صمود وانتصار

الوَحْـدَةُ.. المفتاحُ الرئيسيُّ لمواجهةِ مشاريعِ الاستعمارِ والاستكبار

تقرير/ سُلَيمان ناجي آغــــــــا
يقفُ الـيَـمَـنيونَ في اللحظةِ الراهنةِ أَمَـامَ امتحانٍ مصيري، أمَّا بخصوصِ وطنيةِ جميعِ أَبْـنَــاء الشعب، شَمَـالاً وجَـنُـوْباً شرقاً وغرباً، فلا أحدٌ يستطيعُ التشكيكَ بها، لكنهم يقفون الآن أَمَـام خياراتٍ مصيرية.
هل يتمسَّكون بما يغذّيه ويعمل عليه المستعمرُ خَـاصَّـةً أَمَـام قرع طبول التدخل الأَمريكي المباشر؟ أم يتراجعون؟!، وهم يعلمون حقيقةً، أَيَّ مستقبلٍ ينتظرهم، وقد بدأ يكشر أنيابه بالقاعدة وداعش وبقية الحركات الإرْهَــابية المتطرفة!!
بالتأكيد إن الاختيارَ يستوجبُ التمسُّكَ بالمسؤولية الوطنية، وتحديداً في لحظة يشعر فيها المواطنُ الـيَـمَـنيُّ بأّن ما تريدُه قوى الاحتلال الغربي يناقضُ ما تدّعيه على افتراض أو تحاول الترويج له وقد أَصْبَحت الحقيقةُ واضحةً للعيان.
لكن بذات الوقت يدركون أن نتائج المراحل السابقة، والأزمة الراهنة، تضعُهم على عتبة الانهيار المتناقض بكل ما للكلمة من معنى.
ما العمل إذاً؟ هل يستسلم الـيَـمَـنيون وأَبْـنَــاء المحافظات الجَـنُـوْبية لقَدَرِهم، في وقتٍ يثبت فيه التأريخُ أنهم أَبْـنَــاءُ الحرية وَأَن الأَرْضَ الـيَـمَـنية مقبرة للغزاة والدفاع عن الوطن.
فالوطنية، وإن كانت تحمِلُ في أحدِ مستوياتها حق الإنْسَـان وواجبه في الدفاع عن وطنه، لكنها بذات اللحظة تعني الحفاظَ على حقوق المواطَنة والعَيْش الكريم. فهل كان هذا متوافراً للإنْسَـان الـيَـمَـني؟ ماذا بدا العُـدْوَان يعطي سوى قوى الظلام التي تتهدّد الـيَـمَـنين بمستقبلٍ قاتمِ الملامح، فالجميعُ بات يُدرِكُ أنّ العُـدْوَانَ على الـيَـمَـن هدفُه هدْمُ الإنْسَـان والحجر على حدٍّ سواء.
عن أَي شيء يدافع الـيَـمَـنيون، وعن أية أَهْـدَافٍ يناضلون، في لحظة تفترِضُ منهم جميعاً، ومن منظور الواجب الوطني والمسؤولية، التوحُّدَ أَمَـام خطر خارجي يتهدد وحدة الوطن ومصيره ووجوده؟ ونتساءل: ماذا تعني مثلاً عودةُ عُملاء ومجرمين وشرعية مزعومة، بعد ضياع الوطن وتحوّله إلَـى ركام؟ هل سيحكم من ينتصر، بقايا الـيَـمَـنيين الذين حولهم العُـدْوَان إلَـى أشلاء وأشباه كائنات بشرية، أم سيحكم ركام الـيَـمَـن وأنقاضها؟
إذاً، لَا بُـدَّ من الربط بين المهمات الوطنية السيادية والسياسية والاجتماعية. فليس مبرراً لأحد أن يبيعَ وطنه تحت أَية ذريعة كانت؛ لأن اللحظة التي يتم فيها استهداف الوطن وتقسيمه وتجزئته وإثَـارَة النزاعات والحروب الداخلية والصراعات يتوجب الوَحْـدَة من أجل مقاومة ودحر المحتلين.
ما تقدمنا به يستوجبُ منا الوقوفَ أَمَـام دلالات مفهوم الوطنية، وفي أشكال تجلياته الأولية. فهو يستغرق الحفاظ على الوَحْـدَة الوطنية أَمَـام التدخلات الخارجية، والحفاظ على وَحدة وتماسك مكونات البنية الاجتماعية، في إطار الوَحْـدَة الوطنية القائمة، وهنا يتوجب الوَحْـدَة بشكل عميق لمواجَهة الغزاة والمحتلين وَأَن يتم إنهاء الاحتلال.

الوَحْـدَة ضرورة لمقاومة الاحتلال
إنَّ ربطَ مقاومة الاحتلال بالوَحْـدَة، هو المفتاحُ الرئيسي لمواجهة كُلّ مشكلاتنا، وهي المواجهة القائمة على التلازُم بين الوَحْـدَة والمقاومة، فالاحتلالُ – كما التدخل الخارجي – يتسلّلُ عادةً من ثغرات تكمُنُ في بُنيان الوَحْـدَة الوطنية أَوْ القومية أَوْ الإسْــلَامية، فيما مقاومة الاحتلال تعزز الاحساسَ بالوَحْـدَة وتستمد منها القدرة على الاستمرار والتطور.

محنةُ الشعب وصمودُه
يجبُ علينا أن نستعرضَ جُملةَ أَفْكَـار كوَّنتها المواكبة شبه اليومية لمحنة شعبنا العظيم منذ بداية العُـدْوَان والحصار إلَـى التدخل الأَمريكي المباشر في الجَـنُـوْب وما ارتكبه من جرائم وانتهاكات.
– إن يوم 26 من مارس 2016م لم يكن يوم عُـدْوَان أَمريكي على الأُمَّـة والحضارة فحسب. بل كان أَيْـضاً يوم انطلاق واحدة من أعظم مقاومات العصر سواء في سرعة انطلاقتها أَوْ مدى فعاليتها، أَوْ قدرتها، فاستطاعت رغم ما تعرّضت له من حصار وعُـدْوَان غاشم وبربري، على أن تهزم القوة الأكبر في العالم، وَأَن توقف زحفَ مشروعها الاستعماري للهيمنة على المنطقة، وَأَن تفسحَ في المجال لإرادة الاستقلال في العديد من دول العالم؛ لأن تتحول إلَـى قوة فاعلة تعيد ترتيب العلاقات الدولية،
– إن هزيمةَ العُـدْوَان السعودي الأَمريكي، بعد تكبيد إدارتِه الخسائرَ الضخمةَ على المستوى البشري والاقتصادي والاستراتيجي والأَخْــلَاقي، وإجبار حلفائها على إجلاء قواتهم من بلاد مأرب وباب المندب، تعني أن الانتصارَ المجيد قاب قوسين أَوْ أدنى.
– لقد أظهرت الأَيَّــامُ القليلةُ الماضية أن هدفَ العُـدْوَان على الـيَـمَـن ومَن عاونه، وسهّل تقدم قواته، وحرض حكوماته على العُـدْوَان على الـيَـمَـن، لم يكن مجرد إعَــادَة شرعية مزعومة، بل كان أَسَـاساً إسقاطاً لدولة ولكيان، لمجتمع ولجيش، لموقع ولموقف، لدور ولرسالة، وهو درسٌ ينبغي أن نتنبه له ونحن نواجه حالات مماثلة في وطننا العربي، حيث شبح التدمير يُطل بمزاعمَ عدة، منها مكافحة الإرْهَــاب الذي أَصْبَحت لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على أَي شعب، وشبح الفوضى والقتل يطل باسم حرب الإرْهَــاب.
– أن عاماً ونصف عامٍ من العُـدْوَان ومن معاناة الـيَـمَـنين تقتضي منا أن نجريَ جردةَ حساب، فننصف مَن كان ذا رؤية سليمة لأَهْـدَاف تلك الحرب العُـدْوَانية منذ اللحظة الأولى، وندعو من أساء التقديرَ أَوْ أخطأ إلَـى مراجعة نفسه بجُرأة وصدق، ونحاسب كُلَّ مَن حرّض وتواطأ وتخاذل وتآمر وفتح أرضه ومياهه وأجواءه لقوات الاحتلال أن تعبر إلَـى الـيَـمَـن.
لقد تمت محاسبة البعض من هؤلاء وسيواجه الآخرون الحساب العسير من ربهم أولاً ومن شعبهم ثانياً ومن التأريخ دائماً.
– لقد واجهت الـيَـمَـن لجاناً شعبيةً وجيشاً، وبكل مكوناتها، واحدةً من أخطر عمليات التعتيم والتضليل والتشويه التي عرفتها مقاومة في العالم. فصوّرها أعداؤها منذ البداية أنها انقلاب وميليشيات.
– وكما كشفت الحربُ الأَمريكية السعودية – الاستعمارية على الـيَـمَـن، الأَهْـدَافَ الاستراتيجية الأَمريكية القائمة على تدمير الـيَـمَـن، وحماية الكيان الصهيوني، ووضع اليد على موارده النفطية وآثاره التأريخية.. إن التذكيرَ بهذه الحقيقة لا يتصل بالماضي فقط، وإنما بالحاضر والمستقبل أيضاً؛ لأن الحرب على المنطقة ما زالت مستمرةً؛ انطلاقاً من الـيَـمَـن ولبنان وسوريا عبر استهداف أقطار أُخْــرَى التي تواجه أَيْـضاً حرباً لا تستهدف نظاماً أَوْ حزباً أَوْ رئيساً فحسب، بل تستهدف الدولة والمجتمع، الشعب والجيش، العُمران المادي والنفسي، النسيج الوطني والاجتماعي، الموقع والموقف والدولة والرسالة.
– إن ما اُرتُكِبَ من مجازرَ وجرائمَ على يد الاحتلال وأَدَوَاته بحق الشعب الـيَـمَـني، بما فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنْسَـانية، يستوجب حراكاً على المستوى القضائي لمحاكمة كُلّ مجرمي الحرب الأَمريكية في الـيَـمَـن والتعويض على الـيَـمَـن بكل ما تكبّده من خسائرَ وأَضْـرَار.
فمقاومة الاحتلال وآثاره يجب أن تُعطى الأولوية داخل الـيَـمَـن وعلى مستوى كُلّ فرد يمني وعلى مستوى الأُمَّـة، وينبغي أن تتم ترجمتُها إلَـى مقاومة يمنية شاملة؛ لأن هدف الاحتلال الأَمريكي، كان وما زال، هو الأُمَّـة كلها لا سيّما قوى المقاومة ومن يساندها.
ويجب على الـيَـمَـنيين الأَكْثَــر إدْرَاكاً لأهمية هذه المراجعة، فتأريخهم المعاصر هو عبارة عن محطات من الانتقام والثأر بين قواهم، حيث ينتقم مَن هو في موقع القوة من الآخرين الذين لا يستطيعون مواجهته.
أما المصالحة القائمة على هذه المراجعة فهي الطريق لكسر حلقة العنف المفرغة والمتجددة، بل لمحاصرة سلبيات الماضي والتطلع إلَـى ايجابيات المستقبل، بل هي السبيل إلَـى تحصين الوَحْـدَة الوطنية في مواجهة مخاطر التقسيم التي تلوح في الأفق، والى تحصين الاستقلال والأمن القومي من كُلِّ محاولات التلاعُب الخارجي بأمن البلاد واستقلالها واستقرارها.
في المصالحة يتنازل كُلُّ فريق لصالح الوطن، فلا يبقى مناضلٌ اعتقله المحتل أسيراً، ولا مجاهد منفياً، ولا مكوّن سياسي أَسَـاسي مَقْصّياً، ولا لُغة التخوين المتبادل قائمةً، ولا قانون الإرْهَــاب مُسْلَطاً على رقاب الـيَـمَـنين، ولا منطق التفرد والاستئثار سائداً، ولا دستور أنشأه المحتل متجاهلاً إرادة الـيَـمَـنيين وعقولهم، كما تجسّدت في مشروع الدستور الذي أعدته أو حاول إعداده دون التوافق عليه.
في المصالحة طريقٌ لتحقيق المشاركة الحقيقية بعد أن أثبتت التجارب، على مرور الزمن، أن ما من طرفٍ أَوْ فئةٍ تستطيعُ بمفردها أن تقدّمَ إجابات على التحدّيَّات الخطيرة التي تواجه الوطن، كما الأُمَّـة.

الوَحْـدَة من أجل مقاومة الاحتلال هي الخلاص
إنَّ معادلةَ الوَحْـدَة الـيَـمَـنية من أجل مواجهة الغزاة والمحتلين هي اليومَ معادلةُ الخلاص الوطني والقومي في الـيَـمَـن وخارج الـيَـمَـن، وهي تستحقُّ نضالاً وكفاحاً وتجاوزاً لجراح لو بقينا أسرى لها توسَّعت وطالت أجيالاً جديدة ونالت من وَحدة الوطن واستقلاله وهُويته العربية.
وعلى الرغم من اعتقاد بأن قوى العُـدْوَان ما زالت قوةً كبرى من الخطأ الاستهانة بقُدراتها، لكن أعتقد أَيْـضاً أن ما واجهته هذه الدول في الـيَـمَـن من مقاومة بطولية وصمود أسطوري على مدى عام أَكْثَــر أربك اندفاعاتها وجعلها تبحَثُ عن وسائلَ أُخْــرَى لتحقيق أَهْـدَافها والانتقام مِن كُلّ ما ساهم في عرقلة هذه الاندفاعة، وهو ما يتطلبُ من قوى المقاومة والممانعة أَيْـضاً تطويرَ أساليب مواجهتها واعتماد استراتيجية تركّز على التلازُم بين الوَحْـدَة والمقاومة ليس داخل الـيَـمَـن فحسب بل على مستوى الأُمَّـة بأسرها.
ومن المهم الاستشعار بالأخطار التي يواجهها الجميع، ولا يُستبعد منها أَي طرف فاعل داخل الـيَـمَـن أيّاً كانت المبررات.
فالجميعُ مدعو أنْ لا يبقى أسير الماضي، بل يتطلع إلَـى المستقبل، فإذا كان الماضي في بعض جوانبه يفرّق، فالمستقبل بالمقابل يوّحد.
هذه أَفْكَـارٌ في ذكرى تحرك فينا الألم والـيَـمَـن تتعرض لاحتلال الـيَـمَـن، وتحرك فينا الأمل في أن تكونَ ذكرى وَحدة في مقاومة الاستعمار والاستكبار وستكون نواةً لتحرير الوطن العربي وَالمنطقة والعالم كله.
الـيَـمَـنُ تُعتَبَرُ الفريدة والوحيدةَ، تحققت فيها وَحدةٌ وكَسَرت كُلَّ الحواجز المناطقية والمذهبية، وذلك كفيلٌ بالحفاظ على الوَحْـدَة المتآمر عليها وطرد الغزاة والمحتلين.
وبما أن الـيَـمَـنَ هي الدولة الوحيدة التي تحققت فيها الوَحْـدَة في الوقت الذي كان العالمُ في مرحلة تفكُّك وتشرذُم وتصدّع أقطاب عالمية يؤهلها بالحافظ على هذه الوَحْـدَة ومواجهة الأخطار المحدقة بالوطن ككل وليس الوَحْـدَة فقط، فوحدة الـيَـمَـنيين ركيزة من بين ركائز بقائهم وَأَسَـاساً من أُسُس تطورهم وَتقدمهم وَدليلا ًقاطعاً على تلاحُم الشعب، إذ يظهر لنا مفهومُ الوَحْـدَة الوطنية وقصة التلاحم وَالتضامُن وَالمؤازرة بين أَبْـنَــاء الشعب الواحد بَعيداً عن لغة الإقليمية والشوفينية وَالقبلية وَالأصولية كأُنموذج لشعبٍ نوعي وَمثالي يتميزُ عن باقي الشعوب بالكرم وَالعطاء من تأريخ آبائنا وَأجدادنا إلَـى يومنا هذا.
لدى يجبُ القيامُ بجهود تعملُ على تنمية أَوْ تكريس مفهوم الوَحْـدَة في مواجهة الاحتلال في قلوب طلابنا وَشبابنا، وَهي جهودٌ طيبة، ولكننا في هذه الأَيَّــام بحاجة أَمَسّ إلَـى زيادة الجُهُود في العمل على تنمية حب العطاء من أجل الوطن.
بشكل أكبر في قلوب كُلّ مكونات الأطفال والشباب مع إبراز المجهودات التي حققتها المقاومة ضد الاستعمار الغاشم على مدى التأريخ وحاضراً.
وهذا دورٌ تُكَمِّلُه وسائل الإعلام المرئي وَالمقروء وَالمسموع، حيث تعتبر من بين أهم الأَدَوَات المؤثرة في تنمية الوَحْـدَة من أجل مقاومة الاحتلال ومقاومة الاحتلال الأَسَـاس الرئيس من أجل الحياة والبقاء.