صمود وانتصار

أخيرًا رضخت أمريكا وانتصر الرئيس الفنزويلي مادورو بالضّربة القاضية.. ما هي الأسباب الأربعة التي تكمن خلف هذا الانتِصار المُشَرّف؟ وما هي الدّروس المُستفادة منه عربيًّا خاصَّةً في لبنان؟

أخيرًا رضخت أمريكا وانتصر الرئيس الفنزويلي مادورو بالضّربة القاضية.. ما هي الأسباب الأربعة التي تكمن خلف هذا الانتِصار المُشَرّف؟ وما هي الدّروس المُستفادة منه عربيًّا خاصَّةً في لبنان؟

مقالات|| الصمود|| عبدالباري عطوان

أخيرًا استسلمت الولايات المتحدة الأمريكيّة، ورضخت للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وشُروطه، واعترفت بزعامته، وقرّرت رفعًا تدريجيًّا لعُقوباتها التي فرضتها على فنزويلا طِوال الأعوام الأربعة الماضية، وذلك بترحيبها بالاتّفاق الذي جرى التوصّل إليه في العاصمة المكسيكيّة، بين الحُكومة الفنزويليّة والمُعارضة، وإعطائها، أيّ أمريكا، الضّوء الأخضر لشركة “شيفرون” النفطيّة العِملاقة بالعودةِ للعملِ في فنزويلا.

 

أين “الرئيس” خوان غويديو” الذي اعترفت به أمريكا رئيسًا “بديلًا” للرئيس مادورو، ودعمت عدّة مُحاولات انقلابيّة لإيصاله إلى قصر الحُكم في كاراكاس، وفتحت له أبواب خزائنها، وقواعد لتدريب المُسلّحين من المُرتزقة في كولومبيا المُجاورة لتغيير النّظام الشّرعي المُنتَخب؟

 

الإجابة تأتي في كلماتٍ معدودةٍ وهي ذهابه (غويديو) إلى مزابل التّاريخ، وقضاء ما تبقّى من حياته معزولًا مُهانًا، يتعيّش من فُتاتِ صدقات البيت الأبيض، وبعض المُحسنين الآخرين، أُسْوَةً بكُلّ عُملاء أمريكا من أمثاله.

 

الاتّفاق الاجتماعي الواسع الذي رعاه الرئيس اليساري المكسيكي الجديد، بدَعمٍ من نظيره الكولومبي، ووساطةٍ نرويجيّةٍ بمُوافقةٍ أمريكيّةٍ أوروبيّةٍ، سيُؤدّي إلى تخفيف العُقوبات الظّالمة التي فرضتها أمريكا بدَعمٍ من 60 دولة من عُملائها، ممّا سيُؤدّي تدريجيًّا إلى تحسين ظُروف معيشة الشّعب الفنزويلي، وتخفيف حدّة الهجرة (7 ملايين مُهاجر فنزويلي لجأوا إلى دول الجِوار)، وفكّ “التّجميد” عن مِليارات الدّولارات العائدة للخزينة الفنزويليّة من قِبَل النّظام المالي الدّولي بتحريضٍ أمريكي.

 

العُقوبات الأمريكيّة، والمُحاولات الانقلابيّة التي قادَها جون بولتون مُستشار الأمن القومي الأمريكي الكريه، وسِياسة الحِصار الاقتِصادي والسّياسي الشّرسة، كُلّها فشلت بسبب صُمود الشعب الفنزويلي، والتِفافِه حول رئيسه المُنتخب مادورو، ولا نستبعد أن يفوز بولايةٍ ثالثةٍ في الانتخابات التي جرى الاتّفاق عليها بين الحُكومة والمُعارضة عام 2014.

 

فنزويلا التي تملك أكبر احتياطات نفطيّة في العالم جاع شعبها، ونقول ذلك حرفيًّا، بسبب العُقوبات الأمريكيّة، ولم يجد مُعظم الفنزويليين لُقمة الخُبز وقارورة الحليب لأطفالهم، ولكنّه شعبٌ شريفٌ وطنيّ لم يركع ولم يستسلم.

 

أربعة أسباب رئيسيّة أدّت إلى تحقيق هذا الانتِصار الكبير للشّعب الفنزويلي، ورئيسه، والهزيمة المُهينة لأمريكا وعُملائها، والتكتّل الأوروبي ومنظومة الأنكلوسكسون التي دعمت عُقوباتها على فنزويلا:

 

  • الأوّل: صُمود الرئيس مادورو والشّعب الفنزويلي والتِفافهم حوله، وعدم الرّضوخ للعُقوبات الأمريكيّة.

 

  • الثاني: فوز أحزاب اليسار في ثماني دول في أمريكا الجنوبيّة، وخاصَّةً في المكسيك وكولومبيا (لأوّل مرّة في تاريخها)، والبرازيل، الأمر الذي غيّر ملامح خريطة الحُكم بشَكلٍ جذريٍّ، وهزيمة حُلفاء أمريكا.

 

  • الثالث: هزيمة “أوّليّة” للحرب الأمريكيّة في أوكرانيا، وتمرّد الحُلفاء الأوروبيين، وحُدوث أزمة طاقة على مُستوى العالم، وفشَل كُل مُحاولات إيجاد البدائل للنفط والغاز الروسي، الأمر الذي دفع إدارة جو بايدن إلى الذّهاب “زاحفةً” إلى كراكاس طالبةً السّماح، والمُصالحة، والنفط والغاز، بطبيعة الحال.

 

  • ّالرابع: وقوف مُعظم حُكومات أمريكا الجنوبيّة ضد العُقوبات الأمريكيّة، ودعمها للرئيس مادورو، ولا ننسى أيضًا دعم إيران وإرسالها ناقلات النفط والخُبراء لإصلاح قِطاع الطّاقة الفنزويلي.

 

نتمنّى على الشّعوب العربيّة أن تحتذي بتَجربةِ الانتِصار الفنزويليّة هذه على الصُّعُد كافّة، وأن تصمد في وجه العُقوبات التركيعيّة الأمريكيّة هذه خاصَّةً في سورية ولبنان وفِلسطين المُحتلّة، وأن تَنْبُذ وتَطرُد، كُلّ عُملاء أمريكا الذين يُطالبون بالرّضوخ للعُقوبات الأمريكيّة هذه تحت أعذار مُتَعَدِّدَة أبرزها المُعاناة الشعبيّة.

 

أمريكا لا تعترف ولا تخاف إلا من الشّعوب القويّة وقِياداتها الوطنيّة الصّلبة ذات النّفس الطّويل، ولنا في فنزويلا وكوبا وسورية وإيران وكوريا الشماليّة أبرز الأمثلة.