّة الكبيرة، ولهذا يعتبر يزيد نفسه منتقماً من رسول الله في معركة بدر، ويعتبر واقعة كربلاء انتقاماً من رسول الله تجاه واقعة بدرٍ، وغزوة بدرٍ الكبرى، ويقول عن نفسه:

لست من عتبة إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فَعَل

يقصد النبي “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”، فلهذه الواقعة هذا البُعد، الذي يعود بنا إلى أصل الصراع ما بين الإسلام وبين الكفر، ما بين رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وما بين المشركين الكافرين، الذين حاربوا الإسلام، وعملوا على إطفاء نور الله، ففشلوا وأخفقوا.

ثم لهذه الواقعة علاقتها بالأمة، من حَيثُ ما يمثِّله الحسين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” للأُمَّـة؛ لأَنَّ العلاقة بالحسين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” هي علاقةٌ به في موقعه في هداية الأُمَّــة، هو رمزٌ عظيمٌ من رموز الإسلام، من رموز الهداية، من نجوم الهداية، هو من قال عنه رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: ((حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط))، فمحبته من الإيمَـان، وتوليه من الدين، جزءٌ من ديننا، من التزامنا الإيمَـاني والديني، وهو في موقع الأسوة، وموقع القُدوة، وموقع الهداية، وموقع الامتداد الأصيل للإسلام ومنهجه الحق؛ فلذلك للمسألة علاقة بالأمة في الأجيال كلها، وعلى امتداد تاريخ الأُمَّــة في كُـلّ زمن، إضافة إلى ما قاله الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” عن الحسن والحسين: ((الحسن والحسين سيدَا شباب أهل الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما))، ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))، ليس هذا فقط يعبر عن فضلهما العظيم ومنزلتهما في الجنة فحسب، بل يبين لنا أَيْـضاً منزلتهما وموقعهما في دورهما في الأُمَّــة، في إطار الامتداد الأصيل لمنهج الله الحق، للإسلام العظيم، للسير بالأمة في طريق الجنة، في الهداية إلى الجنة، وإلى طريق الجنة، والهداية إلى الله “سبحانه وتعالى”، والهداية إلى الحق المبين.

الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أَيْـضاً في قضيته التي تحَرّك بها، وتصدَّى من خلال تحَرّكه للانقلاب الأموي، الذي كان كارثةً كبيرةً وخطيرةً على الأُمَّــة الإسلامية، وأتى نتاجَ انحراف سابق، انحراف أوصل بني أمية إلى ما وصلوا إليه من التمكّن والانقلاب على الإسلام، وعلى منهجه الحق، والسيطرة على الأُمَّــة، والتحَرّك بمشروعهم النفاقي، بعد أن مرَّت مرحلةٌ طويلةٌ وهم يصارعون الإسلام، ويحاربون الرسالة الإلهية، من موقعهم في الشرك والكفر، انتقلوا إلى مربع النفاق، إلى موقع النفاق؛ لمحاربة الإسلام من الداخل، مع أن يزيد كان يصرح في بعضٍ من المقامات حتى بكفره، كفره بالرسالة، مثل شعره عن الانتقام من رسول الله، هذا يعتبر من الكفر، أن يعتبر رسول الله عدواً له، ويعتبر نفسه في خصومه وحرب وعداء مع رسول الله، ويتحَرّك للانتقام من رسول الله، أليس ذلك من الكفر؟ يعتبر ذلك من الكفر، مثل شعره أَيْـضاً عندما قال:

لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌّ نزل

تصريحٌ واضحٌ بالكفر، والجحد بنبوة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وإن كان يتستر أحياناً بالتظاهر بالإسلام، لكنه كان يظهر في مواقف معينة، في مقامات معينة، في مناسباتٍ معينة، حقيقة كفره وإلحاده.

فالإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” تحَرّك فيما يعني الأُمَّــة، الأُمَّــة مهدّدة، وبلغ التهديد ذروته في عصر يزيد، من خلال سعيه لإحياء الموروث الجاهلي، وطمس معالم الإسلام، ومن خلال ما كان يمثله من تهديد وخطورة بالغة على المسلمين في كُـلّ شأنهم؛ لأَنَّه كان فاسداً، مجرماً، ظالماً، غشوماً، فاسداً، وكان مستهتراً، مستهتراً بالإسلام، مستهتراً بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” مستهتراً بالمقدسات، لا حُرمة عنده لأي شيءٍ يمت إلى الإسلام بأية صلة؛ ولذلك فعل الأفاعيل، قتل عترة رسول الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله”، انتهك حرمة المدينة المنورة، واستباحها، واستباح أهلها، استباح الدماء، فقتل الآلاف في مدينة رسول الله، واستباح الأعراض، فاغتصب جيشه النساء في مدينة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، واستباح الأموال والممتلكات، فنهب كُـلّ شيءٍ في المدينة، حتى نُهِبت المنازل والدور، ونهبت المطابخ، ونهبت كُـلّ مقتنيات أهل المدينة، واستباح مكة المكرمة، واستباح الكعبة، واستباح مسجد رسول الله، وقتل الناس على قبر رسول الله، حتى أغرقه بالدماء، واستباح الكعبة وأحرقها بالمنجنيق، واستهدف مكة، لم يكن عنده أي حرمةٍ لأي شيءٍ من مقدسات الإسلام، ولا من حرمات المسلمين، يستبيح كُـلّ شيء، ولذلك كان يشكل خطورة رهيبة جِـدًّا على الأُمَّــة، في دينها ودنياها، وكان يسعى لاستعبادها بكل ما تعنيه الكلمة، بل إن قائد جيشه الذي غزى المدينة المنورة، مدينة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، واستباحها وفعل الأفاعيل فيها، عندما جمع من بقي من الناس، ممن سلم من القتل، أجبرهم على البيعة ليزيد، وكانت الصيغة التي ألزمهم بالبيعة من خلالها: أن يبايعوا، أن يبايع كُـلّ منهم على أنه عبدٌ قِنٌّ خالصٌ ليزيد بن معاوية، له أن يفعل به وبماله وأهله ما يشاء، يعني: استعباد بشكل صريح، بشكل صريح، بشكل معلن، بشكل رسمي، وهذه كارثة، هذا تهديد فظيع للأُمَّـة، استعباد للأُمَّـة، وإذلال، وإهانة، وظلم، وانتهاك للحرمات، وطمس لمعالم الإسلام، فشكَّل تهديداً كَبيراً جِـدًّا، وسعى بشكلٍ حثيث لإحياء الموروث الجاهلي، وشكل خطراً كَبيراً على الأُمَّــة، لو لم يتحَرّك الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” للتصدي له، لكان له تأثيره الرهيب جِـدًّا، الذي يستحكم على كُـلّ واقع الأُمَّــة بشكلٍ تام، ثم تبقى تأثيراته، ويبقى امتداده في الانحراف الكلي في الأُمَّــة بشكلٍ عام بشكلٍ يستمر على مدى الزمن، ويؤثر على الأجيال اللاحقة، كانت المسألة خطيرة جِـدًّا، خطيرة.

فالمسألة لها علاقةٌ بالأمة في كُـلّ مراحل تاريخ الأُمَّــة، من حَيثُ مضمون القضية، وسبب المشكلة، وما يشكله يزيد من تهديد للأُمَّـة، ما يمثله من شرٍّ، وضلال، وكارثة رهيبة جِـدًّا، وما كان لموقف الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” وتضحيته وجهاده من أثرٍ مُـهِـمٍّ وكبيرٍ جِـدًّا في الحد من تداعيات وتأثيرات وصول يزيد إلى موقع السلطة بانقلابه، وانقلاب أبيه من قبله، وما وصَّلهم إليه كذلك وما وصلوا إليه من تمكين نتيجة الانحراف السابق، كُـلُّ ذلك يحسبُ للإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ويقدِّم لنا الصورةَ الحقيقيةَ عن تلك الأحداث، وعن علاقتها بنا كأمةٍ مسلمة في كُـلّ مراحل التاريخ.

ثم أَيْـضاً لهذه الواقعة والأحداث أهميتها الكبيرة من حَيثُ ما تحمله من الدروس والعبر، دروس وعبر مُـهِـمّة جداً:

منها ما يتصل بتقييم الواقع، وأسباب الانحراف، والتأثير السلبي للانحراف في واقع الأُمَّــة؛ لأَنَّ البعض من الناس يتساهل مسألة الانحرافات التي تبدأ متدرجة، انحرافات عملية عن منهج الله الحق، عن أشياء مُـهِـمَّة، عن تعليمات مُـهِـمَّة في دين الله “سبحانه وتعالى”، فيتصور المسألة مسألة عادية، لكنها عادةً ما يكون لها تأثيراتها وتبعاتها، وتتعاظم، الانحراف يتعاظم ويكبر، فيصل إلى مستويات خطيرة لم تكن متوقعة، ثم يكون لها تأثيراتها الكبيرة على واقع الأُمَّــة، وهذا درسٌ مُـهِـمٌّ جِـدًّا؛ لأَنَّ وصول يزيد من خلال الانقلاب الخطير الأموي على الإسلام والمسلمين، كان نتاجاً لانحرافاتٍ سابقة تدرجت وتعاظمت، ومنها عندما مُكِّنوا هم بما هم معروفون به سابقًا من عدائهم للرسول وللرسالة، عندما مُكِّنوا من أن يكون لهم قوة، ونفوذ، وحضور، وإمْكَانات، حتى أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه.

أيضاً دروسٌ مُـهِـمَّة، وعِبَرٌ كثيرة تتعلق بعوامل السقوط الأخلاقي والإنساني؛ لأَنَّ في حادثة كربلاء حالات كثيرة قدَّمت هذه النسخة ممن ينحرفون، وممن يسقطون إنسانياً وأخلاقياً، وينحرفون عن الموقف الحق، سواءً ممن ينظم إلى صف الباطل، ويحارب الحق، بعد أن عرف الحق، بعد أن كان منتمياً إلى نهج الحق، وإلى موقف الحق، وإلى صف الحق وأهله، ثم يصل في يومٍ من الأيّام إلى درجة الانحراف، فيقف في وجه الحق معادياً محارباً، وهذه لها أحداث ونماذج مذكورة على المستوى التفصيلي في التاريخ.

أو على مستوى التخاذل، من يتخاذل، من يتنصل عن الموقف الحق، الذي يجب أن يقفه كجزءٍ من التزامه الإيمَـاني والأخلاقي والديني، وكنتيجة وثمرة لما يحمله الإنسان المسلم من قيم، وأخلاق، وروحية إن بقيت، إن بقيت تمثل دافعاً نفسياً لأن يقف الموقف الصادق، الموقف الحق في وجه الباطل، في وجه الظلم، في وجه الطغيان، في وجه الشر، فعوامل السقوط الأخلاقي والإنساني، وأسباب الانحراف، تمثل أَيْـضاً دروساً مُـهِـمَّة للناس في كُـلّ زمن، وحتى لمن ينتمون إلى منهج الحق.

كذلك ما يتعلق بعوامل الثبات والتوفيق، عندما نقرأ التفاصيل في الأحداث التي وقعت ما قبل عاشوراء، وفي عاشوراء، وما بعدها، فنعرف عن عوامل التوفيق الإلهي، عن أسباب التوفيق، أسباب الثبات، التي تساعد الإنسان على أن يحظى بتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، وأن يثبت في موقف الحق فلا ينحرف عنه، مهما كان حجم الأحداث، مهما كان مستوى الأحداث ومستوى التضحيات، كيف يكون حاضراً، ومستعداً لأن يضحي بنفسه، بحياته، بروحه، وأن يثبت على الحق، وألَّا يستزل عن طريق الحق لأي سبب.

كذلك عن خطورة التخاذل والتفريط، كان من أكبر الدروس والعبر فيما يتعلق بأحداث كربلاء، وواقعة كربلاء، العواقب الرهيبة للتخاذل والتفريط، الذي كان سابقًا في مجتمع الكوفة، سواءً في تخاذلهم أَيَّـام الإمام عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ثم تخاذلهم مع الإمام الحسن “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ثم تخاذلهم مع الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وما نتج عن ذلك التخاذل والتفريط من عواقب سيئة وخطيرة على المستوى الديني، وعلى مستوى واقعهم في الحياة.

فكلها دروسٌ كبيرة، ودروسٌ مُـهِـمَّة، وعِبَرٌ كثيرة يحتاج إليها الناس؛ للاستفادة منها في كُـلّ زمن وفي كُـلّ مرحلة، إضافة إلى التزود بالعزم، والاستشعار للمسؤولية، وإدراك سلبية التقصير، وتفنيد كُـلّ الذرائع التي يتذرع بها البعض، ليجعلوا منها سبباً، أَو وسيلةً، لتنصلهم عن المسؤولية، وتقصيرهم، وتفريطهم، وإهمالهم.

ثم عندما نأتي إلى واقعنا في هذا العصر، فنحن في هذا الزمن، والذين قد نقرأ واقعة كربلاء، ونقرأ تفاصيلها، ثم نتألم، ثم نستغرب من بعض المواقف، وننقد البعض منها، ونتخذ الموقف من البعض منها، يجب أن نعي أننا في هذا الزمن في نفس الاستهداف، أننا أُمَّـة مستهدفة، كما كانت الأُمَّــة الإسلامية في عصر الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” مستهدفةً، بذلك المستوى الكبير من الاستهداف، الذي يشكل خطورة عليها في دينها، ودنياها، وعزتها، وكرامتها، وحريتها، واستقلالها، وقيمها، ومبادئها… إلخ. فالأمة في هذا العصر هي مستهدفةٌ بنفس نوع الاستهداف ومستوى الاستهداف، بل وفي هذا الزمن هناك من الوسائل والإمْكَانات لقوى الطاغوت، والكفر، والنفاق، والشر، أكثر بكثير من الإمْكَانات التي كان يمتلكها يزيد في عصره.

ولذلك عندما نأتي لتأمل واقعنا، نحن أُمَّـة مستهدفة بالاستعباد، يسعى أعداؤنا الذين يمثلون في هذا العصر الامتداد لنهج يزيد وتوجّـه يزيد، من الكافرين والمنافقين، وقوى الكفر والنفاق يقودهم في عصرنا هذا أمريكا وإسرائيل، أمريكا وإسرائيل تمثل الامتداد لموقف يزيد، وتوجّـه يزيد، ونهج يزيد، ومن يتجه معهم، يقف في صفهم، يواليهم، يؤيدهم، يعمل لصالحهم من داخل الأُمَّــة، من المنتسبين للإسلام، هو يقف كما وقف ابن زياد، كما وقف شمر بن ذي الجوشن، كما وقف أُولئك الذين وقفوا في صف يزيد وناصروه، وأيدوه، وباشروا هم ارتكاب الجريمة والمأساة بحق سيد الشهداء، سبط رسول الله الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وأسرته، وأنصاره.

فنحن في هذا العصر نواجه نفس التحدي، أُولئك الأعداء يسعون إلى استعبادنا كأمةٍ مسلمة، إلى مسخ هُــوِيَّتنا الثقافية والدينية، إلى مسخ قيمنا وأخلاقنا، إلى الانحراف بنا عن المبادئ الإسلامية الأصيلة، يسعون إلى إذلالنا، إلى قهرنا، إلى استعبادنا، إلى السيطرة علينا، إلى استغلالنا، إلى التحكم بنا، ولديهم نفس العقدة من المبادئ الأصيلة والصحيحة للإسلام العظيم، الأمريكي والإسرائيلي يرى في المبادئ العظيمة التي تكفل للأُمَّـة أن تكون أُمَّـة حرةً، متخلصةً من التبعية لأعدائها، مستقلةً بما تعنيه الكلمة من استقلال حقيقيٍّ وتام، تتجه على أَسَاس مبادئها وقيمها، ومنهجها الإلهي العظيم، فالأعداء هم يسعون إلى فصلها عن كُـلّ ذلك، وهم يسعون إلى أن ينحرفوا بهذه الأُمَّــة حتى في ولاءاتها، وفي طاعتها، لتكون مطيعةً لأعدائها، مواليةً لأعدائها، خاضعةً لأعدائها، فمصدر الخطر اليزيدي المعاصر هو أمريكا وإسرائيل وعملاؤهم؛ وبالتالي يتحتم علينا أن نقف الموقف الذي وقفه الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ لأَنَّه وقف موقفاً يمثل فيه الأسوة والقُدوة، هو سبط رسول الله، هو امتداد لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في قيادة الأُمَّــة، وهداية الأُمَّــة، وإرشاد الأُمَّــة، والحركة بالأمة على أَسَاس منهجها الحق.

الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” عندما اتجه لمواجهة الانقلاب الأموي على الإسلام، وعلى الرسالة الإلهية، بعد أن وصل بنو أمية إلى الذروة في استهدافهم للأُمَّـة، بما يدخل ضمن ذلك التوصيف الذي تحدَّث عنه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أنهم عندما يتمكّنون سيتجهون على أَسَاسه في طبيعة استهدافهم لهذه الأُمَّــة: ((اتخذوا دين الله دَغَلا، وعباده خَوَلا، وماله دُوَلا))، نفس هذا التوجّـه تُستهدف به الأُمَّــة في هذا العصر، أعداؤنا وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، وعملاؤهم، والموالون لهم، هم يتجهون هذا التوجّـه: يحاولون أن يفسدوا المفاهيم الدينية لإضلال هذه الأُمَّــة؛ حتى لا تمثل عائقاً أمام سيطرتهم، أمام تغلبهم على هذه الأُمَّــة، لا تمثل عائقاً أمامهم في الهيمنة على هذه الأُمَّــة، والتلعب بهذه الأُمَّــة، فهم يعملون من خلال علماء السوء، ومنابر الضلال، ودعاة الضلال، إلى تحريف المفاهيم الدينية، وإلى شرعنة كُـلّ أشكال الانحراف بشكلٍ ديني، باسم الدين، والخطاب الديني، وهذه عملية إفساد، إفساد للدين نفسه في فهم الناس له، في تصور الناس له، يصبح لديهم تصوراً فاسداً، تصوراً غير سليم، يبرّر ويشرعن حالات الانحراف بما فيها الموالاة، في مقدِّمتها: الموالاة والتبعية لأمريكا وإسرائيل، وهذا ما نشاهده في هذا العصر، كيف يسعى علماء السوء، الذين يقفون في صف المنافقين من أبناء هذه الأُمَّــة، في سعيهم لما يسمونه بالتطبيع مع إسرائيلَ، والتبعية المعلنة والواضحة والصريحة لأمريكا، فيتجهون إلى التبرير تحت العناوين الدينية، بالخطاب الديني، بمسمياتٍ دينية، حتى عنوان الإبراهيمية وما يتصل بذلك هو في هذا السياق، وعنوان التقارب والاندماج تحت العناوين الدينية هو في هذا السياق من التحريف، ومحاولة تحريف بعض المعاني للآيات القرآنية هو في هذا السياق، فهم يتخذون دين الله دَغَلا، وسعيهم من وراء ذلك هو إلى أن يتمكّنوا من استعباد الأُمَّــة، واستغلالها، عندما يتمكّنون من الانحراف بالأمة عن منهج الله الحق، عن الاستقلال الحقيقي، عن الحرية الحقيقية، التي تخلِّصهم، تخلِّص الأُمَّــة من التبعية لأعدائها؛ وبالتالي من سيطرة أعدائها، عندما يتمكّنون من فصل الأُمَّــة عن ذلك، والتضليل عليها في ذلك، فهو ليسعوا من خلالِ ذلك إلى استعبادِ الأُمَّــة، والسيطرة عليها، واستغلالها؛ حتى تتجه الأُمَّــة كأدَاة بيد أعدائها، تتحَرّك وفق مخطّطاتهم، وفق مؤامراتهم، وفق سياساتهم، التي تحقّق مصالحهم هم كأعداء، وتضرب الأُمَّــة في كُـلّ شيء، وتضرُّ بالأمة في كُـلّ شيء من شؤون حياتها، في دينها ودنياها.

((وماله دُوَلا)): الاستئثار بثروات الأُمَّــة، ومصالح الأُمَّــة، وأموال الأُمَّــة، والاستغلال لها كذلك في شراء الذمم، في شراء الولاءات، في تجنيد من يتجند معهم لخدمتهم، وضرب أبناء الأُمَّــة الأحرار الذين لا يخضعون للأعداء.

الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” وصَّف ما كان عليه يزيد، ويسعى من خلاله إلى أن يكون مسيطراً على الأُمَّــة بذلك، وأن يخضع الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” له، وهو على ذلك المستوى، كما وصفه “عَلَيْهِ السَّلَامُ” فقال: ((ويزيد فاسقٌ، فاجرٌ، شارب الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلنٌ بالفسق والفجور، ومثلي لا يُبَايع مثله)).

عندما تخضع الأُمَّــة لأعدائها الفاسقين، الفاجرين، الذين هم إلى هذا المستوى من الانحراف: في شرب الخمر، في استباحة المحرَّمات، في قتل النفس المحرَّمة، في الإعلان بالفسق، والإعلان بالفجور، معناه: ليس عندهم للإسلام أي قيمة، أي احترام، لا لحرماته، ولا لمقدساته، ولا لمبادئه، ولا لقيمه، ولا لأخلاقه، سيطرتهم على الأُمَّــة، يعني: أن يسوسوا الأُمَّــة، وأن يسيروا فيها بسيرتهم الظالمة المنحرفة، التي هي كلها فسق، وفجور، واستهتار، واستباحة للدماء، وانتهاك للمحرَّمات، معناه: أن يفسدوا الأُمَّــة، أن يعبثوا بالأمة، أن يظلموا الأُمَّــة، أن يذلوا الأُمَّــة، أن يقهروا الأُمَّــة، أن ينحرفوا بالأمة عن قيمها، وأخلاقها، ومناهجها، يتحول فسقهم المعلن، فجورهم الصريح والواضح، انحرافهم الظاهر، يتحول هو إلى سياسة، إلى منهجية، إلى مسيرة عمل، إلى طريقة في إدارة واقع الأُمَّــة، وإدارة شؤون الأُمَّــة، وهذا ما يفعله المنافقون في عصرنا في إطار تبعيتهم لأمريكا وإسرائيل؛ لأَنَّها تبعية مشروع عمل، تبعية سياسات، تبعية مواقف، التبعية في توجّـهات منحرفة، هي توجّـهات في إطار التبعية للكافرين، الذين ليس عندهم أي قدرٍ أَو قيمةٍ أَو احترام للدين، ومنهجه الحق، ومقدساته، وما فيه من حلال وحرام… وغير ذلك.

((ومثلي لا يُبَايِعُ مثله))، يقول الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((ومثلي))، يعني: الإمَام الحُسَين في كُـلّ ما هو عليه من قيم إيمَـانية، من إيمَـان عظيم، من التزام إيمَـانيٍّ عظيم، من دورٍ مُـهِـمٍّ لهداية الأُمَّــة، وموقعٍ مُـهِـمٍّ في الأسوة والقُدوة، ((لا يُبَايع مثله))، وهذا موقف يرسم به الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” لنا كأجيال كذلك من خلال الاقتدَاء والتأسي بالإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ألَّا نقبلَ بالخنوع والخضوع للمنافقين، للفاسدين، للمجرمين الطغاة، الذين يسيرون في الأُمَّــة بتلك السيرة المنحرفة، التي وصَّفها بتلك التوصيفات.

الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” عندما قال: ((أَلَا ترون إلى الحق لا يُعمَل به))، في بعض الروايات: ((أنَّ الحق لا يُعمَل به))، ((وإلى الباطل لا يتناهى عنه))، هذه منهجية يسير عليها أعداء الأُمَّــة في الأُمَّــة: إزاحة الحق من واقع الحياة، الحق كعقيدة، الحق كمنهج، الحق كموقف، الحق كسيرة وسلوك، إزاحته من واقع الحياة، والإتيان بالباطل بدلاً عنه؛ ليحل بدلاً عنه، فتأتي عقائد تقدَّم للأُمَّـة تلبَّس ثوب الحق وهي باطل، مفاهيم، تصورات عن الدين نفسه، وعن شؤون الحياة، هي من الباطل، وإن قدِّمت باسم الحق، وتأتي أَيْـضاً مواقف تُدفَع الأُمَّــة إليها دفعاً بالإغراء، والتضليل، والترهيب، والدعاية، والإعلام، وهي مواقف من الباطل، وتدفع الأُمَّــة إليها دفعاً.

وهذا نفسه هو التوجّـه القائم لدى أعدائنا في هذا الزمن، لدى الأمريكي والإسرائيلي، هو يريد أن ينحرف بأمتنا عن الحق في كُـلّ شيء، الحق على المستوى العقائدي والفكري والثقافي، وعلى مستوى المواقف والولاءات، وعلى مستوى السلوك والالتزامات… في كُـلّ شيء، يسعى نفس السعي، وأن تسقط قيمة الحق من نفوس الناس؛ حتى لا يعود شيئاً مهماً لدى الناس، حتى لو عرفوا به، فهم يُعرِضون عنه، يتخلون عنه، يتركونه، لا يتمسَّكون به في واقع الحياة، لا كموقف: يكون همهم أن يقفوا موقف الحق، ولا كولاء، ولا كالتزام عملي… ولا أي شيء.

ثم تكون هناك من خلال تربية الباطل، والتربية السيئة للأُمَّـة، قابلية للباطل، الباطل في كُـلّ شيء، الباطل كمفهوم، كثقافة، كعقيدة، كرؤية، والباطل كموقف، كولاء، كسلوك، الباطل يكون مستساغاً في واقع الأُمَّــة، مقبولاً في واقع الأُمَّــة، فلا يُتَنَاهى عنه، حتى لو عُرِف عنه أنه باطل، وهذه حالة خطيرة، وأعداؤنا يسعون لفعل ذلك، ويعملون لذلك بكل جد، وبشكلٍ مُستمرّ؛ لأَنَّهم أهل باطل، ويريدون من الأُمَّــة أن تقبلهم، وأن تقبل بباطلهم بكله، وأن تتهيأ لذلك، أن تتربى لتقبل ذلك، أن تمسخ منها كُـلّ أخلاقها، وقيمها، ومبادئها الفطرية؛ حتى تتقبل ذلك.

عندما قال الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((أيُّها الناس: إنَّ رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ” قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقاً على الله أن يدخله مُدْخَله))، هو نفس توجّـه أعدائنا في هذا الزمن، ونفس مواصفاتهم، الأمريكي والإسرائيلي وعملاؤهم ممن ينتسب للإسلام من المنافقين، ممن يقف في صفهم من أبناء الأُمَّــة، هو نفس هذا التوجّـه، هم يسلكون في الأُمَّــة سلوك الجور والظلم، وجرائمهم معروفة، ظلمهم وجورهم بكل أشكاله معروفٌ وواضح، وهم يستحلون حرم الله، ليس عندهم قيمة لا للحرمات، ولا اعتبار، ولا لعهد الله، ولا لسنة رسول الله، وهم يعملون في عباد الله بالإثم والعدوان؛ وبالتالي تتحدّد هذه المسؤولية في التغيير، في الوقوف الموقف الحق، في التصدي لهم؛ لأَنَّ إثمهم، وعدوانهم، وظلمهم، وانتهاكهم للحرمات، هو يتجه بكله إلى الأُمَّــة، فيتحول إلى ظلم للأُمَّـة، إذلال للأُمَّـة، إفساد للأُمَّـة، إضلال للأُمَّـة، إهانة للأُمَّـة، سيطرة على الأُمَّــة، استعباد للأُمَّـة، كله يمثل شراً كَبيراً على الأُمَّــة، لا بُـدَّ أن نقف الموقف المسؤول في التصدي له.

عندما قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((أَلَا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعةَ الشيطان، وتركوا طاعةَ الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرَّموا حلال الله، وأنا أحقُّ من غَيَّر))، كُـلّ هذه التوصيفات يبين لنا الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” حتمية الموقف منها، حتمية الموقف ممن يتَّصف بها، الذي هو موقف التغيير، موقف التصدي، الموقف الذي يقف ضد هذه الظاهرة، ضد هذا السلوك الذي يستهدف الأُمَّــة.

((لزموا طاعة الشيطان))، يتحَرّكون تحَرّك الشيطان نفسه، في إضلال الأُمَّــة، في إفسادها، في إذلالها، في الاستعباد لها، في الاستغلال لها، في الظلم لها، وهذا ما يفعله أعداؤنا في هذا الزمن، أعداء الأُمَّــة في هذا الزمن، هو نفس هذا التوجّـه.

التوجّـه الأمريكي والإسرائيلي هو توجّـه شيطانيٌّ بكل ما تعنيه الكلمة، يستهدف المجتمع البشري، وفي مقدِّمته: المجتمع الإسلامي، استهدافاً شيطانياً، بالإفساد، أظهروا الفساد، عطَّلوا الحدود، يسعون لمسخ الأُمَّــة أخلاقياً، ثقافيًّا، فكرياً، يظلمون الأُمَّــة، ينشرون الفتن، يتآمرون على الأُمَّــة بكل أشكال المؤامرات، كُـلّ هذه التوصيفات هي قائمة في واقعهم، وهي تمثِّل استهدافاً للأُمَّـة في دينها؛ وبالتالي في حياتها، في كرامتها، في عزتها، في استقلالها، في استقرارها، في صلاح حياتها.

وعندما قال: ((وأنا أحقُّ من غَيَّر))، يبين مسؤوليته وموقعه في مسؤولية التغيير، وفي موقع الأسوة، في موقع القُدوة.

عندما قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في مرحلةٍ صعبة، في مواجهة تهديداتهم وخياراتهم، التي هي خيارٌ بين الإذلال، والإهانة، والاستسلام، والخنوع، أَو الوقوف موقف الحق، موقف التضحية، موقف الاستبسال، موقف التفاني والجهاد في سبيل الله، قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرُّ إقرار العبيد))، والخيار نفسه هو هذا الخيار في هذا الزمن، ليس هناك إلَّا:

إمَّا أن تقبل الأُمَّــة، وتعطي بيدها لأعدائها إعطاء الذليل، وتقرُّ إقرار العبيد، وتتقبل سيطرة الأعداء، بكل ما فيها من إفساد، من إضلال، من إهانة، من إذلال وقهرٍ واستعباد.

أو أن تقف الموقف الآخر في عدم القبول بذلك، والتصدي لذلك، وهو الموقف المسؤول الذي ينسجم مع الانتماء الإيمَـاني والإسلامي.

عندما قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((أَلَا وإنَّ الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة وبين الذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون))، هي نفس الخيارات التي يواجهنا بها أعداؤنا، أمام المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، والاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لأمتنا، وهذا الاستهداف الذي يتحَرّك فيه مع أمريكا من يتحَرّك من المنافقين وغيرهم، في تحالفاتها الواسعة، التي تتحَرّك من خلالها لاستهداف الأُمَّــة، لا خيار إلَّا:

إمَّا القبول بالذلة، والاستسلام، والخنوع، والطاعة لأمريكا، لسياساتها، لإملاءاتها، لتوجيهاتها، لما تفرضه على الأُمَّــة، وهي تتدخل في كُـلّ شؤونها: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وتتدخل في كُـلّ المجالات بما فيه إفساد للأُمَّـة، إضلال للأُمَّـة، انحراف بالأمة عن المنهج الحق، عن المبادئ والقيم الأصيلة في دينها.

أو أن تقف الأُمَّــة الموقف الصحيح في عدم الخنوع، الموقف الذي ينسجم مع انتمائها الإيمَـاني، والأخلاقي، والديني، والإنساني، ويجسِّد المصلحة الحقيقية للأُمَّـة؛ لأَنَّ التوجّـه أَو القبول بسيطرة الأعداء، هو خسارة بكل ما تعنيه الكلمة، خسارة في الدنيا والآخرة، خسارة لكل شيء: للإنسانية، والكرامة، والعزة، والاستقلال، والحرية، والدين، والدنيا… خسارة في كُـلّ شيء.

الإمَام الحُسَين عندما قال: ((وهيهاتَ منَّا الذلة))، هذه هي الروح الإيمَـانية التي يتحلى بها الإنسان المؤمن حقاً، هو يحمل هذه الروحية من إباء الذلة، إباء الضيم، إباء الهوان، هو على المستوى النفسي لا يتقبل ذلك، هو على مبدإٍ ويقينٍ ووعيٍ وبصيرة، وهو في نفس الوقت على المستوى النفسي والشعوري والوجداني لا يمكن أن يقبل بذلك أبداً؛ لأَنَّه خيار يأباه الله، لا يقبله الله لك كمؤمن، ولا رسوله، ولا المؤمنون الصادقون في كُـلّ عصرٍ وزمان، ((يأبى اللهُ لنا ذلك ورسوله والمؤمنون)).

فنفس التوجّـهات، ونفس العناوين، ونفس التوصيفات، ونفس السياسات، التي حملها يزيد، وظهر بها بنو أمية في انقلابهم في الأُمَّــة، هي نفسها التي يتحَرّك بها أعداء الأُمَّــة في عصرنا وزمننا؛ وبالتالي يتحتم علينا في انتمائنا الإيمَـاني، وانتمائنا الإسلامي، الموقف الذي وقفه الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، هو موقف من موقع القُدوة، وموقع الأسوة، ويتجلى لنا ويتضح لنا الأهميّة الكبيرة لواقعة عاشوراء، ونهضت الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وما فيها من الدروس والعبر، التي نحتاج إليها لنقف الموقف الحق، الموقف الصحيح.

وفي إطار التصدي لهذا الاستهداف بحجمه المعاصر، بما يمتلكه من إمْكَانات، إمْكَانات متنوعة على كُـلّ المستويات، أعداء العصر (الأمريكي والإسرائيلي ومن معهم، ومن يواليهم ويقف في صفهم) يمتلكون الإمْكَانات الضخمة على مستوى القدرات العسكرية، والإعلامية، والتثقيفية، والدعائية… ومختلف الإمْكَانات والوسائل، في مقابل حجم هذا الاستهداف، وما يشكِّله من خطورةٍ علينا أن نوقن بها، أن نستوعبها، أن ندرك مستواها؛ لكي ندرك أهميّة الموقف بالتالي في التصدي لها، وأن نتحَرّك لنأخذ بكل عناصر القوة، وعوامل القوة، وأسباب النصر، ومتطلبات الموقف؛ لأَنَّنا في مقابل ما يمتلكه الأعداء من إمْكَانات وقدرات ضخمة وهائلة على المستوى المادي، على مستوى الخبرات، على مستوى التقنيات والوسائل، في مقابل ذلك هناك بالنسبة لنا عناصر للقوة، أسباب وعوامل للقوة:

أولها: معية الله “سبحانه وتعالى”، عندما نسعى لأن نكون مع الله، وأن يكون الله معنا، وهو خير الناصرين، وهو القوي العزيز، وهو “سبحانه وتعالى” من جعل لجهود وتضحيات الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، الأثر العظيم، والامتداد الكبير، والتأثير المُستمرّ عبر الأجيال، وصنع من خلاله التحولات والمتغيرات والمواقف الكثيرة، التي أطاحت -في نهاية المطاف- بسيطرة بني أمية، والثورة التي نهضت للإطاحة ببني أمية كان عنوانها الثأر للإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، بقيت التأثيرات إلى ذلك المستوى، فعناصر القوة وأسباب النصر يجب أن نأخذ بها.

عندما نعود إلى مبادئ إسلامنا، إلى قيمه، إلى حمل الروحية الجهادية التي نقتبسها، ونتعلمها، ونتربى عليها من خلال القرآن الكريم، من خلال آيات الله، وتعليماته، وتوجيهاته، وما يزوِّدنا به من البصيرة والوعي، ويمنحنا من اليقين، الذي يساعدنا على أن نقف الموقف الحق، بكل ثبات، بدون تردّد، بدون شك، بدون اضطراب، بدون ضبابيةٍ في الرؤية، بدون تردّد تجاه حقيقة الموقف الذي نحن عليه، ببصيرة كاملة تجاه الموقف وتجاه العدوّ، وتجاه العدوّ نفسه، وتجاه ما يشكِّله من خطورة، وتجاه مؤامراته وأساليبه المخادعة، أساليبه في الإضلال، أساليبه في الإفساد، كُـلّ هذا يشكِّل مَنَعَة، يكسبنا قوة.

إضافة مع العناصر المعنوية، عناصر القوة المعنوية، الأخذ بأسباب النصر على المستوى العملي، ثم الأخذ بأسباب النصر في كُـلّ ما نستطيعه من الأسباب المادية، في كُـلّ ما يتوفر من الوسائل والأسباب، كُـلّ هذا نحتاج إليه، وكل هذا يمكن أن يتوفر للأُمَّـة، ورأينا أثره في واقعنا، في إطار هذا التوجّـه، في كثيرٍ من البلدان التي حملت هذا التوجّـه، وتحَرّكت على هذا الأَسَاس، كيف الأثر الملموس لذلك، وكلما ازدادت الأُمَّــة وعياً، ويقيناً، وبصيرةً، واعتماداً على الله “سبحانه وتعالى”، وتوكلاً على الله جلَّ شأنه، وثقةً بالله “سبحانه وتعالى”، وبصيرةً، وتحَرّكت بشكلٍ جاد، تستشعر مسؤوليتها كما ينبغي؛ ستتجلى النتائج العظيمة والأثر المُـهِـمّ الذي يعزز حالة المنعة في داخل الأُمَّــة تجاه مؤامرات الأعداء؛ لأَنَّ قسماً كَبيراً من مؤامرات الأعداء يستهدف الأُمَّــة لاختراقها من الداخل، فتشكل حالة الوعي، واليقين، والبصيرة، والمنعة الثقافية والأخلاقية، تشكِّل تحصيناً كَبيراً للأُمَّـة، وحمايةً كبيرةً للأُمَّـة من الاختراق الداخلي الذي يستهدفها أعداؤها بها.

العنوان الرئيسي الذي يركِّز عليه الأعداء، مع أنهم يستهدفون الأُمَّــة عسكريًّا، كما يحصل عندنا في اليمن، ويحصل في فلسطين، وحصل في لبنان، وحصل في سوريا، وحصل في العراق… وحصل في مناطق كثيرة، لكن المساعي الرئيسية للأعداء بشكلٍ عام في واقع الأُمَّــة بكله، هو ما يتحَرّكون فيه تحت عنوان التطبيع، كتوجّـه رسمي لكثيرٍ من الأنظمة العربية، وتسعى لأن تحوِّله إلى توجّـه عام يشمل الشعوب، ويؤثِّر على الشعوب، وتخترق به الشعوب؛ ولذلك هناك عمل على مستوى المناهج، على مستوى الإعلام والدعاية الإعلامية، على مستوى الخطاب الديني والتثقيف الديني، حتى في المساجد والمنابر… إلى غير ذلك، هناك توجّـه كبير لدى أعداء الأُمَّــة؛ لأَنَّهم يريدون أن تقبل هذه الأُمَّــة بأن يكون الإسرائيلي هو من يقودها كوكيل لأمريكا، كوكيل لأمريكا، وهذا له متطلبات كثيرة، مسخ للأُمَّـة في كثيرٍ من مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، وإفساد للأُمَّـة، وترويض للأُمَّـة؛ حتى تفقد قيمة الحق، قيمة مقدساتها، حتى تستسيغ سيطرة أعداءها عليها، بكل ما هم عليه من ظلم، وفساد، ومنكر، هم لا يحتاجون إلى أن يغيِّروا داخلهم هم لكي تقبل بهم الأُمَّــة، بل أن يغيِّروا في واقع الأُمَّــة لكي تقبل بهم الأُمَّــة.

ولذلك نجد هناك كَثيراً من الخطوات التي يتحَرّك فيها المنافقون، ممن ينتسبون لهذه الأُمَّــة، فمثلاً: ما حصل في الحج، عندما اختاروا من يخطب في عرفات لأن يكون من رموز التطبيع والخيانة والعمالة، ممن يوالي اليهود ولاءً ظاهراً، يُظهِر ذلك ويعلنه، فيختارونه هو ليكون الخطيب في عرفات في شعائر الحج، في ركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، في مقام عظيم من مقامات الحج.

وأكثر من ذلك، وأسوأ من ذلك، وأفظع من ذلك، وأخطر من ذلك: عندما سمحوا للبعض من الصهاينة اليهود بالدخول إلى مكة، والوصول إلى قرب الكعبة، والتصوير لتجولهم هناك، ثم التحَرّك أَيْـضاً إلى المدينة، والحالة بالنسبة للمدينة المنورة هي حالة تكرّرت، والله أعلم إن كانت الحالة في مكة قد تكرّرت من دون تصوير، سيظهر ذلك لاحقاً، هذا انتهاك خطير جِـدًّا لمقدسات المسلمين، لمقدسات الإسلام، مكة المكرمة، والكعبة المشرَّفة، بكل ما تمثله من قدسيةٍ عظيمة للإسلام والمسلمين، تنتهك، هذه خطوة من خطوات التطبيع.

خطوات التطبيع كلها انتهاكات للحرمات، للمقدسات، لقضايا الأُمَّــة، كلها تجاوزات، كلها انتهاكات، كلها خروج عن طريق الحق، كُـلّ خطوةٍ فيها، كُـلّ عملٍ فيها، فيه مخالفة للإسلام، فيه انتهاك للمحرمات في الإسلام، فيه تجاوز، وفيه إساءة إلى الأُمَّــة، وفيه تعبيرٌ عن الموقف لصالح أعداء الأُمَّــة ضد الأُمَّــة نفسها، ومن ضمن ذلك ضد الشعب الفلسطيني، ورأينا كيف وصلت الحالة بعد قبول البعض من أبناء الأُمَّــة بالتفريط في المسجد الأقصى والقدس، إلى التقبل للانتهاك لحرمات المقدسات الأُخرى: في مكة المكرمة، في الكعبة المشرفة، في المدينة المنورة، وهذه انتهاكات خطيرة وفظيعة، والأعداء يسعون إلى أن يروِّضوا الأُمَّــة، وكيف حرص اليهود منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها مراحل التطبيع العلني، إلى أن يقفوا أَو أن يصلوا إلى هذه الخطوة: إلى انتهاك حرمة المقدسات في مكة والمدينة، وهي خطوة متقدِّمة في الانتهاك لحرمات المسلمين، حرمات الإسلام ومقدسات الإسلام، هذا كله في إطار ذلك التوجّـه الذي يتحَرّكون فيه؛ وبالتالي يشتركون فيه مع الأعداء بمؤامرات كثيرة، بخطط كثيرة، تشمل الجوانب التثقيفية، الجوانب الإعلامية، الجوانب السياسية، الجوانب الاقتصادية، يتحول الموضوع إلى برنامج عمل شامل، كله يمثِّل استهدافاً للأُمَّـة في قيمها، في مبادئها، في أخلاقها، في أمنها، في استقلالها، في كرامتها، في واقعها بكله، استهداف للأُمَّـة على نحوٍ شامل، وعلى نحوٍ واسع.

ولذلك يبرز في مقابل تلك الخطوات التي يسمونها بالتطبيع، خطوات عدائية تجاه الداخل في الإسلام، تجاه الداخل الإسلامي، تجاه أحرار الأُمَّــة، تجاه من يعادي إسرائيل، تجاه من يتصدى للهيمنة الأمريكية، بقدر ما نرى تلك الأنظمة التي اتجهت تحت عنوان التطبيع، والتبعية والولاء لأمريكا وإسرائيل؛ بقدر ما نرى عداءها يتنامى، يظهر، يتجلى، يزداد لأحرار الأُمَّــة وأبناء الأُمَّــة، وتجاه من يعادي إسرائيل، ومن يتصدى للهيمنة الأمريكية بشكلٍ أكثر، وبشكلٍ أكبر.

نفس هذا التوجّـه في التطبيع والولاء لأمريكا وإسرائيل، والتبعية لأمريكا، يمثل بحد ذاته ارتداداً عن مبادئ الدين، عن قيمه وأخلاقه، ومخالفةً صريحةً للقرآن الكريم، الذي حرَّم الولاء لهم، إلى درجة أن يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، انسلاخ عن مبادئ الإسلام، وقيم الإسلام، وفي نفس الوقت يكشف حقيقة من يتوجّـه ذلك التوجّـه المنحرف، أنَّ هذا يمثِّل في واقعه خللاً وانحرافاً كَبيراً، ولهذا يقول الله في القرآن الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، والحالة التي هي واضحة في مواقف المطبعين، في سلوكياتهم، في أساليبهم، في مواقفهم، هي: حالة المسارعة، حالة المسارعة، مسارعة فيهم، ولذلك تستجد الكثير من المواقف، والكثير من التوجّـهات، والخطوات المتسارعة، التي يعبِّرون بها عن ولائهم لهم.

ثم عن موقفهم السلبي حتى من المجاهدين في فلسطين، العداء السعوديّ، والإماراتي، ونظام البحرين، والأنظمة المطبعة، العداء الشديد، الواضح، الصريح، المعلن للمجاهدين في فلسطين، أمر واضح وجلي، إلى درجة أن يقوم النظام السعوديّ بسجن البعض ممن يقومون بنشاط إنساني، كانوا يقومون به في السابق بموافقة من النظام السعوديّ نفسه، فإذا به يسجنهم، وَإذَا به يحاكمهم، ويجرِّم عملهم، فيصبح جمع القليل من المال حتى للأطفال الفلسطينيين، أَو لأسر الشهداء في فلسطين، مُجَرَّماً عند النظام السعوديّ، وفي قضائه، وفي موقفه، إلى درجة أن يسجن عليه، ويعتبر أي تحَرّك عدائي ضد إسرائيل، ضد عدوانها، ضد إجرامها، ضد إسرائيل وما تقوم به من مصادرة للأرض، وانتهاك للمقدسات، يعتبره جريمةً يعاقب عليها بالسجن، إلى درجة أنه في السعوديّة يمكنك أن تجاهر بالولاء لإسرائيل إعلامياً، والبعض منهم يتواصلون بالقنوات الإسرائيلية، ولكن لو تجاهر بموقفك المساند والمؤيد للمجاهدين في فلسطين؛ فأنت معرضٌ للسجن والاعتقال، وقد تكون معرضاً لأكثر من ذلك في بعض الحالات، فيصل الحال من العداء الشديد للمجاهدين في فلسطين، وتجريم الموقف من العدوّ الإسرائيلي، ومن ظلمه، وإجرامه، واحتلاله، وانتهاكه للمقدسات، وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، يصبح الموقف هذا مُجَرَّماً لدى السعوديّ، هذا من الولاء والتطبيع والعمالة.

ثم فتح الأجواء، بما في ذلك أجواء الحرمين، وأجواء مكة والمدينة أمام الصهاينة اليهود، في الوقت الذي تغلق فيه حتى أجواء اليمن على الشعب اليمني، هذه الحالة من الخطوات، والممارسات، والتوجّـهات، والسياسات، التي تبين الاصطفافات الواضحة في صف أعداء الأُمَّــة، والتحَرّك مع أعداء الأُمَّــة ضد الأُمَّــة نفسها، على مستوى كُـلّ المواقف، وعلى مستوى كُـلّ المجالات، هي تحتِّم علينا أن نقف الموقف الصحيح، وأن نحمل الوعي والبصيرة.

لا يمكن أن نعتبر مثل هذه الأمور: توجّـهات أمريكا وإسرائيل، ومن معهما من العملاء والخونة، الذين يقفون بصفهم، أموراً قابلةً للتجاهل، ولسنا معنيين بها، هو استهداف لنا كأمةٍ مسلمة، واستهداف شامل، استهداف لإفساد الأُمَّــة، حتى بالكثير من الأنشطة المفسدة للأُمَّـة بكل الوسائل: برامج، خطط، أنشطة، شبكات للدعارة، نشر للفساد، استقطاب للفساد… وسائل كثيرة لإفساد الأُمَّــة، حتى على المستوى الأخلاقي، فما بالك ببقية المجالات! هو استهداف حقيقيٌّ، وأمرٌ قائم، وأمرٌ واضح، مهما تعامى عنه البعض، وحتمية الموقف منه هي مرتبطة بالتزامنا الإيمَـاني والديني، إذَا كان الإنسان صادقاً مع الله “سبحانه وتعالى” في انتمائه الإيمَـاني، لا بُـدَّ أن يكون له موقف، هنا يأتي موضوع الجهاد في سبيل الله بشكلٍ شامل، في كُـلّ المجالات، بناءً على هذا الأَسَاس؛ لأَنَّ الأُمَّــة تستهدف أَسَاساً، لا يمكن تجاهل ما يجري؛ لأَنَّه يمثل حالة استهداف للأُمَّـة، لو تجاهله الإنسان لا يعاني تجاهله أن يدفع ذلك الخطر، أَو أن يوقف ذلك الاستهداف، أَو أن يدفع عن الأُمَّــة ذلك الشر، النتيجة في التفريط في المسؤولية، والتنصل عن المسؤولية، والتخاذل، والتجاهل، هي: التمكين للأعداء من الوصول لكل أهدافهم، وهي أهداف خطيرة جِـدًّا على مستوى الدين والدنيا، على كُـلّ المجالات، وفي كُـلّ المستويات.

الله “سبحانه وتعالى” عندما قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15]، يبين لنا أنَّ الانتماء الإيمَـاني الصادق، القائم على أَسَاس من اليقين، والوعي، والبصيرة، والفهم الصحيح، الذي لا يستجد معه أي ريب في أي مرحلة من المراحل، ولا تجاه أي نشاط تضليلي من أنشطة العدوّ التضليلية، ولا تجاه أية أحداث معينة، يقينٌ راسخ، يقينٌ ثابت، يقينٌ مُستمرّ، ومعه الجهاد، {وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ}، فيصبح معيار الصدق في الانتماء الإيمَـاني الصادق، القائم على اليقين، الثابت، الراسخ، المُستمرّ، يصبح هو معياراً لمصداقية الانتماء (الانتماء الإيمَـاني)، عندما يكون الإنسان يحمل هذا الإيمَـان ومعه الاستشعار للمسؤولية، فتصبح مسؤولية الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، والنفس يشمل اللسان واليد، ويشمل الموقف، ويشمل كُـلّ ما يستطيعه الإنسان بنفسه وماله، كُـلّ موقف، كُـلّ عمل، كُـلّ تحَرّك متاح في إطار الموقف الجهادي الواضح والصريح، يصبح جزءاً أَسَاسياً في مصداقية الإنسان في انتمائه الإيمَـاني؛ لأَنَّه لا بُـدَّ أن نكون في إطار الموقف في التصدي لهجمة الأعداء التي تستهدفنا كأمةٍ مسلمة في ديننا، ودنيانا، وأنفسنا، وحياتنا، وأمننا، واستقرارنا، واستقلالنا، وكرامتنا، وحريتنا، وعزتنا… وفي كُـلّ شيء.

الله “سبحانه وتعالى” قال أَيْـضاً في القرآن الكريم، في سياق الآيات التي تحدثت عن خطورة الانحراف في الولاء لأعداء الأُمَّــة، قال “جلَّ شأنه”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}[المائدة: من الآية54]؛ لأَنَّ حالة الولاء سيكون ثمنها -الولاء لأعداء الأُمَّــة- ارتداد عن مبادئ من الدين، عن قيم من الدين، كُـلّ خطوة في العمالة لأعداء الله، كُـلّ خطوة خيانة، كُـلّ عمل، كُـلّ موقف خيانة، هو يمثل مخالفة لتوجيهات الله، لتعليمات الله، وانحراف عن مبادئ من دين الله، وعن قيم من دين الله، وعن أخلاق من دين الله، وعن تعليمات من تعليمات الله “سبحانه وتعالى”.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]، تأتي مجموع هذه المواصفات المُـهِـمَّة لتبين حالة الثبات، المسار الذي يمثل مسار الثبات على الموقف الحق في الإسلام هو: بالتحَرّك وفق هذه المواصفات، وفق مجموع هذه المواصفات، وهي مواصفات واضحة وجلية وبينة.

{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، يتجهون في علاقتهم مع الله “سبحانه وتعالى” ليحظوا بهذا الشرف الكبير، وهذا الوسام العظيم، في أن يحبهم الله، وأن يكونوا محبين لله، في الوقت الذي يتجه الخونة من أبناء الأُمَّــة، والمنافقون من أبناء الأُمَّــة، وهم يحبون الأعداء الذين لا يبادلونهم المحبة، قال عنهم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، الإسرائيلي والأمريكي لا يحب السعوديّ، ولا يحب الإماراتي، ولا يحب المغربي، ولا يحب آل خليفة في البحرين، ويعتبر كُـلّ أُولئك المطبعين مُجَـرّد أدوات يستغلها، رخيصة، وتافهة، وحقيرة، ليس لها عنده أي قيمة تحظى بالمحبة، أَو التقدير، يعتبرها مُجَـرّد أدوات للاستغلال فقط، {تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}، هذا هو حال كُـلّ من يتولى أعداء الأُمَّــة في كُـلّ عصرٍ وزمانٍ ومكان.

أما هؤلاء فيقول عنهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، ثم يقول عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، ترى كُـلّ الذين يتجهون في مسار التطبيع والخيانة والولاء لإسرائيل وأمريكا كيف هم في مقابل انبطاحهم، وخنوعهم، وخضوعهم، للأمريكي والإسرائيلي، في حالة شدة على المؤمنين، وتكبر على المؤمنين، وحقد على المؤمنين، وإساءة إلى المؤمنين، ومباينة بالعداء للمؤمنين، كيف هم عكس هذه المواصفات، بدلاً من أن يكونوا أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين، يظهرون تعززهم، حقدهم، شدتهم، غلظتهم ضد المؤمنين، وخضوعهم وخنوعهم وانبطاحهم للكافرين؛ أما هذه المواصفات: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}؛ لأَنَّهم يتجهون ضمن الموقف القرآني، لهم موقف، لا يمكن أن تكون من الأعزة على الكافرين وأنت لا تتبنى أي موقف في التصدي لفسادهم، أي موقف صريح وواضح منهم.

{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، الجهاد في سبيل الله عنوان أَسَاس، عنوانٌ أَسَاسي وضمن هذه المواصفات الرئيسية، وله موقعه فيها، كذلك قوله: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} من أهم وأعظم هذه المواصفات، وموقع مُـهِـمّ فيها؛ لأَنَّ الكثير من الناس يتأثر باللوم، ما أكثر من يتأثرون باللوم، فيؤثر على مواقفهم، على توجّـهاتهم، على مصداقيتهم، على ثباتهم، يتأثر باللوم، يهزه اللوم، يجعله يتراجع عن كثير من المواقف، ويغير موقفه وتوجّـهاته.

{فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: من الآية54]، لهذا يرسم الله لنا لهذه المواصفات التي يمثل الالتزام بها استمراراً في الثبات على الموقف الحق، في مقابل حالة الارتداد عن الدين فلها كُـلّ هذه الأهميّة، ونرى فيها التزام بالموقف الحق، والجهاد في سبيل الله، والتحَرّك الصادق في الوقوف ضد أعداء الأُمَّــة والتصدي لاستهدافهم للأُمَّـة في كُـلّ المجالات جزءاً أَسَاسياً من الالتزامات الإيمَـانية والدينية، وهذا من أهم الدروس التي نستفيدها من هذه الواقعة، من هذه الذكرى، ونقتدي فيها بسيد الشهداء، سبط رسول الله الإمَام الحُسَين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.

نصل إلى النقاط الختامية في هذه الكلمة، وفي هذه المناسبة، وفي هذا اليوم:

ونؤكّـد أولاً: على ثباتِنا على موقفنا المبدئي الديني تجاه القضية الفلسطينيةمقدساتٍ، وإنساناً، وأرضاً واعتبار العدوّ الإسرائيلي عدواً للإسلام والمسلمين، وتهديداً يشكل خطورة على الأُمَّــة كلها؛ وبالتالي يجب على الأُمَّــة اتِّخاذ الموقف الصحيح، في العداء له، والتصدي لمؤامراته، والسعي إلى طرده من فلسطين، ومساندة الشعب الفلسطيني بكل أشكال الدعم والمساندة.

ما حصل من تطورات في هذه الأيّام، نتيجةً للعدوان الإسرائيلي، الذي اتجه نحو التصعيد، وإلا فحالة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني هي حالة دائمة، حالة مُستمرّة، حالة يومية، ولكن التصعيد الأخير الذي تصدت له ببسالة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقدمت شهداء من قادتها ومن رجالها المجاهدين الأبطال يمثل أَيْـضاً رسالةً موقظةً للأُمَّـة، تذكرنا أن هذه العدوّ مُستمرٌّ في طغيانه، في جرائمِه بحق الشعب الفلسطيني، تذكرنا بواجبنا المتجدد المُستمرّ تجاه مناصرة الشعب الفلسطيني والمجاهدين في فلسطين، وتنبه على أهميّة أن يبقى الإخوة المجاهدون في فلسطين في حالة انتباهٍ ويقظة مُستمرّة، وأن يحافظوا على تعاونهم وأخوتهم، وأن تتظافرَ جهودُهم مختلفَ الفصائل المجاهدة في فلسطين، حتى لو استخدمت إسرائيل مثل هذا التكتيك الأخير في هذا التصعيد، الذي حاولت أن تظهرَ به أنها تستهدفُ فصيلاً محدّداً من فصائل المجاهدين، هو حركة الجهاد الإسلامي، وأنها لا تقصد بقية الفصائل، هو أُسلُـوب مخادع، وعندما تستهدف هذه الأيّام حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس، فهي ستستهدف في مرحلة قادمة فصيلاً آخر، أَو اتّجاهاً آخر، وستستخدم هذا التكتيك بغية التفريق بين الإخوة المجاهدين في فلسطين؛ لكي تنفرد بكل فصيلٍ على حدة.

الواجب الإيمَـاني، والأخلاقي، والإنساني، والمصلحة الحقيقية للإخوة المجاهدين في فلسطين بكل فصائلهم، أن يحافظوا على وحدة موقفهم وتعاونهم في التصدي للعدوان الإسرائيلي في أي تصعيد، وألَّا يسمحوا لهذا التكتيك الإسرائيلي الخبيث بالنجاح؛ لأَنَّه لا يمكن أن ينجحَ إلا إذَا انصاعوا هم لهذا التكتيك، وتركوا كُـلَّ فصيل يواجِهُ على حدةٍ عند أي تصعيد، هذه قضيةٌ خطيرةٌ جِـدًّا، وأُسلُـوبٌ خطيرٌ يستخدمُه العدوُّ الصهيوني، والإخوة المجاهدون في فلسطين في مستوى إيمَـانهم، ووعيهم، واهتمامهم، وتجربتهم الطويلة، في مستوى الأمل الذي نؤمِّل فيه، ويؤمِّل كُـلّ أحرار الأُمَّــة فيه، أن يكون على درجة عالية من الوعي واليقظة والحذر والانتباه، وأن يكون في المستوى المطلوب من التعاون، من الأخذ بأسباب وعناصر القوة، وعوامل القوة، والتي في مقدمتها: التوحد، والتعاون، والتآخي، وتظافر الجهود، ثم مسؤولية الأُمَّــة من حولهم في أن تقف مساندةً لهم، داعمةً لهم بكل أشكال الدعم والتعاون.

ثانياً: نؤكّـدُ على مبدأ الأخوّة والتعاون بين أبناء الأُمَّــة، تجاه ما تواجهه الأُمَّــة الإسلامية من تحديات وأخطار، كمبدأٍ إسلامي، وتوجّـه صحيحٍ وحكيم، يجسِّدُ المصلحةَ الحقيقية للأُمَّـة، ويمثل عنصر قوة في غاية الأهميّة، وفي هذا السياق نؤكّـد اعتزازنا بإخوتنا مع أحرار الأُمَّــة، وأننا جزءٌ من محور الجهاد والمقاومة، وفي هذا الإطار لا نألو جهداً في السعي للتصدي للمؤامرات الأمريكية على أمتنا الإسلامية، والتصدّي لمساعي الأعداء في إخضاع شعوب أمتنا للعدوّ الصهيوني، كوكيلٍ لأمريكا في المنطقة، وتحتَ عنوان التطبيع.

كما نؤكّـد وقوفَنا إلى جانبِ شعوب أمتنا في مظلوميتهم، وما يواجهونه من التحديات، في العراق، وسوريا، ولبنان، والبحرين، والجمهورية الإسلامية في إيران، وسائرِ البلدان الإسلامية المستهدَفة.

ثالثاً: ننصَحُ تحالُفَ العدوان لاغتنامِ فرصةِ الهُدنة، للخروجِ من مأزقهم، وإنهاء عدوانهم الظالم، الإجرامي الفاشل، على شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإنهاء الحصار بشكلٍ كامل، والكف عن مؤامراتهم العدائية تجاه شعبنا العزيز.

كما أؤكّـد على شعبنا العزيز أن يكون في حالة استعداد دائم، ويقظةٍ تامة، وجهوزيةٍ عالية، للتصدي للأعداء عند أية محاولاتٍ غادرة في الهُدنة المؤقتة، والسعي المُستمرّ والعمل الدائم للوصول إلى الهدف المنشود، في دحر العدوان والاحتلال، وإنهاء الحصار، كأولوية عملية، وهدف مقدس، والأخذ بكل أسباب النصر وعوامل القوة، والحذر من كُـلّ مؤامرات الأعداء، ومساعيهم الشيطانية، عبر الطابور الخامس من المنافقين، والمرجفين، والمخربين، والمثبطين، الذين يعملون على شَقِّ الصف الداخلي، وصرف الجُهُود عن الأولوية المُـهِـمّة، وإزاحةِ الاهتمام عن التصدِّي للعدوان.

وختاماً: نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”بفضله وكرمه أَنْ يوفِّقَنا للسير في درب سيد الشهداء الإمام الحسين “عليه السلام” في الثبات على الحق، والنهوض بالمسؤولية، والاستجابة الصادقة الواعية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأَنْ يرحَمَ شهداءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ ينصُرَنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.