ما وراء الدعم البريطاني لقرار رفع سعر الدولار الجمركي ؟
ما وراء الدعم البريطاني لقرار رفع سعر الدولار الجمركي ؟
الصمود../
تثبت الأحداث والوقائع أن بريطانيا لعبت ولا تزال دوراً محورياً في صناعة معاناة الشعب اليمني من خلال دعم سياسة الحصار والتجويع، وآخرها المساهمة في رفع سعر الدولار الجمركي والذي ستكون له تداعيات وآثار اقتصادية جمة على الوضع المعيشي للمواطنين في كافة المحافظات وبشكل أعمق في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة.
ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي رشيد الحداد: إن مواقف بريطانيا وسفيرها لدى حكومة المرتزقة لم تكن مفاجئة للكثيرين؛ لأن بريطانيا عضو في اللجنة الرباعية الدولية مع أمريكا والإمارات والسعودية وهي من تدير الحرب الاقتصادية منذ العام الأول للعدوان على بلادنا، مشيراً إلى أن الموقف البريطاني المستفز لليمنيين جاء على شكل المباركة، وفي الحقيقة أن بريطانيا هي من اتخذت هذا القرار العدائي للشعب اليمني بشكل عام، ولهذا فَـإنَّ السفير البريطاني لم يتحدث عن صفته الشخصية كالرأي عن القرار العقابي والإجرامي للشعب اليمني من قبل حكومة المرتزِقة برفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 50 %، وإنما تحدث باسم الحكومة البريطانية، وهذا ما يؤكّـد أن هذا القرار كان بريطانيا أمريكيا بامتيَاز، خَاصَّة وأن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ كان خلال الفترة الأخيرة له دور بارز فيما يتعلق بالحرب الاقتصادية.
ويواصل الحداد بقوله: “لو عدنا إلى العام 2016 م لوجدنا أن الأمريكيين كانوا يتصدرون المشهد في الحرب الاقتصادية، وهم من هدّدوا بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وهم من هدّدوا بتعطيل واستهداف العملة الوطنية، ولهذا فهم لا يزالون يقفون وراء الحصار والحرب الاقتصادية التي تمارَس ضد الشعب اليمني منذ أن فرضت دول العدوان حصاراً خانقاً على البلاد جواً وبراً وبحراً ونقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن ومن ثم طباعة أوراق نقدية بدون غطاء لمئات المليارات وانهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، حَيثُ تجاوز سعر الدولار الواحد 1050 ريالاً يمنياً وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية”.
ويشير إلى أن “هذا التدمير الممنهج اقتصاديًّا ما هو إلا ضربٌ من الحرب الاقتصادية الضارية بحق اليمن وشعبه، حَيثُ يعد الحصار الاقتصادي استراتيجيةً أَسَاسيةً في أجندات العدوان للسيطرة على المنافذ البحرية ومنع وصول الاحتياجات وفرض الحظر على أكثر من 400 صنف من المواد الغذائية والسلع ورفع التعرفة للدولار الجمركي إلى 500 ريال يمني، كُـلّ ذلك يتزامن مع استهداف العُملة وطباعة الأوراق النقدية وهو ما يزيد الوضع تأزماً يتحمل تبعاته شعبنا اليمني”.
وعن أهداف الحرب الاقتصادية يؤكّـد الحداد أن هناك هدفين أَسَاسيين، الأول يتمثل في إفراغ ميناء عدن من الحركة الملاحية بشكل كامل؛ كون هذا الميناء يعد أحد أهم الموانئ في العالم، وفق الرؤية الأمريكية والبريطانية والإماراتية التي تتفق حول تعطيل الحركة الملاحية وتعطيل ميناء عدن، وهذا يأتي نتيجة هذه القرارات الكارثية التي أَدَّت إلى عزوف الكثيرين من المستوردين عن ميناء عدن في يوليو من العام 2021م عندما تم رفع سعر الدولار الجمركي من “250 إلى 500″، واتجه الكثير من المستوردين للاستيراد عبر سلطنة عمان عبر ميناء صلاله وأدخلوا عبر هذا الميناء البضائع إلى المحافظات الحرة والمحتلّة عبر البر، موضحًا أنه تبين حينها أن تكلفة النقل أقل من تكلفة الإتاوات وما كان يقدمه التجار لحكومة المرتزِقة من الجبايات غير المشروعة بدءًا ما يتعلق بالدولار الجمركي، ومن ثم الجبايات الأُخرى التي تفرضها المليشياتُ العسكرية التي تمتد على طول الخط الإمدَاد التجاري بين ميناء عدن وحتى المحافظات الحرة هذا جانب.
من جانب آخر ثمة محاولة بعد فشل الأمريكي والبريطاني في إرغام صنعاء للتراجع عن قرار منع تهريب النفط الخام من الموانئ الجنوبية المحتلّة، حَيثُ اتجهوا إلى استخدام الحرب الاقتصادية كوسيلة للضغط على صنعاء، خَاصَّة وأن هذه القرارات لها أضرارٌ كبيرة ومباشرة على أبناء المحافظات الجنوبية المحتلّة التي لا يتجاوز عددهم نسبة 35 %، بينما في المحافظات الحرة يتواجدون بنسبة 65 %.
ووفقاً لذلك فَـإنَّ السوق التجارية والأَسَاسية هي في المحافظات الحرة، ولذلك فهذه محاولة لتصدير معدل التضخم من المحافظات الجنوبية المحتلّة إلى المحافظات الحرة خَاصَّة وأن رفع أسعار السلع والمنتجات وتلك الجبايات يتسبب في عدم توازن ما بين القيمة الشرائية للدولار أَو الريال في المحافظات الحرة، حَيثُ حاول العدوان الأمريكي السعوديّ خلال الفترة الماضية إحداث عدم التوازن بين القيمة الشرائية للعملة وبين القيمة الشرائية للسلع والمنتجات، كما يقول خبراء اقتصاديون.
ضغوط على صنعاء
وتأتي تلك المحاولات في إطار الضغوط الدولية التي تستخدمها دول الاحتلال والعدوان خَاصَّة في الآونة الأخيرة في محاولة منها لإثناء حكومة الإنفاذ الوطني والمجلس السياسي الأعلى للتراجع عن قرار حماية الثروة السيادية.
وكرد عملي من قبل صنعاء على القرار العقابي والإجرامي للشعب اليمني من قبل حكومة المرتزِقة، يؤكّـد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن هناك توجيهات واضحة من القيادة السياسية ممثلة باللواء الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، والقائمين بأعمال اللجنة الاقتصادية العليا، للحكومة بتحمل أية غرامات تأخير نتيجة أي احتجاز محتمل لسفن الحاويات في حال تم تحويل مسار الاستيراد من الموانئ المحتلّة إلى ميناء الحديدة، وذلك كرد عملي على تحميل الشعب اليمني تبعات القرارات الانتهازية الأخيرة، معلناً تأييده لهذا التوجّـه والعرض المغري للتجار وداعياً التجار لسرعة الاستجابة ونقل كافة بضائعهم المستوردة عبر الحديدة.
ولأن هناك فوائدَ كبيرةً للاستيراد عبر ميناء الحديدة ستنعكس بشكل إيجابي على المستهلك وعلى الحركة التجارية -كما يقول الحداد- وَتلك الفوائد تتمثل في سعر الدولار الجمركي في ميناء الحديدة، حَيثُ يبلغ 250 ريالاً، وهذه الدعوة مهمة جِـدًّا وتأتي كرد فعلي على إمعان حكومة المرتزِقة على فرض المزيد من الجبايات غير القانونية، وفي حال الاستجابة من قبل القطاع الخاص ستنخفض تكلفة استيراد السلع والمنتجات التي يتم استيرادها عبر موانئ عدن بنسبة لا تقل عن 30 %؛ بسَببِ انخفاض تكلفة النقل البري للحاويات من 3000 دولار للنقل البري من عدن بطول 1300 كيلو إلى 500 دولار لقطع مسافة 450 كيلو من الحديدة إلى صنعاء، وكذلك انخفاض أجور النقل البحري للحاوية الواحدة بنسبة تزيد عن 200 % في حال تم تحويلُ مسار سفن الحاويات من جيبوتي إلى ميناء الحديدة، منوِّهًا إلى أنه سيتم إنهاء أي ازدواج ضريبي أَو جمركي، وسوف تتوقف الجبايات غير المشروعة وهي ضخمة والتي تفرضها المليشيات على كُـلّ قاطرة قادمة من ميناء عدن في الطرقات الرابطة بين ميناء عدن ومناطق سيطرة صنعاء.
تدميرُ الاقتصاد
وحول الأبعاد السياسية والاقتصادية من موقف بريطانيا الداعم لقرارات حكومة المرتزِقة في رفع سعر الدولار الجمركي، يقول الدكتور يحيى علي السقاف -وكيل وزارة المالية-، وهو كذلك كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي: إن موقف الحكومة البريطانية الداعم لقرارات حكومة المرتزِقة في رفع سعر الدولار الجمركي يأتي ترجمة واضحة وجلية مضمونها أن بريطانيا كانت ولا تزال أحد الأطراف الأَسَاسيين الذين شاركوا في العدوان والحصار على اليمن، وكانت بريطانيا بالذات هي المسؤول الأول عن المِلف الاقتصادي اليمني، ومهندس الحرب الاقتصادية والحصار على اليمن، وهي وفقاً لهذه المهمة الموكلة إليها تسعى لتنفيذ إجراءات وفق أجندات استعمارية هدفها الأول هو السيطرة على ثروات اليمن السيادية ونهبها وتدمير الاقتصاد اليمني وعملته المحلية.
ويواصل قائلاً: “ومما لا شك فيه فَـإنَّ ما يؤيد صحة هذا الحديث ما قامت به بريطانيا خلال العقود السابقة في تزعمها أمام المجتمع الدولي لتنظيم وإدارة مؤتمرات المانحين لدعم اليمن التي أثبتت فشلها وعدم مصداقيتها في وصول أي دعم من دول المانحين لمصلحة اليمن أرضاً وإنساناً وكانت نهاية كُـلّ مؤتمرات المانحين التي تم عقدها هي الفشل ونهب ومصادرة أية مبالغ لمصلحة بريطانيا تحت مسمى مساعدات وهمية عبر المنظمات التي كانت تديرها وتسيطر عليها بريطانيا”.
وحول تصريحات السفير البريطاني الداعمة لقرارات حكومة المرتزِقة في رفع سعر الدولار الجمركي، يؤكّـد السقاف أن ذلك يتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية تريد بريطانيا فرضها في المرحلة القادمة وهدفها الرئيس هو إعادة الاستعمار البريطاني إلى عدن والسيطرة على مينائها وثرواتها الاقتصادية، موضحًا أن الأبعاد السياسية لموقف بريطانيا من هذه التصريحات تكمن في التخفيف على حكومة المرتزِقة ودعمها سياسيًّا أمام المجتمع الدولي لإضفاء شرعية لها في قانونية اتِّخاذ مثل تلك القرارات الفاشلة أمام الرأي العام الدولي والإقليمي الساخط على ما تقوم به حكومة العملاء من سياسات مالية ونقدية أَدَّت إلى انهيار الاقتصاد الوطني وانخفاض قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية إلى مستويات كبيرة جِـدًّا، موضحًا أنه بالمقارنةِ بالاستقرار النقدي في حكومة المجلس السياسي الأعلى، وما جاء به تقرير مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة الذي وصف إجراءات حكومة المرتزِقة بالفاشلة وأنها تسببت بانهيار كبير للاقتصاد اليمني وعملته المحلية، مما تسبب بمعاناة إنسانية كبيرة للشعب اليمني وعدم قدرة المواطن اليمني لشراء احتياجاته الضرورية من الغذاء، وأن تلك الإجراءات التي قامت بها في رفع التعرفة الجمركية والضرائب والمحروقات وأجور النقل كانت سبباً في فقد الريال اليمني أكثر من 22 % من قيمته الشرائية خلال العام 2022م، وهذا بلا شك ما دفع دولة بريطانيا لأن تقوم عبرَ سفيرها بالتصريح الذي يدعم ويؤيد مجمل تلك القرارات الفاشلة وغير المسؤولة التي تقوم بها حكومة العملاء والمرتزِقة.
ويزيد بقوله: “يأتي أَيْـضاً لهذا الموقف بُعدٌ سياسي آخر يتمثل في قطع الطريق أمام أي تفاوض محتمل في الملف الاقتصادي والإنساني، وبالتالي وضع العقبات والعراقيل بغرض عدم التوصل لأية حلول في هذا الخصوص، وبالتالي زيادة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني وفرض المزيد من القيود واستمرار العدوان والحصار الاقتصادي على الشعب اليمني”.
وأما الأبعادُ الاقتصادية التي تسعى من خلالها بريطانيا في موقفها الداعم لقرارات حكومة المرتزِقة في رفع سعر الدولار الجمركي يقول السقاف: إنه وكما يعلم الجميع ما تمر به بريطانيا من أزمة اقتصادية وانهيار اقتصادي وشيك نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا وآثارها الاقتصادية على دول أُورُوبا ولذلك تهدف بريطانيا من خلال موقفها الداعم لقرارات حكومة المرتزِقة الاستفادة والسيطرة من الثروات الاقتصادية السيادية من النفط والغاز في اليمن والسيطرة على تلك الثروات في حضرموت وشبوة ومأرب التي لديها مخزونٌ كبير من النفط والغاز وكذلك الاستفادة التي سوف تحصل عليها مستقبلاً من خلال العودة إلى تحريك مِلف المانحين؛ بحجّـة دعم اليمن اقتصاديًّا هذا من جهة، ومن جهة أُخرى لبريطانيا أبعاد اقتصادية أُخرى منها محاولاتها الفاشلة في فرض المزيد من ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة الفجوة التضخمية ووصول آثارها الكارثية إلى المناطق الحرة الواقعة تحت حكم المجلس السياسي الأعلى وذلك؛ بهَدفِ زيادة المعاناة الإنسانية والتأثير على تماسك الجبهة الداخلية وهذا هو المستحيل؛ كون الشعب أصبح واعياً لمؤامرات العدوان.
ويشير الدكتور السقاف إلى أن المتتبع لخطوات بريطانيا الاستعمارية على المدى القصير والبعيد وعلى مستوى البُعد الاستراتيجي التدميري وعلى الأهداف والأطماع التي تريد تحقيقها في نهب الثروات والركائز الاقتصادية للدول النامية يتضحُ له بما لا يدعُ مجالاً للشك أن بريطانيا تسعى لتنفيذ مخطّطاتها التآمرية، فمن ناحية تحتلُّ وتنهبُ ثرواتِ الدول وتسيطر عليها وتخلق الأزماتِ السياسية والاقتصادية والإنسانية عبر أدواتها من عملائها وأذنابها في المنطقة، ومن ناحية أُخرى تدّعي الإنسانية وتقديم يدِ العون والمساعدة لتلك الدول عبر عقد مؤتمرات المانحين الوهمية وإرسال المساعدات الوهمية الكاذبة والمخادعة والمنتهية الصلاحية بواسطة منظماتها غير الإنسانية وتدّعي أنها راعية للأمن والإنسانية والسلام العالمي وهي بالأَسَاس من يستغلُّ إمْكَانياتِ وخيراتِ هذه الدول وتعيشُ وتنهضُ على استغلال ثرواتها الاقتصادية وتسعى لتدمير وتجويع الشعوب وشغلهم بالمنازعات والصراعات والحروب.
*المسيرة | عباس القاعدي