سيطر اللوبي على أهم غرف صناعة القرار في أمريكا وبدأ يبث سمومه إلى العالم
اللوبي الصهيوني أسس لفكرة (لقائط) أمريكا فأنشأ دولة يتخفى خلفها
تقارير|| الصمود|| وديع العبسي
يقف اللوبي خلف صناعة الأفلام الإباحية في أمريكا ووضع قانوناً لحمايتها
تبنى اللوبي الصهيوني كبريات الشركات الإعلامية في أمريكا لتوجيه الرأي العام
نجح اللوبي الصهيوني في تدجين حكومات الغرب فبدأت تدافع عن احتلاله للأراضي العربية
بروتوكولاتهم اعتبرت الصحافة القوة المؤثرة الثانية بعد الذهب فأحكموا القبضة عليهما
كان من الواضح منذ بدأت الحركة الصهيونية وضع السطور الأولى لخطة الهيمنة والسيطرة على الشعوب، تحركها في اتجاه صنع كيانات تقف خلفها وتجعلها واجهتها لتنفيذ مضامين المخطط.
فظهرت فكرة (لقائط) أمريكا، لإنشاء دولة والإمساك بمفاصلها، ثم توظيف الإمكانيات بتصديرها المشهد العالمي، وهو ما صار فعلا فيما بعد، ليس على صعيد تفرد أمريكا اليوم بزعامة العالم، وإنما في استمرار الحضور القوي للصهاينة في مراكز إنتاج القرار.
وبالنظر إلى أهم المؤسسات المؤثرة في الحياة العامة الأمريكية في مناحيها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوجيه الرأي العام، سنجد زعماء اليهود هم من يمسكون بزمام توجيهها إلى المسار الذي يرون فيه العمل الصحيح للحفاظ على السيطرة.
لم يعد من شك أن أمريكا لا تملك قرارها، وأن توجهاتها الاستراتيجية على الصعيد الداخلي والخارجي، إنما يضعها القادة في (آيباك) وغيرها، ولذلك لا يبدو غريبا أن تجد الأسماء الكبيرة في أمريكا أصلها صهيوني، وتمثل رقما في هذه المنظمة الشهيرة.
ويبدو الأمر مثيرا إذا ما علمنا أن اليهود يشكلون 3 % من الشعب الأمريكي لكنه الأكثر نفوذا، وهذا ما يؤكد أن اليهود لم يهدفوا إلى اتساع مساحة انتشارهم في أمريكا بقدر اهتمامهم بأن القلة المتواجدة أمام أدوات السيطرة وتكون مجندة لأهداف محددة من أجل ما يعتبرونه الوطن القومي في فلسطين المحتلة، فضلا عن ضمان استغلال موارد العالم لصالح نماء مجتمعهم وتطوره.
كان المال هو العصب، وبهذا المال ذهبوا إلى أبعد من استثماره لتحقيق عائدات ممكنة، إلى وضع أكثر من هدف، واجهته الاستثمار وجوهره السيطرة، ووفق ذلك ظهرت استثماراتهم متخللة من كل الضوابط والثوابت الدينية والأخلاقية، فكانوا المتصدرين في صناعة الخمور، ونوادي القمار، وتنظيم تجارة النساء وصنع وبيع المخدرات بكل أنواعها.
وفي الوقت ذاته لم يهتم الصهاينة بما يمكن أن تخلفه تجارتهم هذه على المجتمعات من تدمير وإفراغ قيمي وأخلاقي لهذه المجتمعات البشرية، بل إن ذلك كان عنصرا حيويا يمنح هؤلاء الصهاينة فرصا أكبر في السيطرة.
في أمريكا هناك اليوم الآلاف من اليهود يمثلون مرتكزات في تسيير مجريات الواقع، بدءا بمراكز القرار وانتهاء بآلات صناعة الرأي العام.
فـ تشارلس كراثمير، كان منظر البيت الأبيض خلال حكم ريغان وبوش الأب وهو مهندس حرب الخليج وحرب العراق، والى جانبه ما تعرف مجموعة الصقور من اليهود الذين خدموا في إدارة بوش الأب والابن، ومنهم ريتشارد بيرل، بول وولفوفيتش، بيل كريستول، دوغلاس فيث.
في أمريكا، 18 صندوقا سياديا من بين 25 حتى عام 2020م ترأسها يهود.
ولمدة 36 عاما، كان على رأس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، يهود.
ويقف اليهود خلف الأفكار الليبرالية التي غزت السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنهم من وضع الفلسفات والنظريات لإنشاء مجتمعات متحررة.
اليهودي بوب ايجر هو المدير العام لأستوديوهات ديزني من 2005 – 2020، وفي عهده انتشرت التلميحات الجنسية في أفلام الكارتون، صناعة الأفلام الإباحية في أمريكا، يقف خلفها اليهود.
واليهودي صامويل روث، كان رفع دعوى ضد حكومة الولايات المتحدة عام 1957م، وطالب بتقنين صناعة الأفلام الإباحية وربح القضية، وكم كان يقف وراء خروج قانون يبيح بيع المجلات والأفلام الإباحية.
اليهود أيضا كانوا هم من يقف خلف الأفكار المثلية والترويج لمجتمعات قوم لوط، ونشر أفكار التسامح مع الشذوذ وتقبلهم، ثم لاحقا فرض تلك الأفكار على الحكومات.
مؤسس نتفليكس، يهودي.
الحركة النسوية العالمية التي انطلقت في أمريكا، تقف خلفها يهوديات.
المسؤولون المباشرون عن لقاحات كوفيد 19 كلهم يهود.
مجموعة من اليهود لعبوا دورا كبيرا في تقنين تجارة الماريجوانا وانتشارها في أمريكا.
جميع أبناء الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن متزوجون من يهوديات.
نائبة الرئيس كامالا هاريس، زوجها يهودي.
القوة الموازية
أدرك اللوبي الصهيوني منذ بذوره الأولى بأن عليه إيجاد فعل مواز لفعائله، يعنى بتبييض صفحته والتبرير لكل ما يقوم به في الأراضي العربية المحتلة، فاعتمد كثيرا على الآلة الإعلامية الأمريكية والتي يُعد هو شريك كبير فيها، خصوصا وأن أمريكا تمتلك كتلة مالية ضخمة جداً في العمل الإعلامي، ونقيس ذلك من معرفة أن هناك أكثر من ثمانية آلاف ومئة وتسعين محطة إذاعية، وأكثر من ألفين وستمئة وخمسين محطة تلفزيونية، وفي العقد الأخير، حيث اندمجت مئات من الصحف وشبكات الإذاعة والتلفزيون الصغيرة في مؤسسات إعلامية عملاقة تضم أبرز ثلاثمئة مؤسسة صحفية كبرى، شبكات التلفزيون الرئيسة وأهم المحطات الإذاعية، وقنوات نشر الكتب والمجلات، وأصبحت هذه المؤسسات تمثل إمبراطوريات إعلامية ضخمة تسيطر على صناعة الصحافة والنشر والسينما والفيديو والكاسيت، وكلها تخضع لرؤوس أموال عاتية النفوذ والتأثير، منها شبكة (FOX)، التي يمتلكها اليهودي (روبرت موردوخ)، وشركة (كلير تشانل كوميونيكيشن)، وهي شركة إعلامية أمريكية عملاقة تملك بدورها العديد من وسائل الإعلام المرئي والمسموع وتعد محطة (كلير) من أبرزها، هذا بالإضافة إلى شبكات (cbc – mbc – nbc)، وصحيفة (نيويورك تايمز)، و(يو إس توداي) وغيرها.
وتعتبر صناعة الإعلام في أمريكا رافداً اقتصادياً كبيراً وسلاحاً استراتيجياً تستخدمه في نشر ثقافتها وسياستها حول العالم، على اعتبار أن الإعلام الأمريكي هو الأكثر انتشاراً ونفوذاً في العالم عبر المحطات الإخبارية والمحطات التي تنتج أكثر المسلسلات رواجا، مثل: ABC، والاستوديوهات السينمائية في هوليوود التي تنتج سنوياً مئات الأفلام، ويشاهدها مئات ملايين الأشخاص من العالم، التي من خلالها تروج أمريكا لسياستها ومنهجها.
وتؤكد ذلك وثائق المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة “بال” السويسرية عام 1897م، حيث اتفق المجتمعون على أن مخطط إقامة دولة إسرائيلية لن يكتب له النجاح إذا لم يواكبه إحكام السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة وتسخيرها لخدمة الأهداف الصهيونية وإزاحة العقبات من طريقها.
على أن عديد المصادر البحثية تشير إلى أن اهتمام الصهاينة بالإعلام جاء قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م، وقبل انكشاف أمر بروتوكولات حكماء صهيون، ففي سنة 1869م عقد اجتماع سري نظمه اليهود في مدينة براغ، حيث نشرت مجلة “Porain Conten”عام 1880 الخطاب الذي ألقاه الحاخام “Rerichern ” والتي جاءت على النحور التالي: إذا كان الذهب هو القوة الأولى، فإن الصحافة هي القوة الثانية، ولكن الثانية لن تحقق بدون الأولى، وعلينا بواسطة الذهب أن نستولي على الصحافة وأن نبذل لمن نجد نفوسهم مفتوحة لتقبل الرشوة وحينما نسيطر على الصحافة، نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائلية والأخلاقية والدين والفضائل.
وهو ما قام به اللوبي الصهيوني بالعمل عليه ليصل عدد الصحف الصادرة عن المنظمات اليهودية في أمريكا، أكثر من 300 صحيفة يومية، وأسبوعية، ودورية، إضافة إلى أربعين نشرة سرية يتداولها اليهود فقط، فضلا عن سيطرتهم التامة على وسائل الإعلام الرئيسية وهي:
شبكةA.B.C. الشبكة الأمريكية للإذاعة يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها مارتن روبنشتاين، المليونير اليهودي المشهور ومساعده اليهودي أفران واينشتاين، إضافة إلى مئات المحررين والمراسلين اليهود الذين يرتبطون بشكل مباشر مع منظمة إيباك، المنظمة الأم للمنظمات اليهودية.
شبكة C.B.S شركة كولومبيا للبث الإذاعي ويسيطر عليها اليهود سيطرة محكمة من خلال رئيسها وليام لبيلن وهو يهودي روسي من أوكرانيا، ومديرها العام ريتشارد سيالانت، اليهودي الأمريكي، وهذه الإذاعة ومحطتها تؤمن الخدمات السياسية والإعلامية لليهود ولإسرائيل بشكل منقطع النظير.
شبكة N.B.C الشركة الوطنية للإذاعة يسيطر عليها اليهود من خلال رئيسها الفرد سيلفر مان الذي خلف رئيسها السابق ومؤسسها اليهودي روبرت سارنوف، إضافة إلى جيش من المحررين والمهندسين الذين يتسابقون على تقديم الخدمات لإسرائيل والمنظمات اليهودية الصهيونية في أمريكا.
وتعتبر هذه الشبكات الثلاث هي المسيطرة والموجه السياسي لأفكار ومواقف حوالي 250 مليون أمريكي إضافة إلى الملايين في أوروبا وأمريكا اللاتينية، تماما وفقا لما جاء في البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون الذي جاء فيه “أن الموظفين المتقدمين ذوي المناصب العليا الذين نختارهم نحن من الجماهير لن يكونوا أشخاصًا عاديين بل ذوي مواهب خاصة ندفع بهم إلى مراكز القرار ليكونوا وبكل سهولة عبارة عن بيادق في يدنا يحركها مستشارونا الموهوبون وأخصائيونا كما ينبغي”.
هذا فضلا عن سيطرتهم على (موانئ التصدير الإخبارية، وعلى القسم الأعظم من وسائل الإعلام الجماهيرية وعلى بعض وسائل الإعلام الضخمة مثل (نيويورك تايمز – واشنطن بوست – راديو كوربوريشن – أوف أمريكا… الخ)، والأهم من ذلك امتلاكهم لأهم وسيلة للضغط على هذه الصحف وهي الإعلانات باعتبارها مصدر التمويل الرئيسي لبقاء هذه الصحف واستمرارها.
وكذلك بعض وكالات الأنباء الضخمة التي لا تخلو من تأثير اللوبي الصهيوني عليها، كما لا تخلو صناعة السينما من تأثيرها بآراء اللوبي الصهيوني، وتذكر المعلومات أن ”59 %” من الكتاب والمنتجين للخمسين فيلما التي حققت أكبر إيرادا ما بين عامي 1965 ــ 1982 كانوا من اليهود. كما يعمل اللوبي الصهيوني على فرض الحجر الصحفي على وسائل الإعلام التي لا تستجيب لمطالبه، من خلال منظمة أطلق عليها (عصبة مكافحة التشهير باليهود) أو (عصبة منع الازدراء).
وبالنسبة لمراكز الدراسات والبحوث، ولكون لها دور كبير في صياغة الرأي العام والضغط على الإدارة الأمريكية بل وأحيانًا كثيرة تساهم في صنع السياسة، لذا عمل اللوبي الصهيوني على إنشاء ترسانته الفكرية” والتي تمثلت بـ «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» عام1985.
ولم يقتصر نفوذ اللوبي على هذا المعهد فقط بل امتد ليشمل معهد المشروع الأمريكي، ومعهد بروكينغز، ومركز السياسة الأمنية، ومعهد بحوث السياسة الخارجية ومؤسسة التراث، ومعهد هدسون، ومعهد تحليل السياسة الخارجية، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (جيشا).
وفي سبيل نشر أفكار وبحوث تلك المراكز، تقوم اللجنة الأمريكية الإسرائيلية بدفع تكاليف إرسال 400 نسخة مجانية أسبوعياً لأعضاء الكونغرس وكبار المسؤولين ووفود الدول إلى الولايات المتحدة.
عمل اللوبي الصهيوني من خلال وسائل الإعلام الكبرى الخاضعة لتأثيره على نشر دعايتها الصهيونية التي عُرفت بعد ذلك بمصطلح (الدعاية الصهيونية)، وبالفعل عملت هذه الدعاية – حسب الباحث مأمون حسين السيد – على دعم سياسة الحركة الصهيونية المرتبطة بأطماع هذه الدول، عبر نشاطها وتركيزها على التأثير في الرأي العام في تلك البلدان، من خلال استخدام أساليب كثيرة ومتشعبة ومتداخلة مع بعضها البعض، لكن جميعها يفي بالغرض المطلوب، سواءٌ أكان على صعيد الابتزاز أم الاستعطاف أم أسلوب المناورة، وبحسب ما جاء في كتب الإعلام الصهيوني وأساليبه الدعائية، فإن الإعلام الصهيوني هو الإعلام الإسرائيلي ولكن الحقيقة غير ذلك، فالإعلام الإسرائيلي هو جزء محدد من الإعلام الصهيوني الذي يمثل شبكة إعلامية واسعة الأطراف في محيط الإعلام الغربي، وأن كانت الدراسات توصي بإن عرض الأساليب الدعائية في الإعلام الصهيوني يقتضي الرجوع إلى الدراسات التاريخية لوضع اليهود في أوروبا الشرقية والغربية، وأيضا معرفة متى تجذرت الصهيونية في المؤسسات الاقتصادية والسياسية في أمريكا وأوروبا.
يذكر أن أشهر حملات الدعاية الصهيونية هو ما تبنته فرنسا، ففي عام 1860م، أصدرت باريس نشرة تحت عنوان (المسألة الشرقية الجديدة)، أظهرت فيها المكاسب التي ستعود على أوروبا إذا استقر اليهود في فلسطين، وقد تأسس في العام نفسه تحت تأثير هذه الدعاية (الاتحاد الإسرائيلي العالمي في فرنسا)، وهو الاتحاد الذي أنشأ (مدرسة ماكفاي إسرائيل) الزراعية قرب يافا عام 1870م، وكلها تحض اليهود على الخروج من أوروبا.
أطر الدعاية الصهيونية
يشير كتاب (الأطر التاريخية والآيديولوجية للدعاية الصهيونية ) إلى أن جهود الدعاية الصهيونية تركزت في تأمين اعتراف المجتمع الدولي بشرعية إسرائيل، وضمان تدفق سيل المهاجرين، لتتحول الدعاية الصهيونية فيما بعد من مرحلة الدفاع الذ كانت عليه قبل حرب 1967، إلى موقع هجومي وملأت العالم صخبا وصراخا، أما بعد نكسة العرب في حرب 1967، فأصبح تركز الدعاية الصهيونية على عظمة هذا الكيان الصغير الذي هزم العرب مجتمعين، وفي آخر مرحلة ركزت الدعاية الصهيونية على إظهار إسرائيل على أنها العامل الرئيسي في تحديد الأوضاع بالسلام والحرب في منطقة الشرق الأوسط والربط بين الإسلام والإرهاب والربط أيضا بين اليهود والمسيحية وأن الخطر المشترك بينهما هو الإسلام، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر وترسيم الصورة النمطية السلبية الإرهابية الملتصقة بكل عربي مسلم، وهذا ما استغلته آلة الدعاية الصهيونية في صالحها، ليس ذلك فحسب بل أن الدعاية الصهيونية التي لا تراعي إلا كيانها وواقعها وأهدافها، فقد نجحت بعد عقود طويلة في توظيف الأصولية المسيحية اليمينية في خدمة أهدافها، ولتخوض بها معركتها الكبرى التي توفر للدولة العبرية درعا واقيا بحيث أصبحت أمريكا خط الهجوم الأول على المنطقة بعد أن أفلحت الصهيونية العالمية في ضرب الغرب بالإسلام وتمكنت من تصوير الإسلام كعدو خطير يهدد أمريكا والغرب عموما).
يقول الباحث مأمون السيد: عرفت الدعاية الصهيونية كيف تخاطب اليهود في الشتات بحسب مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وبحسب توجهاتهم الفكرية والعقائدية لإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين، كما عملت أيضاً على ابتكار أسلوب بارع وذكي لإقناع الشعوب والدول التي عاشوا فيها بأحقيتهم بأرض فلسطين، وبعدالة سعيهم لجعلها وطناً قومياً لجميع اليهود في العالم على الرغم من أن معظم هذه الدول وشعوبها لم تكن بحاجة إقناع للتخلص بأي شكل من الشعب اليهودي الجاثم على صدورهم.
إثر ذلك انتشرت صحافة اليهود بشكل كبير في دول أوروبا وأمريكا وروسيا، وأذعنت الكثير من الصحف والمجلات الكبرى في تلك الدول لنفوذ الصهيونية، حتى أصبح القائمون عليها هم الصهاينة أنفسهم، ليستمر اللوبي الصهيوني في ممارسته لإخضاع مختلف القطاعات المؤثرة لرغباته، ولم يسلم حتى الفاتيكان حينها من حملات الدعاية ضده من أجل انتزاع اعتراف رسمي بأخطاء الكنيسة بشأن ما تعرف بالمحارق النازية، وفي فرنسا وأمريكا في عقدي السبعينيات والثمانينيات، ازدهرت الرواية اليهودية، ففي أمريكا كانت أكبر وسائل الإعلان قوة وتأثيراً في المجتمع يملكها اليهود، وهو ما كان سبباً في انتشار الرواية الصهيونية بصفة خاصة والإبداع اليهودي بصفة عامة، نتج عنه أنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات الضخمة مثل المسلسل التلفزيوني (هولوكوست)، وأفلام مثل (يوميات آن فرانك) و(بن هوزن) و(الوصايا العشر) ومئات الأفلام من هذا النوع الداعمة للرواية الصهيونية.
في عقد التسعينيات، نجح نشاط الدعاية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا، ثم في بريطانيا وروسيا، ضد الإسلام وتصويره بانه من أخطر أعداء هذه الدولة، واعتباره عدواً للمسيحية والحضارة الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية، حيث ظهرت كتابات تمهيدية لتنصيب الإسلام في مكان العدو الأول للمسيحية والليبرالية الغربية بصورة غير مباشرة، ويذكر العالم والسياسي (صموئيل هنتنغتون)، في كتاب، “سيطرة اليهود شبه الكاملة على وسائل الدعاية الغربية بصفة عامة”.
رائدة في صناعة ونشر الدعايات السوداء
يقول الجزائريان احمد شريف بسام ووردة حمدي من جامعة يحيى فارس بالمديه في كتابهما (الأطر التاريخية والأيديولوجية للدعاية الصهيونية): قامت الصهيونية العالمية كمشروع سياسي على مغالطات دينية وتاريخية، مثل القول إن اليهود شعب الله المختار والوعد الإلهي بمنح الأرض المقدسة لهذا الشعب، ولتحقيق هذه الأهداف القائمة على التدليس والكذب والخداع، أولت الحركة الصهيونية الدعاية اهتمام خاصا وأفردت لها إمكانيات أدبية وبشرية ومالية هائلة، إذ اعتبر رواد الحركة الصهيونية الدعاية أداة لتغيير، تقييم دولا وتنهي دولا أخرى، وهكذا برزت الدعاية الصهيونية أنموذجا فريدا، من حيث بنية الخطاب الدعائي، الذي يتغير ويتطور تبعا للمتغيرات المحيطة به، وإن كان يحتفظ دائما بجذوره ومرجعيته المرتبطة بمنابع الفكر الصهيوني، وبما في هذا الفكر من مسوغات تاريخية ودينية وسياسية وثقافية واقتصادية.
ويعرف المفكر العربي إدوارد سعيد الدعاية الصهيونية بأنها أرهب جهاز دعاية في العالم يقوم بمسخ صورة شعب بأكمله، وذلك بانتهاج الإعلام الإسرائيلي لأسلوب الإغراق الإعلامي والتكرار في الرسالة (أسلوب طلقات المدفع)، واستعمال أسلوب التباين والثنائية الاختزالية بتقديم إسرائيل المتقدمة الرائدة في الشرق الأوسط، مقابل تقديم معلومات ودراسات وتقارير وإحصائيات عن التخلف في العالم العربي ونسبة الأمية، وحالة التعصب الديني والأعمال الإرهابية، وقمع السلطات وسوء معاملة الأقليات).
ويقول جيمس رستون رئيس تحرير جريدة نيويورك تايمز السابق: إن الدعاية الصهيونية تسبق الأحداث والدعاية العربية تلهث وراءها، ويقول دبلوماسي هولندي: إن الدعاية الصهيونية مثل اوركسترا متفاهمة، بينما يعزف العرب كل على هواه نغمة فردية مختلفة تشوش على النغمات العربية، حتى ال يجمعها قائد واحد، فالصهيونية العالمية ركزت منذ قيام الكيان الإسرائيلي، وبشكل هائل على الدعاية لتكبير الدور الحضاري لليهود في المنطقة العربية بالذات وفي العالم على وجه عام، ويقول المؤرخ ويلز في كتابه تاريخ العالم: ليست سوى سطور قليلة متناثرة في كتاب حضارة الشرق الأوسط الضخم الذي سطره العرب، ويؤكد ذلك الباحث حماد ربيع بأن الدعاية الصهيونية عرفت كيف تخاطب الناس حسب مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، أو حسب توجهاتهم الفكرية والعقائدية، منتهجة أساليب متنوعة لتحقيق أهدافها كالمناورة والمراوغة والتهديد، والاستعطاف والتزوير والتعظيم والتكرار والتشبه بالشعوب وعقدة الذنب ومخاطبة مراكز النفوذ واستغلال الحوادث).
ويصف المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري الدعاية الصهيونية بأنها تعتمد على مبدأ التضليل عامة، بصفة ولا يتم هذا من خلال الكذب المباشر؛ وإنما من خلال الاختصار والاختزال، والاعتماد على الإبهام والغموض، كما يلجأ الصهاينة أحيانا للغش المصقول، وقد بين”أبا إيبان”، وزير خارجية الكيان الإسرائيلي الأسبق، أن الدبلوماسية الإسرائيلية عادة ما تختار حلا للصراع العربي الإسرائيلي تعلم مسبقا أن العرب لا يمكن أن يقبلوه، ثم تبدأ آلة الإعلام الصهيونية في التهليل له، وحينما يرفض العرب مثل هذا الاقتراح، يتوجه الصهاينة للعالم متظاهرين بأن الألم يعتصرهم لرفض العرب اقتراحهم السلمي ).
لذلك يعتبر الإعلام العمود الفقري للسياسة الصهيونية باعتبار انه يلعب دورا كبيرا وخطيرا في التأسيس لفكر الصهيونية والمظلومية اليهودية، وعليه نجح إلى حد كبير بالقيام بغسل دماغ إعلامي للشعب، فالأدب والصحافة أعظم قوتين خطيرتين، وبفضل هذه الإجراءات يتم وتضخيم الحملات الإعلامية لكل ما من شأنه أن يخدم رغبتهم ويحقق أهدافهم، مع حجب الحقائق الموضوعية أو تشويهها وإظهار الجاني بريئا والضحايا هم الأشرار الحقيقيون، كما هو الحال فيما يحدث بين اليهود والفلسطينيين فالحقائق لا يجرؤ أحد على النطق بها، فقد تمكن اليهود من إسكات أي صوت يختلف مع الصوت اليهودي ومحاصرة أي فكر يناقض فكرهم. ولقد أثبتت الشواهد أنه لا يجِرؤ أحد على تفنيد مزاعمهم أو كشف الحقائق التي قاموا بإخفائها وتزييفها لأنهم أحكموا قبضتهم على العقل الغربي، فحينما أكد المؤرخ “روبيرفوريسون” مثلا أن الإبادة الجماعية لليهود هي مجرد ادعاء كاذب لا أساس له، كان جزاؤه الطرد من الجامعة، وانهال عليه ثلاثة من رجالهم بالضرب والركل في حدائق مدينة فيتشي، وعاش حياته منبوذا من الجميع بتأثير من الإعلام الصهيوني في الغرب عن أبحاثه وأفكاره، وكنتيجة لهذا التأثير الكبير، وبالإضافة إلى مواقعهم الأكاديمية، قامت المنظومة الصهيونية بإشباع الموسوعات العلمية بالمعلومات المرتبة لخدمة الهدف اليهودي، حيث بدأت عملية مراجعات تاريخية وتزوير للتاريخ، وهذا ما اصطلح عليه بـ: تهويد المعرفة، وتمثلت هذه العملية في ثالثة عناصر رئيسية وهي:
– غسل التاريخ اليهودي من كل شائنة، فأي حدث قام اليهود فيه بدور غير محمود تتم إعادة النظر فيه، إما لنفي دور اليهود فيه، أو لتبرير هذا الدور.
– سرقة العبقريات، فكل عبقرية في التاريخ، يتم اختراع نسب يهودي لها.
– احتكار المآسي، وقد تم ذلك من خلال إعادة النظر بمآسي الشعوب الأخرى، أو تبريرها أو إنكارها نهائيا، للإبقاء على مأساة اليهود على أنها المأساة الإنسانية الوحيدة، وهي تشتمل على المأساة اليهودية المعاصرة (الهولوكوست)، والمأساة التاريخية (التيه والسبي).
وبشكل عام يمكن القول إن اللوبي الصهيوني يحتل موقعا متقدما في المجتمع الأمريكي من ناحية النفوذ السياسي والإعلامي والاقتصادي، وله تأثير واضح في مجمل القرارات الداخلية والخارجية لصناع القرار في الواليات المتحدة الأمريكية، ويعد روبرت ميردوخ Murdoch Rupert أحد أهم الأقطاب الإعلامية في أمريكا والعالم والذي يجاهر بدعمه للصهيونية العالمية، إذ يمتلك شبكة ً إعلامية ً ضخمة تضم العديد من الصحف والمجلات والمواقع، إلى جانب المحطات التلفزيونية، وتقدر بعض المصادر أنه يسيطر وحده على 40 %من الإعلام في بريطانيا. وتضم مجموعة ميردوخ، 800 مؤسسة إخبارية وإعلامية تنتشر في بريطانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وإيطاليا و52 بلدا آخر. وتضم مجموعته الإعلامية في بريطانيا الصحف Times،Sunday Times،Sun، وهي توزع نحو سبعة ملايين نسخة يوميا، وتعد أوسع الصحف الشعبية البريطانية انتشارا world the of News إضافة إلى شبكة Sky التلفزيونية.
فالإعلام الأمريكي الذي يسيطر عليه الصهاينة، قام وبجدارة بعملية غسل دماغ مدروسة لشعب بأكمله، جعل من أمريكا، مجرد دولة تابعة للكيان الصهيوني، لان أجهزة الإعلام تعطي وتبث المعلومات التي يريدها للشعب الأمريكي، وتحجب عنه ما يريد، فالإعلام الصهيوني بطبيعة تكوينه لا يعرف القيود ولا توجد له حدود، فأساليبه تتصاعد من أسلوب المناورة إلى المراوغة، ثم التهديد والتشنيع بالخصم، وتعظيم الذات بأساليب وطرق يصعب على الآخرين المضي بها سواء كان العائق عليما أو أخلاقيا.