صمود وانتصار

آخر مستجدات المفاوضات الجارية بين صنعاء ودول التحالف في العاصمة العمانية مسقط

آخر مستجدات المفاوضات الجارية بين صنعاء ودول التحالف في العاصمة العمانية مسقط

الصمود../

ترجمت اللقاءات التي أجراها الوفد الوطني مع المبعوث الأممي وكبير مستشاري الخارجية الإيرانية في العاصمة العمانية مسقط خلال الأيام الماضية استمرار الحراك الدبلوماسي؛ من أجل التوصل إلى حلول دائمة في الملف اليمني، لكن الوقائع على الميدان لا زالت تؤكـد تردد تحالف العدوان ورعاته، ومماطلتهم في الاستجابة لمطالب الشعب اليمني، الأمر الذي يعزز المؤشرات السلبية الثابتة منذ مدة والتي ترجح عدم توفر الجدية المطلوبة لدى الأعداء.

تعاطٍ إيجابي مستمر من الجانب الوطني

لم تعد اللقاءات التي يعقدها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، مع الأطراف تمثل مؤشراتٍ إيجابية معتبرة على أي شيء، في ظل ثبوت التواطؤ العملي للأمم المتحدة مع تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، وخصوصاً في الفترة الأخيرة التي برزت فيها المنظمة الدولية كأداة من أدوات الحصار الإجرامي على اليمن، إلى الحد الذي باتت تتصرف مع السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة بتعنت أشدَّ من تعنت بعض أطراف العدوان نفسها، بحسب تعبير نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي.

لكن يمكن القول إن ما شهدته العاصمة العمانية مسقط خلال الأيام الماضية من لقاءات متنوعة، تضمنت لقاءات بالمبعوث الأممي، يشير بوضوح إلى استمرار الحراك الدبلوماسي وجهود الوساطة التي تقودها سلطنة عمان؛ من أجل الدفع نحو معالجات ثابتة للملف الإنساني، والتمهيد للسلام الشامل، وهو ما يعني بدوره أن صنعاء تواصل التعاطي بإيجابية مع جهود السلام وتحركات الوسطاء، وحتى مع الأمم المتحدة التي ثبت أنها عاجزة عن ممارسة دور الوساطة الحقيقية.

ويرى مراقبون أن استمرار هذا الحراك، واستمرار التعاطي الإيجابي من جانب صنعاء برغم مماطلة العدو، يؤكـد على أن “دول العدوان قد أدركت أن المنطقة لم تعد تحتمل أية حرب وأن أي تصعيد ستكون له هزات ارتدادية لا قبل لدول العدوان بها” بحسب تعبير المحلل السياسي علي المحطوري، الذي أوضح أن “الحراك الدبلوماسي النشط” الذي تشهده مسقط “قد ينتهي باتفاق سلام”.

وكانت صنعاء قد أشارت سابقاً، إلى أن بعض أطراف العدوان قد أدركت فشلها الحتمي في اليمن، ولعل هذا هو المؤشر الإيجابي الثابت الوحيد الذي تحاول صنعاء والوسطاء البناء عليه؛ من أجل التوصل إلى حلول دائمة تنهي معاناة الشعب اليمني وتفتح الطريق أمام اتفاق شامل.

مع ذلك، لا يبدو أن إيجابية إدراك حقيقة عدم جدوى الاستمرار بالعدوان تكفي لصناعة الحل؛ لأن ذلك يحتاج إلى إيجابية في التعاطي مع الاستحقاقات والمطالب التي لا يمكن أن تأتي الحلول إلا من خلالها، وهذا النوع من الإيجابية، لا يزال يقتصر عملياً على موقف صنعاء والوساطة العُمانية، فيما يبدو تحالف العدوان غير مستعد لترجمة إدراكه لحقيقة فشله إلى مخرج عملي من الحرب.

مماطلة مستمرة من جانب العدو

حتى الآن وبرغم استمرار الحراك الدبلوماسي واستمرار التعاطي الإيجابي من جانب صنعاء، لا زالت المؤشرات التي تترجم موقف تحالف العدوان كلها سلبية، وكلها تؤكـد على عدم وجود استعداد حقيقي لدى دول العدوان لبدء التحرك عملياً نحو السلام الحقيقي.

وفي هذا السياق يرى محافظ محافظة عدن في حكومة الإنقاذ الوطني، طارق سلام، أن “تحالف العدوان يتلاعب بعامل الوقت للالتفاف على عملية السلام، ويراهن على توظيف الملف الإنساني والمتمثل بحقوق اليمنيين العادلة برفع الحصار وتسليم رواتب الموظفين وإطلاق الأسرى”.

ويضيف سلام أن العدو يؤمل من خلال المماطلة “تحقيق اختراق واهم للجبهة الداخلية، ليضيع فرصة ثمينة لتحقيق السلام هو الأكثر احتياج لها للخروج من اليمن بأقل الخسائر”.

ويتابع أن على النظام السعودي “عدم اضاعة الفرصة لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يخدم أمن واستقرار المنطقة، والابتعاد عن الأساليب الابتزازية والمساومة بحقوق الشعب اليمني عند وضع البلاد في دائرة اللا حرب واللا سلم”.

هذه القراءة لموقف تحالف العدوان تعززها الكثير من الدلائل العملية على الأرض، ومنها الجرائم المباشرة المستمرة التي تشهدها المناطق الحدودية في محافظة صعدة، حيث لا يكاد يمر يوم واحد بدون سقوط شهداء وجرحى من المواطنين، بالإضافة إلى المماطلة الواضحة في رفع القيود الإجرامية المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، والمماطلة في تسوية ملف المرتبات، إذ يعبر هذا السلوك عن إصرار واضح على مواصلة استخدام الحقوق المشروعة لليمنيين كأوراق تفاوض ومحاولة مقايضتها بمكاسب سياسية وعسكرية.

إضافة إلى المؤشرات العملية، فإن مواقف الرعاة الدوليين لتحالف العدوان تؤكد بشكل واضح إصرارهم على إفشال الجهود المبذولة، ودفع دول العدوان إلى تفويت فرصة السلام والعودة إلى التصعيد، وهو اختبار لا يبدو أن السعودية تملك الجدية لاجتيازه، بل يبدو أنها تحاول “احتواءه” من خلال المماطلة وإضاعة الوقت لإرضاء رعاتها وخداع صنعاء في نفس الوقت.

وبالمحصلة، فإن السلبية المستمرة من جانب تحالف العدوان ورعاته تمثل عائقاً أمام إيجابية جهود صنعاء والوسطاء، وبغض النظر عن تفاؤل بعض المراقبين باقتراب إحراز تقدم في المفاوضات، فإن المعيار لا يزال وسيبقى هو واقع الميدان، ولن تستطيع دول تحالف العدوان أن تثبت جديتها أو مصداقيتها أو حتى إدراكها لحقيقة عدم جدوى استمرار الحرب، إلا بخطوات عملية واضحة وثابتة أولها معالجة الملف الإنساني بشكل كامل، وطالما استمرت المماطلة في هذا، فإن أي حديث عن السلام سيظل غير كاف.

(المسيرة)