صمود وانتصار

احتلال المخا.. إستكمال لمشروع استعماري قديم !

احتلال المخا.. إستكمال لمشروع استعماري قديم !

الصمود../

في عام 1820م مدافع البريطانيين تضرب ميناء المخا وعام 1920م بريطانيا تستكمل احتلال الساحل اليمني بدءاً من ميناء المخا حتى ميناء اللحية بعد ضربها بالمدافع مدينة الحديدة واحتلالها وخلال الحرب العالمية الثانية عام 1941م بريطانيا تستولى على جبل الشيخ سعيد المطل على مضيق باب المندب وفي عام 2017م وكلاء بريطانيا وأمريكا يحتلون ميناء المخا بعد شنهم العدوان على اليمن عام 2015م.

تنافس استعماري

بدأ النشاط البريطاني في السواحل اليمنية منذ القرن السابع عشر الميلادي وذلك عندما منحت اليزابث الأولى ملكة بريطانيا شركة الهند الشرقية امتيازا يخولها إقامة مشاريع تجارية في المنطقة إلا أن الشركة أقتصر نشاطها على حماية طرق المواصلات بين أوروبا والهند وكذا حماية التجارة البريطانية في حوض المحيط الهندي؛ سعيا إلى استبعاد القوى الغربية التي تنافسها في المنطقة كالبرتغال والفرنسيين والأمريكيين .

وقد كانت أولى محاولات الشركة الهندية البريطانية الجادة لدخول السواحل اليمنية في عام 1610م، حينما أرسلت السير هنري ميديلتون برحلة إلى المخا بثلاث سفن  إلا أنه وقع في أسر حاكم ميناء المخا وقد تم ترحيله ومعه ثلاثون بحارا إلى صنعاء..

ورغم ذلك استمر سعي البريطانيين من أجل الوصول إلى البحر الأحمر عن طريق سواحل اليمن  ففي عام 1618م نجحوا في تأسيس أول وكالة بريطانية ومقر للمندوب البريطاني في ميناء المخا  حيث سمح لهم  بأن يتاجروا بحرية على امتداد سواحل اليمن وأن يتبادلوا السلع التجارية مع السفن الهندية فيها وأن يتزودوا بكل ما يحتاجونه من ميناء المخا ، كما حدد لهم ضرائب الاستيراد والتصدير بنسبة 3%

وعندما ظهر الفرنسيون كقوة عظمي في الشرق باحتلالهم مصر عام 1798م أصبحوا يشكلون تهديدا مباشرا على المصالح البريطانية التجارية في البحر الأحمر وكذلك على درتهم الثمينة مستعمرة الهند من هنا شعرت بريطانيا بالخطر من وجود الفرنسيين ولمست تهديدا واضحا على مصالحها  بدأت بريطانيا تهتم بالبحر الأحمر اهتماما كبيرا وقامت بعدة إجراءات منهاـ إرسال بارجة إلى مدخل البحر الأحمر لتفتيش السفن سواء كانت فرنسية أو أوروبية وبعد كل ذلك أقدم البريطانيون على خطوة أكثر جرأة  وهي احتلالهم ـ بالقوة العسكرية ـ جزيرة ميون اليمنية  التي تشرف على مضيق باب المندب في البحر الأحمر وقد برروا تصرفهم هذا لحكومة صنعاء بأن الفرنسيين اتخذوها مقرا لهم للسلب والنهب وأن البريطانيين سيقومون بإرسال سفن مصحوبة بالمدافع للحماية العامة ولمراقبة مدخل البحر الأحمر من هجمات الفرنسيين

بعثات تجارية

ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي  بعثت الحكومة البريطانية السير هوم بوفهام على رأس بعثة إلى البحر الأحمر من أجل إحياء التجارة بين موانئ المنطقة ومستعمرة الهند البريطانية من جديد وذلك بعد النشاط الأمريكي الملحوظ في الموانئ اليمنية . لذا أعطت بريطانيا مبعوثها بوفهام صلاحيات تمكنه من عقد صفقات واتفاقيات من شأنها توطيد المصالح البريطانية وتدعيم تجارتهم في سواحل اليمن لكي يتمكنوا من حماية مصالحهم في البحار الشرقية .نجح بوفهام في عقد اتفاقية صداقة وتبادل تجاري مع السلطان أحمد عبد الكريم العبدلي سلطان لحج وعدن عام 1802م

وفي نفس العام استقبل الإمام المنصور علي بصنعاء الطبيب برنجل المقيم البريطاني في ميناء المخا الذي أرسلته حكومة الهند البريطانية في مهمة خاصة إلى صنعاء فمنحه المنصور امتيازات خاصة  كما أصدر أمرا إلى عماله في الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر (المخاـ الحديدةـ اللحية) بتقديم جميع التسهيلات والاحتياجات اللازمة للسفن البريطانية وبالأسعار العادية وذهب الإمام إلى أبعد من ذلك بإعطائه موافقته على بناء مستشفى عسكري بريطاني على أرض مدينة المخا.
والحقيقة أن ذلك يعد نجاحا كبيرا للسياسة البريطانية في السواحل اليمنية فقد أصبح لها وضع مميز في تهامة اليمن استطاعت من خلاله بعد ذلك فرض هيمنتها على الشريط الساحلي الغربي لليمن.

بعد ذلك هدأت الأوضاع في البحر الأحمر ما بين عامي (1806م إلى 1816م) إذ لم تقم بريطانيا بأي عمل سياسي أو عسكري في المنطقة بل مارست التجارة- ولاسيما تجارة البن ـ الذي أصبح استثماره مربحا في ميناء المخا  والذي أصبح في تلك الفترة أهم سوق للحصول على البن اليمني  نظرا لموقعه الهام على البحر الأحمر لذلك دخل في دائرة اهتمام بريطانيا وأصبح هدفا لها فبعد دخول قوات  محمد علي باشا الجزيرة العربية ـ بحجة القضاء على الدعوة الوهابية ومطاردة أتباعها في تهامة اليمن وأصبح  المتحكم الأول في سواحل البحر الأحمر وتجارته وهذا ما أثار قلق بريطانيا تجاه تحركات محمد علي في المنطقة فقد أصبح يشكل تهديدا لمصالحها التجارية في البحر الأحمر.

العدوان الأول

وبحلول عام 1817م حدث خلاف بسيط بين حاكم المخا والضابط البريطاني المقيم في الوكالة البريطانية التجارية في المخا مما جعل الحكومة البريطانية تسارع إلى وضع خطط لحصر نفوذ محمد علي خاصة في اليمن وذلك من خلال استغلالها حادثة ترحيل عامل المخا للوكيل البريطاني التي مضى عليها عامين.

فلم تجد سوى أن تطالب برد اعتبار بريطانيا من عامل المخا رغم مرور عامين، لكنها قبل ذلك قامت بعدة إجراءات منها قامت حكومة بومباي بدراسة ميناء المخا والموانئ الأخرى ووضعت الخرائط والخطط استعدادا للحملة وبهذا استطاعت بريطانيا دراسة موقف محمد علي باشا وضعف حكومة صنعاء آنذاك وعدم تمكنها من حماية أراضيها  لذا أرسلت أول سفينتين حربيتين ملكيتين إلى المخا  كما أمرت قواتها المرابطة في الخليج العربي كذلك بالتوجه صوب المخا مباشرة.

وكانت تلك القوات بقيادة القائد وليام بروس الذي وصل إلى ميناء المخا في 3أكتوبر عام 1820م و أعلن أن ميناء المخا في حالة حصار  وظل الوضع في حالة توتر إلى أن وصلت من الخليج السفينة الملكية الحربية (توباز) والسفن الأخرى التابعة لها وفي 3 ديسمبر من عام 1820م بقيادة الكابتن لوملي إلى ميناء المخا قرر بعد أن أطلعه بروس على كل ما حدث بينه وبين حاكم المخا وحكومة صنعاء من مفاوضات ضرب المخا بالمدافع وفي صباح يوم 4 يناير من عام 1821م نزل بروس من سفينته الحربية إلى المخا بالتحية العسكرية، وسط الدمار والخراب وجثث الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء ليفرض بعد ذلك شروطه في معاهدة تجارية مع حكومة صنعاء في 15 يناير 1821م كفلت للوكيل البريطاني في ميناء المخا أن يكون بمثابة المندوب السامي البريطاني وأكثر من هذا عملت انجلترا على إخضاع ميناء عدن بعد ان تبينت اهميته الكبرى في التحكم بالبحر الاحمر من الجنوب فاحتلته في 19 يناير 1839م وكذلك تصدت من قبل لامتداد نفوذ محمد علي في الخليج العربي شرقا ومضيق باب المندب جنوبا وعاودت السيطرة على جزيرة ميون بناء على تقرير المقيم السياسي البريطاني في عدن الى حكومة بومباي في سنة 1856م، وهكذا سيطرت انجلترا على المدخل الجنوبي للبحر الاحمر واصبحت صاحبة السيادة في عدن وباب المندب والمحيط الهندي بأكمله واستخدمت لتحقيق ذلك كافة الوسائل الدبلوماسية والعسكرية المتاحة لها.

العدوان الثاني

مع قيام الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) انضمت الدولة العثمانية لألمانيا والنمسا ضد بريطانيا وفرنسا وبذلك كانت أهم المعارك البحرية التي نشبت بينهما وكانت ساحتها البحر الاحمر فقد قامت الاساطيل البحرية البريطانية باحتلال جزر يمنية كجزيرة كمران وتشديد الخناق والحصار البحري على موانئ وسواحل اليمن ومع هزيمة المانيا والدولة العثمانية نهاية الحرب وبذريعة عدم استسلام كافة القوات العثمانية في اليمن اقدمت بريطانيا على احتلال الساحل اليمني بما فيه ميناء المخا إلى ميناء اللحية واقدامهم على ضرب ميناء الحديدة بالمدافع واحتلاله وفي ذلك  اورد الدكتور سيد مصطفي سالم في كتابه (تكوين اليمن الحديث) (ففي أواخر عام 1918م هجم الانجليز على الحديدة بإحدى عشرة سفينة على حين غفلة بعد طلوع الفجر من غير إعلان ولا استعداد وضربوها بالمدافع وخربوها وذهبت أموال كثيرة وفر أهلها الى التهايم في حالة بؤس ولم يأخذوا معهم شيئا وكل واحد نجا بنفسه والمدافع تطلق قنابلها ثم احتل الانجليز الحديدة..)

وباحتلالها انقطعت الروابط والصلات بين مناطق اليمن الداخلية والجبلية والمناطق الساحلية التهامية وتوقف بذلك القسم الأكبر من طريق التجارة الخارجية لليمن.

وبذلك أصبح الساحل الغربي تحت السيطرة البريطانية مما شكل ورقة ضغط سياسية واقتصادية على حكومة صنعاء اقتصاديا حرم صنعاء من منفذها الاقتصادي واتصالها بالعالم الخارجي وحول تجارتها نحو ميناء عدن.. وسياسيا حاولت بريطانيا الضغط على صنعاء للاعتراف بها في جنوب اليمن مقابل تسليم الحديدة لصنعاء وحينما رفضت صنعاء الانصياع للمحتل والاعتراف بشرعيته في احتلال جنوب اليمن اقدم المحتل في عام 1921م بتسليم الحديدة للشريف الادريسي بعسير مما دفع صنعاء عسكريا لتحرير الساحل الغربي في عام 1925م واسترجاع ميناء الحديدة .

وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية زاد نفوذ بريطانيا في اليمن بصورة كبيرة فكانت السلطات البريطانية قادرة على ممارسة ضغط اقتصادي على حكومة صنعاء فعبر ميناء عدن كانت تجرى كل عمليات التصدير والاستيراد واثناء الحرب مارس الانجليز ضغطا سياسيا وعسكريا على حكومة صنعاء ففي عام 1941م وباسم ضمان سلامة الملاحة في مضيق باب المندب احتلت بريطانيا منطقة جبل الشيخ سعيد والتي تقع ضمن نطاق مدينة المخا

وجاء ذلك الاحتلال في ظل تنافس استعماري محموم فرنسا وايطاليا وامريكا والمانيا على السيطرة على مضيق باب المندب والسواحل اليمنية المشرفة عليه وأهمها ميناء المخا لموقعه الاستراتيجي والاقتصادي كذلك لما يمتلك من مخزون نفطي لم يكتشف ومحاولة امريكا بالخمسينيات من القرن الماضي عقد اتفاقيات مع حكومة صنعاء للتنقيب عن النفط في المخا والساحل الغربي .

مشروع استعماري

ومع شن العدوان على اليمن في 26مارس 2015م كان ذلك استكمالاً لمشروع استعماري لم يكتمل منذ ثلاثة قرون يهدف الى السيطرة الكاملة على السواحل اليمنية وفصل تهامة كدولة ساحلية مستقلة عن اليمن وتأمين طريق التجارة البحرية وخاصة نقل النفط من المنطقة عبر مضيق باب المندب.

وبعد عامين من العدوان على اليمن تمكن المحتلين من احتلال مدينة المخا سنة 1917م تدفعهم اطماعهم القديمة بتحقيق ما عجزوا عنه في الماضي والاخطر من ذلك فأحداث التاريخ ومجرياته تشير أن بقاء الغازي والمحتل في السواحل والجزر اليمنية بمثابة تهديد  مباشر وخطر محدق بصنعاء فهو بمثابة خنجر مغروس في خاصرتها لابد أن تتخلص منه بتحرير المناطق الساحلية.. فالمحتل بالماضي حينما عجز عن الانتصار عسكريا على صنعاء تمسك بالسواحل ودخل في هدنة مع حكومة صنعاء مستغلا أي صراع داخلي للنفوذ نحو الداخل وهذا ما حدث إبان السيطرة العثمانية على اليمن حيث استولوا على ساحل تهامة عام 1849م لكنهم دخلوا صنعاء عام 1872م بعد أن سنحت الفرصة لهم وقبل ذلك ايضا بالسيطرة الاولى على اليمن.
والسؤال هل تدرك صنعاء خطورة بقاء الغزاة والمحتلين في المخا وجزيرة ميون؟!

المصدر: صحيفة 26 سبتمبر