مسار التغطية الإعلامية في تأجيج الفتنة بإيران
مسار التغطية الإعلامية في تأجيج الفتنة بإيران
الصمود../
الاحتجاجات الأخيرة والتي صاحبها أعمال شغب في إيران والمستمرة منذ عدة أسابيع تتوسّع وتنتشر على وسائل الإعلام الدولية والاقليمية وفي مختلف الوكالات العالمية أكثر من انتشارها في الداخل الإيراني وعلى أرض الواقع!!
هذه الحقيقة لم تعد خافية على الكثير من المتابعين أن هناك هجمة شرسة ومركزة تهدف إلى تأجيج الأزمات في إيران وإذكاء نار الفتن، من أجل تحقيق الهدف الرئيسي والمتمثل في التأثير في عقل الأفراد للوصول إلى تشكيل رأي عام والتحكم فيه وفي المسارات المختلفة للاحتجاجات في إيران.
ما سبق لا ينفي أن هناك احتجاجات واسعة في عدد من المناطق الإيرانية خلال الفترة الماضية والتي اندلعت في أعقاب وفاة المواطنة الإيرانية من أصول كردية “مهسا أميني” بعد أن تم توقيفها من قبل السلطات الأمنية في السادس عشر من شهر سبتمبر الماضي , حيث أظهر تقرير الطب العدلي أن سبب الوفاة، هو توقف أعضاء متعددة بسبب نقص الأوكسجين في الدماغ على إثر مرض مزمن.
الحديث عن الاحتجاجات الحالية وما صاحبها من أعمال فوضى وشغب من الصعب فهمها بعيداً عن ما سبقها من احتجاجات خلال السنوات القليلة الماضية، سيما وأن تلك الاحتجاجات شهدت مشاركة أعداد غفيرة من المحتجين مع تفاقم حدة الازمات الاقتصادية التي واجهتها طهران مع تصاعد الحصار الخانق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية نتيجة للخلافات المستمرة بشأن عدد من الملفات الملتهبة خاصة الملف النووي الإيراني.
وبعيداً عن تفاصيل الاحتجاجات ومسبباتها، كان من الملفت أن وكالات الأنباء الغربية إلى جانب وسائل الاعلام الدولية والإقليمية خصوصا النفطية في سباق مع الزمن بشأن تضخيم وتأجيج الفتنة في إيران وإعطاءها حجماً أكبر من حجمها الطبيعي، وتصوير المطالب بأنها تسعى إلى إسقاط النظام في طهران.
وفي هذا الإطار كان من الملفت أن تتصدر أخبار الاحتجاجات في الداخل الإيراني على ما دونها من أحداث ولا سيما أخبار الحرب “الروسية الأكرانية” التي دخلت مرحلة أكثر خطورة مع تصاعد التهديدات باستخدام القنبلة القذرة والسلاح النووي، والمتابع لوسائل الاعلام الدولية خلال الأسابيع الماضية يلاحظ أن هناك توجه مقصود ومدروس للدفع بأخبار الاحتجاجات الحالية في ايران إلى الواجهة، هذا الواقع يضعنا أمام عدد من التساؤلات في مقدمتها: ما حقيقة الاحتجاجات الإيرانية ؟ ما وراء التغطية الإعلامية للاحتجاجات؟ وكيف تعاملت السلطات الإيرانية مع الاحتجاجات؟
حقيقة الاحتجاجات؟
كما ذكرنا أن الاحتجاجات والمظاهرات الحالية في إيران ليست الأولى فقد سبقها عدد من الاحتجاجات ولا سيما (2009 – 2017 – 2019)، ويرى عدد من المحللين أن مجموعة من المسببات كانت بمثابة الدافع للخروج في تلك الاحتجاجات منها ما هو مرتبط بالمتغيرات الاقتصادية، والمعيشية والسياسية والاجتماعية والتحفيزية والبيئية والقانونية جراء العقوبات الاقتصادية الغربية ، ومنها ماهو بدعم مباشر من جهات خارجية تسعى لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية , ليبقى العامل الاقتصادي والمعيشي هو المدخل للتأثير الأكبر في تلك الاحتجاجات.
ويرى عدد من الاقتصاديين في إيران أن الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الإيرانيين جراء العقوبات الاقتصادية الغربية خلال السنوات الماضية، ترك نسبة كبيرة من الإيرانيين يكافحون في سبيل توفير احتياجاتهم الأساسية، خاصة بعد أن سجلت الأسعار قفزات كبيرة وصل في بعض السلع والخدمات إلى أضعاف، إلى جانب تراجع كبير في قيمة العملة الإيرانية وصل إلى نحو 338 ألف “تومان” مقابل الدولار الواحد، وما يعزز حالة الاحتقان الداخلية أن احتمالية استمرار الأزمة الاقتصادية دون بوادر لحلها على المدى المنظور.
ولا بد من الإشارة، أن مجمل العقوبات الدولية على إيران فاقم إلى حدٍ كبير من حجم الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، وبحسب مراقبين فإن العقوبات وحدها لم تكن هي المشكلة الكليّة خصوصاً وأن هناك تراكم مزمن للمشاكل خاصة في البنية الاقتصادية، وترافق ذلك مع ضعف واضح في السياسات والأداء الاقتصادي من مختلف الحكومات المتعاقبة.
التغطية الإعلامية للاحتجاجات؟
الحديث عن أن هناك أيادي خفية “من عدمها” تقف خلف توسع الاحتجاجات وتحولها إلى مواجهات دامية مع أجهزة الأمن الإيرانية، لم يعد بحاجة إلى أدلة دامغة من قبل الجهات المختصة، ونقاشنا هنا لن يبحث في تلك السياقات، لكن المُتابع للتغطية الإعلامية ومسارها من قبل وسائل الإعلام الدولية وفي منطقة الشرق الأوسط يلاحظ أن هناك توجه ممنهج تجاه الأحداث في إيران من أجل إظهارها بنحو مبالغ فيه عن ما هي على الواقع.
وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أن التغطية الخبرية القوية قد جانبت الموضوعية الصحفية من خلال الايحاء أن الاحتجاجات في الشارع الإيراني تسعى إلى إسقاط النظام الحاكم، وأن السمة السائدة في المظاهرات التي تنتشر في أنحاء متفرقة من البلد، تتوحد في مطالبها .
هذا التغطية الإعلامية المبالغ فيها للاحتجاجات كانت بارزة إلى حد كبير في عدد من وسائل الإعلام على مستوى المنطقة، منها وسائل الإعلام الرسمية والممولة من قبل السعودية والإماراتية، وكان من الملاحظ أنه ومع مرور الوقت كانت الحملة تزداد شراسة في سبيل إبقاء المتابع لتلك الوسائل الإعلامية بعيداً عن ما دونها من أخبار أخرى.
تعامل السلطات مع الاحتجاجات؟
التغطية الإعلامية المنحازة من قبل العديد من وسائل الإعلام المختلفة لم يقتصر على المنطقة ولكنه مثل امتداد للإعلام الدولي بما فيها وكالات الأنباء العالمية الكبرى، بالمقابل كانت وسائل الإعلام الإيرانية في سباق مع الزمن من أجل إبراز التحركات الحكومية نحو معالجة الحدث ونزع فتيل الأزمة قبل أن تتوسع، وفي هذا السياق يمكن فهم مسارعة السلطات الإيرانية إلى التواصل مع أسرة الضحية من خلال زيارة مساعد الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي الذي قدم العزاء لأسرة ” مهسا أميني”.
وكان من الواضح أن السلطات حريصة على إعلان ذلك من خلال وسائل الاعلام الرسمية بقولها إن ممثل الزعيم الأعلى في إقليم كردستان الإيراني عبد الرضا بورذهبي قام بتقديم واجب العزاء خلال زيارته لأسرة مهسا، وخلال الزيارة كان الحرص من قبل بورذهبي على التأكيد أن الزعيم خامنئي “متأثر ومتألم لوفاتها” وبأن جميع المؤسسات المعنية سوف تتخذ الإجراءات المطلوبة من أجل حفظ الحقوق التي جرى انتهاكها، وفي ختام الزيارة وعد بور ذهبي أسرة الضحية: بأنه سوف يتابع مسار التحقيق حتى صدور النتيجة النهائية في القضية.
ولكن تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإيراني خلال الأسابيع التالية دفع الزعيم آية الله علي خامنئي إلى الخروج للجماهير والتصريح بإن الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ أسابيع كان “مخططا لها مسبقا”، وبأن “أمريكا “وإسرائيل” ، متهمتان بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات، وأضاف بقوله “أقول بوضوح إن أعمال الشغب هذه والاضطرابات تم التخطيط لها من الولايات المتحدة والنظام الصهيوني الغاصب والمزيف، ومأجوريهم وبعض الإيرانيين الخائنين في الخارج ساعدوهما”.
وأكد خامنئي أن “حادث وفاة الفتاة الشابّة كانت مريرة وأحرقت قلبي”، لكنه (الزعيم الإيراني) اعتبر أن “رد الفعل دون أي تحقيق كان غير طبيعي”، وبأن المسألة ليست حول قضية الحجاب في إيران وكثيرات هن النساء الإيرانيات اللواتي لا يرتدين حجاباً كاملاً وهن من الأنصار الحقيقيين لنظام الجمهورية الإسلامية.
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن التصريحات المنقولة عن المرشد تشير أن هناك تفهّم للضرر الذي لحق بالأسرة وبردة الفعل العفوية في الشارع الإيراني وبأن تلك الاحتجاجات في أيامها الأولى تأتي في سياقها الطبيعي، ولكن ما أعقبها قد ينظر اليه بأنها محاولة متجددة من قبل بعض الأطراف الخارجية في التأثير على الشأن الداخلي في إيران .
يبقى القول، أن الاحتجاجات في الشارع الإيراني وما سبقها خلال السنوات الماضية من موجات احتجاجية، بدا أن سببها في المقام الأول اقتصادي معيشي، ولكن الحديث عن أن هناك تمرد عنيف من المحتجين أو قمع من السلطات يسود المسار العام للاحتجاجات ليس إلا أكاذيب إعلامية وافتراءات (أمريكية -إسرائيلية) الهدف منها إشعال المزيد من نيران الفتنة من جهة وتحويل المحتجين عن أهدافهم الفعلية من جهة أخرى.
سبأ: مركز البحوث والمعلومات