تحقيق صحفي : مقابر الأحياء في عدن.. المستشفيات تحولت إلى مذابح للبشر والموت يخطف المئات
تحقيق صحفي : مقابر الأحياء في عدن.. المستشفيات تحولت إلى مذابح للبشر والموت يخطف المئات
الصمود../
اتخذوا من المستشفيات الحكومية مأوى لهم، وملاذا يأمنون فيها على أرواحهم، ظانين بأنها الحصن المتين الذي تبقى من خيرات الدولة المسلوبة في ظل غياب تام لوزارة الصحة في عدن.
غياب كلي للرعاية الصحية تشهده المستشفيات الحكومية في عدن، ما جعل الموت يتربص بجميع المرضى الواردين إلى هذه المستشفيات التي يظنون أنها ستخفف من آلامهم وتساعدهم في تكلفة علاجاتهم القاصمة للظهر، في وطن تحولت فيه مهنة الطب إلى تجارة بأرواح البشر وباتت أقصى الأحلام أن يجد المريض سعر حقنة مهدئة.
المستشفيات الحكومية بعدن أضحت شريكاً أساسياً مع الموت في قبض أرواح المرضى المغلوبين على أمرهم، الذين لا يقوون على العلاج في المستشفيات الخاصة، (المتخصصة في المُتاجرة بأرواحهم) دون حسيب أو رقيب من قبل وزارة الصحة العامة والسكان أو مكتب الصحة بالمحافظة.
وخلال الفترة القليلة حصد الموت عدداً كبيراً من المرضى في المستشفيات الحكومية أمام مرأى ومسمع الجميع، دون أن يعيلوا هؤلاء المرضى أي رعاية أو اهتمام خاصة بهم، وتحولت المشافي مقبرة للموتى.
منعه من دخول المستشفى يتسبب بموته
الحاج علي المخزم منع من دخول المستشفى لتلقي العلاج، رغم حالته المرضية الصعبة، بحجة اكتمال عدد استيعاب المرضى.. في حين لم يتوقع أن يصل حال المستشفيات الحكومية في عدن إلى هذا الحد من الإهمال في علاج المرضى الذين يتربص بهم الموت.
بعد أيام فارق الحاج المخزم الحياة وهو على أمل في أن يجد مكاناً مناسبا له يحتويه ليخفف من ألمه بعد أن تحول الطب إلى تجارة تنهش جيوب البشر ومقبرة للمرضى.
أحد العاملين في إحدى مشافي عدن (فضّل عدم ذكر اسمه) يقول: «ترفض إدارة المستشفى إدخال أي مريض بحجة أنه لا يوجد متسع بالقسم».
وأردف قائلاً «ينتظر المريض في الخارج حتى يتوفى، وهذا هو الحال الذي أصبح في المستشفيات الحكومية بعدن».
الموت شبه العمد
يتنشر الإهمال إلى المستشفيات الحكومية في عدن من نوافذها وأصبح الموت يراود المرضى بين الحين والآخر في ظل غياب تام للرقابة والتفتيش من قبل وزارة الصحة العامة والسكان.
«كاد أن يموت أبي بسبب إهمال مستشفى الجمهورية» هكذا قالت ندى علي وهي تحكي قصة والدها المريض، وتضيف: «والدي يعاني من مرض السكر وصرف له علاج من ضمنها حقنة منتهية الصلاحية».
وتروي ندى حادثة والدها وعيناها لا تكاد أن تحبس الدموع من شدة الواقع المؤلم والإهمال المتعمد في المستشفى قائلةً «ذهبنا إلى القسم الخاص لتابع لمرضى السكر في مستشفى الجمهورية لاستلام حقنة الأنسولين الخاصة بأبي، لكن هذه المرة تفاجأنا عقب استلامنا الإبرة والذهاب بها إلى المنزل بأن صلاحيتها قد انتهت ولولا رعاية الله لكانت سبب نهاية حياة أبي».
وتضيف ندى وهي مكلومة: «ذهب أخي إلى المستشفى، وحين أخبرهم أن الحقنة التي تم صرفها كعلاج لأبي منتهية الصلاحية أنكر العاملون في القسم وقالوا الخطأ لم يحصل من سابق» حد قولها.
مستشفيات تدخلها حياً وتخرجها ميتاً
وأردفت ندى في حديثها: «أبي لم يكن إلا نموذجاً لآلاف المرضى الذين يتلقون علاجات منتهية الصلاحية في مستشفيات عدن، فمن المرضى من يدخلها حياً ويخرج منها ميتاً محمولاً على الأكتاف».
وضع صحي مأساوي
بدوره يقول أحد المرافقين: «كثيرة هي القصص التي نسمعها كل يوم وتداولها الأخبار في مختلف وسائل الإعلام عن حوادث تحصل لعدد من المواطنين في مختلف المستشفيات الحكومية والخاصة، ربما يرجح أسباب تدهور قطاع الصحة بشكل عام في عدن وغياب الرقابة المباشرة والمستمرة من وزارة الصحة (التابعة للمرتزقة) على المستشفيات».
ويضيف «وأصبحت المستشفيات الحكومية اليوم قاب قوسين أو أدنى من الإهمال والنسيان، فلا يوجد اهتمام على الإطلاق بهذه المستشفيات عدا المستشفيات الخصوصية التي أصبحت رائدة بأصحابها الذين هم دكاترة في (الحكومي) فتركوها وراحوا وراء مستشفياتهم وعياداتهم الخاصة، التي ستجد فيها قليلا من العناية، ولكنها لم تصل للمستوى الذي نتمناه بعكس الدول العربية مثل مصر والأردن. وهي عملية تنافسية صحية لكنها لابد أن تخضع للمراقبة والفحص الدائم مع مراقبة الأسعار وضوابطها من وزارة الصحة».
الأطباء ملائكة العذاب
يقول المرضى ممن التقت بهم (عدن الغد) «يفتقر الطب في بلادنا سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة لأبسط الإمكانات والمقومات وحتى الخدمات، ناهيك عن الكادر الطبي الذي – للأسف – فقد كل معاني الرحمة والإنسانية حيث لا تلقي بالا للمريض وكل همها منصبّ في كيفية جني الأرباح والأموال. ولا يختلف اثنان على أن مهنة الطب هي أنبل وأسمى المهن التي تتعلق وترتبط ارتباطا وثيقاً بحياة الإنسان أينما كان، لكن هنا في عدن خاصة وبلادنا عامة انقلبت هذه الرسالة السامية وانقلب معنى المقولة بأن الأطباء ملائكة الرحمة.. وتحولت تلك المقولة بمعنى أن الطبيب هو عزرائيل للمرضى، كما تحولت هذه الرسالة النبيلة إلى وسيلة لنهب وسلب جيوب المرضى».
خدمات متردية
وأضافوا في أحاديثهم: «ومن أبرز المظاهر التي في المستشفيات العامة بعدن غياب النظافة، فهي الصحة وهي العلاج وهي الدواء والنظافة من الإيمان».. وواصلوا بالقول: «لابد أن تكون وزارة الصحة في طليعة المهتمين بهذا الجانب، فيجب عليها أن تهتم بالنظافة بالدرجة الأولى».. ومضوا يقولون: «المستشفيات الحكومية تعاني حالة من الإهمال واللامبالاة والتقصير المتعمد ومنها وجود بعض الاختلالات في تعامل القائمين عليها من إداريين وموظفين عاديين، فعلى سبيل المثال مستشفى الجمهورية الذي يعد من أكبر المستشفيات بعدن عندما تشاهد الأقسام فيه تصيبك حالة من الذهول لما وصلت إليه بعض هذه الأقسام من إهمال، فترى المجاري منتشرة في حرم المستشفى وعدم وجود صيدلية خاصة بها، حيث يتم شراء كل الأدوية من خارج المستشفى، هذا غيض من فيض لحال مستشفيات عدن العامة».
*هذا التحقيق نقلاً عن «صحيفة عدن الغد»