ابن سلمان يستبق بايدن إلى صراط صنعاء والأخير يسترق سماع الباليستيات في سماء الرياض
ابن سلمان يستبق بايدن إلى صراط صنعاء والأخير يسترق سماع الباليستيات في سماء الرياض
الصمود../
قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 14 شباط/ فبراير 1945، اجتمع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن سفينة حربية في قناة السويس مع الملك عبد العزيز بن سعود لتدشين علاقة بين البلدين قامت على معادلة «النفط مقابل الأمن»، وبمقتضاها أعطت الرياض للشركات الأمريكية الأولوية في التنقيب عن النفط واستخراجه، مقابل الحصول على حماية أمريكية تكفل الأمن للسعودية من التهديدات المختلفة.
ومع اندلاع الثورة الإيرانية وغزو السوفييت لأفغانستان عام 1979، واقترابهم من مياه الخليج الدافئة، أصدر الرئيس الأمريكي كارتر مبدأه الذي نص على التعهد بالدفاع عن حقول النفط في الخليج ضد أي عدوان خارجي، ثم تعاونت واشنطن والرياض لاستنزاف الدب الروسي في أفغانستان، كما دعما العراق في حربه ضد إيران 1980-1988، وكذلك حشد الرئيس بوش الأب نصف مليون جندي أمريكي للدفاع عن السعودية ضد الجيش العراقي ولاستعادة الكويت عام 1991. كما استطاع التحالف الأمريكي السعودي امتصاص تداعيات مشاركة 15 سعودياً في أحداث سبتمبر 2001.
توالت خلال العقد الأخير المواقف الأمريكية التي أثارت حفيظة الرياض، بداية من دعوة أوباما للرئيس المصري مبارك إلى التنحي إثر اندلاع مظاهرات كانون الثاني/ يناير 2011، حيث رأت الرياض أن واشنطن تخلت عن أقرب حليف لها في العالم العربي بكل سهولة. ثم جاء توقيع أوباما الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 وتبنيه سياسة التركيز على آسيا لترى الرياض أن واشنطن تتخلى عنها.
ثم جاءت حقبة ترامب التي شهدت الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واستئناف صفقات السلاح الهجومية للسعودية للعدوان على اليمن، مما انعكس على تقارب البلدين وصولاً لاستقبال ترامب في الرياض عام 2017 بحفاوة في أول زيارة خارجية له عقب انتخابه.
ولكن عدم رد ترامب على الهجوم الذي شنته القوات المسلحة اليمنية واستهدف حقول نفط ومصافي شركة أرامكو في أيلول/ سبتمبر 2019 أثار لدى الرياض الشعور بعدم الأمان، وأن مظلة الحماية الأمريكية صارت مهلهلة.
أعلن بايدن بداية عهده رفضه التواصل المباشر مع ابن سلمان وصولاً لرفع السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية الخاص بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي يتهم ابن سلمان بالضلوع في الحادث.
كما أدانت واشنطن بشكل متكرر وضع حقوق الإنسان في السعودية، وأخيراً جاء الانسحاب الأمريكي الأحادي من أفغانستان، واستئناف التفاوض حول الملف النووي مع إيران، ليزعج الرياض، التي بعثت عدة رسائل تشير لانزعاجها من تعامل إدارة بايدن مع ملف العلاقات السعودية الأمريكية.
وأشار السعوديون إلى قرار بايدن العام الماضي إزالة بعض بطاريات صواريخ باتريوت من المملكة أثناء تعرضها لهجمات صاروخية يمنية برغم إعادة واشنطن تلك البطاريات لاحقاً (وجدت دراسة أجراها مكتب المساءلة الحكومية في حزيران/ يونيو الماضي أن الولايات المتحدة قدمت ما لا يقل عن 54.6 مليار دولار من المساعدات العسكرية للسعودية والإمارات بين عامي 2015 و2021 وتشكل صادرات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية ما نسبته 75% من مجموع واردات السعودية من الأسلحة وفقا لتقرير شركة GlobalSecurity في 30 حزيران/ يونيو 2021.
وترتبط السعودية بالقيادة الوسطى المركزية في الجيش الأمريكي وتشمل منطقة الشرق الأوسط، وهناك خمس قواعد عسكرية أمريكية على أرض السعودية، ووفقاً للمكتب التجاري للولايات المتحدة فإن التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة يتعدى 25 مليار دولار أمريكي سنوياً بالإضافة إلى أكثر من 800 مليار دولار قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة).
برز الحنق السعودي تالياً في إعلان الرياض التفاوض مع الصين حول بيع النفط باليوان بدلاً من الدولار، وتجنب إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، واشتراط ابن سلمان زيارة الرئيس الأمريكي للرياض من أجل زيادة إنتاج النفط، وهو ما حدث في تموز/ يوليو الماضي، وسرعان ما لعبت الرياض دوراً محورياً في قرار خفض إنتاج النفط الأخير، ما اعتُبر بمثابة إهانة وإذلال لبايدن قبيل انتخابات الكونجرس القادمة.
رداً على قرار «أوبك +»، وفي بادرة استياء أولية، أبلغت إدارة بايدن السعوديين بأنها لن تشارك في اجتماع مجدول لمجموعة عمل إقليمية مخصصة للدفاع ضد الضربات الجوية المحتملة. كما بدأ بعض أعضاء الكونجرس طرح مشروعات قوانين تقوض مظلة الحماية الأمريكية للسعودية، حيث أعلن النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي أنه سيقدم تشريعاً يقضي بسحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات، وهو ما سيضعهما تحت تهديد الصواريخ البالستية اليمنية.
المتحدث الرسمي للبنتاجون، بات رايدر، ألمح في مؤتمر صحفي إلى نية بلاده اتخاذ موقف الحياد في ملف اليمن، عبر الحديث عن عدم وجود خطط أمريكية لدعم السعودية والإمارات. وتأتي تصريحات المسؤول الأمريكي عشية ترقب عودة الهجمات الجوية اليمنية إلى المشهد من جديد مع رفض دول العدوان تنفيذ مطالب اليمنيين المشروعة.
ويُرجح أن تستخدم واشنطن أدوات سياسية واقتصادية وحقوقية لتذكير ابن سلمان بحاجته لها، مع التلويح بإمكانية فتح ملفات العدوان على اليمن وملف خاشجقي، فضلاً عن التهديد بوقف عمليات الصيانة وتوفير قطع الغيار للأسلحة الأمريكية المباعة للسعودية، وصولاً إلى تشجيع أطراف داخل العائلة المالكة على اتخاذ مواقف داعمة للتفاهم مع واشنطن.
العلاقة بين واشنطن والرياض بنيوية وظيفية، وليست مصلحية ظرفية؛ غير أن صحيفة «هآرتس» العبرية لا ترى الأزمة عابرة، بل تعتقد بأن الحلف بين السعودية وأمريكا «بلغ نهايته»، وتوجهت لبايدن بالقول: «إن حليفاً كهذا (السعودية)، يعارض سياستك الخارجية ويدعم الاتفاق النووي الأصلي مع إيران، ويجرّك بالقوة إلى مواجهة إقليمية مسلّحة في اليمن، ويتعاون على الملأ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتحدّى طلبك الواضح زيادة إنتاج النفط ويقلّص الإنتاج، ويدعوك إلى قمة في جدة فقط كي يذلّك علناً، حليفاً كهذا ليس حليفاً حقاً».
في الجهة المقابلة، وفي محاولة للنجاة من حبال بايدن ومشانق فريقه المنصوبة له في اليمن، أرسل ابن سلمان وفداً رفيع المستوى إلى العاصمة العُمانية مسقط لإجراء مباحثات مع الوفد الوطني اليمني حول تمديد الهدنة.
وحاولت الرياض في الآونة الأخيرة فتح خطوط تواصل مباشر مع أنصار الله، كما لجأت منذ انتهاء الهدنة مطلع الشهر الجاري إلى جهات عديدة للتوسّط لدى صنعاء، مِثل العراق وإيران وألمانيا وأخيراً روسيا؛ لكنها قررت في النهاية -في محاولة لرفع العصا الأمريكية عن رأسها في اليمن- إرسال وفد على متن طائرة مدنية إلى مطار صنعاء الدولي، معلنةً صراحةّ وعلى لسان المتحدث باسم تحالفها تركي المالكي أن هذا يأتي على طريق خطوات بناء الثقة مع صنعاء، التي حققت بذلك انتصاراً سياسيا وعسكريا وأخلاقيا كذلك.
المالكي، الذي اعتاد الإعلان عن ضربات عسكرية عدوانية على صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، أعلن هذه المرة عن زيارة سعودية بوفد رسمي لـ»مناقشة ملف الاسرى». كما أعلنت ذلك كلٌّ من صنعاء والرياض؛ إلا أن غير المعلن كان اعترافاً سعودياً رسمياً بسلطة صنعاء، وبالهزيمة أيضاً.
(صحيفة لا)